توزيع الرصاص بدلاً من الطعام.. كيف ساهمت “مؤسسة غزة الإنسانية” في الإبادة الجماعية في القطاع؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/07/31 الساعة 14:26 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/08/01 الساعة 08:21 بتوقيت غرينتش
توزيع الرصاص بدلاً من الطعام - عربي بوست

"طُلب مني إطلاق النار على أطفال.. وقيادي في الشركة قال لي: لا تقل 'لا' للعميل – إنه الجيش الإسرائيلي"

في مقابلة نُشرت الثلاثاء 29 يوليو/تموز، مع السيناتور الديمقراطي كريس فان هولن (عن ولاية ميريلاند)، كشف أنتوني أغيلار، وهو عنصر سابق في القوات الخاصة الأمريكية (القبعات الخضراء) وعمل لاحقاً كمتعاقد خاص مع "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) المدعومة من الولايات المتحدة وإسرائيل، أن الجيش الإسرائيلي هو "العميل الفعلي" الذي تخدمه المؤسسة.

وقال أغيلار للسيناتور خلال المقابلة، إنه وأثناء توليه مهمة مراقبة في غرفة التحكم ضمن إحدى عمليات GHF، تلقّى المتعاقدون أوامر عبر الراديو من جندي إسرائيلي بإطلاق النار على أطفال في موقع توزيع المساعدات. وأضاف أنه اعترض فوراً على هذه الأوامر، وأكد أنه لا ينبغي إطلاق النار، قبل أن يغادر الأطفال الموقع دون أن يُصابوا. لكن، بعد الحادثة، تم استدعاء أغيلار وتم توبيخه لأنه "رفض الأمر".

تكشف شهادة أغيلار الوجه الحقيقي لمؤسسة "غزة الإنسانية" التي تحوّلت، تحت إشراف إسرائيلي مباشر، إلى منصة لاستقدام مرتزقة لا لتوزيع الطعام، بل لتوزيع الرصاص على أجساد الفلسطينيين المحاصَرين، فكيف تم ذلك؟

متعاقدون أمريكيون يفضحون كيف استُخدمت المساعدات لتصفية الفلسطينيين

في مقابلة أخرى أجراها مع فرانس 24، كشف أغيلار أن ما رآه خلال فترة عمله شكّل له "صدمة أخلاقية"، ودفعه لكسر صمته. وقال إنه مقتنع أن مؤسسة غزة الإنسانية "متواطئة في جرائم حرب، وأنها متورطة في مشروع أثبت فشله منذ بدايته."

وجدير بالذكر أنه، وقبل انطلاق المشروع وتنفيذ خطط توزيع المساعدات، ظهرت أولى الإشارات التحذيرية، حين أعلن المدير التنفيذي لمؤسسة غزة الإنسانية، جيك وود، استقالته المفاجئة وبشكل فوري في توقيت لافت، تزامن مع استعداد المؤسسة لإطلاق آلية جديدة لإدخال المساعدات إلى قطاع غزة. وحين استقال، أشار وود إلى أن تنفيذ الخطة المطروحة يبدو مستحيلاً دون الإخلال بالمبادئ الإنسانية الأساسية من حياد، وعدم تحيز، واستقلالية، وهي مبادئ قال حينها إنه لن يتنازل عنها.

بينما عمل أغيلار لمدة ستة أسابيع ضمن شركة UG Solutions، وهي إحدى الجهات المتعاقدة مع المؤسسة، وكان مسؤولاً عن الإجراءات الأمنية في أحد مواقع توزيع المساعدات.

وبحسب شهادته، كان بعض موظفي UG Solutions يستخدمون ذخائر حيّة وأخرى غير قاتلة بطرق غير قانونية، وفي إحدى الحوادث التي وصفها في حديثه، أكد أن متعاقدين من الشركة أطلقوا الذخيرة الحيّة على مدنيين فلسطينيين، ثم بدأوا في "الاحتفال".

وأضاف أن أحد مطلقي النار كان متمركزاً في البرج الجنوبي للموقع الرابع، ويحمل رشاشاً أوتوماتيكياً أطلق منه دفعات نارية، بينما كان المتعاقد الثاني يقف على ساتر ترابي، ويطلق هو الآخر النار من بندقيته باتجاه الحشود.

