بعدما قوبل نبأ اختياره لرئاسة الهيئة الانتقالية الدولية أو مجلس السلام، المُرشحة لإدارة الحكم في غزة بعد نهاية الحرب الإسرائيلية، حسبما نصت عليه خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، بردود فعل غاضبة إقليمياً ودولياً، كشفت مصادر أن مصر تدعم تولي رئيس الوزراء البريطاني السابق، توني بلير، مهمة الإشراف على غزة بصفته "المفوض السامي المعاصر".
ونقل موقع ميدل إيست آي البريطاني عن مصدر في الرئاسة المصرية أن القاهرة "من غير المرجح إلى حد كبير أن تعترض على تولي بلير قيادة المجلس الإداري المقترح لقطاع غزة".
وورد اسم بلير بقوة في الأسابيع الماضية على الساحة الفلسطينية، خاصةً بعد ما زار البيت الأبيض للقاء ترامب. وقال "معهد توني بلير" (TBI) إنه "أجرى عدداً من الاتصالات مع مجموعات مختلفة بشأن إعادة إعمار غزة بعد الحرب".

وكان بلير أيضاً أحد الحضور في قمة السلام التي عُقدت في مدينة شرم الشيخ المصرية، وجُرى خلالها التوقيع على اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بحضور الرئيس ترامب وقادة العديد من الدول العربية والإسلامية.
ومنذ أن غادر منصبه في عام 2007، قدم الرجل البالغ من العمر 72 عاماً استشارات لمجموعة من الحكومات، من بينها حكومات عربية.
لماذا تدعم مصر ترشيح توني بلير لإدارة غزة؟
وفقاً لمصدر الرئاسة المصرية، فإن حكومة السيسي "ستدعم بلير بكل إخلاص، فهو معارض شرس للإسلام السياسي، بما في ذلك حماس، ولطالما دعا إلى إقصاء الإسلاميين عن الحياة السياسية".
وقال محلل سياسي مقيم في القاهرة لموقع ميدل إيست آي: "بالنسبة للسيسي، فإن بلير ليس مجرد حليف بل مرآة؛ فكلاهما يرى الإسلام السياسي باعتباره جذر عدم الاستقرار".
وأضاف: "أن تحالفهم يوفر الشرعية الغربية للحكم الاستبدادي تحت راية مكافحة التطرف".
وقال مستشار رئاسي مصري لموقع ميدل إيست آي إن "عودة بلير إلى ملف غزة ليست مصادفة، لأنه يتصرف مثل المفوض السامي البريطاني المعاصر"، وشبهه بهربرت صموئيل، الصهيوني المثير للجدل الذي حكم فلسطين الانتدابية من عام 1920 إلى عام 1925.
وقال المستشار إنه "من المتوقع أن يلعب بلير دوراً رئيسياً في إدارة غزة"، مشيراً إلى أن الاجتماع الأخير بين بلير ونائب رئيس منظمة التحرير الفلسطينية حسين الشيخ "يحمل أهمية سياسية عميقة، تتجاوز بكثير المشاركة الدبلوماسية العادية".

وأعرب الشيخ عقب اللقاء عن استعداده للعمل مع ترامب وبلير وشركاء آخرين لم يُسمّهم.
وأشار المستشار الرئاسي المصري إلى أن الإدارة الجديدة في غزة، والتي يُطلق عليها اسم السلطة الانتقالية الدولية في غزة (جيتا)، من المتوقع أن يكون مقرها في مدينة العريش المصرية في شبه جزيرة سيناء.
وأضاف أن "هذا من شأنه ضمان التنسيق اللوجستي والأمني بين غزة ومصر، نظراً لموقعها الحدودي، ما يمهد الطريق لمرحلة إعادة الإعمار".
وقال المستشار إن القاهرة تُعد خطة خمسية لإعمار غزة، مشيراً إلى أن ذلك يعكس رغبة مصر في قيادة إعادة الإعمار وتعزيز نفوذها في المستقبل السياسي للقطاع.
وفي يوليو/تموز 2025، ذكرت صحيفة فاينانشال تايمز أن "معهد توني بلير" شارك في مناقشات لتحويل غزة إلى ما وُصف بـ"ريفييرا"، بالتعاون مع مجموعة "بوسطن الاستشارية" (BCG)، إحدى أكبر شركات الاستشارات العالمية.
ما هي أشكال التعاون بين بلير وحكومة السيسي؟
لا يقتصر التعاون بين توني بلير والنظام المصري الحالي بقيادة الرئيس عبد الفتاح السيسي على ما يجري في غزة حالياً، حيث أشارت تقارير سابقة إلى أن بلير قدم المشورة للسيسي في عام 2014 عقب الإطاحة بالرئيس السابق محمد مرسي.
وأفادت صحيفة الغارديان البريطانية في يوليو/تموز 2014 أن رئيس الوزراء البريطاني السابق وافق على تقديم استشارات للسيسي كجزء من برنامج مُمَوّل من الإمارات، وهو ما قوبل بانتقادات واسعة آنذاك.
ونقل ميدل إيست آي عن مصدر الرئاسة المصرية قوله: "في عام 2014، عندما كان بلير يقدم خدمات استشارية للإمارات – التي تمول أيضاً معهده الخاص – أرسلته أبو ظبي إلى القاهرة للعمل كمستشار للسيسي بعد وقت قصير من توليه السلطة".
وأضاف المصدر: "مولت الإمارات عمل بلير وفريقه في مصر، وقدم بلير بالفعل العديد من الاستشارات للسيسي، بما في ذلك المشورة السياسية والاقتصادية، فضلاً عن استراتيجيات لتحسين صورة الحكومة بعد إطاحة السيسي بمحمد مرسي".

