الجيش ينتشر في مطار بن غوريون لمنع سفر “الحريديم الفارِّين من التجنيد” إلى أوكرانيا.. كل ما نعرفه عن الصدام المرتقَب

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/28 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/28 الساعة 13:01 بتوقيت غرينتش
احتجاجات للحريديم ضد التجنيد/ رويترز

من جديد، أطلت أزمة تجنيد الحريديم برأسها في المشهد السياسي الإسرائيلي، حيث كشفت تقارير أن جيش الاحتلال يستعد لنشر فرق الشرطة العسكرية في جميع منافذ الخروج بالبلاد، بما في ذلك مطار بن غوريون والمعابر البحرية والبرية، لمنع مغادرة الفارين من الخدمة العسكرية من طائفة الحريديم بشكل غير قانوني إلى مدينة أومان الأوكرانية لقضاء عطلة رأس السنة اليهودية، في وقت تلقى فيه حوالي 60 ألف جندي احتياطي أوامر التعبئة لاحتلال مدينة غزة ضمن عملية "عربات جدعون 2".

ونقلت القناة 12 العبرية عن مسؤولين في جيش الاحتلال الإسرائيلي أن هناك ضغوطاً تُمارس لتمكين الشباب الحريديم من السفر إلى مدينة أومان الأوكرانية لزيارة قبر الحاخام نحمان، الذي اعتاد اليهود المتدينون زيارة قبره كل سنة، والعودة من جديد إلى تل أبيب.

ومع ذلك، أضاف المسؤولون أنهم لم يتلقوا تعليمات بالسماح بسفر المتهربين من الخدمة العسكرية إلى أوكرانيا.

الإسرائيليين حول العالم
مطار بن غوريون الإسرائيلي/أرشيفية – الأناضول

وقالوا: "إذا طُلب منا ذلك، فسنلتزم بالقانون، ولن تكون هناك أي معضلة".

ومن المعروف أن الحريديم، وهو مصطلح يشير إلى اليهود المتدينين المتشددين، يعارضون التجنيد الإجباري في جيش الاحتلال، وقد أثارت معارضتهم للتجنيد جدلاً كبيراً في إسرائيل، خاصةً مع بدء الحرب على غزة منذ ما يقرب من عامين، وفي ظل أزمة نقص القوى البشرية التي يعاني منها الجيش.

وتُقدَّر أعداد الفارِّين من الخدمة العسكرية في إسرائيل بحوالي 14600، غالبيتهم من الحريديم.

ما هو موقف الحكومة من سفر الجنود الحريديم؟

  • وفي الوقت الذي أعلن فيه الجيش عن اعتزامه البدء في حملة اعتقالات بحق الفارين من التجنيد من منافذ السفر المختلفة، خصصت حكومة الاحتلال، برئاسة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأحد الماضي، 10 ملايين شيكل (حوالي 2.8 مليون دولار) لتسيير الرحلات الجوية إلى مدينة أومان الأوكرانية.
  • وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية إن حكومة نتنياهو قررت تخصيص 10 ملايين شيكل، بدعم من خمس وزارات، لدعم الرحلات الجوية إلى قبر الحاخام نحمان في رأس السنة العبرية القادم.
  • وتشير تقديرات إلى أن أعداد الإسرائيليين الذين اعتادوا السفر إلى أوكرانيا لقضاء عطلة رأس السنة العبرية تتجاوز حوالي 50 ألف شخص.
نتنياهو الحريديم
أزمة الحريديم تهدد بالإطاحة بحكومة نتنياهو والذهاب إلى انتخابات مبكرة/ عربي بوست

ما هو موقف الحريديم؟

  • ورداً على موقف الجيش، هدد الحريديم بالتصعيد وأعلنوا استعدادهم لتعطيل المجال الجوي لمطار بن غوريون، بحسب تقرير لموقع آي 24.
  • وهدد التيار المتطرف في الحريديم، حسب وصف الموقع الإسرائيلي، بإغلاق المطار لفترة طويلة إذا استمرت حملة الاعتقالات التي يعتزم الجيش تنفيذها بحق الفارين من الخدمة العسكرية.
  • فيما هدد رئيس مركز "مغين وموشياع"، وهو مؤسسة إسرائيلية تُعنى بالحريديم، يسرائيل بروش، بأنه "لو تطلب الأمر، سنأتي بـ20 ألف شخص إلى المطار ونعطّل المكان. إذا لم نسافر، لن نسمح لأحد بالسفر أيضاً".
  • وأشارت تقارير إلى أن قادة الحريديم، ومن بينهم الحاخام الأكبر لمدينة برسلاف في أوكرانيا، شالوم أروش، طالبوا نتنياهو بصياغة خطة مُتفق عليها مع الجيش الإسرائيلي تسمح للحريديم الخاضعين للتجنيد الإجباري بالسفر جواً إلى أومان.
  • فيما يعمل رئيس حزب شاس الديني، أرييه درعي، على وضع خطة لمنع تنفيذ الجيش حملة اعتقالات بحق الحريديم في مطار بن غوريون.
  • وقال درعي إنه ينبغي صياغة مخطط متفق عليه مع الجيش الإسرائيلي ووزارة الدفاع، يسمح للخاضعين للخدمة العسكرية والفارين من الخدمة، الذين لا يستطيعون مغادرة البلاد، بالسفر جواً إلى أومان، مدّعياً أن هذا لأغراض دينية وليس للترفيه.

