لعنة التهجير.. سيناريوهات ترحيل شعب غزة تثير قلقاً داخلياً في الدول المرشحة 

عربي بوست
تم النشر: 2025/08/23 الساعة 11:57 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/23 الساعة 12:14 بتوقيت غرينتش
الفلسطينيون أثناء محاولاتهم العودة لشمال غزة - الأناضول

لا تقتصر العقبات التي تواجه المساعي الإسرائيلية للمضي قدماً في خطة تهجير شعب غزة على الرفض القاطع لسكان القطاع الفلسطيني المحاصر، بل يشمل ذلك أيضاً معارضة شعبية وشبه رسمية من الدول التي أجرى الاحتلال محادثات معها لاستقبال النازحين من غزة.

وأشارت تقارير عدة إلى أن الأنباء التي أثيرت بشأن الدول المرشحة لاستقبال الفلسطينيين قد أثارت حفيظة وقلق السكان والمتابعين في هذه الدول في ظل مخاوف من أن تثير هذه الخطط غضباً داخلياً على الصعيد الشعبي.

ولا تتعلق مشاعر الغضب هذه برفض استقبال النازحين الفلسطينيين بالأساس، وإنما بخشية التواطؤ مع إسرائيل، وعدم قدرة النازحين على العودة إلى وطنهم من جديد، وكذلك الأوضاع المعيشية الصعبة التي يواجهها سكان بعض هذه الدول التي قد تخاطر باستقرارها النسبي إذا ما وافقت على تنفيذ مخطط التهجير.

التعامل مع غزة
رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو خلال مؤتمر صحفي – رويترز

ما هي الدول المرشحة لاستقبال اللاجئين الفلسطينيين؟

وقبل عدة أيام، قالت وسائل إعلام عبرية إن تل أبيب تجري اتصالات مع 4 دول، إضافة إلى إقليم "أرض الصومال"، لمحاولة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة. وادعت القناة 12 الإسرائيلية أن "هناك تقدماً في المباحثات بهذا الشأن مع إندونيسيا، وإقليم أرض الصومال (لا يتمتع باعتراف رسمي منذ إعلانه الانفصال عن الصومال عام 1991)".

وذكرت أن الدول التي تجري إسرائيل اتصالات معها هي: "إندونيسيا، وليبيا، وأوغندا، وجنوب السودان، وإقليم أرض الصومال".

ويُضاف إلى هذه الدول مصر والأردن، اللتان كانتا من أوائل الدول التي طالبها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باستقبال اللاجئين الفلسطينيين عندما أعلن عن خطته للسيطرة على غزة في فبراير/شباط الماضي.

ما هي المخاطر التي أثارتها خطة الاحتلال لتهجير الفلسطينيين في الدول المرشحة؟

1- مصر

لطالما ضغطت إسرائيل والولايات المتحدة على مصر لإعادة توطين سكان القطاع في شبه جزيرة سيناء، وقد عارضت مصر هذه الفكرة بشدة على المستويين الشعبي والرسمي.

وشهدت الاجتماعات التي عُقدت بين مسؤولين إسرائيليين ومصريين بشأن هذه القضية مشادات كلامية، وفقاً لما نقلته صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مصادر مطلعة.

ونقلت وكالة رويترز عن مصادر أمنية مصرية أن موقف الرئاسة والجيش والمخابرات موحّد في رفض خطة التهجير التي كان قد اقترحها ترامب، رغم اختلافات في الآراء حول طريقة الرد.

ونقل موقع عربي بوست عن مصادر خاصة أن موافقة مصر على المشاركة بقوات في قطاع غزة ضمن خطة "اليوم التالي" للقطاع، بعد أن رفضت الأمر سابقاً، كانت محاولة للتصدي لمخطط التهجير.

