يبدو أن رئيس أركان الجيش الإسرائيلي آيال زامير، الذي جرى تعيينه قبل أشهر قليلة، لم يرق للحكومة الإسرائيلية التي عينته، بعد شيطنة رئيس الأركان السابق هرتسي هاليفي، ووزير الجيش السابق يوآف غالانت، حيث بدأت أروقة الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو بشن حملة ضده وصلت إلى المطالبة بإقالته.
وفي أوائل مارس/ آذار 2025، تم تعيين الجنرال آيال زامير رئيسًا جديدًا لهيئة الأركان، خلفًا لهاليفي الذي قدم استقالته بعد توجيه انتقادات حادة له بسبب 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، وقضايا أخرى تتناقض مع رغبات نتنياهو وحكومته اليمينية المتطرفة.
وكان زامير هو الخيار المفضل لبنيامين نتنياهو، وقد اعتبره وزراء الحكومة الإسرائيلية "الخيار الأنسب" للمنصب.
متى بدأت الخلافات بين رئيس أركان الجيش الإسرائيلي ووزراء الحكومة؟
لكن سرعان ما بدأ وزراء الحكومة الإسرائيلية بالانقلاب على زامير، بسبب الحرب على قطاع غزة، وبعد الخطة التي اعترض عليها والمتعلقة باحتلال مدينة غزة.
وكان الصدام الأول بين زامير ووزراء في الحكومة الإسرائيلية في 22 أبريل/ نيسان 2025، عندما هاجم وزير المالية بتسلئيل سموتريتش رئيس الأركان الجديد بسبب قضية توزيع المساعدات الإنسانية في غزة، داعيًا إياه إلى الاستقالة إذا لم يستطع تنفيذ مهمته، مشددًا على أن الجيش ملزم بتنفيذ قرارات القيادة السياسية.
وتجدد الصدام بين زامير وسموتريتش في الأسبوع الأول من يوليو/ تموز 2025، عندما اتهم وزير المالية الجيش بالفشل في إدارة توزيع المساعدات الإنسانية في غزة.
كما اتهم الوزيران سموتريتش وبن غفير رئيس أركان الجيش بالتخلي عمّا أسموه بفكرة "النصر الكامل" على حماس، بسبب إعطائه الأولوية لإطلاق سراح الأسرى، وتأييده التوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار.

وخلال المناقشات الأخيرة بشأن استمرار العمليات العسكرية في قطاع غزة، وقعت مشادة بين زامير وسموتريتش، الذي اتهم رئيس أركان الجيش بالفشل في تنفيذ "خطة الحسم" مع حماس، في إشارة إلى عملية "عربات جدعون"، معربًا عن اعتذاره وفقدانه لرئيس الأركان السابق هاليفي الذي هاجمه مرارًا وطالب بإقالته عقب عملية "طوفان الأقصى".
خلاف زامير مع نتنياهو وكاتس
ولأول مرة، بدأ الخلاف بين رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ورئيس الأركان زامير، بسبب رفض الأخير فكرة "احتلال قطاع غزة"، وتأييده خطة أقل حدة تشمل التطويق وتنفيذ عمليات سريعة.
وذكرت وسائل إعلام إسرائيلية أن مناقشات حادة ومتوترة جرت الأسبوع الماضي بين نتنياهو وزامير في المجلس الأمني المصغر، واكب ذلك هجوم حاد شنه يائير نتنياهو على رئيس الأركان، متهمًا إياه بأنه "يقود تمردًا وانقلابًا عسكريًا" على أبيه.

