في الوقت الذي تشن فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية على غزة، تكشف تقارير حديثة عن تورّط منصات تابعة لشركة "ميتا" — بما في ذلك فيسبوك، و إنستغرام، وتطبيق "ثريدز" — في استضافة إعلانات مدفوعة لجمع تبرعات موجهة لتزويد وحدات في الجيش الإسرائيلي بمعدات قتالية، من بينها طائرات مسيّرة ومستلزمات تكتيكية.
وبينما تتساقط القنابل على الأبرياء في غزة، تشير التقارير وشهادات جنود إسرائيليين إلى أن بعض أدوات القتل هذه قد تكون ثمرة حملات دعائية بدأت بإعلانات رقمية ممولة، لتنتهي باستخدام طائرات مسيّرة تجارية، جرى تعديلها من قبل إسرائيل لتتحوّل من أدوات تصوير إلى أسلحة تفتك بأجساد المدنيين في غزة.
إذ تكشف شهادات جنود إسرائيليين، استندت إليها تحقيقات صحفية، أن الجيش استخدم هذه الطائرات المعدّلة في قصف أحياء سكنية داخل غزة واستهداف أطفال فلسطينيين، في محاولة لإجبارهم على مغادرة منازلهم أو منعهم من العودة إليها.
إعلانات مموّلة لجمع تبرعات عسكرية لإسرائيل عبر وسائل التواصل الاجتماعي
في تقرير نُشر مؤخرًا بصحيفة The Guardian، كُشف أن منصات شركة "ميتا" — بما في ذلك فيسبوك، إنستغرام، وتطبيق "ثريدز" — استضافت إعلانات ممولة من جهات مؤيدة لإسرائيل، تهدف إلى جمع تبرعات لشراء معدات عسكرية تشمل طائرات مسيّرة ومستلزمات تكتيكية مخصصة لوحدات في الجيش الإسرائيلي. وقد بدا أن هذه الإعلانات تتعارض مع السياسات المعلنة لشركة ميتا بشأن الإعلانات ذات الطابع العسكري، ومع ذلك ظل بعضها نشطًا على المنصات لأسابيع متتالية.

ويبدو أن هذه ليست أول مرة، فمنظمة "إيكو" (Ekō)، وهي هيئة دولية تُعنى بحماية المستهلك، كانت قد رصدت منذ مارس 2025 ما لا يقل عن 117 إعلانًا من هذا النوع، وهي المرة الثانية التي تبلغ فيها المنظمة شركة ميتا بنشاطات مشابهة للناشرين أنفسهم، بعد تحقيق أول في ديسمبر 2024 رُفع فيه إلى الشركة 98 إعلانًا مماثلًا. ورغم أن ميتا أزالت العديد من تلك الإعلانات آنذاك، سمحت ميتا إلى حد كبير بإطلاق حملات جديدة تحتوي على نفس الإعلانات تقريبًا، بحسب الصحيفة، حيث أنه نفس الجهات عاودت النشر بحملات جديدة مماثلة في مضمونها.
وعلّق الناشط في حملة Ekō، معن حماد، بالقول: "هذا يُظهر أن ميتا مستعدة لقبول المال من أي جهة تقريبًا. القليل فقط من آليات الرقابة والتحقق التي يفترض أن تُطبق على المنصة يتم تفعيلها، وإن حدث ذلك، فغالبًا ما يكون بأثر رجعي."
وبحسب "إيكو"، فقد حققت هذه الإعلانات أكثر من 76,000 ظهور على الأقل في الاتحاد الأوروبي والمملكة المتحدة وحدهما، وهو الرقم الذي يمثل عدد المرات التي عُرض فيها الإعلان لمستخدمين. ولم تتمكن المنظمة من تحديد عدد مرات الظهور في الولايات المتحدة.
وفي رد على تحقيق الغارديان وتواصل منظمة إيكو، صرّح المتحدث باسم ميتا، رايان دانيلز، أن الشركة قامت بمراجعة هذه الإعلانات وإزالتها لمخالفتها سياسة المنصة.
