قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إنه يعتقد أن حركة حماس "مستعدة لسلام دائم"، وذلك تعقيباً على ردها بشأن خطته في قطاع غزة، ولم يكتفِ بذلك، بل سارع إلى نشر تصريحها على صفحته في منصة "تروث سوشال"، مطالباً إسرائيل بالوقف الفوري لقصف غزة.
ورغم ذلك، تُثار التساؤلات حول إمكانية التوصل إلى اتفاق دائم لإطلاق النار، خاصةً أن الحركة لم تتعامل في ردها على خطة ترامب ككتلة واحدة على قاعدة الرفض أو القبول، بل تعاملت معها كإطار عام قد يُبنى عليه.
وكان رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد رأى أن خطة ترامب تلبي الأهداف الإسرائيلية، محذراً حماس من رفض المقترح، وقال حينها: "ستنهي إسرائيل المهمة بنفسها"، ولحقه وزير خارجيته جدعون ساعر، بالقول إن "محاولة حماس إدخال تغييرات على خطة ترامب ستعني رفضها عملياً".
ورغم ذلك، استجاب مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي صباح السبت 4 أكتوبر/تشرين الأول 2025 لتصريحات ترامب، وأعرب عن الاستعداد لتنفيذ المرحلة الأولى من خطة ترامب للإفراج الفوري عن الأسرى الإسرائيليين.

وكان لافتاً أن بيان مكتب نتنياهو لم يتطرق إلى ما تحفّظت عليه حركة حماس في ردها، فيما قال موقع "أكسيوس" الأمريكي، إن هذه المرة الأولى منذ عودته إلى منصبه التي يحاول فيها ترامب إجبار نتنياهو على وقف القتال، مشيراً إلى أن رئيس الوزراء الإسرائيلي تفاجأ برد الرئيس الأمريكي.
وبحسب مصادر في حماس لـ"عربي بوست"، فإن رد الحركة هو نتاج موقف وطني مسؤول، وبعد تشاور داخلي شمل الفصائل الفلسطينية، والوسطاء، والأصدقاء، مشيراً إلى أنه لم يتم التعامل مع خطة ترامب كرزمة واحدة، وإنما كورقة تحتاج بعض بنودها إلى توضيح ونقاش أساسي.
ويستعرض هذا التقرير البنود التي قبلتها حماس، والبنود التي تحفّظت عليها، وتلك التي وضعت عدة شروط لإتمامها.
أولاً: ما هي البنود التي قبلتها حركة حماس؟
- وافقت حركة حماس على الإفراج عن جميع الأسرى الإسرائيليين الأحياء والأموات، وفق صيغة التبادل الواردة في مقترح ترامب، والذي يتضمن إفراج إسرائيل عن 250 سجيناً فلسطينياً يقضون أحكاماً بالسجن المؤبد، بالإضافة إلى 1700 من سكان غزة الذين اعتقلهم الاحتلال بعد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، بمن فيهم جميع النساء والأطفال، وكذلك مقابل كل جثة أسير إسرائيلي تسليم جثمان 15 أسيراً من سكان غزة.
- الموافقة على تسليم إدارة قطاع غزة لهيئة فلسطينية من المستقلين.
- وافقت الحركة على البنود المتعلقة بآلية إدخال وتوزيع المساعدات الإنسانية.
ثانياً: ما هي الشروط التي وضعتها حركة حماس على البنود التي وافقت عليها؟
أولا: طالبت الحركة بتوفير الظروف الميدانية لعملية تبادل الأسرى
وبحسب مصادر لـ"عربي بوست"، فإن المقصود بهذه الجزئية أن الحركة تحتاج إلى وقت يتجاوز الـ72 ساعة التي اشترطتها خطة ترامب لتنفيذ تسليم الأسرى الإسرائيليين.
في هذا الإطار، قال عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق لقناة الجزيرة، إن تسليم الأسرى والجثامين خلال الـ72 ساعة أمر نظري وغير واقعي في الطرف الحالي.
أكدت المصادر أن هناك عدداً من جثث الأسرى الإسرائيليين غير معروف مكانها بالضبط، بعد انقطاع الاتصال أو استشهاد المقاومين الذين احتجزوا تلك الجثث.

