في أعقاب هجوم الدوحة الذي طال فريق مفاوضي حركة حماس، في الوقت الذي كان يتناول فيه المقترح الأمريكي الجديد بشأن وقف الحرب على غزة، أطلق الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تصريحات ضبابية قال فيها إن قرار مهاجمة قطر كان بيد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بالكامل.
ورغم تحفظه على هجوم الدوحة وإدانته له، أكد ترامب أن "هدف القضاء على حماس، هو هدف نبيل"، ما يثير التساؤل عن موقفه من الهجوم على الدوحة.
هل أعطى ترامب الضوء الأخضر لهجوم الدوحة؟
سارع البيت الأبيض إلى تأكيد أنه أُبلغ بالعملية الإسرائيلية في الدوحة قبل تنفيذها.
بعد ساعات على الهجوم، قال ترامب في منشور على موقع "تروق سوشيال"، إن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة كان "قراراً اتخذه نتنياهو، وليس قراراً اتخذته أنا".
ترامب قال إنه بمجرد إخطاره بالهجوم، "وجّه على الفور" المبعوث الأمريكي الخاص ستيف ويتكوف بإبلاغ قطر، لكنه قال إن الإخطار جاء "متأخراً للغاية" لمنعه.
ترامب أكد أن "قطر حليف وصديق قوي للولايات المتحدة"، معرباً عن أسفه الشديد تجاه هجوم الدوحة، مضيفاً أنه أكد لزعمائها أن "مثل هذا الشيء لن يحدث مرة أخرى على أراضيهم".
في منشوره على منصته، قال ترامب إن "القصف الأحادي الجانب لقطر، الدولة ذات السيادة والحليف الوثيق للولايات المتحدة، التي تعمل بجد وشجاعة وتخاطر معنا من أجل السلام، لا يخدم أهداف إسرائيل أو أمريكا".
لكن ترامب أكد في الوقت ذاته أن القضاء على حماس هو "هدف نبيل".
وفي تصريحات لاحقة، قال ترامب إنه "غير سعيد للغاية بالطريقة التي سارت بها الأمور"، وقال للصحفيين: "أنا لست سعيداً بالوضع برمته".

ويقول الكاتب ديفيد إغناتيوس، في مقال نشره في صحيفة "واشنطن بوست"، إن الولايات المتحدة والموساد الإسرائيلي وعدا الدوحة الشهر الماضي بعدم استهداف قادة حماس على الأراضي القطرية، مشيراً إلى أن هذا الضمان ثبت أنه "فارغ".
الكاتب فنّد مزاعم الولايات المتحدة بشأن إبلاغها متأخراً بهجوم الدوحة، قائلاً:
الولايات المتحدة تحتفظ بقاعدة جوية ضخمة ومحمية جيداً في "العديد" بقطر.
من غير المرجح أن يفشل الجيش الأمريكي في رصد النشاط الجوي الإسرائيلي الذي سبق الهجوم.
وبحسب تقرير آخر لصحيفة "واشنطن بوست"، صرّح مسؤولون إسرائيليون بأن الولايات المتحدة أعطت الضوء الأخضر لهجوم الدوحة.
ونقلت عن محللين في الشرق الأوسط إشارتهم إلى أوجه الشبه بين هجوم الدوحة والهجوم الذي شنته إسرائيل ضد إيران في يونيو/حزيران 2025، بعلم ترامب المسبق، بينما كانت إيران لا تزال في خضم المفاوضات مع الولايات المتحدة بشأن برنامجها النووي.
وقال الخبير في الشؤون الفلسطينية، والباحث الزائر في جامعة جورج تون، خالد الجندي، للصحيفة الأمريكية، إن محادثات وقف إطلاق النار ما هي إلا "غطاء" لنتنياهو لتصعيد حربه، وأضاف: "إن قتل من يُفترض أن يتفاوض معهم هو تصرف جريء، ولكنه يتماشى تماماً مع كل ما فعلته إسرائيل خلال العامين الماضيين".
المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، أشار إلى أن رئيس الأركان إيال زامير، هدّد في نهاية أغسطس/آب باستهداف كبار مسؤولي حماس في الخارج، ويبدو أن إسرائيل أشارت للولايات المتحدة إلى نيتها العمل في قطر تحديداً.
ومع ذلك أفادت القناة 12 أن الأمريكيين لم يدركوا أن الهجوم على وشك التنفيذ إلا عندما اكتشفت أنظمة الدفاع الجوي التابعة للقيادة المركزية الأمريكية (CENTCOM)، التي تحمي القاعدة الضخمة في قطر، الطائرات الإسرائيلية.
