بعد عملية معبر الكرامة التي قتل بها جنديين إسرائيليين على يد الشهيد الأردني عبدالمطلب القيسي في 18 أيلول/سبتمبر 2025، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو في 23 من الشهر نفسه إغلاق "إسرائيل" معبر الكرامة أو ("معبر اللنبي" بالتسمية الإسرائيلية) إلى أجل غير مسمى، لتغلق تل أبيب بذلك المعبر الوحيد بين الضفة الغربية المحتلة والأردن والذي يمثل شريان حياة رئيسي للسكان الفلسطينيين.
وشهدت السنوات السابقة عمليات فردية مشابهة نفذها أردنيون متقاعدون عسكرياً أو مدنيون، منها عملية 8 سبتمبر 2024، التي نفذها العسكري الأردني المتقاعد ماهر الجازي عند معبر الكرامة، وأدت إلى مقتل ثلاثة من عناصر الأمن الإسرائيليين أيضاً، لكن خلال تلك الحوادث كانت دولة الاحتلال تغلق المعبر لأيام فقط وتعاود فتحه مجدداً، لكن هذه المرة الأولى التي يتم الإعلان فيها عن إغلاق الجسر حتى إشعار آخر.
وبهذا القرار، تحولت الضفة الغربية الخاضعة للاحتلال والمهددة بالضم لإسرائيل إلى سجن كبير، حيث تتكدس البضائع على جانبي الجسر ويحرم آلاف المسافرين من السفر كعقاب جماعي للضفتين إثر العملية الأخيرة. فما تبعات إغلاق نتنياهو لجسر الكرامة بين الضفتين الشرقية والغربية؟

ما هو معبر الكرامة أو "جسر الملك حسين"؟
- جسر الكرامة أو جسر الملك حسين أو جسر اللنبي (الاسم الإسرائيلي)، هو معبر حدودي بين الضفتين الشرقية والغربية بني فوق نهر الأردن، يقع هذا المعبر الحدودي على بُعد 57 كيلومتراً من عمّان، جنوب وادي الأردن، وهو المعبر الوحيد المخصص للفلسطينيين المسافرين من أريحا.
- يقع جسر الملك حسين أو معبر الكرامة، على عمق 381 متراً تحت مستوى سطح البحر، وهو أدنى معبر مائي ثابت في العالم. في عام 1885، قامت متصرفية القدس التابعة للحكومة العثمانية ببناء هذا الجسر في هذا الموقع الذي يربط بين بلدة الكرامة ومدينة أريحا.
- في عام 1918، بنى الجنرال البريطاني إدموند ألنبي جسراً فوق بقايا سلفه العثماني. لكن الجسر دمر لأول مرة بسبب زلزال أريحا عام 1927 وانهارت أجزاء منه في نهر الأردن، ثم رممته سلطات الانتداب البريطاني مجدداً واستخدمته في إمداداتها بين الضفتين.
- كما تم تدميره مرة أخرى في عملية "ليلة الجسور" التي نفذتها عصابات البالماخ الصهيونية في 16 يونيو 1946، مما أدى إلى قطع أحد أهم الروابط البرية بين فلسطين الانتدابية والأردن لمنع وصول المدد العربي إلى المجاهدين في فلسطين.
- بُني الجسر في الأصل خلال الحرب العالمية الأولى كممر للقوات البريطانية بين الضفتين الشرقية والغربية لنهر الأردن. كان في البداية هيكلًا خشبيًا بسيطًا من فوق نهر الأردن، ثم تطور ليصبح أحد المعابر الرئيسية بين الضفتين. ويتوسط جسر الكرامة معبرين آخرين بين الضفتين، هما جسر "الشيخ حسين"-بيسان شمالاً، وجسر وادي عربة جنوباً.

- تعرض الجسر للدمار لمرة ثالثة أثناء حرب الأيام الستة عام 1967 وعبر منه اللاجئون الفلسطينيون نحو الأردن. وبعد ذلك تم استبداله في عام 1968 بجسر مؤقت. وفي عام 1994، بعد معاهدة السلام بين "إسرائيل" والأردن، تم بناء معبر حديث مرصوف جديد بجوار المعبر الخشبي القديم بمساعدة الحكومة اليابانية، ومن ثم تم التطوير عليه حتى شكله في الوقت الحالي.
- تعترف السلطات الأردنية بالجسر كنقطة دخول حدودية دولية، ولكن لا الأردن ولا "إسرائيل" تمنح تأشيرات دخول لحاملي جوازات السفر الأجنبية عند هذا المعبر، على عكس المعابر الحدودية الأخرى للبلاد مع الأراضي الخاضعة للاحتلال الإسرائيلي.
- يمثل هذا المعبر المتنفس الوحيد للفلسطينيين المسافرين إلى الخارج، حيث يخرجون من الضفة الغربية إلى الأردن ثم يستخدمون مطار الملكة علياء الدولي في عمان للسفر إلى الوجهات الأخرى، ويلزم الفلسطينيين المسافرين عبر المعبر الحصول على تصاريح سفر للعبور من السلطات الإسرائيلية والأردنية.
