صفعة جديدة للجامعات الأمريكية.. كيف ستؤدي سياسات ترامب المتشددة إلى حرمانها من 150 ألف طالب أجنبي؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/27 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/27 الساعة 12:18 بتوقيت غرينتش
احتجاجات دعم للفلسطينيين في جامعة هارفارد الأمريكية/ رويترز

مع انطلاق الفصل الدراسي الخريفي في الجامعات الأمريكية، يواجه الطلاب الدوليون رفضاً لتأشيراتهم الدراسية، نتيجة الإجراءات التي انتهجتها إدارة الرئيس دونالد ترامب، والتي تبنّت حملة قمع ضد الجامعات في الولايات المتحدة، لأسباب عدة، من بينها الحراك الطلابي الداعم لغزة، الذي شهده الحرم الجامعي على مدار العام الماضي. 

وفي ظل حالات الرفض الكبيرة التي يتعرّض لها الطلاب الدوليون الراغبون في الدراسة في الولايات المتحدة، تبرز توقعات بأن تشهد الجامعات الأمريكية هذا العام انخفاضاً غير مسبوق في أعداد الطلاب الدوليين المقبولين لديها، ويدفع مئات الآلاف من الدارسين إلى البحث عن جامعات بديلة في أوروبا وغيرها من الوجهات التعليمية.

وتحدث طلاب قادمون من خلفيات متنوعة، ولديهم خطط للحصول على منح دراسية متنوعة في الولايات المتحدة إلى موقع ذا إنترسبت عن سلسلة من المشاكل التي يواجهونها للحصول على تأشيرة دراسية وسط حالات التدقيق التي وضعتها إدارة ترامب.

الحديقة الخلفية لواشنطن.. لماذا يصطدم ترامب بأمريكا اللاتينية؟
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب – رويترز

ومنذ بدء ولايته الرئاسية الثانية في 20 يناير/كانون الثاني 2025، استهدفت سياسات ترامب المؤسسات الأكاديمية والجامعات الأمريكية بمزيد من التدقيق وفرض الرقابة المالية، مع شن تهديدات بوقف التمويل الفيدرالي للبعض منها، واتهامها من جهة بأنها واقعة في قبضة اليسار المتطرف، وبأنها فشلت في جهود مكافحة السامية.

الرفض التعسفي

ومن بين الحالات التي رصدها موقع ذا إنترسبت الأمريكي حالة الصحفي الهندي، كوشيك راج، الذي أبلغته إدارة ترامب هذا الأسبوع برفض تأشيرته لدراسة الماجستير في الولايات المتحدة.

وأُبلغ راج، وهو صحفي عمل في صحف دولية وهندية على حد سواء، في رسالة الرفض بأن الحكومة الأمريكية ترى أنه لا ينتوي العودة لوطنه.

وكان راج مستعداً لدراسة صحافة البيانات في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا، وقد شعر بالدهشة؛ فعائلته بأكملها في الهند، وتقاريره تغطي شؤون الهند، وقد أخبر القنصل الأمريكي خلال مقابلته أنه ينوي استخدام المهارات التي كان سيكتسبها في جامعة كولومبيا لإعداد تقارير مستندة إلى البيانات عن المناطق الريفية في الهند.

وقال لموقع ذا إنترسبت: "أتعرض للعقاب بسبب عملي الصحفي، وآرائي".

هكذا نشر إدوارد سعيد الوعي بالقضية الفلسطينية في الغرب
اعتصام طلاب محتجين على الحرب ضد غزة في جامعة كولومبيا، التي كان إدوارد سعيد أستاذاً جامعياً للنقد الأدبي والأدب المقارن / رويترز

ورُفضت طلبات الكثيرين لأسباب لا يمكنهم استيعابها، بينما انتظر آخرون أسابيع لحين البت في طلباتهم.

وتشمل معاناة الطلاب الأجانب الحاصلين على قبول جامعي أيضاً عدم استطاعتهم الحصول على مواعيد لمقابلات التأشيرة حتى مع بدء برامجهم الأكاديمية. وامتدت فترات انتظار "المعالجة الإدارية" لطلبات التأشيرة من أيام إلى أسابيع، بل إلى أكثر من شهر.

وقالت إيلورا موخيرجي، الخبيرة في قانون الهجرة في كلية الحقوق بجامعة كولومبيا: "لقد اتخذت إدارة ترامب عدداً لا يُحصى من الإجراءات منذ يناير/كانون الثاني ما يجعل من الصعب للغاية على الطلاب الدوليين القدوم إلى الولايات المتحدة، وحتى إذا كانوا هنا، فإنهم لا يستطيعون إكمال دراستهم".