كما أن عملية تأمين الأسرى الإسرائيليين الأحياء ونقلهم من أماكن أسرهم إلى أماكن أخرى تمهيداً للإفراج عنهم، تتطلب التزاماً إسرائيلياً بوقف العمليات في مدينة غزة، وانسحاب الآليات من بعض المناطق، مع وقف الطلعات الجوية الإسرائيلية بشكل كامل.
ثانيا: الانسحاب الكامل ووقف الحرب
في بيانها، أكدت الحركة أنها مستعدة لتنفيذ عملية الإفراج عن الأسرى الإسرائيليين وفق صفقة تبادل الأسرى، في إطار شرطين أساسيين، وهما:
- ضمانات وقف الحرب.
- الانسحاب الكامل من قطاع غزة.
ثالثا: الإدارة الفلسطينية المستقلة
رغم أن الحركة وافقت على إدارة فلسطينية مستقلة "تكنوقراط"، فإنها اشترطت أن يكون ذلك بتوافق وطني فلسطيني جامع، واستناداً إلى الدعم العربي والإسلامي.
فيما حدد عضو المكتب السياسي في حركة حماس موسى أبو مرزوق في تصريح صحفي لقناة الجزيرة، أن الإدارة الفلسطينية المستقلة يجب أن تكون مرجعيتها السلطة الفلسطينية.
وعليه، فإن الشرط الذي وضعته حركة حماس يتعارض مع بند خطة ترامب الذي يتضمن أن اللجنة ستتكون من فلسطينيين وخبراء دوليين، تحت إشراف هيئة انتقالية دولية جديدة.
ثالثاً: ما هي البنود التي تحفّظت عليها حركة حماس؟
يشير البيان الذي قدمته حركة حماس إلى أن ما ورد في مقترح ترامب عن مستقبل قطاع غزة وحقوق الشعب الفلسطيني "يرتبط بموقف وطني يُناقش في إطار وطني فلسطيني جامع تكون حماس ضمنه، وستُسهم فيه بكل مسؤولية".
وقالت المصادر لـ"عربي بوست"، إن هناك بنوداً في خطة ترامب تتعارض بشكل واضح مع حق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلة.
وتتضمن هذه النقاط:
- رفض وصم الحركة بالإرهاب.
- نزع سلاح المقاومة الفلسطينية.
- وجود قوة دولية في قطاع غزة.
- رفض الوصاية الدولية عبر ما يسمى "مجلس سلام" الذي أشارت إليه خطة ترامب.
وبشأن هذه النقاط، أكد عضو المكتب السياسي لحركة حماس موسى أبو مرزوق أن:
- حماس حركة تحرر وطني، وتعريف الإرهاب في الخطة لا يمكن أن يُطبق عليها.
- تسليم السلاح سيتم فقط للدولة الفلسطينية القادمة.
- من يحكم قطاع غزة سيكون بيده السلاح، وبإشراف فلسطيني.
- التفاصيل المتعلقة بقوة حفظ السلام تحتاج إلى تفاهمات وتوضيح.

رابعاً: ما موقف الدول العربية من رد حماس على خطة ترامب؟
رحبت عدد من الدول العربية والإسلامية بموقف حركة حماس بشأن المقترح الذي قدمه الرئيس الأمريكي.
وأعلنت كل من قطر ومصر وتركيا ترحيبها برد حركة حماس على خطة ترامب بشأن غزة.
وقالت قطر إنها بدأت بالعمل مع مصر، وبالتنسيق مع الولايات المتحدة، على استكمال النقاشات حول الخطة لضمان الوصول إلى نهاية الحرب.
فيما تمنت مصر أن يُؤسس تجاوب حركة حماس والفصائل الفلسطينية لمرحلة جديدة نحو السلام، "بدءاً من التفاوض على التفاصيل والآليات اللازمة لوضع رؤية الرئيس ترامب موضع التنفيذ على الأرض، في إطار أفق سياسي يقود إلى حل الدولتين الذي توافق المجتمع الدولي على مرجعيته، بما يُحقق السلام والازدهار في المنطقة".

