مع تنامي الغضب إزاء تفشي المجاعة في قطاع غزة، وسلوك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، تزايدت مظاهر العداء للإسرائيليين حول العالم، وأصبحت إسرائيل تخاطر بأن تصبح منبوذة دولياً.
ومنذ أن قطعت إسرائيل المساعدات في مارس/ آذار الماضي، تزايدت المجاعة في القطاع، وشاب جهود دولة الاحتلال لإنشاء نظام توزيع خاص بها حالة من الفوضى، ما تسبب في استشهاد المئات من الفلسطينيين فيما بات يعرف بـ"مصائد الموت" بمناطق توزيع المساعدات.
لكن في الآونة الأخيرة، تزايدت ردود الفعل الغاضبة لاسيما في الأوساط الغربية تجاه المجاعة في قطاع غزة، وبدأت مؤسسات صحفية كبرى في التركيز على مشاهد الجوع والانهيار الإنساني الواسع في القطاع.
كما ساهمت الانتقادات الأممية والحقوقية، إلى جانب تصريحات من حكومات غربية، في تحويل "حرب التجويع" التي انتهجها نتنياهو ضد غزة، إلى نقمة ضده وضد الإسرائيليين.
معظم الإسرائيليين يخشون التعرض لأذى محتمل أثناء السفر
وأظهر استطلاع رأي نشرته صحيفة "معاريف" العبرية، أن معظم الإسرائيليين يخشون التعرض لأذى محتمل أثناء السفر إلى دول أوروبية.
وفقاً للاستطلاع، فإن 61% من المشاركين أبدوا خشيتهم من التعرض لأذى بسبب ما أسموه "معاداة السامية" إذا سافروا إلى دول أوروبية.
أبرز مشاهد الحوادث ضد الإسرائيليين حول العالم:
وتشير الصحيفة العبرية إلى أن الفترة ما بين مايو/ أيار وأغسطس/ آب 2025، سجلت رقماً قياسياً جديداً في حوادث ما يسمى "معاداة السامية" حول العالم، لافتة إلى أن العديد من الدول أفادت بزيادة في عدد وشدة هذه الحوادث.
وزعمت "معاريف" و"يديعوت أحرونوت" أن الحوادث تنوعت ما بين الاعتداءات الجسدية والتخريب وصولاً إلى محاولات الإقصاء والتحريض في المناسبات العامة، ويتجلى ذلك بشكل خاص في أوروبا وأمريكا الشمالية وأستراليا.
في الولايات المتحدة:
- قُتل موظفو السفارة الإسرائيلية في مايو/ أيار 2025 على خلفية الحرب على غزة.

- سجلت 8873 حادثة ضد اليهود في الولايات المتحدة عام 2023، بزيادة قدرها 140% عن العام السابق، واشتدت هذه الظاهرة في عامي 2024 و2025، لاسيما في الجامعات مثل جامعة كولومبيا.
في كندا:
- سُجلت زيادة بنسبة 670% في الحوادث ضد اليهود خلال عام 2024، مع زيادة ملحوظة عام 2025.
- من بين التقارير، محاولات إحراق مؤسسات يهودية، وإطلاق نار، ومظاهرات عنيفة في الجامعات رافقتها هتافات معادية لإسرائيل، وانتشار شعور بانعدام الأمن بين الطلاب اليهود.
في أستراليا:
- تم الإبلاغ عن أكثر من 600 حادثة منذ أكتوبر/ تشرين الأول 2023، بزيادة قدرها 738% مقارنة بالفترة نفسها من عام 2022، وفي عام 2024 وحده سجلت زيادة بنسبة 320% في إجمالي الحوادث، 260% منها حوادث جسدية.
- في يوليو/ تموز 2025، سجلت عدة حوادث بما في ذلك محاولة إحراق كنيس يهودي في ملبورن وهجوم على مطعم إسرائيلي.
في بريطانيا:
- شهدت بريطانيا احتجاجات حاشدة مناهضة لإسرائيل في يوليو/ تموز 2025، شارك فيها النائب السابق جيرمي كوربين، وشهدت إحداها هتافات معادية للصهيونية، ورفع أعلام حركة حماس.