وقد أسفرت تلك الممارسات، بحسب منظمات حقوقية محلية، عن سقوط المئات من الضحايا الذين تلقّوا الرصاص بدلاً من الطعام. وقد طالبت منظمات المجتمع المدني في غزة في بيان بمحاكمة مؤسسة غزة الإنسانية، ووصفت دورها بأنه "خطير" في تسهيل حرب الإبادة، والتهجير القسري، والتطهير العرقي. وأكد البيان أن المؤسسة الأميركية، التي تعمل بغطاء إنساني زائف، متورطة في قتل ما لا يقل عن 1500 فلسطيني، وأن مراكز توزيع المساعدات التي أنشأتها لم تكن سوى واجهات لمعسكرات موت واحتجاز.

إسرائيل تجلب مرتزقة في ثوب إنساني

نشرت مجلة ريسبونسيبل ستيت كرافت الأميركية مقالاً بعنوان "ليسوا بلاك ووتر ولا فاغنر… الأميركيون في غزة هم مرتزقة بكل ما للكلمة من معنى".

ذكرت فيه أن شركة الأمن الأميركية المغمورة UG Solutions عملت تحت مظلة "مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) المدعومة إسرائيلياً/أميركياً، حيث أدلى متعاقدون سابقون بشهادات عن استخدام الذخيرة الحية ضد الفلسطينيين عند مراكز توزيع الغذاء. فيما وصفت الأمم المتحدة هذا النموذج الإغاثي بأنه "فظيع" لا يقدّم لسكان القطاع سوى "الجوع والرصاص".

يرى كاتب المقال، مورغان ليريت — وهو ضابط استخبارات أميركي سابق خدم ضمن شركة بلاك ووتر — أن شركة UG Solutions تُمثّل نموذجاً مكتملًا للمرتزقة، إذ تستوفي المعايير الستة التي حدّدتها الأمم المتحدة: يتم تجنيد أفرادها خصيصاً للمشاركة في صراع مسلح، ينخرطون مباشرة في الأعمال القتالية، بدافع الربح المالي، دون أن يكونوا مواطنين لأطراف النزاع أو أعضاء في قواتها المسلحة، ودون أن يُوفَدوا رسمياً من قبل دولة.

توزيع الرصاص بدلاً من الطعام.. كيف ساهمت
أمريكيون في غزة

والجدير بالذكر أن أغيلار ذكر أن المتعاقدين كانوا في غزة بتأشيرات سياحية إلى إسرائيل، دون توجيهات تُذكر بشأن قواعد اشتباكهم. وقال: "نحن [المتعاقدون] في دولة إسرائيل، في غزة، نحمل أسلحة… ونحن هناك بتأشيرة سياحية".

اتهامات حتى من أكبر الداعمين لإسرائيل؟

لم تعد الانتقادات الموجهة لـ"مؤسسة غزة الإنسانية" (GHF) تقتصر على المنظمات الحقوقية أو التقارير الإعلامية، بل امتدت إلى أوساط داعمة تقليدياً لإسرائيل داخل الكونغرس الأميركي. حيث طالب 93 نائباً ديمقراطياً وزير الخارجية ماركو روبيو بفتح تحقيق عاجل في عمل المؤسسة، محذرين من افتقارها للخبرة، و"خطر" النموذج المعتمد في التوزيع.

وأكد النواب أن غياب الشفافية وتعاقد المؤسسة مع شركات أمن خاصة دون رقابة، يثير تساؤلات حول مصادر تمويلها وسلامة عملياتها، مؤكدين أن تقديم المساعدات الإنسانية بشكل آمن وفعّال للفلسطينيين ليس فقط التزاماً أخلاقياً، بل هو أمر حيوي لأمن إسرائيل وعودة الأسرى.

كيف بدأت مؤسسة غزة الإنسانية؟

شرع الاحتلال الإسرائيلي – بدعم مباشر من الولايات المتحدة – في تنفيذ خطة توزيع مساعدات محدودة خارج إشراف الأمم المتحدة والمنظمات الدولية. منذ 27 مايو/أيار 2025، بدأ العمل عبر ما تُعرف بـ"مؤسسة غزة الإنسانية"، وهي جهة ممولة أميركياً سيئة السمعة وتدار من قبل ضباط سابقين في الجيش الأميركي، لتقديم وجبة واحدة للفلسطينيين تحتوي على 1750 سعرة حرارية فقط.

قال حينها مسؤول في الأمم المتحدة إن خطط إسرائيل من شأنها أن "تستخدم المساعدات كسلاح" من خلال فرض قيود على من يحق له الحصول عليها، بحسب وكالة أسوشيتد برس.