فيما نقلت وكالة "فرانس برس" عن مسؤول في حركة حماس، أن مصر تستعد لاستضافة مؤتمر فلسطيني حول مستقبل قطاع غزة.
ووصف الأردن رد حركة حماس بـ"الإيجابي"، واعتبره خطوة هامة نحو إنهاء الحرب، مطالباً بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة بشكل فوري، وفتح المعابر لإدخال المساعدات الإنسانية الكافية والفورية والمستدامة إلى مختلف أنحاء القطاع، وإطلاق جهد حقيقي لتحقيق السلام العادل على أساس حل الدولتين، وفق قرارات الشرعية الدولية ومبادرة السلام العربية.
أما تركيا، فقالت إن رد حركة حماس على خطة ترامب سيساهم في إرساء وقف إطلاق النار في القطاع، فيما دعا الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الاحتلال الإسرائيلي إلى وقف كل هجماته فوراً، والالتزام بخطة وقف إطلاق النار.
بدورها، رحبت باكستان برد حركة حماس، مشددة على أنه فرصة مهمة لضمان وقف فوري لإطلاق النار، ووقف سفك دماء الفلسطينيين الأبرياء في غزة، وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين والفلسطينيين، وضمان وصول المساعدات دون عوائق، وتمهيد الطريق لعملية سياسية ذات مصداقية نحو سلام دائم، مطالبة إسرائيل بوقف الهجمات فوراً.
خامساً: ما موقف السلطة والفصائل الفلسطينية من رد حركة حماس؟
بحسب مصادر لـ"عربي بوست"، فإن البيان الذي أصدرته حركة حماس تم عرض مضامينه على نخب وفصائل فلسطينية، وإبلاغ شخصيات في السلطة الفلسطينية به.
وأعلن رئيس السلطة الفلسطينية محمود عباس ترحيبه برد حركة حماس على خطة ترامب، واصفاً إياه بـ"الإيجابي".
وفي تعليقها، قالت حركة الجهاد الإسلامي في بيان، إن رد حركة حماس هو تعبير عن موقف قوى المقاومة الفلسطينية، مشيرة إلى أنها شاركت بمسؤولية في المشاورات التي أدت إلى اتخاذ هذا القرار.
كما رحب تيار الإصلاح الديمقراطي في حركة فتح، الذي يقوده محمد دحلان، برد حركة حماس، محذراً الوسطاء من مراوغة حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل، التي تسعى كعادتها إلى إفشال جهود وقف العدوان.
فيما أصدرت فصائل المقاومة الفلسطينية بياناً مشتركاً، أكدت فيه أن رد حركة حماس على خطة ترامب هو نتاج موقف وطني مسؤول، جاء بعد مشاورات معمقة مع فصائل المقاومة للوصول إلى اتفاق يتوافق مع مصلحة الشعب الفلسطيني، ويضمن إنهاء معاناته ووقف حرب الإبادة المتواصلة بحقه.
وأضافت أنها تعتبر أن الموقف البنّاء والمسؤول من حركة حماس، نيابةً عن القوى والفصائل الفلسطينية، بمثابة صرخة في وجه العالم أجمع بأنه آن الأوان لهذا الاحتلال أن ينقشع عن الأراضي الفلسطينية، وأن من حق الشعب الفلسطيني أن يحيا حياةً كريمة بلا قتل ودمار وتهجير واستيطان.
سادساً: كيف تعامل الاحتلال ميدانياً مع رد حماس؟
بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن هجمات الجيش الإسرائيلي توقفت في كافة أنحاء قطاع غزة، لكن مصادر فلسطينية أكدت أن طائرات الاحتلال شنّت هجمات في مختلف مناطق القطاع خلال الساعات الأخيرة.
وقالت القناة 12 العبرية، إن الجيش الإسرائيلي يركز الآن حصرياً على العمليات الدفاعية للقوات المنتشرة في المناطق، فيما يُبقي مدينة غزة محاصرة دون أي انسحاب.

فيما قالت صحيفة "هآرتس"، إن عملية الاستيلاء على مدينة غزة تم تجميدها من قِبل الجيش الإسرائيلي، لكن المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي أصدر بياناً يُحذّر فيه الفلسطينيين من الانتقال من جنوب مدينة غزة إلى شمالها عبر شارع الرشيد.
كما ذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن وفداً إسرائيلياً تقنياً يتجهز للمغادرة إلى إحدى دول الوساطة، وقالت صحيفة "هآرتس" إن المؤسسة الأمنية بدأت بدراسة أسماء الأسرى الفلسطينيين الذين يمكن إدراجهم في صفقة تبادل الأسرى.