وينبع الرفض المصري لتهجير الفلسطينيين من غزة من:

  • خشيتها من أن يتكرر التاريخ ويبقى عدد كبير من اللاجئين الفلسطينيين من غزة على أراضيها إلى الأبد.
  • تعتقد مصر أن التهجير من غزة من شأنه أن يجلب المسلحين الفلسطينيين إلى أراضيها، مما قد يؤدي إلى زعزعة الاستقرار في سيناء، بحسب وكالة أسوشيتد برس.
  • وفي أعقاب الإعلان عن خطة ترامب للسيطرة على غزة، أفاد موقع ميدل إيست آي أن مسؤلين أمريكيين حذروا البيت الأبيض من أن الاقتراح المثير للجدل قد يزعزع استقرار حليف وثيق. 
  • ونقل الموقع البريطاني عن دبلوماسي مصري أنه في حين كان السيسي يدرس ومستشاريه الأقرب فكرة قبول المزيد من الفلسطينيين من غزة، فإن المؤسسة العسكرية المصرية عارضت بشدة أي مناقشة.
اجتياح شامل لرفح
آليات قوات الاحتلال في معبر رفح/ رويترز

2- الأردن

وفي الأردن لا يختلف الحال كثيراً عن الموقف المصري بشأن الرفض الرسمي والشعبي لخطة تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة.

وكانت النكبة الفلسطينية عام 1948 تسببت في نزوح جماعي وقسري للفلسطينيين، واستوعب الأردن موجات كبيرة من اللاجئين الفلسطينيين، سرعان ما تحول ذلك إلى "منفى دائم".

كما تسبب احتلال قطاع غزة والضفة الغربية عام 1967، إلى موجة نزوح كبيرة من الفلسطينيين إلى الأردن.

وحول المخاطر التي قد تتسبب بتهجير الفلسطينيين من غزة إلى الأردن:

  • تسبب النزوح المطول بتحديات سياسية واجتماعية معقدة لعقود من الزمن، مما أثر على النمو السكاني والاستقرار بالمملكة، مشيرة إلى خشية تكرار أحداث "أيلول الأسود" والتي جرت بين الفصائل الفلسطينية والقوات الأردنية، وفقاً لمجلة فورين أفيرز.
  • بالنسبة للأردنيين، فإن تهجير سكان غزة ربما يمتد إلى تهجير الفلسطينيين من الضفة الغربية، مما يصبح الأردن "الوطن البديل" للفلسطينيين، بحسب المركز العربي واشنطن دي سي.
  • يرى بعض الأردنيين أن التهجير قد يهدد سياسة الهوية والتوازن العرقي في المملكة، مما يجعل أي محاولة للتغيير الديموغرافي خطيرة سياسياً.

3- إندونيسيا

أما في إندونيسيا، فقد أثارت خطط تقديم العلاج لـ 2000 فلسطيني مصاب في الهجمات الإسرائيلية على غزة في جزيرة غالانغ قلق بعض الزعماء الإسلاميين، الذين اتهموا الحكومة بأنها "مخدوعة" من قبل إسرائيل، وتساءلوا عن الضمانات التي سيتم وضعها لضمان عودة الجرحى إلى غزة من جديد.

ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية، الجمعة 22 أغسطس/آب، عن مسؤول حكومي أن الحكومة الإندونيسية تعمل على وضع خطط لعلاج 2000 شخص من قطاع غزة، من خلال عقد سلسلة من المناقشات بين الوزارات لمناقشة الجوانب اللوجستية والقانونية والتأثيرات المتعلقة بالسياسة الخارجية المتعلقة بالاقتراح شديد الحساسية.

ومع ذلك، أقرّ مسؤولون بأن الخطة ستكون حساسة سياسياً. وقال عبد القادر جيلاني، المدير العام للشؤون الآسيوية والمحيط الهادئ وأفريقيا بوزارة الخارجية الإندونيسية، لصحيفة الغارديان: "إحدى القضايا هي كيفية التأكد من احترام حق العودة للفلسطينيين، لأننا نعلم أن كثيرين يشعرون بالقلق من أن هذا النوع من السياسة يمكن تفسيره بطرق أخرى".

وأضاف: "لذلك، يتعين علينا التأكد من أنها ستكون متسقة مع مبدأ القانون الإنساني الدولي، وخاصة كيفية احترام حق العودة للفلسطينيين".

وقالت الغارديان إن "أي نقل دائم للفلسطينيين سوف يكون مثيراً للجدل بشكل كبير في إندونيسيا".

جنود لجيش الاحتلال عند الحدود الأردنية – رويترز

4- جنوب السودان

ذكرت تقارير عدة أن إسرائيل تبحث مع جنوب السودان إمكانية تهجير فلسطينيين من غزة إليها.

وقالت وسائل إعلام عبرية إن "وفداً إسرائيلياً يخطط لزيارة جنوب السودان لبحث إمكانية إقامة مخيمات تمهيداً لتهجير فلسطينيين من غزة".

