في موقف متناقض، أصبحت فيه في خندق واحد مع اليمين الإسرائيلي المتطرف الداعي دوماً إلى التصعيد العسكري في غزة، طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين حكومة بنيامين نتنياهو بتعطيل اتفاق وقف إطلاق النار الذي تم التوصل إليه مع حماس، بحجة استعادة جثامين أسرى، ما زال العثور على رفاتهم بحاجة إلى وقت وجهد وإمكانات شحيحة في القطاع المدمر.
وقالت عائلات الأسرى، الخميس الماضي، في بيان، إنها تطالب الحكومة الإسرائيلية "بالتوقف فوراً عن تنفيذ المراحل التالية من الاتفاق ما دامت حماس مستمرة في عدم إعادة جميع الجثامين"، وفق زعمها.
يأتي ذلك بينما أشارت تقارير عدة، نشرتها حتى الصحافة الأمريكية، إلى الصعوبات التي تواجهها عملية استعادة جثامين كافة الرهائن القتلى الإسرائيليين، بل وأكدت مصادر أمريكية أن حماس لم تنتهك الاتفاق، وأنه كان من الصعب على الحركة الفلسطينية الالتزام بالمهلة المحددة بـ72 ساعة في الاتفاق لتحديد مكان جميع الجثث وانتشالها.

ونصّت المرحلة الأولى من خطة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، لإنهاء الحرب في غزة، على أن تلتزم إسرائيل بإطلاق سراح 2000 أسير فلسطيني، مقابل أن تُفرج حماس عن 48 من الرهائن المحتجزين لديها، من بينهم 20 رهينة أحياء.
ماذا قالت عائلات الأسرى الإسرائيليين؟
- طالبت عائلات الأسرى الإسرائيليين حكومة نتنياهو بوقف تنفيذ المراحل التالية من اتفاق التبادل ووقف إطلاق النار في غزة، إلى حين استعادة ما تبقى من جثث القتلى لدى حركة حماس.
- وأضافت العائلات في بيان أن "حماس ما زالت تحتجز 19 مختطفاً"، زاعمة أن الحركة "تنتهك الاتفاق".
- وتابعت: "بالتالي، لا مجال لأي تقدم أحادي الجانب من قبل إسرائيل، وأي خطوة سياسية أو أمنية لا تضمن عودتهم الفورية تُعد تخلياً عن مواطني إسرائيل".
- وشددت على أن "مسؤولية استعادة جميع المختطفين، أحياء أو قتلى، تقع بالدرجة الأولى على الحكومة الإسرائيلية".
- واعتبرت أن "أي خطوة تُخفف الضغط عن حماس أو تسمح باستمرار الاتفاق دون إعادة المختطفين تُشكّل فشلاً أخلاقياً وقيادياً خطيراً".
- ورأت عائلات الأسرى الإسرائيليين أنه "لن يكون هناك نصر حتى يعودوا جميعاً إلى هنا، حتى آخر مختطف"، وفق تعبيرها.
- وفي بيان صحفي أصدرته عائلات الأسرى بشأن تظاهرة مركزية من المقرر عقدها في ساحة الرهائن في تل أبيب، مساء السبت 18 أكتوبر/تشرين الأول، قال منتدى عائلات الرهائن: "إن الاتفاق الذي تم توقيعه لإعادة الرهائن يتم انتهاكه بشكل صارخ – نضالنا لم ينته بعد".
كيف تغيّر موقف عائلات الأسرى الإسرائيليين؟
- ظلّت عائلات الأسرى الإسرائيليين تتهم نتنياهو، طيلة عامي الإبادة، بالتخلي عن أبنائهم في غزة بالإصرار على عرقلة كل جهود حماس ومواصلة الحرب، بل واتهامه بتعريض ذويهم الأحياء للقتل، والأموات باختفاء جثامينهم.