- لا يُسمح للإسرائيليين باستخدام جسر معبر الكرامة، باستثناء فلسطينيي الـ48 الذين يحملون الجواز الإسرائيلي، ويؤدون فريضة الحج والعمرة إلى مكة المكرمة مروراً بالأردن. وقد سُمح لهؤلاء الحجاج باستخدام معبر جسر اللنبي لأول مرة في عام 1978، بعد أن سمحت الأردن والمملكة العربية السعودية للعرب الحاملين للجواز الإسرائيلي بالمشاركة في الحج عام 1977.
ماذا يعني إغلاق جسر الملك حسين (معبر الكرامة)؟
- يمثل هذا المعبر بوابة الفلسطينيين بالضفة الوحيدة نحو العالم الخارجي، وبالتالي فإن إغلاقه يحول الضفة إلى سجن كبير. كما يعرقل مرور أطنان من البضائع بين الضفتين الشرقية والغربية ويتسبب بخسائر اقتصادية كبيرة لدى التجار من الطرفين، ويعاني المسافرون بشكل عام عبر هذا المعبر إجراءات الاحتلال والاكتظاظ الشديد والتأخير المتعمد.
- وتظهر بيانات الإدارة العامة للمعابر والحدود والفلسطينية، أن عدد المسافرين سنويا بين الضفة الغربية والأردن، أكثر من 3 ملايين مسافر بحسب بيانات عام 2023، فيما يصل عدد الشاحنات التجارية التي تعبر يومياً الجسر 300 شاحنة.
- ووفق معطيات نشرتها وزارة الاقتصاد الفلسطينية مطلع يونيو/حزيران 2023 فقد زاد مستوى الواردات من الأردن بنسبة 227.6% والصادرات بنسبة 50.2% خلال السنوات العشر الماضية، في حين ارتفع حجم التبادل التجاري بين البلدين عام 2022 إلى نحو 432 مليون دولار بنسبة ارتفاع 32% عن العام 2021.
- وكان من المفترض أن يتم رفع التبادل التجاري بين الحكومة الأردنية والسلطة الفلسطينية عبر هذا المعبر إلى نحو مليار دولار سنوياً بعد توقيع عدة اتفاقيات بين الجانبين عام 2021 لكن العراقيل الإسرائيلين حالت دون ذلك.
- وتطبق "إسرائيل" نظام تعرفة جمركية يحول دون سهولة انتقال الكثير من السلع وبخاصة الاردنية التي قد تنافس منتجاتها، وكذلك استخدام المختلف من الذرائع الأمنية كوسيلة لمنع دخول الكثير من المواد الخام اللازمة لعملية التصنيع. وحد بروتوكول باريس الاقتصادي 1994 من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على النمو كونه جعل التبادل التجاري محصورا بين فلسطين وسلطات الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى.
- ويصدر الأردن للسوق الفلسطينية منتجات معدنية وأغذية ومعادن عادية وصناعات كيماوية وخشب والآت وأجهزة وسلع ومنتجات مختلفة، وبالمقابل يستورد معادن عادية ومنتجات نباتية وأغذية ومصنوعات من حجر وجلد ومنتجات معدنية وصناعات كيماوية.
- ويصل 20 بالمئة من الإسمنت المستهلك في السوق الفلسطينية من الجانب الأردني جسر الملك حسين. كذلك، يتصدر الحجر والرخام الصادرات الأردنية نحو الضفة، إضافة إلى بعض أنواع المحاصيل الزراعية وبعض المواد الغذائية. كما يستورد الفلسطينيون من الأردن، بعض أصناف السلع التموينية والمعلبات، والأدوات الصحية، وبعض السلع الزراعية، والمشروبات الغازية.
- ويخضع دخول البضائع من الأردن إلى الضفة الغربية لإجراءات إسرائيلية مشددة، إذ إن على الشاحنات الأردنية الخضوع للتفتيش اليدوي وبأجهزة الليزر والكلاب البوليسية، وتنتهي مهمتها في معبر الكرامة عند الجانب "الإسرائيلي" من الحدود، حيث تكون في انتظارها شاحنات فلسطينية خضعت للتفتيش نفسه. وفي هذه النقطة يتم نقل حمولة الشاحنة الأردنية إلى الشاحنات الفلسطينية، وقد يتم تفريغ الحمولة لتفتيشها يدويا.
- وكانت شريحة من العمالة الفلسطينية في "إسرائيل" والتي توقفت عن الدخول إلى مناطق الخط الأخضر منذ 7 أكتوبر 2023، في السفر إلى الأردن عبر هذا المعبر وسيلة لتحقيق عوائد مالية. ويتمثل ذلك، بوجود مئات المسافرين يوميا من الجانب الفلسطيني إلى الجانب الأردني، وشراء بعض السلع ذات الأسعار الأقل في الجانب الأردني وبيعها في أسواق الضفة الغربية، كالسجائر، والأجبان ومستحضرات التجميل وغيرها من المواد. ويطلق على هؤلاء "تجار الشنطة" الذين كانوا يسافرون يومياً من الضفة الغربية إلى الأردن والعودة في نفس اليوم، وهؤلاء أصبحوا بلا أي عمل مع استمرار إغلاق الجسر حتى إشعار آخر.

