في الوقت الذي أعلنت فيه دول عربية وإسلامية، من بينها مصر، عن دعمها لخطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لإنهاء الحرب الإسرائيلية على غزة بشكل علني، كشفت تقارير أن القاهرة أبدت انزعاجها من الخطة بسبب تهميشها للسلطة الفلسطينية، وبسبب التعديلات التي أجرتها الإدارة الأمريكية على الخطة بالتزامن مع زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو للبيت الأبيض قبل عدة أيام.
وفي وقت سابق من يوم الإثنين 29 سبتمبر/أيلول، استعرض ترامب في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي أبرز بنود خطته لوقف الحرب، ومنها إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين ونزع سلاح حركة "حماس".
وكان ترامب قد عرض ملامح خطته في البداية خلال اجتماع عقده مع عدد من قادة الدول العربية والإسلامية على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، وأصدرت هذه الدول قبل يومين بياناً مشتركاً رحّبت فيه بـ"الجهود الصادقة" التي يبذلها ترامب لإنهاء الحرب في القطاع الفلسطيني.

ومع ذلك، لا تبدو الأمور جيدة بالنسبة لمصر خلف الكواليس. وقالت تقارير نشرتها وسائل إعلام أمريكية إن القاهرة أرجأت زيارة نادرة كان من المقرر أن يقوم بها السفير الأمريكي لدى إسرائيل، مايك هاكابي، يوم الأحد المقبل لمناقشة الأوضاع في غزة.
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية عن هاكابي قوله إنه أرجأ الزيارة إلى مصر بناءً على طلب مسؤولين مصريين، مضيفاً أن الزيارة كانت من المفترض أن تبدأ يوم الأحد، لكنها تأجلت إلى منتصف أكتوبر/تشرين الأول الماضي.
ما أسباب الانزعاج المصري من خطة ترامب؟
وفقاً للتقارير، فإن الانزعاج المصري من خطة الرئيس الأمريكي مدفوع بالأسباب التالية:
أولاً: تهميش السلطة الفلسطينية
أعربت مصر عن غضبها بسبب تهميش السلطة الفلسطينية في خطة ترامب للسلام في غزة، وفق ما ذكره مسؤول عربي ومصدر مطلع لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وقالت القاهرة إنها لن ترسل قوات للمشاركة في قوة حفظ السلام الدولية إذا لم يكن هناك مسار واضح للسلطة الفلسطينية لحكم قطاع غزة كخطوة نحو إقامة دولة فلسطينية، حسبما قال مصدر مطلع على رد الفعل المصري على الخطة.
وأضاف المسؤول العربي أن "القاهرة غاضبة"، مشيراً إلى أن خطة ترامب تتطلب تحديداً موافقة مصرية، لكنها "ضعيفة" للغاية فيما يتعلق بمسألة السيادة الفلسطينية.
وأضاف المسؤول أن مصر من غير المرجح أن ترسل قوات إلى غزة دون تفويض واضح بانسحاب إسرائيلي كامل من القطاع.
وعندما كشف ترامب عن خطته، اعتمد بشدة على الدعم الذي قال إنه يحظى به من القادة العرب والمسلمين. وقال إنهم ملتزمون بنزع سلاح غزة وتفكيك القدرات العسكرية لحركة "حماس".