- وفي 21 أغسطس/آب الماضي، قالت عائلات الأسرى إن حماس وافقت على اتفاق تبادل ووقف إطلاق النار، لكن مكتب نتنياهو "يعمل على إفشاله، الأمر الذي سيحكم على المختطفين الأحياء بالموت، والموتى بالاختفاء".
- وخلال بيان في 13 سبتمبر/أيلول الماضي، علّقت العائلات على تدوينة لنتنياهو، اتهم فيها "قادة حماس في قطر بعرقلة جميع محاولات وقف إطلاق النار لإطالة أمد الحرب إلى ما لا نهاية".
- وذكر البيان أن نتنياهو طرح سبباً جديداً "بشأن عدم إعادة المختطفين"، وهو أن "قادة حماس في قطر يعرقلون أي اتفاق"، مؤكدة أنه "ثبُت بشكل قاطع أن هناك عقبة واحدة أمام عودة المختطفين الـ48 وإنهاء الحرب، وهي نتنياهو".
- وقبيل بدء تنفيذ الاتفاق الأخير في 4 أكتوبر/تشرين الأول الجاري، قالت العائلات، عبر بيان، إنه "بينما يواجه المختطفون الأحياء خطر الموت، وقد يختفي الموتى إلى الأبد على أرض غزة، اختار نتنياهو توسيع نطاق القتال ونسف الاتفاق لإعادتهم".
- ووضع مطالبة عائلات الأسرى بوقف تنفيذ اتفاق وقف إطلاق النار في غزة، وضعها لأول مرة منذ بدء الإبادة الجماعية في 8 أكتوبر/تشرين الأول 2023، في خانة اليمين الإسرائيلي المتطرف.
- ومنذ إقرار اتفاق غزة الحالي، ما زال أبرز مسؤولي اليمين المتطرف، أمثال وزيري الأمن القومي إيتمار بن غفير والمالية بتسلئيل سموتريتش، يواصلون تحريضهم ضد الاتفاق، داعين إلى مواصلة الحرب.
- واتهم بن غفير، قبل عدة أيام، بحسابه على منصة إكس، حركة حماس بتأخير إعادة جثامين الأسرى المتبقين.
- وأضاف أن الحركة "ما زالت حية وباقية، وأن مهمة تدميرها لم تُنجز بعد، ويجب أن تُنجز في أقرب وقت كجزء من أهداف الحرب".
- كما كتب سموتريتش، على المنصة ذاتها: "الضغط العسكري فقط هو الذي يعيد المختطفين"، في إشارة إلى رفضه وقف الحرب وفق خطة ترامب.

لماذا تغير موقف عائلات الرهائن؟
- يتناغم موقف عائلات الأسرى الإسرائيليين المتطرف، الداعي لاستكمال الحرب، مع ما كشفته استطلاعات رأي سابقة، خلال عامين من الحرب على قطاع غزة، ودراسات عن تنامي التطرف والنزعة اليمينية في المجتمع الإسرائيلي.
- هذا التطرف في المواقف تجاه الفلسطينيين كان قد عبر عنه يوآف غالانت، وزير الدفاع السابق والمطلوب للعدالة الدولية بتهم جرائم حرب، الذي وصف الفلسطينيين بلا تردد بأنهم: "حيوانات بشرية".
- ولا يتفشى هذا التوجه اليميني فحسب لدى الساسة والأحزاب اليمينية، بل يمتد ليشمل قطاعات عديدة من الجمهور وحتى الشباب الأصغر سناً.
- ويقول محللون إن تبني المواقف اليمينية من قبل الشباب اليهودي الإسرائيلي ليس ظاهرة جديدة، ولكنها أصبحت أكثر تطرفاً في السنوات الأخيرة، وخاصة في عهد نتنياهو.
- وقالت داليا شيندلين، وهي محللة سياسية مقيمة في تل أبيب، لشبكة سي إن إن: "عندما لا تحل الصراعات العسكرية، يتعين عليك إقناع شعبك بالسبب وراء وجودك هناك، ثم يتعين عليك إقناعهم من خلال إخبارهم بأن الجانب الآخر لا يمكن إصلاحه، وهو مهيأ وراثيا ليكون تهديداً وجودياً".