في المقابل، نفت وزارة خارجية جنوب السودان، الأربعاء 20 أغسطس/آب، مزاعم إجراء حكومة جوبا مناقشات مع إسرائيل "بشأن توطين مواطنين فلسطينيين من غزة" في أراضيها.

وجاء بيان الخارجية رداً مباشراً على الاستياء العام على وسائل التواصل الاجتماعي إزاء خطة التهجير، بحسب موقع ذا إيست أفريكان.

وفي جنوب السودان، حيث يواجه أكثر من سبعة ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي، أعرب متابعون عن إحباطهم من خطة تهجير الغزيين إلى بلادهم، محذّرين من أنها قد تضر باستقرار البلاد مستقبلاً.

وقال أكيش كول: "لا أستطيع الوثوق بالحكومة. طالما أنها ستحصل على المال، فهي قادرة على فعل أي شيء لملء جيوبها وإنكار ذلك على وسائل التواصل الاجتماعي".

النزوح في السودان
أزمة النزوح في السودان هي الأشد على مستوى العالم بحسب الأمم المتحدة/ رويترز

فيما أشارت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إلى أن استقبال أعداد كبيرة من الغزيين في جنوب السودان سيكون مساراً أكثر خطورة على البلاد، إذ يعاني جنوب السودان من تفاقم عدم الاستقرار السياسي وتفاقم الأزمات الإنسانية.

من جانب آخر، نقلت وكالة أسوشيتد برس عن مسؤولين مصريين أنهما على علم منذ أشهر بجهود إسرائيل لإيجاد دولة تقبل الفلسطينيين، بما في ذلك اتصالاتها مع جنوب السودان. وأضافا أنهما يمارسان ضغوطاً على جنوب السودان لمنع استقبال الفلسطينيين.

ووفقاً لموقع سي إن إن الأمريكي: "قد يجد الفلسطينيون أنفسهم، على وجه الخصوص، غير مرحب بهم. فقد وضعت حرب الاستقلال الطويلة عن السودان الجنوبَ ذي الأغلبية المسيحية والروحانية في مواجهة الشمال ذي الأغلبية العربية والمسلمة".

وقال إدموند ياكاني، رئيس إحدى منظمات المجتمع المدني في جنوب السودان، إن مواطني جنوب السودان سيحتاجون إلى معرفة من سيأتي ومدة بقائهم المخطط لها، وإلا فقد تكون هناك أعمال عدائية بسبب "القضايا التاريخية مع المسلمين والعرب".

5- ليبيا

وفي ليبيا، أجرى مسؤول رفيع المستوى في الحكومة المعترف بها دولياً محادثات مع مسؤولين إسرائيليين بشأن مقترح لإعادة توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين من غزة، وفق ما أفادت مصادر متطابقة لموقع ميدل إيست آي البريطاني.

وقال مسؤولون ليبيون وعرب وأوروبيون للموقع إن مستشار الأمن القومي، إبراهيم الدبيبة، وهو قريب لرئيس الوزراء عبد الحميد الدبيبة، يقود المحادثات.

وقال مصدر ليبي إنه في محاولة لاسترضاء بعض القادة الليبيين، كانت الولايات المتحدة مستعدة لتقديم دعم اقتصادي أو مزايا أخرى مقابل استقبال ليبيا للفلسطينيين.

وأضاف المصدر أن إبراهيم الدبيبة تلقى بالفعل ضمانات بأن وزارة الخزانة الأمريكية ستفرج عن نحو 30 مليار دولار من أصول الدولة المجمدة.

وأشارت تقارير إلى أن خليفة حفتر، الزعيم العسكري القوي في شرق البلاد، عُرضت عليه سيطرة أكبر على موارد النفط في البلاد إذا وافق على إعادة توطين مئات الآلاف من الفلسطينيين.

ونفى حفتر، الذي لعب دوراً محورياً في الدمار الواسع النطاق وعدم الاستقرار في ليبيا، وكذلك الحرب الأهلية التي أعقبت ذلك في السودان المجاور، هذه التقارير.

العلاقات الجزائرية مع محيطها الإقليمي
خليفة حفتر/ رويترز

وفي غضون ذلك، قال رئيس الوزراء، عبد الحميد الدبيبة، الاثنين 18 أغسطس/آب، إن حكومته لن تتورط في "جريمة" إعادة توطين الفلسطينيين.

