تأشيرة العمل بـ100 ألف دولار.. ما تبعات قرار ترامب على الشركات الأمريكية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/09/21 الساعة 14:10 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/09/21 الساعة 14:11 بتوقيت غرينتش
ترامب خلال التوقيع على قرار تأشيرة العمل الجديدة - رويترز

عاد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب ليضع ملف الهجرة في صدارة خطابه السياسي بقرار مثير للجدل توعد به كثيراً٬ حيث قرر في 20 سبتمبر 2025 فرض رسوم سنوية باهظة على تأشيرات العمل من نوع H-1B بقيمة 100 ألف دولار سنوياً٬ كما طرح ما أسماها "البطاقة الذهبية" لأولئك الذين يرغبون في دفع مليون دولار للحصول على الإقامة في الولايات المتحدة تتيح مساراً نحو الجنسية الأميركية، إضافة إلى "بطاقة بلاتينية" بقيمة 5 ملايين دولار، تمنح إعفاءات ضريبية محددة لحامليها.

لكن المرسوم التنفيذي يُدخل تغييراً جذرياً في سياسات التأشيرات الأميركية للعمل عالية المهارة من نوع H-1B. وبموجبه ستُلزم الشركات الأمريكية وأصحاب العمل بدفع 100 ألف دولار مقابل كل طلب جديد من خارج الولايات المتحدة، كشرط لدخول العمالة الماهرة، في خطوة تُعد تصعيداً غير مسبوق في سياسة الهجرة الأميركية.

وسارع كثير من بنوك وول ستريت وشركات التكنولوجيا الكبيرة والصغيرة السبت لمعرفة كيف سيتأثر عشرات الآلاف من موظفيها الحاملين لهذه التأشيرة بإعلان ترامب فرض هذه الرسوم. وأثار ذلك القرار ارتباكاِ كبيراِ حول القواعد وآليات تطبيقها، إذ تلقى موظفو مايكروسوفت وأمازون وغيرهما من الشركات إشعارات تنصح حاملي تأشيرات "H-1B" الموجودين خارج أمريكا بالعودة قبل سريان القواعد الجديدة في صباح اليوم الأحد بتوقيت شرق الولايات المتحدة.