- تم الإبلاغ عن كتابات جدارية ضد إسرائيل في أماكن ترفيهية بلندن الشهر الماضي، فيما في ذلك تهديدات ضد مؤسسات تعليمية يهودية.
- وفقاً لمنظمة (CST) المسؤولة عن حماية الجالية اليهودية في المملكة المتحدة، تم الإبلاغ عن 4103 حوادث ضد اليهود عام 2023، بزيادة قدرها 100% عن العام الذي سبقه، واستمر هذا الاتجاه في النصف الأول من عام 2025.
في فرنسا:
- سُجلت زيادة بنسبة 300% في الحوادث ضد اليهود في الربع الأول من عام 2024، ويُقدر أن يستمر هذا الاتجاه في الفترة من مايو/ أيار إلى أغسطس/ آب 2025.
- تصريحات رسمية بما فيها من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، يزعم الإسرائيليون أنها تضفي "معاداة السامية".
في إسبانيا وإيرلندا:
- في يوليو/ تموز 2025، طُرد حوالي 50 يهودياً فرنسياً من طائرة تابعة لشركة طيران فويلينغ بعد أن غنوا أغاني باللغة العبرية.
- ارتفاع ملحوظ في التعبيرات المعادية لإسرائيل على المستويين المؤسسي والشعبي في إسبانيا وإيرلندا.
في بلجيكا:
- محاولات لمقاطعة حفل يشارك فيه المغني الإسرائيلي أميرة حداد، الجندي السابق في جيش الاحتلال.
- اعتقال جنود إسرائيليين في مهرجان موسيقي بتهمة ارتكاب "جرائم حرب".
في اليونان:
وجّه مجلس الجالية اليهودية في اليونان تحذيراً رسمياً بشأن تزايد الحوادث ضد الإسرائيليين منذ بداية الصيف، أبرزها:
- الاعتداء على مدرب المنتخب الوطني الإسرائيلي لكرة القدم ران بن شمعون في أثينا.
- تعرض سائح إسرائيلي للهجوم في جزيرة يونانية.
- تعرض إسرائيليين اثنين لاعتداء في جزيرة رودس اليونانية.
- كما فرت سفينة إسرائيلية تحمل سياحاً إسرائيليين من جزيرة سيروس بعد تجمع متظاهرين مؤيدين للفلسطينيين عند رصيف الميناء.
في دول أوروبية أخرى
- في ألمانيا، تزايدت الحوادث ضد اليهود خلال الفترة ما بين مايو/ أيار وأغسطس/ آب 2025، ووفقاً لبيانات منظمة "رياس" فقد تضاعفت الحوادث تقريباً في عام 2024، وفي برلين وحدها سُجلت 1383 حالة في النصف الأول من ذلك العام.
- أفاد تقرير قُدم إلى البرلمان الفنلندي في أوائل عام 2025، أن 83% من اليهود في البلاد ذكروا أنهم مروا بحوادث "معادية للسامية"، لاسيما في سياق الخطاب العام وعلى الشبكات الاجتماعية، وأن 70% من اليهود يخشون الاعتداء اللفظي أو الجسدي.

- في العاصمة النمساوية فيينا، سُئل داخل مطعم موسيقيون إسرائيليون عن اللغة التي يتحدثون بها، وعندما أجابوا "العبرية"، طُردوا على الفور، دون أن يدافع عنهم أحد في المطعم.
- شهدت سويسرا ارتفاعاً حاداً في الحوادث ضد اليهود في جميع أنحاء البلاد، لاسيما في ظل الاحتجاجات المتعلقة بالحرب في إسرائيل.
إسرائيل تواجه "تسونامي دبلوماسي"
تقول صحيفة "يديعوت أحرونوت"، إن الحوادث الأخيرة ضد الإسرائيليين تسلط الضوء على حقيقة صارخة، وهي أن إسرائيل تواجه "تسونامي دبلوماسي، وعاصفة من الكراهية والعزلة والإدانة والمقاطعة واسعة النطاق".
كما لم تقتصر العزلة على الشارع والرأي العام العالمي، بل امتدت إلى المؤسسات الرسمية والدولية، فقد وافقت المفوضية الأوروبية على توصية بتعليق مشاركة إسرائيل جزئياً في برنامج "هورايزون 2020″، وهو أكبر برنامج بحثي في الاتحاد الأوروبي وتبلغ ميزانيته مليارات اليوروهات.