- ويمثل معبر الكرامة الطريق الوحيد الذي تعبر منه شاحنات المساعدات الأردنية البرية نحو قطاع غزة مثل بداية الحرب، حيث تسمح سلطات الاحتلال مؤخراً بعبور نحو 150 شاحنة مساعدات فقط أسبوعياً معظمها تقف عند حدود غزة ولا يسمح لها بالدخول إلا بقرار من جيش الاحتلال.
- ويخضع المعبر لإدارة سلطة المطارات الإسرائيلية، وبموجب اتفاق أوسلو (إعلان المبادئ) بين منظمة التحرير الفلسطينية و"إسرائيل"، فإن الأمن الخارجي والأمن على طول الحدود سيبقى خلال المرحلة الانتقالية (مدتها 5 سنوات) من صلاحيات "إسرائيل"، وهذا ينطبق على الأشخاص والبضائع التي تحصّل "إسرائيل" ضرائبها وتحولها للسلطة فيما تعرف بـ"المقاصة"، وانتهت الفترة الانتقالية عام 1999 دون أي دور فلسطيني على الحدود وظل المعبر تحت سيطرة الاحتلال.
- وتقتطع "إسرائيل" جزءاً من المقاصة لأسباب مختلفة حتى بلغ مجموع الأموال المقتطعة نحو 6 مليارات شيكل (نحو 1.6 مليار دولار) عام 2023، مما جعل السلطة غير قادرة على الوفاء بالتزاماتها كاملة ودفع رواتب منقوصة لموظفيها. وحدّ بروتوكول باريس الاقتصادي 1995 من قدرة الاقتصاد الفلسطيني على النمو كونه جعل التبادل التجاري محصوراً بين فلسطين ودولة الاحتلال الإسرائيلي بالدرجة الأولى. وينظم اتفاق باريس استيراد البضائع التي يحتاجها الفلسطينيون، ويفرض شروطاً على انسياب حركة البضائع من تلك الدول إلى السوق الفلسطيني.
ما المبررات الإسرائيلية لإغلاق المعبر؟
- كانت القناة الـ13 الإسرائيلية قد نقلت عن مصادر أمنية أن "قرار نتنياهو بإغلاق المعبر وصلنا بدون تفسير، لا نعرف لماذا فعل ذلك". لكن صحيفة معاريف العبرية زعمت أن "إسرائيل" اتخذت "خطوة حاسمة" بإغلاق الحدود مع الأردن حتى إشعار آخر، لأن الملك الأردني عبدالله الثاني "لم يرد بحزم على الهجوم القاتل على الحدود".
- وقالت الصحيفة إن "إغلاق المعبر جاء كرد فعل على الهجوم في معبر اللنبي، الذي قُتل فيه الرائد (احتياط) يتسحاق هاروش، 68 عاماً، وهو ضابط في وحدة الاحتياط 309 التابعة للإدارة المدنية، والرقيب أورن هيرشكو، 20 عاماً، من تل موند، وهو مسؤول اتصال مع القوات الأجنبية في لواء تيفل".
- ورداً على الهجوم، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إن مسؤولية إحباط الهجوم على معبر جسر الملك حسين، "كانت تقع على عاتق الأردنيين لكنهم لم يفعلوا ذلك.. وسوف نفعل ذلك نحن".
- وهاجم الجندي الأردني المتقاعد عبد المطلب القيسي، والذي كان يعمل كسائق شاحنات مساعدات لغزة منذ 3 أشهر، جنديين إسرائيليين على المعبر بمسدس وسكين وأرداهما قتيلين قبل أن يستشهد برصاص جيش الاحتلال ويحتجز جثمانه.
- وأدانت الحكومة الأردنية الهجوم، وقالت: "بدأت الأجهزة الرسمية الأردنية تحقيقًا في حادثة إطلاق النار التي وقعت عصر اليوم. يدين الأردن ويعارض هذا الانتهاك للقانون، الذي يضر بمصالح الأردن وقدرته على إرسال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة. يدين الأردن أي نوع من أعمال العنف، ويعارض جميع الأعمال غير القانونية التي تضر بمصالح الأردن ومكانته وجهوده في إرسال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة".
- وتصاعد التوتر بين الأردن وحكومة نتنياهو خلال السنوات الأخيرة ووصل التوتر ذروته بعد السابع من أكتوبر ووقوع عدة عمليات إطلاق نار حدودية من جهة الحدود الشرقية، والتهديدات الإسرائيلية المتكررة بقطع إمدادات المياه والكهرباء عن الأردن بسبب تصريحاتها الرسمية التي تنتقد جرائم الاحتلال في قطاع غزة.
- وأعلنت حكومة الاحتلال مؤخراً الموافقة على بناء جدار على طول الحدود الشرقية مع الأردن، في أعقاب عمليات التسلل وإطلاق النار، بالإضافة إلى إنشاء فرقة عسكرية جديدة تدعى فرقة "جلعاد" ونشرها على طول الحدود مع الأردن التي تبلغ 335 كيلومتراً.