ترامب يفرض 100 ألف دولار على تأشيرات العمل.. ماذا يعني هذا القرار؟

  • ضمن جهوده لإصلاح نظام الهجرة القانونية في الولايات المتحدة٬ قرر ترامب رفع الرسوم السنوية على المتقدمين للحصول على تأشيرة H-1B من 215 دولاراً إلى 100 ألف دولار٬ وهو ما قد يشكل ضربة قوية لبعض الصناعات الأمريكية التي تعتمد على العمال الأجانب المهرة.
  • لكن خطوة كهذه لا تقتصر على زيادة التكاليف المالية٬ بل تعني إعادة رسم الخريطة الاقتصادية للقوى العاملة الماهرة، وإثارة قلق آلاف المهنيين الطامحين للعمل في أميركا. الشركات الأميركية، التي لطالما ضغطت للحفاظ على مرونة هذه التأشيرات، ستجد نفسها في مواجهة ارتفاع كبير في تكلفة استقدام وتوظيف العمالة الماهرة. أما الأفراد، فسيتحملون عبئاً إضافياً يجعل "الحلم الأميركي" أكثر صعوبة وربما بعيد المنال.
  • وفي تبريره للقرار المثير للجدل٬ زعم ترامب خلال حفل توقيع في المكتب البيضاوي يوم الجمعة، أن أمريكا بحاجة إلى "عمال متميزين"، وأن الرسوم الجديدة المفروضة الجديدة "تضمن إلى حد كبير تحقيق ذلك". كما زعم مسؤولون في الإدارة أن الرسوم الباهظة "ستحفز الشركات على توظيف عمال أمريكيين بدلاً من الأجانب". وقال ترامب: "سنحصل على مئات المليارات من الدولارات. سنأخذ هذه الأموال ونخفض الضرائب، وسنخفض الديون". 
  • من جهته٬ قال وزير التجارة هوارد لوتنيك عند التوقيع: "على الشركة الأمريكية أن تقرر… هل هذا الشخص ذو قيمة كافية ليتم دفع مبلغ سنوي قدره 100 ألف دولار للحكومة مقابل جلبه، أم عليها (الشركة) العودة إلى وطنها وتوظيف أمريكي؟". وأضاف: "هذا هو جوهر الهجرة: توظيف الأمريكيين والتأكد من أن القادمين هم الأفضل على الإطلاق".
  • خلال حملته الانتخابية عام 2016، اتهم ترامب الشركات الأميركية الكبرى باستخدام تأشيرات H-1B "لغرض صريح يتمثل في استبدال العمال الأميركيين بأجور أقل" على حد وصفه. وأفادت دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS) أن متوسط ​​التعويض السنوي لطلبات تأشيرة H-1B المعتمدة بلغ 120,000 دولار أمريكي. ومن المرجح أن تواصل الشركات تقديم رواتب أعلى لأفضل المواهب من العمال الأجانب. لكن القيود قد تدفع الشركات إلى تحويل مبادرات التوظيف الخارجية إلى دول مثل الهند والصين وكندا، وفقًا لمجلس الهجرة الأمريكي.
  • وانقسم حلفاء ترامب بشأن كيفية التعامل مع برنامج التأشيرات. حيث دافع فيفيك راماسوامي وإيلون ماسك، اللذان اختارهما ترامب لقيادة وزارة كفاءة الحكومة، عن الشركات التي تستخدم تأشيرة العمل وتعتمد على العمال الأجانب لتشغيل أعمالها. أما ستيف بانون، أحد أبرز الاستراتيجيين في ولاية ترامب الأولى، فقد انتقد تأشيرات H-1B في برنامجه الصوتي "غرفة الحرب" في ديسمبر 2024، واصفًا إياها بأنها "عملية احتيال" من قِبل عمالقة وادي السيليكون، الذين يسعون إلى "الاستيلاء على الوظائف الأمريكية وجلب من يُصبحون في الأساس خدماً متعاقدين بأجور أقل".

ما هي تأشيرات العمل الأمريكية H-1B؟

  • تمنح الولايات المتحدة تأشيرات عمل H-1B للمتخصصين الأجانب، خصوصاً في مجالات التكنولوجيا والهندسة والطب وغيرها من التخصصات، وتشكل شرياناً أساسياً للشركات الكبرى في وادي السيليكون وللمستشفيات والجامعات التي تعتمد على الكفاءات والمهارات القادمة من الخارج وخصيصاً من شرق آسيا.
  • وتحدد الحكومة الأميركية الحد الأقصى لتأشيرات H-1B بـ 85 ألف تأشيرة سنوياً، ويمكن لحاملي التأشيرات أيضا إحضار أفراد عائلاتهم المباشرين، وتُمنح الغالبية العظمى من تلك التأشيرات عادة للمواطنين القادمين من الهند. كما يتم حجز 20 ألف تأشيرة ضمن هذا العدد للأشخاص الحاصلين على درجات علمية متقدمة من مؤسسات التعليم العالي الأميركية.
  • وستطبق رسوم التأشيرة البالغة 100,000 دولار أمريكي، والتي تدخل حيز التنفيذ يوم الأحد الساعة 12:01 صباحاً بتوقيت شرق الولايات المتحدة، فقط على طلبات تأشيرة H-1B الجديدة وليس بأثر رجعي، وفقًا للبيت الأبيض. وينتهي العمل بهذه القاعدة بعد عام، في 21 سبتمبر/أيلول 2026، ما لم يتم تمديدها.
  • ونصحت شركتا جوجل وميتا، الشركة الأم لفيسبوك وإنستغرام، حاملي التأشيرات بإعادة النظر في خطط السفر الدولية والنظر في العودة إلى الولايات المتحدة بحلول ليلة السبت، إذا لزم الأمر، وفقًا لرسائل البريد الإلكتروني التي اطلعت عليها شبكة CNN الأمريكية لعدم التورط ودفع هذه المبالغ الباهظة.

