أيد الكنيست الإسرائيلي بأغلبية 71 نائباً من أصل 120، الأربعاء 23 يوليو/تموز 2025، اقتراحاً يدعم ضم الضفة الغربية المحتلة وغور الأردن إلى إسرائيل، في خطوة أثارت رفضاً عربياً ودولياً واسعاً باعتبارها انتهاكاً للقانون الدولي.
وقالت وسائل إعلام عبرية إن 71 نائباً صوتوا لصالح المقترح، فيما عارضه 13.
يُذكر أن المقترح تقدم به أعضاء الكنيست سيمحا روتمان من حزب "الصهيونية الدينية"، وليمور سون هار ميليخ من حزب "القوة اليهودية"، ودان إيلوز من حزب "الليكود" الحاكم.
من جانبه، قال رئيس الكنيست أمير أوحانا، بعد التصويت مباشرة: "وافق الكنيست على الإعلان التاريخي الذي يدعم تطبيق السيادة الإسرائيلية على وطننا يهودا والسامرة (الضفة الغربية)".

وتابع بحسب صحيفة يسرائيل هيوم العبرية: "إنه لشرف عظيم لي أن أكون رئيساً للكنيست الذي يقول بصوت قوي وحازم: هذه أرضنا، وهذا وطننا. أرض إسرائيل ملك لشعب إسرائيل، ونحن هنا باقون، وأكد الكنيست ذلك بأغلبية ساحقة".
ويأتي تصويت الكنيست في وقت قالت "القائمة العربية الموحدة" برئاسة منصور عباس، إنها تعتزم تقديم مشروع قرار مضاد يقضي بـ "إقامة دولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل تعيش بأمن وسلام وشراكة".
كما سيقدم عضو الكنيست عن "القائمة العربية المشتركة" أحمد الطبيب مشروعاً بديلاً يطالب باحترام قرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بالقضية الفلسطينية، وفق وسائل إعلام عبرية.
يُشار إلى أن الكنيست صوّت بالأغلبية في يوليو/تموز 2024 على رفض قيام دولة فلسطينية.
وكان خمسة أعضاء كنيست من حزب الليكود قد عقدوا مؤتمراً صحفياً قبل يومين بعنوان "السيادة الآن – استغلال فرصة تطبيق السيادة على يهودا والسامرة"، والذي تم تنظيمه بالتعاون مع منظمة غير حكومية تُسمى "حركة السيادة".
ما هي تفاصيل المقترح؟
القناة السابعة العبرية قالت إن "المذكرة التوضيحية للمقترح تذكر أن أراضي يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغور الأردن جزء لا يتجزأ من الوطن التاريخي للشعب اليهودي".
وتضمنت المذكرة مقدمة موسعة تؤكد على الصلة العميقة بين الشعب اليهودي وهذه المناطق، مع الإشارة إلى مدن رئيسية مثل الخليل ونابلس ورام الله، والتي تم تعريفها بأنها "تعبير حي عن استمرارية الوجود اليهودي في الأرض".
ووفق المذكرة التوضيحية: "في ضوء أحداث 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والإجماع الوطني الواسع المعارض لفكرة إقامة دولة فلسطينية، يتزايد الإدراك بضرورة اتخاذ خطوة استراتيجية وأخلاقية وأمنية لضمان مستقبلنا في هذه الأرض".

وتابعت المذكرة: "تطبيق السيادة (الضم) الإسرائيلية على هذه المناطق سيرمز إلى التزام دولة إسرائيل بالرؤية الصهيونية، وبتعزيز السيطرة اليهودية على هذه الأجزاء من الوطن، والدفاع عن مواطنيها".
ونص المقترح أيضاً على معارضة الكنيست لإقامة دولة فلسطينية غرب نهر الأردن، معتبراً أن مثل هذه المبادرة من شأنها "إدامة الصراع وتقويض الاستقرار الإقليمي".
وادعت أن "هذه الخطوة ستوضح للعالم أن إسرائيل لن توافق على حلول تتضمن تنازلات إقليمية خطيرة، وأنها ملتزمة بمستقبلها كدولة يهودية آمنة" وفق تعبيراتها.
وتدعم الحكومة الإسرائيلية هذه الخطوة في الضفة الغربية المحتلة، لكنها لم تقرر رسمياً ضم أي أجزاء من الضفة.
ماذا يعني تأييد الكنيست ضم الضفة الغربية؟
وفق وسائل إعلام عبرية، فإن "الاقتراح لا يترتب عليه أي أثر قانوني أو تشريعي"، وهو ما أكدته القناة 14 العبرية، إذ أشارت إلى أن الاقتراح "تصريحي فقط، وليس له أي قوة قانونية ملزمة".
وأوضحت القناة أن القرار يأتي بهدف "توجيه أنظار الإدارة الأمريكية إلى أن هناك رؤية إسرائيلية واضحة تجاه فرض السيادة على الضفة الغربية من قبل الائتلاف الحاكم في تل أبيب".
بينما لفتت صحيفة معاريف إلى أن المقترح "لا يتطلب إجراءً فورياً من الحكومة، وليس له صفة قانونية مُلزمة، إلا أن له أهمية رمزية وسياسية واسعة، لا سيما بين فصائل الائتلاف الحاكم".
وأشار تقرير لموقع ميدل إيست آي البريطاني إلى أن المقترح غير ملزم ويشكّل إلى حد كبير لفتة رمزية لا تؤثر على الوضع القانوني للضفة الغربية، لكنه سيساعد في بناء الزخم نحو تحرك محتمل بشأن الأراضي التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.