وبشأن المخاطر التي تنطوي على مقترح استقبال لاجئي غزة في ليبيا، قال مصدر أوروبي لموقع ميدل إيست آي إن "الأمر سيكون كارثياً على عدة مستويات".

وأضاف أنه في مواجهة الطرد القسري إلى بلدٍ مثل ليبيا، التي تشهد اضطراباتٍ سياسيةً عميقةً وحكوماتٍ منقسمة، حيث دمرت الحرب الأهلية أنظمتها ومجتمعها، لن يحظى الفلسطينيون بأي رعايةٍ من تلك الحكومات، مما سيدفعهم إلى الكارثة التالية، التي ستؤدي إلى موجةٍ جديدةٍ من الهجرة نحو شواطئ أوروبا، وهو ما يعرضهم أيضاً لمخاطر الغرق، وعدم الترحيب بهم في نهاية المطاف في أوروبا.

وحذر مسؤول عربي، كان على اطلاع وثيق بالمحادثات الأخيرة، من أن التواطؤ في خطة التطهير العرقي الإسرائيلية قد يثير غضباً واسع النطاق في جميع أنحاء ليبيا.

وقال: "إن هذا سيكون بمثابة صدمة للشعب الليبي".

6- أرض الصومال

وفي الوقت الذي شملت قائمة الدول المرشحة لاستقبال الفلسطينيين من قطاع غزة أرض الصومال، أعرب مواطنون عن قلقهم من الأنباء المتداولة بشأن الخطة.

وحذر الكثيرون على مواقع التواصل الاجتماعي رئيسَ أرض الصومال المُنتخب حديثاً، عبد الرحمن عبد الله إيرو، من السعي للحصول على اعترافٍ دوليٍّ على حساب معاناة الفلسطينيين.

ولا تنبع معارضة المواطنين من العداء تجاه الفلسطينيين؛ فهم لا يعارضون استضافتهم، ولكنهم يخشون من أن "أي محاولة لإحضارهم بالقوة إلى أرض الصومال تعني خسارة وطنهم".

ورصد تقرير لموقع ميدل إيست آي أسباب هذا القلق المتصاعد بين السكان في أرض الصومال، ومن أبرزها الاعتبارات الأخلاقية لطرد الفلسطينيين من وطنهم.

كما يعتقد السكان أن جلب الفلسطينيين إلى المنطقة قد يؤدي إلى تعطيل حالة السلام النسبي في أرض الصومال  مقارنة بالأراضي التي تسيطر عليها الحكومة الصومالية المتمركزة في مقديشو.

واستشهد مواطنون بتهديدين: الأول هو جماعة الشباب، التي قد تستخدم مثل هذه الخطوة غير الشعبية لحشد الدعم وزيادة التجنيد. والثاني هو رد الفعل بين سكان أرض الصومال أنفسهم.

غزة
النازحون الفلسطينيون يستعدون للعودة إلى مدينة غزة وشمالها/ الأناضول

وقال أحدهم: "إذا أعلنت حكومة أرض الصومال عن مثل هذه النية، فإن الناس سيتسلحون ويقاتلون ضدها".

وقال جوليد أحمد جامع، أحد المدافعين عن حقوق الإنسان، إن "دستور أرض الصومال ينص صراحة على احترام القانون الدولي". 

وأضاف أن أي نزوح قسري للفلسطينيين من غزة لن ينتهك هذا الالتزام فحسب، بل قد يجعل أرض الصومال متواطئة في الإبادة الجماعية ضد الفلسطينيين في غزة".

وتابع أن مثل هذه الخطوة من شأنها أيضاً أن تؤدي إلى ثورات داخلية وتؤدي إلى حالة كبيرة من عدم الاستقرار، ليس فقط داخل أرض الصومال ولكن في جميع أنحاء منطقة القرن الأفريقي.

فيما أشار الدكتور عبد الفتاح إسماعيل طاهر، الباحث في جامعة مانشستر، إلى أن توطين الفلسطينيين في أرض الصومال يواجه تحديات كبيرة في مقدمتها الفرص الاقتصادية المحدودة، وندرة الأراضي، واحتمال نشوء التوترات العشائرية.

تحميل المزيد