وعقب اعتماد خطة نتنياهو بشأن احتلال مدينة غزة، برزت معضلة جديدة أمام رئيس الأركان، عقب إعلان وزير الجيش يسرائيل كاتس عدم موافقته على سلسلة من التعيينات التي أقرها زامير، ومنعه من دخول مكتبه رغم اجتماع كان مقررًا بينهما لهذا الغرض.
ورغم رفض كاتس، نشر الجيش الإسرائيلي قائمة تعيينات لرتبة عميد دون توقيع وزير الجيش، مشيرًا في بيان إلى أن "رئيس الأركان هو الجهة الوحيدة المخولة بتعيين القادة برتبة عقيد فما فوق في الجيش"، وأن التعيينات التي تقررت سترسل لاحقًا للمصادقة النهائية من الوزير.
لكن كاتس رد على بيان الجيش بالقول إن "المستوى العسكري يخضع لوزير الجيش وسيعمل وفقًا لتوجيهاته والسياسة التي يحددها"، وأضاف في تصريحات جديدة أنه بعد هجوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023 لم يعد ثمة مجال لجيش لا يخضع للمراقبة والإشراف.
ما قصة "خلية المؤامرة" لرئيس أركان الجيش؟
كاتس، في تصريحاته الأربعاء 13 أغسطس/ آب 2025، قال إن سلوك رئيس الأركان ومحاولة تغيير الإجراءات بناءً على نصيحة "مستشارين مناهضين للحكومة يثيرون الفتنة" وفرض أمر واقع لن تنجح.
والثلاثاء، ذكرت هيئة البث الإسرائيلية أن رئيس الأركان يتلقى استشارات دورية من مجموعة شخصيات لم تعد جزءًا من المنظومة العسكرية الرسمية، وجميعها معارضة لاستمرار الحرب على غزة.
وبحسب التقرير، فإن هذه "الخلية السرية" تضم:
- وزير الحرب الأسبق غابي أشكنازي.
- الرئيس السابق لشعبة العمليات في الجيش، اللواء احتياط إسرائيل زيف.
- الناطق العسكري السابق آفي بنيهو.
- الناطقين السابقين باسم الحكومة متان دانسكر وليران دان.
هيئة البث الإسرائيلية ذكرت أيضًا أن مساعد زامير، العقيد ألون لنيادو، يجري اتصالات مباشرة مع صحفيين ويقدم لهم إحاطات، في مخالفة للوائح التي تحصر هذه الصلاحية في وحدة الناطق باسم جيش الاحتلال.
هل يدفع نتنياهو نحو استقالة زامير؟
وعقب الحديث عن وجود "خلية سرية" لرئيس أركان الجيش، سارع وزير الأمن القومي إيتمار بن غفير بالمطالبة بعزل رئيس الأركان ما لم يطرد ما وصفهم بـ"خلية المؤامرة".
وأرفق بن غفير على منصة (إكس) صور شخصيات الخلية المزعومة، وكتب: "إذا لم يطرد رئيس الأركان خلية المؤامرة، فيجب طرده".
وذكرت صحيفة "هآرتس" في تقرير أن رئيس أركان الجيش يعتقد أن عائلة نتنياهو تسعى إلى إقالته لمعارضته خطة إعادة احتلال قطاع غزة.
وأوضح زامير لضباط كبار ومسؤولين خارج الجيش إن "عائلة رئيس الوزراء سلطت عليَّ الضوء وتستهدفني بسبب معارضتي لعملية مدينة غزة، وترغب في عزلي".
الصحيفة الإسرائيلية نقلت عن مصدر مطلع أن رئيس أركان الجيش يدرك ما يحدث ولا ينوي تسليم الجيش إلى نتنياهو وكاتس.
وأضاف المصدر أن نتنياهو تعامل أيضًا بهذا الشكل مع رئيس أركان الجيش السابق هرتسي هاليفي، عندما عارض الأخير تحركاته، وخاصة قانون الإعفاء من الخدمة العسكرية.

ورأى أن "هذا بالضبط ما فعلوه بهاليفي ليحولوه إلى بطة عرجاء في الجيش" قبل أن يستقيل في يناير/ كانون الثاني الماضي.
وكشفت وسائل إعلام عبرية أن وزراء، في محادثات، دعوا نتنياهو إلى إقالة زامير، وقد عُرضت أسماء لخلافته، أبرزها السكرتير العسكري لنتنياهو رومان غوفمان، والمرشح لرئاسة الشاباك الذي لم يستلم منصبه بسبب خلافات مع المحكمة العليا، ديفيد زيني.
المحلل العسكري في موقع "زمن إسرائيل" شالوم يروشالمي رأى أن زامير لم يكن خيار نتنياهو، بل وزير الجيش كاتس الذي أصر على تعيينه، مشيرًا إلى أن رئيس الوزراء وشركاءه كانوا يرغبون، وربما لا يزالون، في رؤية ديفيد زيني في المنصب.
ورغم حديث كاتس بأنه لا يندم على تعيين زامير، فإن سلسلة المواجهات بينهما مستمرة، وقد أجمع كبار المعلقين العسكريين على أن هدف وزير الجيش هو تقويض سلطة زامير.
وقال المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل إن وزير الجيش، نيابةً عن نتنياهو، يستخدم قضية التعيينات العليا غطاءً لإضعاف رئيس أركان الجيش قبل احتلال مدينة غزة، والهدف الحقيقي هو تهميش زامير، مما يقلل من احتمالية معارضته لقرارات مجلس الوزراء.
ورأى أن هدف نتنياهو وكاتس هو إعادة تشكيل الجيش الإسرائيلي وجهاز الشاباك إلى كيانات تشبه الشرطة بقيادة إيتمار بن غفير.
فيما قالت صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن الجيش يخشى أيضًا أن يكون كاتس يتصرف نيابةً عن نتنياهو في محاولة لتحويل الجيش إلى هيئة سياسية، وهذا ما قاله مسؤولون أمنيون لإذاعة الجيش، بأن وزير الجيش يحاول إلزام رئيس الأركان بمواقفه ليس فقط حول التعيينات، وإنما أيضًا حول غزة وتجنيد الحريديم، مشددين على أنه لن ينجح في ذلك.