رغم الضربات الجوية المتواصلة، لا يزال جيش الاحتلال عاجزاً عن هزيمة الحوثيين في اليمن، الذين يطلقون وابلاً من الصواريخ بين الحين والآخر على أهداف إسرائيلية رداً على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة، حيث أكدوا مراراً مواصلة استهدافهم للسفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئها، حتى وقف تلك الإبادة.
ومنذ مارس/آذار الماضي، أطلق الحوثيون أكثر من 70 صاروخاً و22 طائرة مسيّرة على أهداف داخل إسرائيل.
والأحد الماضي، قال جيش الاحتلال الإسرائيلي في بيان إن "طائرات حربية أغارت على بنى تحتية عسكرية بصنعاء، من بينها مجمع عسكري يضم القصر الرئاسي ومحطتا الطاقة حزيز وأسار، إضافة إلى موقع لتخزين الوقود كان يُستخدم لأنشطة الحوثي العسكرية"، وفق ادعائه.
وأفاد بيان صادر عن وزارة الصحة والبيئة في حكومة الحوثيين (غير معترف بها دولياً) "باستشهاد عشرة مواطنين وإصابة 92 آخرين، بينهم سبعة أطفال وثلاث نساء، جراء العدوان الصهيوني على محطة شركة النفط في شارع الستين ومحطة كهرباء حزيز جنوبي العاصمة صنعاء".

ورغم التهديدات الإسرائيلية بالقضاء على الحوثيين، إلا أن تل أبيب لا تزال تكافح لمواجهة تهديد الجماعة اليمنية، التي خلّفت هجماتها على السفن في البحر الأحمر تبعات اقتصادية هائلة على الاحتلال، إلى الحد الذي قرر فيه إغلاق ميناء إيلات البحري.
لماذا لا يمكن لإسرائيل هزيمة الحوثيين؟
استعرضت تقارير عدة الصعوبات التي تواجه جيش الاحتلال في مواجهة الحوثيين، ومن أبرزها:
أولاً: استهداف البنى التحتية لا يُقوّض القدرات العسكرية للحوثيين
وفق تقارير، فإن الضربات الإسرائيلية على محطات الطاقة في اليمن تُجسّد فشل الاحتلال الاستراتيجي.
وأشار تقرير لموقع ريسبونسبل ستات كرافت الأمريكي إلى أن الهجمات الإسرائيلية على البنية التحتية المدنية تفرض صعوبات شديدة على السكان المدنيين في اليمن، في حين لا تفعل شيئاً لتقويض القدرات العسكرية للحوثيين.
يأتي ذلك، بينما تصاعدت حملة إسرائيل الآن لتتجاوز استهداف الأهداف العسكرية الحوثية لتشمل بُنى تحتية مدنية حيوية.
وتعكس الاستراتيجية الإسرائيلية في مهاجمة المنشآت المدنية حسابات خاطئة جوهرية. فهذه الضربات، وإن كانت مُعطِّلة بلا شك، إلا أنها من غير المرجح أن تؤثر بشكل كبير على عزم الحوثيين على مواصلة العمليات العسكرية دعماً لغزة.
وفيما يتعلق باستهداف البنية التحتية للطاقة تحديداً، فقد انتقلت الأراضي الخاضعة لسيطرة الحوثيين إلى الاعتماد بشكل أساسي على مصادر الطاقة اللامركزية.
وأصبحت محطات الطاقة الشمسية الصغيرة، ومولدات الكهرباء المنزلية، والوحدات التي تعمل بالديزل، العمود الفقري لإمدادات الكهرباء. ونتيجة لذلك، فإن الضربات الإسرائيلية على محطات الطاقة المركزية لا تُحدث تأثيراً استراتيجياً يُذكر.
وعلاوة على ذلك، تُعزّز هذه الهجمات على المنشآت المدنية عزم أنصار الله ورواية مقاومتهم للعدوان الإسرائيلي، مما يُعزّز شرعيتهم الإقليمية في الوقت الذي تزداد فيه عزلة إسرائيل الدولية.