كما انتقد عمال الإغاثة هذه الخطة، التي ستُركّز التوزيع في أربعة مراكز تحت حماية شركات أمنية خاصة، ويقولون إن هذه الخطط لا يمكنها بأي حال من الأحوال تلبية احتياجات سكان غزة، وأنها ستجبر أعداداً كبيرة على النزوح من خلال دفعهم إلى الانتقال إلى أماكن أقرب إلى مراكز الإغاثة.

وبالفعل، حين بدأت هذه المراكز في توزيع المساعدات، أُقيمت في مناطق شديدة الخطورة، يسيطر عليها جيش الاحتلال الإسرائيلي، مثل غرب رفح ومحور نتساريم. وبدلاً من مساعدة المدنيين، تحوّلت إلى كمائن مكشوفة: يُطلق فيها النار على الفلسطينيين الذين يتدافعون من أجل كيس دقيق أو وجبة تسدّ رمقهم.

من يموّل منظمة غزة الإنسانية؟

تؤكد أوساط إسرائيلية أن الحكومة التي يقودها بنيامين نتنياهو هي التي تقف خلف منظمة "إغاثة غزة"، والتي سُجّلت في سويسرا على أنها أميركية، فيما ذكر زعيم المعارضة يائير لابيد أن إسرائيل تقف خلف المنظمة، وأن استقالة جيك وود، الرئيس التنفيذي منها، جاءت بسبب إدراكه بأنه "كان يُلعب به".

زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لابيد أكد أن الحكومة الإسرائيلية تقف خلف المنظمة، وأن استقالة مديرها التنفيذي جيك وود جاءت بعد إدراكه بأنه كان "يُستخدم" في مشروع غير إنساني.

وقد فشلت المنظمة في أول اختبار ميداني بتاريخ 27 مايو/أيار 2025، عندما اقتحم فلسطينيون مركزاً لتوزيع المساعدات في رفح، فتدخلت قوات الاحتلال بإطلاق النار، ما أسفر عن سقوط عشرات الشهداء والجرحى.

وبحسب لابيد، فإن شركتي GHF وSRS الأمنيتين تم تسجيلهما في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 من قبل المحامي نفسه، وتم تمويلهما بمبلغ غامض بلغ 100 مليون دولار، نُسب لاحقاً إلى "دولة أوروبية غربية" دون توضيح. وأشار إلى تورط محتمل للموساد ووزارة الجيش في التمويل، في ظل امتناع دول عربية عن دعمهما بعد التشكيك في أهداف المشروع.

من جانبها، كشفت نيويورك تايمز أن فكرة المشروع ظهرت خلال اجتماعات مغلقة عقدها مسؤولون وضباط عسكريون إسرائيليون ورجال أعمال مقربون من الحكومة، ضمن ما سُمي "منتدى ميكفيه إسرائيل"، الذي تأسس نهاية 2023. وضمّ المنتدى نجل قائد هيئة الأركان السابق، وضباطاً من وحدة 8200 الاستخباراتية، بالإضافة إلى مستثمرين إسرائيليين-أميركيين.

وتبيّن أن الهدف من المشروع لم يكن فقط توزيع المساعدات، بل استخدام هذا الغطاء لتقويض سلطة حماس، ودفع الفلسطينيين إلى مناطق ضيقة تمهيداً لتهجيرهم. وقد أُوكلت المهام التنفيذية لشركات خاصة أميركية-إسرائيلية، دون مناقصات أو علم الأجهزة الأمنية، بحسب صحيفة هآرتس، في ظل ما وُصف بـ"فريق جوفمان"، المرتبط مباشرة بمكتب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو.

وقد فتحت السلطات السويسرية تحقيقاً أولياً بعد تلقيها مذكرتين قانونيتين من منظمة ترايال إنترناشونال، تطالبان بالتحقيق في مدى امتثال GHF للقانون الإنساني الدولي والقوانين السويسرية.

ويرأس المؤسسة حالياً القس الأميركي جونّي مور، المعروف بتأييده العلني لخطة الرئيس دونالد ترامب لفرض السيطرة الكاملة على قطاع غزة وتحويله إلى ما وصفه بـ"ريفييرا الشرق الأوسط".

وكان مور قد شارك مؤخراً في فعالية نظّمها "الكونغرس اليهودي الأميركي"، أنكر خلالها وجود مجاعة في غزة، متحدياً بذلك تقارير أممية وطبية تؤكد موت فلسطينيين جوعاً وانهيار الوضع الإنساني في القطاع، رغم التقارير الأممية والميدانية المؤكدة.

تحميل المزيد