وقال ترامب: إنها دول غنية للغاية ويمكنها تحقيق أشياء كثيرة.
وبينما لا تتمتع مصر بالثقل المالي الذي تتمتع به دول الخليج، إلا أن خطة ترامب تدرج مصر والأردن على وجه التحديد كشريكين أمنيين أساسيين قادرين على توفير القوى العاملة والمعرفة العسكرية.
وتتضمن الخطة، المكونة من 20 بنداً، إرسال قوة استقرار دولية مؤقتة إلى غزة لتدريب قوات الشرطة الفلسطينية هناك وتقديم الدعم لها.
وستعمل قوة الاستقرار الدولية مع إسرائيل ومصر للمساعدة في تأمين المناطق الحدودية، إلى جانب قوات الشرطة الفلسطينية المدربة حديثاً.
وكانت تقارير قد أشارت إلى أن مصر بدأت في تدريب مئات الفلسطينيين ليكونوا جزءاً من قوة يصل قوامها إلى 10 آلاف جندي لتوفير الأمن في قطاع غزة بعد الحرب.
وقال المسؤول العربي لموقع ميدل إيست آي: أشار ترامب إلى مصر كجزء لا يتجزأ من خطته للسلام، لكنه لم يفكر في التحقق من مدى قبول الشروط. وأضاف: إنها بداية سيئة.
يذكر أن مصر كانت قد طرحت في مارس/آذار الماضي خطة لإعادة إعمار غزة، شملت تعزيزاً لدور السلطة الفلسطينية عبر البنود التالية:
- تشكيل لجنة من الخبراء الفنيين من مختلف أنحاء غزة لإدارة القطاع.
- تولي قوات فلسطينية تدربها دول عربية مهمة حفظ الأمن في قطاع غزة.
- دعم السلطة الفلسطينية بكل ما يلزم لتدريب أفرادها بالتعاون مع الاتحاد الأوروبي.
في المقابل، وبموجب خطة ترامب، "ستحكم غزة لجنة فلسطينية مؤقتة من التكنوقراط غير السياسيين"، على الرغم من أنه لا يذكر بالاسم أي فلسطيني أو مجموعة فلسطينية قد تشارك في المرحلة الانتقالية.
وستُشرف على اللجنة هيئة انتقالية دولية جديدة تُسمى "مجلس السلام"، وسيرأسها ترامب، وستضم رؤساء دول وأعضاء آخرين، بمن فيهم رئيس الوزراء البريطاني السابق توني بلير.
ثانياً: التعديلات الإسرائيلية على الخطة
من جانب آخر، قالت مصادر مطلعة لموقع أكسيوس الأمريكي إن خطة السلام الخاصة بغزة، التي قدمها ترامب الإثنين الماضي، تضمنت تغييرات كبيرة طلبها رئيس الوزراء الإسرائيلي، ما أثار غضب المسؤولين العرب المشاركين في المفاوضات.
وأضاف موقع أكسيوس أن بنود الخطة التي سلّمها الوسيطان المصري والقطري لحركة "حماس" تختلف بشكل كبير عن الخطة التي وافقت عليها الولايات المتحدة ومجموعة من الدول العربية والإسلامية في السابق، بسبب تدخل نتنياهو.
وكان مبعوث البيت الأبيض، ستيف ويتكوف، وصهر ترامب، جاريد كوشنر، قد التقيا لمدة ست ساعات مع نتنياهو ومساعده المقرّب، رون ديرمر، قبل لقائه بالرئيس ترامب في البيت الأبيض.
وتمكن نتنياهو من التفاوض على عدة تعديلات في النص، خاصةً فيما يتعلق بشروط وجدول زمني للانسحاب الإسرائيلي من غزة.

ويربط الاقتراح الجديد انسحاب إسرائيل بالتقدم المحرز في نزع سلاح "حماس"، ويمنح إسرائيل حق النقض (الفيتو) على هذه العملية.
وأفاد أكسيوس أنه حتى لو استوفيت جميع الشروط وتم تنفيذ المراحل الثلاث من الانسحاب، ستظل القوات الإسرائيلية موجودة ضمن محيط أمني داخل غزة "حتى يتم تأمين غزة بشكل كامل من أي تهديد إرهابي متجدد"، وهذا قد يعني بقاءها إلى أجل غير مسمى.
وخلف الكواليس، أعرب مسؤولون من السعودية ومصر والأردن وتركيا عن غضبهم إزاء التغييرات، بحسب مصادر مطلعة.
وبحسب أكسيوس، حاول مسؤولون قطريون إقناع إدارة ترامب بعدم نشر الخطة المفصلة يوم الإثنين بسبب تلك الاعتراضات، لكن البيت الأبيض نشرها، وحث الدول العربية والإسلامية على دعمها.
وقال مسؤول عربي كبير مشارك في المفاوضات إنه في حين تمكن نتنياهو من تغيير بنود الخطة، فإنها لا تزال تحتوي على الكثير من العناصر الإيجابية للغاية بالنسبة للفلسطينيين، بالإضافة إلى وقف القتل في نهاية المطاف.