ويأتي التصويت في ظل ضغوط دولية متزايدة تحيط بقضية الدولة الفلسطينية، حيث من المقرر أن يجتمع زعماء العالم في قمة دولية حول هذا الموضوع في مقر الأمم المتحدة في نيويورك في سبتمبر/أيلول المقبل.
وفي مايو/أيار الماضي، حذر وزير الشؤون الاستراتيجية الإسرائيلي، رون ديرمر، المملكة المتحدة وفرنسا من أن الاعتراف بدولة فلسطينية سيقابله عمل إسرائيلي أحادي الجانب نحو الضم، وفقاً لمصادر دبلوماسية نقلت عنها صحيفة هآرتس.
ما هي ردود فعل المعارضة على المقترح؟
قالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن كل أحزاب الائتلاف الحاكم صوتت لصالح القرار، فيما قاطعه حزبا "معسكر الدولة" بزعامة بيني غانتس (12 مقعداً)، و"يش عتيد" (24 مقعداً) بقيادة يائير لابيد.
ولفتت إلى أن معارضة الاقتراح جاءت من حزب "الديمقراطيين" والأحزاب العربية في الكنيست التي تنضوي تحت "القائمة العربية الموحدة" و"الجبهة العربية للتغيير".
وبيَّنت صحيفة يسرائيل هيوم أن حركة "السلام الآن" كانت أول من عارض قرار الكنيست، معتبرة إياه "شاهداً على الفجوة الهائلة بين الحكومة والشعب الإسرائيلي الذي يعارض المستوطنات وأوهام بن غفير وسموتريتش".
فيما طالبت الحركة اليسارية المختصة بشؤون الاستيطان بضرورة الإسراع بالإفراج عن المختطفين وإنهاء الحرب في قطاع غزة، بدلاً من الالتفات إلى ضم الضفة الغربية.
وطالبت بـ"إعادة تفويض الشعب من خلال الانتخابات البرلمانية للكنيست"، وفق الصحيفة.
ويأتي تصويت الكنيست على مقترح الضم، بينما يستعد لدخول عطلته الصيفية التي تستمر 3 أشهر اعتباراً من 27 يوليو/تموز الجاري.