- وقد وجدت هذه الرسالة صدى لدى العديد من الشباب اليهود الإسرائيليين، الذين يعتبرون أنفسهم في الغالب يمينيين، والذين ساعدوا في تشكيل حكومة نتنياهو الأخيرة، وهي الأكثر تطرفاً في تاريخ إسرائيل، بحسب سي إن إن.
- وبحسب بحث نشره معهد الديمقراطية الإسرائيلي في يناير/كانون الثاني 2023، فإن أغلبية كبيرة (73%) من اليهود الإسرائيليين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و24 عاماً يعرّفون أنفسهم بأنهم يمينيون، مقارنة بنحو 46% من اليهود الإسرائيليين الذين تبلغ أعمارهم 65 عاماً فأكثر.
- وفي يونيو/حزيران الماضي، أظهر استطلاع رأي أجراه مركز الجامعة العبرية أن نحو 64% من الإسرائيليين يعتقدون أنه "لا يوجد أبرياء" في غزة، وأن 87% من أنصار الائتلاف الحاكم لا يرون "أبرياء" في القطاع الفلسطيني.
- كما أظهرت استطلاعات رأي أجرتها جامعة ولاية بنسلفانيا الأمريكية أن أغلبية ساحقة من اليهود الإسرائيليين يؤيدون الطرد القسري للفلسطينيين من قطاع غزة.
- وأيّد ما يقرب من نصف الإسرائيليين المستطلعين قيام الجيش بقتل جميع الفلسطينيين في غزة.

على ماذا نص الاتفاق بشأن عودة الجثامين؟
- تضمّن اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بنداً واضحاً للغاية بشأن عودة جثامين الرهائن القتلى الإسرائيليين.
- ونصّ البند 5 (هـ) من الاتفاق على ما يلي:
- "إنشاء آلية لتبادل المعلومات بين الجانبين، عبر الوسطاء واللجنة الدولية للصليب الأحمر، لتبادل المعلومات والاستخبارات حول أي رهائن قتلى لم تُسترد جثثهم خلال 72 ساعة، أو رفات غزيين محتجزين لدى إسرائيل. وتضمن هذه الآلية استخراج رفات جميع الرهائن بشكل كامل وآمن وإطلاق سراحهم. وستبذل حماس أقصى جهدها لضمان الوفاء بهذه الالتزامات في أقرب وقت ممكن".
- ووفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال، لم تكن إسرائيل تتوقع من حماس تسليم جميع الجثث فوراً، ولا يشكّل التأخير في استعادة جميع الجثث انتهاكاً للاتفاق.
- وسبق أن نشرت هيئة البث العبرية الرسمية فحوى وثيقة الاتفاق التي أشارت إلى أن على حركة حماس تسليم جميع المعلومات التي بحوزتها حول القتلى الإسرائيليين إلى آلية مشتركة سيتم إنشاؤها بمشاركة قطر ومصر وتركيا واللجنة الدولية للصليب الأحمر.
- ووقتها، نقلت الهيئة عن مصادر مطّلعة (لم تسمها) أن بعض الجثث الإسرائيلية ما زال مكانها غير معروف، وأن عملية البحث عنها ستُدار من خلال آلية إسرائيلية-فلسطينية-مصرية-قطرية-تركية مشتركة.
- وخلاف ما ذكرته حركة حماس بشأن الصعوبات التي تحيط بعملية البحث عن جثث الرهائن، يتناقض الموقف الجديد لعائلات الأسرى الإسرائيليين مع موقف ترامب من قضية الجثامين المفقودة.
- والأربعاء الماضي، قال ترامب، إن "حماس" تبحث بالتأكيد عن جثث الأسرى الإسرائيليين المتبقين في قطاع غزة وإن بعضها مدفون منذ وقت طويل وبعضها تحت الأنقاض، وإن الأمر "سيسير بشكل جيد".