وأشارت إلى إلغاء تأشيرات الطلاب لأكثر من ألف شخص في مارس/آذار وأبريل/نيسان، وسياسة التدقيق في حسابات المتقدمين على مواقع التواصل الاجتماعي للحصول على التأشيرات، وحظر السفر المفروض على مواطني عدة دول، من بينها دول عربية وإسلامية، في يونيو/حزيران الماضي.

انخفاض غير مسبوق في أعداد الطلاب الأجانب

ونتيجةً لذلك، قد تشهد الولايات المتحدة انخفاضاً في أعداد الطلاب الدوليين الوافدين بحوالي 150 ألف طالب هذا الخريف، وفقاً لتحليل نشرته جمعية المعلمين الدوليين (NAFSA)، وهي منظمة أمريكية غير ربحية تُعنى بمتابعة التعليم الدولي.

وأشارت الدراسة إلى أن هذا الانخفاض الحاد في أعداد الطلاب الدوليين في الولايات المتحدة قد يُسفر عن خسائر في الإيرادات تُقدَّر بنحو 7 مليارات دولار.

وقال خبراء إن بيانات منصات البحث التعليمية تشير إلى أن هجوم ترامب على الجامعات قد أثَّر أيضاً على الاهتمام الدولي بالدراسة للحصول على شهادة في الولايات المتحدة، وقوَّض القدرة التنافسية للجامعات الأمريكية، وفق تقرير لصحيفة فايننشال تايمز البريطانية.

طلاب الجامعات الأمريكية
طلاب الجامعات الأمريكية

ولا يقتصر الأمر على الطلاب الأجانب، بل يشمل ذلك أيضاً الطلاب الأمريكيين أنفسهم، حيث كشفت بيانات عن ارتفاع عدد الطلاب الأمريكيين الراغبين في الدراسة في دول أخرى، في مقدمتها المملكة المتحدة.

وأفادت منصة Studyportals، وهي منصة بحث طلابية عالمية تتتبع مشاهدات صفحات مستخدميها لتقييم تفضيلاتهم للبرامج الدراسية، بزيادة مذهلة في الاستفسارات، مع بدء الطلاب الأمريكيين في استكشاف الفرص التعليمية في الخارج في السابع من نوفمبر/تشرين الثاني 2024، أي بعد يومين فقط من فوز ترامب في الانتخابات الرئاسية.

وقال طلاب لموقع ذا إنترسبت إنهم لم يعودوا مهتمين بالقدوم إلى الولايات المتحدة من أجل تعليمهم، ويتطلعون الآن إلى الجامعات الأوروبية بدلاً من ذلك.

وقالوا إنهم سينصحون الآخرين بالابتعاد عن الولايات المتحدة أيضاً.

وأضافوا: "الأمر لا يستحق المخاطرة. انتظروا، خلال السنوات الثلاث أو الأربع القادمة، حتى الإدارة القادمة".

حرب على الطلاب الأجانب

وقال مختصون إن رفض إدارة ترامب منح تأشيرات الطلاب للأجانب هو جزء من حملة أوسع نطاقاً لتطبيق قوانين الهجرة.

وقال ستيفن ييل-لوهر، أستاذ قانون الهجرة المتقاعد بجامعة كورنيل: "أعلنت هذه الإدارة الحرب على الطلاب الدوليين بطرق متنوعة: بدءاً من اعتقال من دافعوا عن الفلسطينيين، وصولاً إلى قمع الجامعات بزعم أنها تستقبل عدداً كبيراً جداً من الطلاب الدوليين". وأضاف: "إن إبطاء عملية منح التأشيرات أو إصدار المزيد من قرارات رفض التأشيرات هي وسائل إدارية لتحقيق هذا الهدف".

وفي أوائل يوليو/تموز، سافر طالب دولي مُلتحق ببرنامج دراسات عليا في الهندسة بجامعة أمريكية مرموقة مسافة 700 ميل عبر الهند لحضور مقابلة للحصول على تأشيرة طالب F-1. وكانت هذه هي المرة الثانية التي يقوم فيها بهذه الرحلة، بعد أن أجّلت إدارة ترامب موعده السابق في مايو/أيار في اللحظة الأخيرة، وسط توقف عالمي لمقابلات التأشيرة الأمريكية.

وفي نهاية المقابلة، سُلِّم الطالب إشعاراً يُطلب منه فيه تقديم تفاصيل بشأن جميع حساباته على مواقع التواصل الاجتماعي خلال الأربع والعشرين ساعة القادمة.

محمود خليل
مظاهرات في نيويورك احتجاجًا على اعتقال محمود خليل – رويترز

وفي الأسابيع التي تلت ذلك، ظلّت حالة تأشيرة الطالب على حالها على بوابة التقديم. ثم في أوائل أغسطس/آب، قبل أسبوعين من بدء البرنامج الدراسي، وصل رد يفيد برفض طلب التأشيرة.