وعلّق هارئيل متسائلاً: "هل من الممكن أن البيت الأبيض كان على علم مسبق بهجوم الدوحة، لكنه نسي إبلاغ القادة على الأرض؟".
ونوه إلى أن قائد القيادة المركزية الجديد زار إسرائيل والتقى بكبار مسؤولي الجيش الإسرائيلي قبل أيام قليلة.
وأثار المحلل العسكري الإسرائيلي احتمالين:
الأول: أن يكون ترامب يتعمد التعتيم على ملابسات هجوم الدوحة، لإفساح المجال للإنكار، وفصل الأمريكيين عن نتائج الهجوم، خاصة إذا كانت العملية الإسرائيلية قد أضرت بقطر وأخطأت هدفها الرئيسي.
وحول الاحتمال الأول، أوضح هارئيل أن ترامب لا يحب أن يُربط اسمه بالفشل، خاصة وأن لديه علاقة ومصالح معقدة مع القطريين.
الثاني: عدم وجود تنسيق كامل، ولم يعلم الأمريكيون بالأمر في الوقت المناسب.
فيما قال آرون ديفيد ميلر، الزميل بمؤسسة كارنيجي للسلام الدولي ومفاوض السلام الأمريكي: "هذه المرة، أعتقد أن ترامب منزعج من تكتيكات نتنياهو".
لكن ميلر أضاف لوكالة رويترز أن ترامب في أعماق نفسه "يتفق مع فكرة نتنياهو بأن حماس لا يمكن تفريغها من مضمونها كمنظمة عسكرية، بل يجب إضعافها بشكل جذري".
وبحسب القناة 12 العبرية، فإن المصادر تعتقد أن إسرائيل نفذت عمليتها في الدوحة "كبديل لعملية كانت تخطط لها سابقاً في تركيا وأُحبطت".
وبحسب هذه المصادر، فإن "نتنياهو وحكومته مقتنعون بأن إدارة ترامب ستتمكن من حل المسألة مع الدوحة – على عكس أنقرة التي قد يُفاقم انضمامها إلى حلف الناتو الوضع، ما قد يُكلف إسرائيل ثمناً سياسياً واقتصادياً باهظاً".
هل ضعف تأثير ترامب على نتنياهو؟
نقل تقرير لموقع "أكسيوس" عن مصدر أمريكي أن الطريقة التي تعامل بها نتنياهو ورفيقه المقرب رون ديرمر مع القضية كانت "بمثابة تذكير غير سار" بالسلوك الذي أدى إلى الاحتكاك مع ترامب في ولايته الأولى.
وبحسب الموقع الأمريكي، فإن ترامب أجرى مكالمتين هاتفيتين مع نتنياهو لمناقشة هجوم الدوحة، في الأولى أعرب الرئيس الأمريكي عن خيبة أمله من القرار الإسرائيلي وحيرته بشأن ما كان من المفترض أن يحققه على المدى الطويل.
وزعم الموقع أن ترامب طلب من نتنياهو عدم تكرار الهجوم، ورغم ذلك فإن نتنياهو رد وألمح إلى أنه لن يتردد في إصدار أمر بشن ضربة ثانية على قطر إذا بقي قادة حماس في البلاد.
لكن صحيفة "وول ستريت جورنال" ذكرت أن المكالمة الثانية بين ترامب ونتنياهو كانت ودية، وسأل الرئيس الأمريكي رئيس الوزراء الإسرائيلي إن كان هجوم الدوحة قد نجح، فقال الأخير إنه لا يعلم.
ونقلت الصحيفة عن مسؤولين أمريكيين أن ترامب، وهو مؤيد قوي لإسرائيل، يشعر بإحباط متزايد من نتنياهو، الذي يحاصره باستمرار بخطوات عدوانية يتخذها دون مساهمة الولايات المتحدة، وهو ما يتعارض مع أهداف ترامب في الشرق الأوسط.
وقال مسؤولون إن ترامب وويتكوف اشتكيا بشكل خاص في الأشهر الأخيرة من أن نتنياهو يدفعهما إلى مواقف صعبة، في كثير من الأحيان دون سابق إنذار.

وعلى مدار العامين الماضيين، نفذت إسرائيل العديد من الهجمات العسكرية في مختلف أنحاء الشرق الأوسط، وفي الغالب بموافقة ضمنية أو صريحة من الولايات المتحدة، بحسب تقرير لشبكة "بي بي سي" البريطانية.
