لماذا كانت نابولي عاصمة التضامن الأوروبي مع فلسطين؟.. ولهذه الأسباب تحمّس الإيطاليون لدعم غزة

عربي بوست
تم النشر: 2025/10/24 الساعة 12:36 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/10/24 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تظاهرة ضمت آلاف الأشخاص في مدينة أوديني شمال شرقي إيطاليا تنديداً بالإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة/الأناضول

برزت إيطاليا بوصفها إحدى أهم الدول الأوروبية التي احتضنت دعماً شعبياً كبيراً لفلسطين ومناهضاً للحرب الإسرائيلية على غزة، وهو الدعم الذي لم تلحق به حكومة رئيسة الوزراء اليمينية، جورجيا ميلوني، التي حافظت على علاقاتها مع تل أبيب منذ بدء الإبادة الجماعية في القطاع الفلسطيني في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وكان الدعم الشعبي لفلسطين وغزة حاضراً في العديد من المدن الإيطالية، ومن بينها تورينو وفلورنسا وبولونيا وروما وميلانو، بشكل عام، وفي مدينة نابولي بشكل خاص.

يأتي ذلك بينما كان الموقف الإيطالي الرسمي مغايراً للموقف الشعبي الداعم لفلسطين، الذي عبّرت عنه العديد من استطلاعات الرأي التي أظهرت أن دعم الإيطاليين لإسرائيل قد وصل إلى أدنى مستوياته في الآونة الأخيرة.

من يُسّلح إسرائيل
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

ولم يكن الدعم الإيطالي الشعبي لغزة منعزلاً عن نظيره الأوروبي وسط حرب الإبادة الجماعية في غزة، بل عانت إسرائيل عزلة دولية كبيرة حوّلتها إلى دولة "منبوذة" فقدت كثيراً من الدعم الغربي الذي كانت تحظى به قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

في هذا التقرير نستعرض أبرز مظاهر الدعم الشعبي الإيطالي ولماذا كان هذا الدعم حاضراً بشكل خاص في مدينة نابولي، فضلاً عن استعراض الموقف الرسمي لحكومة ميلوني تجاه الحرب في غزة.

 لماذا دعم الإيطاليون الفلسطينيون؟

كان الدعم الشعبي الإيطالي الكبير للفلسطينيين مدفوعاً بعدة أسباب، من أبرزها دعم الشباب الأصغر سناً، الذي يتمتع بمتوسط مستوى تعليمي أعلى من الأجيال السابقة، ولديه معرفة مباشرة بما يحدث حول العالم، وفق تقرير لمجلة جاكوبن الأمريكية.

ولأول مرة في تاريخ إيطاليا، يضم الجيل الأصغر سناً شريحةً كبيرةً من الجيل الثاني من الإيطاليين، ذوي الأصول المهاجرة المرتبطين بالجنوب العالمي من خلال العائلة والهوية والسيرة الذاتية، بحسب مجلة جاكوبن.

وأضافت المجلة: "يُعدّ أخذ هذا في الاعتبار أمراً بالغ الأهمية إذا أردنا فهم كيف أصبحت مناهضة الاستعمار محوريةً بشكل متزايد في رؤية هذا الجيل للعالم، إلى جانب التراجع الأوسع في مصداقية الخطاب الغربي".

ولا يقتصر الأمر على الجيل الحالي من الشباب، حيث دعمت أعداد كبيرة من الإيطاليين، ممن ينتمون إلى الأجيال الأكبر سناً، الفلسطينيين.

وحتى نهاية القرن العشرين، كان التضامن مع الشعب الفلسطيني، والاعتراف بالظلم التاريخي الذي عانى منه، والروابط الملموسة مع هذا الواقع، إرثاً مشتركاً على نطاق واسع في السياسة والمجتمع الإيطاليين.

وارتبطت أيضاً موجة الدعم الشعبية الإيطالية لفلسطين بالإحباط الشديد لدى قطاعات كبيرة من المواطنين تجاه تقاعس حكومة ميلوني، التي اكتفت بكلمات غامضة عن الأمل في السلام وبعض التدخلات الإنسانية المحدودة.