وتزداد العزلة الدبلوماسية الإسرائيلية، سواء في المؤسسات الدولية أو في العلاقات الثنائية، وبينما أعرب جمهوريون، بمن فيهم أقوى حلفاء إسرائيل، عن قلقهم إزاء الوضع الإنساني في غزة، يتزايد في أوروبا الزخم للاعتراف بدولة فلسطينية، بحسب الصحيفة الإسرائيلية.
فيما انضمت ألمانيا، حليف إسرائيل التاريخي، إلى بريطانيا وأستراليا وكندا وفنلندا والبرتغال، بالإعلان أنهم يخططون للاعتراف بدولة فلسطينية خلال قمة الجمعية العامة للأمم المتحدة المقبلة.
وشددت "يديعوت أحرونوت" على أن إسرائيل تحتاج إلى وقف إطلاق النار في غزة، ليس فقط من أجل استعادة الأسرى الإسرائيليين، بل أيضاً لتخفيف الضغط الدولي الذي يسحقها ويسحق معها الجاليات اليهودية حول العالم.
وأضافت أن إسرائيل لا تملك رفاهية الاستمرار في الوضع الراهن، فبدون تغيير، سيتدهور وضعها الدبلوماسي، مؤكدة أن الأزمة الإنسانية في غزة باتت تشكل نقطة ضعف لإسرائيل.
فيما تشدد صحيفة "هآرتس" على أن سلوك إسرائيل في الأشهر الأخيرة، والذي حولها إلى دولة منبوذة، بل شبه دولة مارقة، هو نتاج مزيج قاتل من إنكار الواقع والغطرسة، والتي تقودها إلى حافة الهاوية.
وأضافت أنه من السهل ما اتهام بريطانيا وفرنسا بالانجراف وراء برلمانات اليسار وسكانهما المسلمين، ولكن الكراهية تجاه إسرائيل، وموجات التعاطف التي حظي بها أهل غزة، ليست حكراً على أوروبا الغربية. ففي أجزاء كبيرة من "أمريكا ترامب"، يتجاوز انتقاد إسرائيل، الذي أصبح جزئياً كراهية حقيقية، الحدود الحزبية.
Protesters marched through the streets of London, demanding an end to the starvation in Gaza pic.twitter.com/SucJlkXapx
— PALESTINE ONLINE 🇵🇸 (@OnlinePalEng) August 2, 2025
ونقلت صحيفة "نيويورك تايمز" عن محلل الشؤون السياسية الإسرائيلية، ناتان ساكس، أن "الرأي الإسرائيلي السائد هو أن الأزمة في غزة مجرد مشكلة مؤقتة، لكن هذا يمثل قراءة خاطئة للوضع العالمي، لأنه يسرع من وتيرة التحول العالمي ضد إسرائيل، والذي له آثار وخيمة، وخاصة بين الشباب".
ويقول دانييل ليفي، المفاوض السابق في حكومات حزب العمل في إسرائيل، إن النقاش المتزايد حول ما إذا كانت إسرائيل ترتكب إبادة جماعية يعكس أيضاً كيف "حدث تحول أساسي في كيفية النظر إلى إسرائيل".
ويشير إلى تحول ثقافي حاد، مع مظاهرات معادية لإسرائيل ومؤيدة للفلسطينيين، في أماكن مثل دور الأوبرا والمهرجانات الموسيقية. وقد وجهت نجمات موسيقى البوب، مثل بيلي إيليش وأريانا غراندي، نداءات قوية لوقف إطلاق النار وإيصال المساعدات إلى الفلسطينيين في غزة.
من جهته، يقول جيفري سي. هيرف، أستاذ التاريخ بجامعة ماريلاند الأمريكية، إنه لاحظ تحولاً نحو "معاداة الصهيونية" حتى في الأوساط الأكاديمية والمجتمعية، وتوقع استمراره.
وألقى الأكاديمي الأمريكي باللوم على نتنياهو لفشله في إدراك أن الحرب على حماس هي حرب سردية سياسية، وأشار إلى أن "ردود الفعل هي علامة على عدم كفاءة إسرائيل".