وبحسب الشبكة البريطانية، فإنه سواء أعطت الولايات المتحدة الضوء الأخضر، أو ضعف تأثيرها على نتنياهو، فإن الولايات المتحدة متورطة أيضاً وشاركت في الأهداف ضد الحوثيين وإيران.
وأوضحت أن التصريحات الأمريكية غير كافية لتبديد الشكوك حول التواطؤ في هجوم الدوحة، ولكنه يبدو وكأنه غضب حقيقي.
وتابعت بأن الضمانات الأمريكية للدوحة، إذا ما أُعطيت فعلاً، فقد تم تجاهلها بشكل صارخ، وسوف يُنظر إليها حتماً في الخليج باعتبارها علامة على الضعف الأمريكي.
وإذا تم افتراض أن ادعاء ترامب بأنه لم يتمكن من وقف هجوم الدوحة صحيح، فإنه قد يعاني من ضربة مدمرة لمصداقيته الدولية.
وبحسب تقرير لشبكة "سي أن أن" الأمريكية، فإن هجوم الدوحة، الذي تجاهلت فيه تل أبيب تداعياته العميقة على المصالح الأمريكية الحيوية، يشكل إحراجاً جديداً لترامب.
وأوضحت الشبكة الأمريكية، أن هجوم إسرائيل في وضح النهار في الدوحة، قد يلحق ضرراً بالغاً بصورته كرجل قوي متسلط يخشى منه في الخارج، والسبب في ذلك:
- الهجوم الإسرائيلي انتهك بشكل صارخ سيادة حليف حيوي للولايات المتحدة يستضيف أكبر قاعدة أمريكية في الشرق الأوسط.
- الهجوم انتهك سيادة الدولة التي كانت تتفاوض مع حركة حماس بناء على طلب البيت الأبيض على خطة توقع ترامب أنها ستؤدي قريباً إلى اتفاق.
ويسود الاعتقاد بأن الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، لم يكن إهانة شخصية لترامب فحسب، بل إنه يعلي أهداف نتنياهو على أولويات الأمن للولايات المتحدة.
وقال السفير الأمريكي السابق لدى إسرائيل إدوارد جيرجيان، إن الهجمات "تأتي في لحظة حساسة للغاية في مفاوضات وقف إطلاق النار حيث أوضحت إدارة ترامب ومبعوثه ويتكوف، أن الرئيس يبحث عن وقف شامل لإطلاق النار وإطلاق سراح جميع الرهائن وتبادل الأسرى والمضي قدمًا وإنهاء الحرب في غزة".
وقال جيرجيان الذي خدم في ثماني إدارات، بدءاً من إدارة الرئيس جون كينيدي وانتهاءً بإدارة الرئيس بيل كلينتون، "من الواضح أن إسرائيل لا تولي اهتماماً كبيراً لمصالح الأمن القومي الأمريكي".
وأما عواقب الهجوم الإسرائيلي على الدوحة، بالنسبة للولايات المتحدة، بحسب التقرير:
- انعدام الثقة بين إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة.
- قد يقوض أي مصداقية لترامب في تظاهره بأنه وسيط بين إسرائيل وحماس، وقد يدفع قطر إلى الانسحاب من الوساطة.
- قد تكون هناك عواقب على المصالح الشخصية والسياسية لترامب في العالم العربي، والتي سعى إلى تحقيقها بقوة خلال رحلته الخليجية الأولى في ولايته الثانية.
- أصبح توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع التي كانت تأمل الإدارة الأمريكية في إبرامها، والتي تشكل مفتاح دفع ترامب نحو جائزة نوبل للسلام ــ أكثر بعدا من أي وقت مضى.
وتقول الشبكة، أنه رغم حديث نتنياهو بأن الهجوم على الدوحة كان "عملية إسرائيلية مستقلة تماماً"، تواجه الولايات المتحدة صعوبة في إقناع المنطقة بعدم علمها بالأمر.
وأوضحت أن المظلة الأمنية الأمريكية التي يفترض أن توفرها قاعدة العديد الجوية، لم تمنع انتهاكاً لسيادة قطر، ولذلك بحسب تحليل الشبكة الأمريكية، فإن الهجوم سيرسخ اعتقاداً سائداً في الشرق الأوسط بأنّ ترامب يفتقر إلى أيّ نفوذ على نتنياهو.