ومنذ أن شنّ جيش الاحتلال الإسرائيلي الحرب على غزة، كشفت استطلاعات رأي أجرتها مؤسسات غربية بارزة عن ارتفاع وجهات النظر الداعمة لفلسطين في عدد من الدول الأوروبية، ومن بينها إيطاليا، مقابل انخفاض التأييد الدولي لإسرائيل التي تواجه اتهامات في المحاكم الدولية بارتكاب إبادة جماعية في القطاع المحاصر.

وكان للارتفاع الكبير في أعداد الضحايا المدنيين في غزة جراء القصف الإسرائيلي المتواصل، والذي خلّف حوالي 238 ألفاً ما بين قتيل وجريح فلسطيني، دور بارز في تصاعد مشاعر الكراهية ضد تل أبيب وحربها على القطاع.

وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي أن 57% من الإيطاليين يرون أن الهجمات الإسرائيلية على غزة في السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 لم تكن مبررة.

ما هي أبرز مظاهر الدعم الشعبي الإيطالي لغزة؟

1- تهديدات عمالية بإغلاق الموانئ إذا اعترضت إسرائيل "أسطول الصمود"

  • أعلنت مجموعات مدنية تضم عمال موانئ في إيطاليا في سبتمبر/أيلول الماضي، أنها ستغلق بعض الموانئ في حال تدخلت إسرائيل واستولت على القوارب التابعة لأسطول "الصمود العالمي" لكسر الحصار على قطاع غزة.
  • ووفق ما نقلته وكالة الأنباء الإيطالية "ANSA"، قال عمال ميناء جنوى الداعمين لأسطول "الصمود العالمي"، في بيان، إنهم لن يسمحوا بخروج "ولو مسمار واحد" من هذا الميناء إذا ما تم إيقاف الأسطول.
  • وجاء بيان العمال رداً على تصريحات لوزير الأمن القومي الإسرائيلي اليميني المتطرف إيتمار بن غفير قال فيها إن "القوارب في الأسطول ستتم مصادرتها، وإن الأشخاص الموجودين على متنها سيُعتقلون وسيُعاملون كمشتبه بهم بالإرهاب".

2- انطلاق سفن من إيطاليا للانضمام إلى "أسطول الصمود"

  • وفي أغسطس/آب الماضي، انطلقت من ميناء جنوة شمال غربي إيطاليا عدد من المراكب المحملة بالمساعدات الإنسانية، للانضمام إلى "أسطول الصمود العالمي".
  • وبحسب وسائل إعلام ايطالية، أبحرت عدة مراكب من جنوة محملة بنحو 300 طن من المساعدات الغذائية والدوائية جُمعت من مختلف أنحاء إيطاليا خلال خمسة أيام فقط.
  • وقالت الناطقة باسم الحركة في إيطاليا ماريا إيلينا ديليا، لصحيفة كوريري ديلا سيرا: "هدفنا واضح ومحدد، نريد إيصال أكثر من 300 طن من المساعدات الإنسانية، بينها الغذاء والدواء، إلى غزة."

3- إضراب عام شمل قرابة نصف مليون إيطالي دعماً لغزة

  • وفي 22 سبتمبر/أيلول الماضي، هزّ البلاد إضراب عام استمر 24 ساعة، وشارك فيه نحو نصف مليون شخص في أكثر من 80 مدينة، بحسب مجلة ذا نيشن الأمريكية، تاركين أعمالهم ومدارسهم وجامعاتهم، تحت شعار واحد: "Blocchiamo tutto" ("لنوقف كل شيء")، رفضاً لتواطؤ إيطاليا في الحرب.
  • وأغلق المحتجون الطرق السريعة في تورينو وفلورنسا وبولونيا وروما، واجتاحوا سكك القطارات في تورينو ونابولي وميلانو، فيما توقّفت خطوط المترو في بريشيا وميلانو. كما شُلّت حركة الموانئ الكبرى في جنوة وترييستي والبندقية وليفورنو وساليرنو. 
  • وكان لعمال الموانئ دور محوري، ليس فقط بدعمهم لأسطول "الصمود العالمي" المتجه إلى غزة، بل لأنهم الأقدر على تعطيل سلاسل الإنتاج وإعاقة تدفّق الأسلحة والتقنيات العسكرية من الموانئ الأوروبية إلى إسرائيل، بحسب مجلة ذا نيشن.
تظاهرة ضمت آلاف الأشخاص في مدينة أوديني شمال شرقي إيطاليا تنديداً بالإبادة الجماعية الإسرائيلية بغزة/الأناضول