ماذا قالت المعارضة؟

  • أعربت شخصيات سياسية إسرائيلية وجنود احتياط عن معارضتهم لسفر الحريديم المتخلفين عن الخدمة العسكرية إلى أوكرانيا.
  • وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، على موقع إكس: "لماذا تُموَّل أموال ضرائبنا الرحلات الجوية إلى أومان؟ منذ متى موّلت الحكومة الرحلات الجوية الخارجية للمواطنين؟ ولماذا يطالب درعي فجأةً بخطة تسمح للمتهربين من التجنيد بالسفر؟ المكان الوحيد الذي يجب أن يسافروا إليه هو مراكز الاعتقال".
  • واتصل موران ميشيل، أحد قادة الاحتجاجات التي تطالب بإنهاء الحرب، بالمستشار القانوني لنتنياهو بشأن هذه المسألة. وقال ميشيل: "الحكومة تُساعد المتهربين من التجنيد، في انتهاكٍ صارخ للقانون، وانتهاكٍ مباشرٍ لسيادة القانون".
  • وقال بيان لحزب إسرائيل بيتنا: "مرة أخرى، تتخلى الحكومة عن الجنود وتُولي رعاية بالفارين من الخدمة العسكرية. بينما يقضي عشرات الآلاف من جنود الاحتياط عطلة الأعياد بعيداً عن عائلاتهم وأطفالهم، بموجب الأمر 8، ينشغل نتنياهو بإلغاء العقوبات المفروضة على المتهربين من الخدمة العسكرية ليتمكنوا من السفر للاحتفال في أومان. هذه الحكومة لا حق لها في الوجود".
  • وانتقد جاي لوفر، والد أحد جنود الاحتياط في جيش الاحتلال، جهود الحكومة للسماح للمتهربين من الخدمة العسكرية بالسفر إلى أومان، حتى مع وجود مذكرة توقيف بحقهم.
إنهاء حرب غزة
قوات من جيش الاحتلال الإسرائيلي/shutterstock

من هم اليهود الحريديم؟

  • الحريديم، وهو مصطلح مشتق من الجذر العبري "ح.ر.د"، ويعني "المتقي"، يشير إلى اليهود الذين يلتزمون بنمط حياة تقليدي صارم.
  • نشأت هذه الطائفة في أوروبا الشرقية خلال القرن الـ18 كحركة مضادة لتوجهات الحداثة التي اجتاحت المجتمعات اليهودية آنذاك.
  • تأثرت هذه الحركة بمدارس فكرية عديدة أبرزها "الحسيدية" التي نشأت في بولندا وليتوانيا، والمدرسة غير الحسيدية في هنغاريا وألمانيا.
  • تأسست اليهودية الحسيدية على يد الحاخام نحمان برسلاف الذي عاش في أوكرانيا عام 1802، وهي الحركة التي انتقلت إلى إسرائيل ونمت بشكل كبير خلال نهاية القرن الـ20 لتصبح من أهم مكونات الطائفة الحريدية.
  • يعود تاريخ تأسيس الطائفة الحريدية بفلسطين إلى فترة الانتداب البريطاني، خاصة بين عامي 1919 و1929، وينقسم الحريديم إلى تيارات مختلفة ومتباينة فكرياً مثل "الليتائيم" و"الحسيديم" و"السفارديم" المؤيدة لقيام "إسرائيل".
  • لكن هناك بينهم أيضاً المعارضين لها، مثل حركة "ناطوري كارتا" أو "حراس المدينة" التي نشأت خلال منتصف الثلاثينيات من القرن الـ20 بزعامة الحاخام عمرام بلوي (1894-1974)، وهي حركة اشتهرت بمواقفها الرافضة لكل ما تقوم به إسرائيل، بما في ذلك رفضها بطاقات الهوية الإسرائيلية وتخلي بعض أتباعها عن الجنسية الإسرائيلية.
  • تأتي معارضة "ناطوري كارتا" قيام إسرائيل من معتقدات دينية تفترض أن الرب عاقب اليهود بالنفي والشتات بسبب ذنوبهم، وأن عليهم انتظار مشيئته وتوبتهم للتخلص من هذه العقوبة، وتعتبر إقامة دولة إسرائيل "تمردا على الرب" بالنسبة لهم. يسكن أفراد ناطوري كارتا في القدس ولندن ونيويورك، ويتراوح عددهم داخل إسرائيل بين (5000-10000) شخص، وهم يرفضون الحصول على دعم من الحكومة كما أنهم لا يشاركون في انتخابات (الكنيست)، ويعترفون بحق الشعب الفلسطيني في الاستقلال.
  • يتمركز وجود الحريديم بشكل رئيسي في "إسرائيل"، لكن هناك قطاع واسع منهم يقيم في الولايات المتحدة الأمريكية. ولكل جماعة من اليهود الحريديم مواقفهم الخاصة، فهناك من يعتبر أن الديمقراطية لا تتوافق مع قيم الشريعة اليهودية ويظهر رفضاً مطلقاً للخدمة العسكرية.
  • يمتلك الحريديم اليوم مؤسسات خاصة بهم للتقاضي في إسرائيل، وتسمى محكمة العدل الحريدية، وتختص في قضايا فض النزاعات وقوانين الأحوال الشخصية وقيادة الطوائف والمؤسسات والمعلمين المختصين في البت بالمسائل الدينية.