وفور تصويت الكنيست، شدد وزير الأمن القومي الإسرائيلي، إيتمار بن غفير، على "وجوب فرض السيادة وتشجيع الهجرة والاستيطان" في الضفة الغربية.
وجاءت تصريحات بن غفير في كلمة له بالكنيست عقب التصويت، مشدداً على أن "السحق وفرض السيادة وتشجيع الهجرة والاستيطان هو ما نحتاج إلى فعله" في الضفة.
كما أيد المقترح رئيس مجلس مستوطنات الضفة الغربية، يسرائيل غانتس، معرباً عن شكره للوزراء وأعضاء الكنيست من الائتلاف والمعارضة الذين صوّتوا لصالح المقترح الذي وصفه بـ"المهم لتعزيز السيادة الإسرائيلية" في الضفة.
وطالب غانتس بـ"ضرورة تطبيق السيادة" على الضفة الغربية، معتبراً إياها "خطوة مهمة على طريق تعزيز الخطوة الاستراتيجية التي ستعزز أمن دولة إسرائيل بأكملها"، على حد زعمه.
ولم يكتفِ غانتس بذلك، بل دعا إلى استغلال الفرصة التي وصفها بـ"التاريخية" لفرض السيادة على الضفة الغربية، مع تشديده على تطبيق القرار على أرض الواقع.
ما هي ردود الفعل الدولية؟
قوبل تصويت الكنيست الإسرائيلي على ضم الضفة الغربية المحتلة باستنكار واسع من قبل الفصائل الفلسطينية ودول عربية وإسلامية.
وقالت حركة حماس إن تصويت الكنيست على مشروع قرار لفرض "السيادة" على الضفة الغربية المحتلة تمهيداً لضمها؛ هو إجراء باطل ولا شرعية له، ولن يغيّر هوية الأرض الفلسطينية.
من جانبها قالت وزارة الخارجية التركية إن قرار الكنيست الداعم لضم الضفة الغربية المحتلة "باطل ولاغٍ بموجب القانون الدولي، ولا قيمة له".
وأكدت الخارجية التركية، في بيان، أن الضفة الغربية "أرض فلسطينية وتحت الاحتلال الإسرائيلي منذ عام 1967".
وأضافت أن "أي محاولة إسرائيلية للضم هي مجرد محاولة غير شرعية واستفزازية، تهدف إلى تقويض جهود السلام".
وشددت الخارجية التركية على ضرورة اتخاذ إجراءات ملزمة ورادعة ضد عدوانية إسرائيل والإبادة الجماعية التي ترتكبها.
وأكد الأردن رفضه المطلق لأي محاولة إسرائيلية لفرض السيطرة على الضفة الغربية، معتبراً تصويت الكنيست على قرار يدعم ضم الضفة "انتهاكاً للقانون الدولي وتقويضاً لحل الدولتين".
⭕️ 10 دول ومنظمات غربية وإسلامية تدين تصديق الكنيست الإسرائيلي على "ضم" #الضفة_الغربية
— عربي بوست (@arabic_post) July 24, 2025
◾️ أصدرت 10 دول ومنظمات، من بينها مصر والسعودية وتركيا وجامعة الدول العربية ومنظمة التعاون الإسلامي، بياناً مشتركاً يُدين تصديق #الكنيست الإسرائيلي على ما يُعرف بـ"ضم" الضفة الغربية، مؤكدة أن… pic.twitter.com/9zrBOFgjuy
وقالت وزارة الخارجية الأردنية، في بيان، إن بلادها تدين "بأشدّ العبارات تصويت الكنيست الإسرائيلي على بيان لدعم السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية والأغوار الفلسطينية المحتلة".
واعتبرت ذلك التصويت "انتهاكاً صارخاً للقانون الدولي، وتقويضاً واضحاً لحل الدولتين ولحق الشعب الفلسطيني في تجسيد دولته المستقلة ذات السيادة على خطوط الرابع من حزيران عام 1967، وعاصمتها القدس المحتلة".
فيما اعتبرت الرئاسة الفلسطينية مطالبة الكنيست الإسرائيلي للحكومة بفرض السيادة على الضفة الغربية المحتلة "تصعيداً خطيراً يقوض فرص السلام".
دعوات سابقة لضم الضفة
وعلى مدار أشهر الإبادة الجماعية التي ترتكبها إسرائيل في غزة، تصاعدت دعوات مسؤولين إسرائيليين بضم الضفة الغربية إلى إسرائيل، كان أبرزها في 2 يوليو/تموز الجاري، حينما وجه وزراء حزب "الليكود" الـ14 ورئيس الكنيست، رسالة إلى رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، دعوه فيها إلى المصادقة على قرار بضم الضفة.
وواجهت تلك الدعوات رفضاً عربياً ودولياً واسعاً باعتبارها "انتهاكاً للقانون الدولي وقرارات الشرعية الدولية" التي أكدت جميعها ضرورة "زوال الاحتلال من جميع الأرض الفلسطينية المحتلة عام 1967 بما فيها الضفة الغربية والقدس الشرقية".
وتؤكد الأمم المتحدة أن الاستيطان في الأراضي المحتلة "غير قانوني"، وتحذر من أنه يقوض إمكانية معالجة الصراع وفقاً لمبدأ حل الدولتين، وتدعو إسرائيل منذ عقود إلى وقفه دون جدوى.
ومنذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، صعد جيش الاحتلال الإسرائيلي والمستوطنون اعتداءاتهم بالضفة، بما فيها القدس الشرقية، ما أدى إلى مقتل 1001 فلسطيني على الأقل، وإصابة نحو 7 آلاف آخرين، وفق معطيات فلسطينية.

الضفة بالعقيدة الصهيونية
عندما صاغ مؤسس حزب الليكود، بيغين، ادّعاء حق إسرائيل بالضفة الغربية، لم يلجأ إلى الحجة الاستيطانية التي تعتمد على اعتبار الأرض "أرضاً فارغة"، بل على الادعاء الأيديولوجي الذي يستند إلى أن الأرض كانت "أرضاً منفية كانت في انتظار عودة ملاكها الأصليين"، ولذلك استخدم المصطلح التوراتي للضفة الغربية (يهودا والسامرة).
ووفق العقيدة اليهودية، فإن تاريخ الدولة بمجمله كان في الضفة الغربية، حيث قامت دولة "إسرائيل" القديمة، وكذلك دولتا "يهودا" و"السامرة" بعد انقسامهما.
وتزعم العقيدة اليهودية أن ما يسمى "مملكة السامرة" قامت في شمال الضفة الغربية، وكانت عاصمتها آنذاك "شكيم" (أي مدينة نابلس)، فيما أُقيمت "مملكة يهودا" في الجنوب، وكانت عاصمتها القدس.
وتنص التوراة، وفق المتدينين اليهود الصهاينة، على أن أرض الضفة الغربية يجب أن تبقى تحت السيطرة الإسرائيلية، لما في ذلك من تقريبٍ لعودة المسيخ (المخلص لليهود).
ووفق فتاوى الحاخامات (رجال الدين) اليهود، فإن التنازل عن مناطق الضفة الغربية (يهودا والسامرة، كما يسمونها) لا يجوز شرعاً، حيث وضّح إليعيزر ملماد، وهو من رجال الدين المنتمين للصهيونية الدينية، أن ترك الضفة الغربية خارج السيطرة الإسرائيلية ممنوعٌ وفق الشريعة اليهودية.