4- إقليم إيطالي يقاطع إسرائيل احتجاجاً على "الإبادة الجماعية" في غزة

  • وفي مايو/أيار 2025، أعلن حاكم إقليم أبوليا في جنوب إيطاليا، ميكيلي إميليانو، قطع جميع العلاقات المؤسسية مع الحكومة الإسرائيلية، احتجاجاً على ما وصفه بـ "الإبادة الجماعية التي يتعرض لها الفلسطينيون العزل في قطاع غزة".
  • وأصدر إميليانو تعليمات رسمية إلى جميع المديرين والموظفين في المؤسسات والشركات المرتبطة بالإقليم بوقف أي نوع من العلاقات مع ممثلي الحكومة الإسرائيلية، باستثناء الجهات التي تعمل علناً على "وقف المجازر في غزة". 
  • وأوضح أن هذا القرار لا يستهدف الشعب الإسرائيلي، بل الحكومة بقيادة بنيامين نتنياهو، الذي صدرت بحقه مذكرة توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.

5- دعم واسع للاعتراف بدولة فلسطين

  • وعلى مدار عامين، أظهرت استطلاعات الرأي قوة الدعم الإيطالي الشعبي لفلسطين. ففي أكتوبر/تشرين الأول 2024، وجد المعهد الإيطالي للدراسات السياسية الدولية أن 35% من الإيطاليين الذين شملهم الاستطلاع يعتبرون حكومة نتنياهو مسؤولة عن الصراع. 
  • وأظهر استطلاع رأي أجرته مؤسسة يوجوف في يونيو/حزيران 2024 انخفاضاً ملحوظاً في دعم الإيطاليين لإسرائيل، حيث رأى 6% فقط من المشاركين أن هجمات إسرائيل على غزة مبررة.
  • وفي استطلاع نشرت نتائجه في سبتمبر/أيلول الماضي، قال ما يقرب من تسعة من كل عشرة إيطاليين إن على بلادهم أن تعترف بدولة فلسطينية، وهو ما لا تزال ميلوني ترفضه، حيث زعمت في أواخر سبتمبر/أيلول أن ذلك "سيكون خطوة محفوفة بالمخاطر".

لماذا كانت نابولي معقلاً للنشاط المؤيد للفلسطينيين في أوروبا؟

ولم يكن الدعم الإيطالي الشعبي لغزة ولفلسطين لافتاً كما كان في مدينة نابولي في جنوب البلاد.

فخلال المباراة النهائية لبطولة الدوري الإيطالي في شهر مايو/أيار الماضي، استعرض مشجعو نادي نابولي أعلام فريقهم الزرقاء الفاتحة إلى جانب الأعلام الفلسطينية والكوفيات أثناء مسيرتهم عبر الأزقة الضيقة في المدينة الساحلية.

وقال تقرير لمجلة فورين بوليسي الأمريكية إن سكان نابولي كانوا من بين أكثر حلفاء الفلسطينيين تعبيراً عن آرائهم في القارة الأوروبية.

وقالت ميساء الحسن، طبيبة أسنان فلسطينية انتقلت إلى نابولي للدراسة الجامعية أواخر ثمانينيات القرن الماضي: "نابولي وفلسطين متلازمتان. روح المدينة المتمردة تشبه إلى حد كبير الروح الفلسطينية. هنا، لطالما وجدنا التعاطف والتضامن، لأننا نتشارك حباً مشتركاً لأرضنا، ونشعر دائماً بالحاجة إلى حمايتها وتحريرها من الظالمين".

ووفقاً لما نقلته فورين بوليسي عن كلوديا فوزية، الخبيرة الصقلية في شؤون جنوب إيطاليا، فإن هذا الارتباط متجذر في شعور سكان نابولي بأنهم، مثل الفلسطينيين، كانوا ضحايا تاريخياً للقمع. وأضافت فوزية أن الجنوب الإيطالي لطالما وُصف بأنه "متخلف… لا فائدة منه إلا كمورد للعمالة الرخيصة وسوق استهلاكية أسيرة".

وقالت صوفيا باتشيني، عالمة الاجتماع في جامعة نابولي، التي تركز أبحاثها على هجرة الطلاب الفلسطينيين إلى إيطاليا، إن العديد من العمال في جنوب إيطاليا بدأوا يتعاطفون مع نضال الفلسطينيين، وخاصة بعد حرب الأيام الستة عام 1967.