ثانياً: صمود الحوثيين
تُبرز التقارير الأخيرة أيضاً صمود قوات الحوثيين، حسبما أضاف موقع ريسبونسبل ستات كرافت. فمنذ توقّف الضربات الأمريكية، أفادت التقارير أنهم أعادوا بناء أنظمة الرادار، وشبكات الاتصالات، وقدرات الاستطلاع.
كما أجروا مناورات بحرية في ميناء الحديدة، ونشروا أسلحة حديثة في المناطق الساحلية على البحر الأحمر، ونقلوا ذخائر إلى المناطق الغربية الجبلية.
وقال محللون بارزون، ومن بينهم لوكا نيفولا، المحلل البارز في شؤون اليمن والخليج في مجموعة مراقبة الأزمات "موقع الصراع المسلح وبيانات الأحداث"، إن "المجموعة صمدت في وجه سبع سنوات من الغارات الجوية التي تقودها السعودية، وعام من الضربات الأمريكية في عهد إدارة بايدن، والتي لم تُسفر عن تأثير يُذكر".
وكان هذا الصمود حتى بارزاً خلال حملة القصف الأمريكية. ونقلت مجلة بوليتيكو عن بلال صعب، المسؤول الدفاعي السابق في إدارة ترامب الأولى، قوله: "اتركوا الأمر للحوثيين، سيُقاتلون حتى آخر رمقٍ في حركتهم. إنهم لن يستسلموا، ويُرحّبون بهذه المعركة مع الولايات المتحدة".
ثالثاً: انسحاب الولايات المتحدة
ولم تكن إسرائيل فقط هي التي وقفت عاجزة عن هزيمة الحوثيين، حيث تراجعت الولايات المتحدة هي الأخرى عن حملتها العسكرية ضدهم، وأعلنت التوصل إلى اتفاق مع الحوثيين بعدما تكبّدت خسائر مادية ولوجستية كبيرة. ولم يحمِ هذا الاتفاق سوى الأصول الأمريكية، وترك إسرائيل عُرضة لهجمات مستمرة.
والآن، وبعد الانسحاب الأمريكي، باتت مواجهة الحوثيين مهمة أصعب بالنسبة لإسرائيل، خاصةً وأنها بحاجة إلى شركاء لهزيمة الجماعة اليمنية، وفق وسائل إعلام عبرية.
وقال تقرير نشرته صحيفة تايمز أوف إسرائيل بشأن مواجهة الحوثيين: "سيتعين على إسرائيل بذل المزيد من الجهود أكثر من مجرد شنّ غارات جوية بين الحين والآخر. فهي تواجه عدواً عنيداً، ومُعَدّاً جيداً لتحمل حملات القصف. ولن تنجح إسرائيل في مواجهة هذا التهديد، بل وربما في تعزيز علاقاتها مع حلفائها الطبيعيين في المنطقة، إلا بالعمل مع تحالف أمريكي وعربي أقوى ضد الحوثيين".
وتساءل التقرير بقوله: إذا كانت الولايات المتحدة قد فشلت في وقف هجمات الحوثيين، فلماذا تتوقع إسرائيل نتائج أفضل؟
وتابع أنه، ولكي تنجح إسرائيل، لا يمكنها أن تتصرف بمفردها، كما فعلت في غزة ولبنان المجاورتين. وسيتعين عليها الانضمام أو قيادة تحالف متجدّد وقوي ضد الحوثيين.

رابعاً: الضربات الجوية لا تكفي
بينما تعتمد إسرائيل دائماً في حروبها على القوة الجوية، فإن الأمر لن يُجدي نفعاً مع الحوثيين، حسبما قال خبراء في شؤون الشرق الأوسط.
وأشار تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز إلى أنه نادراً ما تُربَح الحروب بالقوة الجوية وحدها، وقال خبراء عسكريون إن الأمر لن يختلف مع الحوثيين.
ونقلت نيويورك تايمز عن جيمس هولمز، رئيس "جيه سي وايلي" للاستراتيجية البحرية في كلية الحرب البحرية في رود آيلاند، أنه حتى خلال الحرب الأمريكية لإخراج العراق من الكويت في عام 1991، عندما كانت القوة الجوية في ذروتها، كان الغزو البري ضرورياً – وهزيمة الحوثيين قد تتطلب احتلالاً.
وقال هولمز: "يجب السيطرة على المنطقة لتحقيق النصر. لا يمكن للطائرات احتلال الأراضي، مهما كانت قدرتها المساندة قيّمة للجيوش ومشاة البحرية".
ورغم تباهي القادة الإسرائيليين دائماً بصور ميناء الحديدة المشتعل بعد العمليات الإسرائيلية، فإن الغارات الجوية المتقطعة لن تُخيف الحوثيين، بل قد تُعزّز وجودهم في المنطقة، وفق تقرير تايمز أوف إسرائيل.
خامساً: الجغرافيا والتضاريس
تُشكّل الجغرافيا عاملاً آخر يُصعّب من مهمة هزيمة الحوثيين، ويحدّ من فاعلية الضربات الإسرائيلية على اليمن.
ونقلت صحيفة هآرتس العبرية عن إليزابيث كيندال، المتخصصة في الشؤون اليمنية ورئيسة كلية جيرتون بجامعة كامبريدج، قولها إن الحوثيين يتمتعون بثلاث مزايا رئيسية: الجغرافيا، والخبرة، والعقلية.
وقالت كيندال: "فمعاقلهم في شمال اليمن الجبلي، وخاصة محافظة صعدة، موطن انطلاق الحركة، توفّر لهم حماية طبيعية ومكاناً للاختباء للقيادة والأسلحة".
وتابعت كيندال: "يكفي النظر إلى خريطة اليمن لإدراك أنهم يسيطرون على مناطق يصعب الوصول إليها".
علاوة على ذلك، تشير كيندال إلى أن الحوثيين "لديهم خبرة تزيد على عقدين في خوض حروب متقطعة ضد بعضٍ من أكثر جيوش المنطقة تسليحاً".

سادساً: الكلفة العالية
بينما كان أحد أسباب وقف الرئيس الأمريكي دونالد ترامب للعمليات الهجومية في اليمن في نهاية المطاف هو التكلفة الباهظة، والتي قُدِّرت بنحو مليار دولار في الشهر الأول وحده، وفقاً لمسؤولين دفاعيين أمريكيين، فإن الغارات الجوية الإسرائيلية في اليمن باهظة التكلفة أيضاً.
وقالت صحيفة هآرتس إنه، وبدون حاملات الطائرات المتمركزة في الخليج، تتضمن كل عملية إسرائيلية مهام بعيدة المدى تتطلب وقوداً، ودعماً جوياً ولوجستياً، وذخائر، بتكلفة ملايين الشواكل لكل غارة.
وقالت إنبال نسيم-لوفتون، الخبيرة في الشؤون اليمنية والباحثة المشاركة في مركز موشيه ديان للدراسات الشرق أوسطية والأفريقية بجامعة تل أبيب: "إن استخدام إسرائيل للطائرات المقاتلة بدلاً من الصواريخ أو الطائرات المسيّرة يزيد من تكلفة هذه العمليات".