ما الصناعات الأمريكية التي ستتأثر بهذا القرار؟

  • بحسب تقرير صادر عن خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS)، فإن معظم طلبات H-1B التي تمت الموافقة عليها خلال السنة المالية 2024 – والتي امتدت من 1 أكتوبر 2023 إلى 30 سبتمبر 2024 – كانت لأدوار مرتبطة بصناعات الكمبيوتر (64٪).
  • وكانت ثاني أكبر مهنة٬ في مجال الهندسة المعمارية والهندسة والمساحة (10%). أما ثالث أكثر الطلبات قبولاً فكانت للوظائف المرتبطة بالتعليم (6%)، وفقاً لدائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية.
  • وكان قطاع البرمجة الحاسوبية المُخصصة (25%) هو القطاع الأكثر تفصيلاً في منح تأشيرات H-1B المُعتمدة. وتصدر قطاع الخدمات المهنية والعلمية والتقنية قائمة القطاعات الأكثر طلباً بين أصحاب العمل (48%)، بينما جاء قطاع التصنيع (11%) في المرتبة الثانية.
  • بالنسبة لأسماء الشركات التي ستتأثر أكثر بهذا القرار٬ فوفقًا لمركز بيانات دائرة خدمات المواطنة والهجرة الأمريكية (USCIS) ، تُعدّ أمازون أكبر راعٍ لتأشيرة H-1B. وقد حصلت شركة البيع بالتجزئة عبر الإنترنت العملاقة على موافقة لأكثر من 9000 تأشيرة H-1B خلال السنة المالية 2024.
  • وتعتمد شركات التكنولوجيا العملاقة أيضاً على برنامج H-1B، حيث ترعى شركة جوجل 5364 تأشيرة H-1B معتمدة في السنة المالية 2024، تليها شركة ميتا (4844) تأشيرها، وثم شركة مايكروسوفت (4725)، تليها شركة آبل (3873) تأشيرة.

ماذا يعني هذا بالنسبة للمنافسة على الوظائف والباحثين عن عمل؟

  • من المرجح أن تحجم الشركات الصغيرة والناشئة عن دفع رسوم قدرها 100 ألف دولار، مقارنةً بشركات مثل أمازون، وميتا، وآبل، وألفابت، الشركة الأم لجوجل. ويبلغ إجمالي رأس مال هذه الشركات الأربع حوالي 11.1 تريليون دولار.
  • وقد تعني هذه الرسوم أيضاً حرمان العمال المولودين في الخارج من الوظائف الأساسية، حيث أن التكلفة البالغة 100 ألف دولار ستكون عبئاً كبيراً جداً على العمال ذوي الأجور المنخفضة.
  • قد يستفيد خريجو الجامعات الجدد الأمريكيين، الذين يواجهون أسوأ سوق للخريجين الجدد منذ جائحة كوفيد-19، من فرص العمل المتاحة إذا بقيت في أمريكا. وهذا خبر سارّ بشكل خاص لخريجي علوم الحاسوب والتخصصات ذات الصلة بالتكنولوجيا، الذين يدخلون سوق العمل وسط موجات من تسريح العمال وتراجع حاد في فرص العمل.
  • لكن بحسب خبراء٬ فإن فرض قيود على حاملي تأشيرة H-1B لا يضمن توظيف الأمريكيين في القطاعات المتأثرة. فعندما تباطأت الهجرة خلال الجائحة، وبعد الحظر المؤقت الذي فرضته إدارة ترامب الأولى على بعض تأشيرات الهجرة، أدى ذلك إلى ارتفاع قياسي في عدد الوظائف الشاغرة.
  • وحذر خبراء الاقتصاد في ذلك الوقت من أن مشكلة نقص العمال لا يمكن حلها دون زيادة الهجرة. في عام 2021، قال نيل برادلي، كبير مسؤولي السياسات في غرفة التجارة الأمريكية: "قد تضطر الشركات إلى رفض العمل لأنها ببساطة لا تستطيع العثور على العمال للقيام به".