ومن بين أشكال الدعم الذي حظيت به فلسطين في نابولي:

  • في سبتمبر/أيلول 2024، أصبح فينسينزو دي لوكا، رئيس كامبانيا – المنطقة الإيطالية الجنوبية التي تتخذ من نابولي عاصمة لها – أول مسؤول إيطالي منتخب يصف حرب إسرائيل على غزة بـ"الإبادة الجماعية". 
  • وفي مايو/أيار الماضي، وافق مجلس مدينة نابولي على اقتراح بالاعتراف رسمياً بدولة فلسطينية، قبل وقت طويل من بدء الحكومة الوطنية النظر في ذلك.
  • ومنذ ما يقرب من عامين، تُعرض ألوان العلم الفلسطيني في الصفوف الأمامية للعديد من الفعاليات العامة في نابولي، من مباريات كرة القدم إلى الحفلات الموسيقية والتجمعات المجتمعية. 
  • وتحمل المطاعم والمكتبات في الأزقة القديمة بوسط المدينة ملصقات بطيخ على واجهاتها، في إشارة إلى العلم الفلسطيني في أكثر أحياء المدينة ازدحاماً.

ما هو موقف حكومة ميلوني من الحرب الإسرائيلية على غزة؟

وعلى النقيض من الموقف الشعبي، تبنّت حكومة ميلوني اليمينية موقفاً مغايراً، سعت من خلاله رئيسة الوزراء الإيطالية إلى الحفاظ على التوازن الدقيق بين كونها من أقوى حلفاء إسرائيل في الاتحاد الأوروبي وصديقة للدول العربية، بحسب تقرير لصحيفة الغارديان البريطانية.

وتُعدّ إيطاليا ثالث أكبر مُصدّر للأسلحة إلى إسرائيل، وساهمت بنحو 0.9% من واردات إسرائيل بين عامي 2019 و2023، وفقاً لمعهد ستوكهولم لأبحاث السلام. وقد شملت هذه الواردات، بحسب التقارير، طائرات هليكوبتر ومدفعية بحرية. كما أنها شريكة في برنامج مقاتلات إف-35، وتساعد في تصنيع أجزاء منها.

وهاجمت ميلوني الإضراب العام الذي شهدته البلاد دعماً لأسطول الصمود العالمي في الثالث من أكتوبر/تشرين الأول الماضي، متهمةً الإيطاليين بالقيام بـ"عطلة نهاية أسبوع طويلة متخفية في صورة ثورة"، زاعمةً أن الحدث مُدبَّر سياسياً ولم يُقدّم أي فائدة حقيقية لغزة.

رئيسة وزراء إيطاليا، جورجيا ميلوني/ رويترز

ونقلت الغارديان عن جيانفرانكو فرانشيسي، رئيس فرع نقابة العمال الإيطالية في مدينة ليفورنو، قوله إن "حكومة ميلوني لا يمكنها النجاة إلا بوجود كبش فداء". وأضاف: "هناك تناقض كبير بين ما تقوله ميلوني وما تفعله. إنها تتحدث عن كونها وطنية عظيمة، ومسيحية، وأماً، لكنها لم تتخذ أي إجراء سياسي أو دبلوماسي لوقف مذبحة النساء والأطفال".

ولكن على الرغم من المشاعر العامة القوية التي تعكسها موجة الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين، فإن حزب ميلوني "إخوان إيطاليا" لا يزال يتصدر استطلاعات الرأي، بنحو 30%، كما أنها ترأست حكومة إيطالية مستقرة بشكل غير معهود منذ توليها السلطة في أكتوبر/تشرين الأول 2022، وفق تقارير.

وقال لورينزو بريغلياسكو، أحد مؤسسي شركة يوتريند للتحليل السياسي، لصحيفة الغارديان: "من ناحية، كانت هناك غالبية من الرأي العام تتضامن مع غزة وتطالب بإنهاء الحرب. لكن لا أحد يرى آثار ذلك على التصويت".

وخلال انتخابات عُقدت أوائل الشهر الجاري في منطقة ماركي، فاز ائتلاف ميلوني بولاية ثانية.

تحميل المزيد