ما حجم الحريديم وما تأثيرهم السياسي؟

  • يمثل الحريديم حوالي 17% من المجتمع اليهودي في "إسرائيل"، مع تعداد يصل إلى مليون و200 ألف نسمة بحلول عام 2020. يُتوقع أن يشكلوا أكثر من 20% من السكان اليهود بحلول عام 2028 بسبب معدلات النمو السكاني العالية التي تصل إلى حوالي 6% سنوياً. 
  • لذلك يشكل الحريديم كتلة انتخابية وازنة على المستوى الانتخابي، وتشكل الأحزاب الحريدية مثل "شاس" و"يهدوت هتوراه" قوة حاسمة في الحكومات الائتلافية، حيث يدعمون عادة الحكومات التي توفر لهم مزايا اقتصادية وتعليمية.
بنيامين نتنياهو
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو/رويترز

ما أسباب رفضهم التجنيد الإجباري؟

  • يشكل رفض الحريديم للتجنيد في الجيش الإسرائيلي إحدى أكثر القضايا إثارةً للجدل، حيث يعتبرون دراسة التوراة حماية لـ"إسرائيل" أكثر أهمية من الخدمة العسكرية. 
  • يرى الحريديم أيضاً أن الاندماج في الجيش سيهدد أسلوب حياتهم المستمر منذ أجيال، وأن الدخول للجيش يعني الاختلاط والتفسق والانحلال الأخلاقي وضياع دراسة التوراة. وخلال الحرب الجارية، دعا الحاخام الأكبر السابق لـ"إسرائيل" يتسحاق يوسيف، اليهود المتدينين "الحريديم" إلى الاستمرار في رفض التجنيد بالجيش وتمزيق أوامر الاستدعاء للخدمة العسكرية، قائلاً "مَن ينضمون إلى الجيش يفسدون. هناك مجندات وضابطات وألفاظ نابية، هناك أشياء فظيعة وغير لائقة. لا تذهبوا إلى هناك".
  • وبدأت فكرة إعفاء فئة الحريديم من الخدمة العسكرية منذ الأيام الأولى من تأسيس دولة الاحتلال، إذ أعفي 400 طالب من المدارس الدينية (اليشيفوت) والذين اعتبروا أن دراسة التوراة هي مهنتهم.
  • استمرت الحكومات المتعاقبة على إسرائيل تحدد عدد الطلبة المعفيين من الخدمة العسكرية، وفي عام 1977 ألغي تحديد عدد الطلبة، وأصبح كل حريدي يحصل على إعفاء منها بشكل تلقائي.
  • على الرغم من هذا الإعفاء فإن "إسرائيل" تمكنت من دمج بعض الحريديم في الخدمة العسكرية خلال تسعينيات القرن الماضي، إذ أسست وحدة عسكرية خاصة بهم، كما انخرطوا في مختلف المجالات العسكرية والأمنية، بما في ذلك جهاز المخابرات، لكن بشكل قليل.
  • في عام 2017 أصدرت المحكمة العليا قراراً بإلغاء إعفاء الحريديم من الخدمة العسكرية، معتبرة ذلك تمييزاً يمس بمبدأ المساواة، وأمرت الحكومة بإيجاد حل ووضع قانون لذلك، لكن حتى اللحظة لم تحل هذه المسألة ويتم تمديد إعفاء الحريديم كل عام. وبينما تعارض الأحزاب الدينية قانون تجنيد "الحريديم"، فإن الأحزاب العلمانية والقومية تؤيّده بقوة، وهو ما يتسبب لنتنياهو في إشكالية تهدد ائتلافه الحاكم الذي يعتمد بشكل جيد على قوة تثمل الحريديم.
تحميل المزيد