هل تواجه هذه السياسة عقبات قانونية؟

  • من المرجح أن يتم الطعن على الرسوم الجديدة المفروضة على التأشيرات في المحاكم الأمريكية. وقال آرون ريتشلين ميلنيك، الباحث في المجلس الأمريكي للهجرة، عبر منصة X: "للتوضيح، لا يملك الرئيس ترامب أي سلطة قانونية لفرض رسوم قدرها 100 ألف دولار على التأشيرات". وأضاف: "القدرة الوحيدة التي منحها الكونجرس للسلطة التنفيذية هنا هي فرض رسوم لاسترداد تكلفة معالجة الطلب".
  • من جانبها تقول صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن من المتوقع على نطاق واسع اللجوء إلى القضاء للطعن بالقرار، ونقلت الصحيفة عن رئيس جمعية محامي الهجرة الأميركية جيف جوزيف قوله إن الجمعية تعمل مع جهات أخرى لتقديم طعن قانوني للحصول على أمر تقييدي مؤقت لقرار ترامب المثير للجدل.
  • ورغم أن شركات التكنولوجيا تحصل على أكبر عدد من تأشيرات إتش-1 بي فإن هناك توقعات بأن الرسوم الجديدة ستؤثر أيضاً على حاملي تلك التأشيرة العاملين في القطاعين الطبي والصناعي، وكذلك في الجامعات.

ما تبعات القرار على الدول التي تصدر هذه الكفاءات مثل الهند؟

  • تعد الهند أكبر مستفيد من تأشيرات H-1 B العام الماضي، حيث بلغت نسبة المستفيدين المعتمدين 71%، وجاءت الصين في المرتبة الثانية بفارق كبير بنسبة 11.7%، وفقا لبيانات حكومية أمريكية. وتوظف شركات التكنولوجيا الكبرى عدداً كبيرا من العمال الهنود الذين ينتقلون للعيش في الولايات المتحدة أو يتنقلون ذهاباً وإياباً بين البلدين وينعشون اقتصاد بلادهم بالحوالات المالية.
  • ولذلك٬ أبدت وزارة الخارجية الهندية قلقها على الفور إزاء "عواقب" إعلان ترامب. وقالت الوزارة إن الإجراء الجديد الذي يدخل حيز التنفيذ الأحد يهدد بالتسبب في "اضطرابات" لأسر الأشخاص الحاملين هذا النوع من التأشيرات.
  • كما أعربت الرابطة المهنية الرئيسية في الهند "ناسكوم" عن "قلقها" من عواقب محتملة على "استمرارية" بعض المشاريع. كما أعربت عن قلقها إزاء قصر المهلة الزمنية والمحددة بيوم واحد مؤكدة في بيان أنها "تثير حالة من عدم اليقين لدى الشركات والمهنيين والطلاب حول العالم". وأضافت أن تغييرات بهذا الحجم في السياسات ينبغي أن تترافق "مع فترات انتقالية مناسبة تسمح للمنظمات والأفراد بتنظيم أنفسهم بفعالية وتقليل الاضطرابات".
  • وشهد عدد طلبات تأشيرة إتش-1 بي في الولايات المتحدة زيادة ملحوظة في السنوات الأخيرة، وبلغت ذروتها في الموافقات عام 2022 في عهد الرئيس السابق الديمقراطي جو بايدن. في المقابل، سُجلت ذروة الرفض في العام 2018، خلال الولاية الأولى لدونالد ترامب في البيت الأبيض.
  • ووافقت الولايات المتحدة على قرابة 400 ألف من هذه التأشيرات في العام 2024، ثلثاها كانت تجديد لتأشيرات سابقة. وثلاثة أرباع مقدمي الطلبات الذي تمت الموافقة على طلباتهم هم مواطنون هنود.
تحميل المزيد