ونفى متحدث باسم "معهد توني بلير" في تصريح لموقع ميدل إيست آي أن يكون قد تلقى أموالاً من الإمارات "أو أي شخص آخر" ليكون مستشاراً للسيسي، "رغم أنه التقى به بشكل متكرر على مر السنين".
وقال موقع ميدل إيست آي إن علاقة بلير بالحكومة المصرية تمحورت حول الأولويات المتبادلة: مكافحة الإسلام السياسي، والوصول إلى التمويل الخليجي، وتعزيز الاستقرار الإقليمي.
وأضاف المصدر أن "بلير قدم المشورة بشكل رئيسي بشأن كيفية التعامل مع جماعة الإخوان المسلمين وقوى المعارضة وتأثير وسائل الإعلام من أجل استقرار حكومة السيسي".
وتابع: "كما قدم بلير استشارات اقتصادية، مقترحاً أن يلجأ السيسي إلى جهات إقراض دولية مثل صندوق النقد الدولي والاتحاد الأوروبي، وينسق معهم لتسهيل القروض".
وقال المصدر إن دور بلير كان رسمياً، ولكنه لم يُعلَن عنه.
وفي البداية، كان بلير مستشاراً مستقلاً يتقاضى أجره من الإمارات. أما الآن، فهو يقدم استشارات للحكومة المصرية عبر مؤسسته، ويتقاضى أتعابه من مصر، وفقاً للمصدر.
يُذكر أن علاقة بلير بدعم الحكومات المصرية تمتد إلى ما هو أبعد من علاقته بحكومة السيسي، حيث أشار تقرير لموقع دي كلاسيفايد البريطاني إلى الدور الذي لعبه رئيس الوزراء البريطاني السابق في تعزيز علاقات المملكة المتحدة مع "النظام الديكتاتوري" المصري في عهد الرئيس السابق حسني مبارك.
ماذا تقول خطة ترامب بشأن الهيئة الانتقالية الدولية؟
يقول المقترح: "ستحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين"، وستُشرف على اللجنة هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمى "مجلس السلام"، وسيرأسها ترامب، وستضم رؤساء دول وأعضاء آخرين، بمن فيهم بلير.
وستتولى اللجنة مسؤولية الإدارة اليومية للخدمات العامة والشؤون البلدية في غزة، وستتألف من "فلسطينيين مؤهلين وخبراء دوليين" لم يتم تحديدهم. ولن يكون لحركة "حماس" أي دور في حكم غزة.
وسيتم تخصيص ميزانية للهيئة الانتقالية الدولية تقارب 400 مليون دولار، مقسمة على ثلاث سنوات، على أن تكون ميزانية السنة الأولى 90 مليون دولار، و134 مليون دولار في السنة الثانية، و164 مليون دولار في السنة الثالثة (وهذه نفقات إدارية فقط، ولا تشمل إعادة الإعمار أو المساعدات)، وفقاً للوثيقة التي نشرتها صحيفة هآرتس العبرية.

ما هي أبرز ردود الفعل على إشراف بلير على الهيئة الانتقالية الدولية؟
قوبل ترشيح بلير لرئاسة اللجنة المشرفة على إدارة الحكم في غزة بانتقادات واسعة، بسبب تاريخ الإمبريالية البريطانية في المنطقة، وخاصةً مشاركة بلير في غزو العراق، الذي استند إلى مزاعم بأن العراق يمتلك أسلحة دمار شامل، وثبت زيفها فيما بعد، بحسب وكالة رويترز.
وقال حسام بدران، عضو المكتب السياسي لحركة حماس، إن بلير "شخصية غير مرحّب بها في الحالة الفلسطينية، وارتباط أي خطة بهذا الشخص بمثابة نذير شؤم للشعب الفلسطيني".
وأضاف بدران في تصريحات تلفزيونية سابقة أن "وجود مثل هذه الشخصيات السلبية، التي ربما تستحق أن تكون أمام المحاكم الدولية للجرائم التي ارتكبتها في سنوات سابقة، ليس مدخلاً حقيقياً أو إيجابياً أو مقبولاً للحديث عن أي ترتيبات متعلقة بالقضية الفلسطينية".
فيما قالت فرانشيسكا ألبانيز، المقررة الخاصة للأمم المتحدة المعنية بحقوق الإنسان في الأراضي الفلسطينية المحتلة: "توني بلير؟ بالطبع لا. ارفعوا أيديكم عن فلسطين".
وشملت الانتقادات الموجّهة لتوني بلير أعضاء من حزب العمال البريطاني، الذي ينتمي إليه بلير، أيضاً.
وفاجأت فكرة قيام بلير بالعمل إلى جانب ترامب في دور صانع السلام في الشرق الأوسط بعض أعضاء حزب العمال، بحسب تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.
وأبدى بعض أعضاء البرلمان من الصفوف الخلفية عدم تصديقهم للدور المقترح لبلير، نظراً لأن إرثه باعتباره رئيس الوزراء الأطول خدمةً في حزب العمال أصبح مشوّهاً في نظر العديد من أعضاء الحزب بسبب الدور الذي لعبته بريطانيا في العراق.