وينص قانون الهجرة والجنسية، الذي رُفض بموجبه منح الصحفي راج وطالب الهندسة تأشيرات، على إلزام طالبي تأشيرات غير المهاجرين بإثبات نيتهم العودة إلى وطنهم. ويمنح هذا القانون المسؤولين القنصليين سلطة تقديرية واسعة، وفقاً لييل-لوهر.

ولا توجد وسيلة للمتقدمين للاعتراض أو الطعن على رفض التأشيرة بموجب البند المتعلق بنية الطلاب العودة إلى وطنهم. وقال طالب قُبِل في جامعة خاصة مرموقة على الساحل الشرقي لدراسة علوم الحاسوب، إنه رُفض فوراً في مقابلة التأشيرة، رغم بذله جهداً كبيراً لذكر هدفه في الاستفادة من دراسته في الولايات المتحدة للحصول على فرص عمل أفضل في وطنه.

وقال طالب علوم الحاسوب: "كان الأمر مدمراً. لم أستطع فهم ما حدث".

وقال طالبان تم رفض طلبات الحصول على تأشيرة لهما بموجب بند العودة إلى الوطن، المادة 214 (ب) من قانون الهجرة والجنسية، لموقع ذا إنترسبت، إن برامجهما تضمنت دراسات الذكاء الاصطناعي، وتساءلا عما إذا كان هذا هو السبب الحقيقي وراء رفض طلباتهما.

حجج الإرهاب 

وفي وقت سابق من هذا الشهر، أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية إلغاء حوالي 6000 تأشيرة طلابية بسبب تجاوز مدة الإقامة وانتهاك القانون، وفق وكالة الأناضول

وأضافت الوزارة أن ما بين 200 و300 من هذه التأشيرات أُلغيت بسبب اتهامات بالتورط في "دعم الإرهاب". وقد استخدمت إدارة ترامب حججاً مماثلة لملاحقة طلاب مؤيدين لفلسطين، مثل محمود خليل ومحسن مهداوي وآخرين.

وفي 19 أغسطس/آب، أصدرت إدارة ترامب إرشادات محدثة تنص على أن عمليات فحص الهجرة لتعديل وضع التأشيرة سوف تسعى إلى ضمان عدم ارتباط المتقدمين بأي "أيديولوجيات أو أنشطة معادية لأمريكا، أو الإرهاب المعادي للسامية، والمنظمات الإرهابية المعادية للسامية، أو الترويج لأيديولوجيات معادية للسامية"، وهي الحجج التي ساقتها جامعات لقمع النشاط المؤيد لفلسطين في الحرم الجامعي.

وفي مايو/أيار الماضي، أعلنت إدارة ترامب تعليقاً عالمياً لمقابلات تأشيرات الطلاب الأمريكية. ولا يزال تأثير هذا التعليق، الذي استمر قرابة شهر، إلى جانب التباطؤ الملحوظ في عملية الموافقة على التأشيرات، ملحوظاً.

وبعد دفع ودائع غير قابلة للاسترداد لجامعاتهم وتأمين التمويل اللازم لتغطية تكاليف برامجهم، لم يتمكن العديد من الطلاب من العثور على موعد لإجراء مقابلة للحصول على تأشيرة.

الدولة العميقة في إسرائيل
البيت الأبيض/ رويترز

حملة ترامب على الجامعات

وتشكل الحملة على تأشيرات الطلاب الدوليين جزءاً من هجمات إدارة ترامب على الجامعات، وهي جزء من الهجوم اليميني على المعاقل الليبرالية المزعومة.

وإلى جانب إلغاء تمويل المنح الفيدرالية وفتح تحقيقات ضد عدة جامعات، هددت إدارة ترامب أيضاً بجعل قبول الطلاب الدوليين أكثر صعوبة.

وغالباً ما يدفع الطلاب الدوليون الرسوم الدراسية كاملة، وبالتالي يمكنهم أن يُشكلوا مصدر دخل قيّماً لمؤسسات التعليم العالي في جميع أنحاء البلاد.

على سبيل المثال، في إطار حربها على جامعة هارفارد، أشارت إدارة ترامب صراحةً إلى الإيرادات التي يدفعها الطلاب الأجانب للجامعة.

كما علّقت الإدارة وصول جامعة هارفارد إلى نظام تسجيل تأشيرات الطلاب في يونيو/حزيران، واضطرت هارفارد إلى طلب إيقاف مؤقت من المحاكم لمواصلة قبول الطلاب الدوليين.

وفي جامعة كولومبيا، وكجزء من صفقة لاستعادة التمويل الفيدرالي للجامعة، والتي يُنظر إليها على نطاق واسع من قبل المنتقدين على أنها استسلام لمطالب إدارة ترامب، وافقت إدارة الجامعة على بند ينص على أنها "ستفحص نموذج أعمالها وتتخذ خطوات لتقليل الاعتماد المالي على تسجيل الطلاب الدوليين".

تحميل المزيد