إذ من المفترض أن سياسة الإعلانات لدى ميتا تحظر معظم أشكال التبرع أو الشراء أو نقل "الأسلحة النارية، وأجزائها، والذخيرة، والمتفجرات، أو أي أدوات قاتلة"، مع بعض الاستثناءات المحدودة. ورغم أن ميتا أزالت الدفعة الأخيرة من الإعلانات، إلى جانب بعض الحملات السابقة التي أبلغت عنها منظمة "إيكو"، فإن السبب المعلن للإزالة، وفقًا لمكتبة إعلانات ميتا: "افتقار الإعلانات إلى التصريح الإلزامي المفروض على المحتوى المتعلق بالقضايا الاجتماعية أو السياسية أو الانتخابية."
وبحسب صحيفة الغارديان، لا توجد أدلة قاطعة على أن تلك الوحدات في الجيش الإسرائيلي اشترت الطائرات المسيّرة مباشرة بأموال الإعلانات المذكورة، إلا أن جنودًا أفادوا بأنهم تلقوا طائرات رخيصة الصنع، من إنتاج شركة صينية تُدعى Autel، عبر التبرعات وحملات جمع الأموال، إضافة إلى مجموعات على فيسبوك.
طائرات مسيرة لاستهداف المدنيين في غزة بشكل خاص!
ومن بين الإعلانات التي تم توثيقها، إعلان نُشر على فيسبوك في 11 يونيو والذي ظل نشطًا حتى 17 يوليو، جاء فيه: "نحن فريق القناصة من وحدة شاكيد، المتمركزة في غزة، ونحتاج بشكل عاجل إلى حوامل إطلاق نار لإتمام مهمتنا في جباليا."
ورد في إعلان آخر: "معظم طائراتنا المسيرة تالفة أو متداعية – ولا نملك بدائل. تبرع الآن – كل ثانية مهمة، وكل طائرة تنقذ حياة".
و تتولى منظمة "Vaad Hatzedaka"، وهي إحدى الجهات التي رصدتها منظمة "إيكو"، قيادة حملة تبرعات عبر صفحة إلكترونية تعرض قائمة بالمعدات المستهدفة، من بينها طائرتان مسيّرتان من طراز Autel. ووفقًا لصفحة التبرع، جمعت المنظمة غير الربحية أكثر من 250 ألف دولار من أصل هدف يبلغ 300 ألف دولار، لتوفير هذه الطائرات ومساعدات أخرى لوحدات إسرائيلية متعددة.
أما الجهة الثانية، فهي ماير مالك، مغنٍّ وكاتب أغانٍ مقيم في إسرائيل، نشر إعلانات تروّج لفرص "رعاية" معدات تكتيكية، من ضمنها طائرة حرارية من طراز Autel. وقد تمكّن من جمع أكثر من 2.2 مليون دولار من التبرعات لصالح جيش الاحتلال.
ومن بين الإعلانات الأخيرة، كان هناك ما لا يقل عن 97 إعلانًا تطلب التبرع لتمويل نماذج محددة من طائرات مسيرة مدنية. وقد كشفت تحقيقات مشتركة أجرتها مجلة +972 وموقع Local Call أن الجيش الإسرائيلي حوّل أسطولًا من الطائرات المسيّرة التجارية، المصنوعة في الصين، إلى أدوات هجومية تُستخدم لقصف الفلسطينيين في مناطق من قطاع غزة يسعى الجيش إلى تفريغها من السكان.

وكشف التقرير أن أكثر الطائرات استخدامًا هي طائرات EVO، التي تنتجها شركة Autel الصينية، والمخصصة أساسًا للتصوير الفوتوغرافي، وتُباع بحوالي 10,000 شيكل (ما يعادل 3,000 دولار أمريكي) على موقع أمازون. لكن بتركيب جهاز عسكري يُعرف داخليًا باسم "الكرة الحديدية"، يمكن تثبيت قنبلة يدوية على الطائرة وإسقاطها بزر واحد لتنفجر على الأرض. تُستخدم هذه الطائرات الآن من قبل غالبية وحدات الجيش الإسرائيلي العاملة في غزة.
ووفقًا لشهادات سبعة جنود وضباط إسرائيلين شاركو في حرب الإبادة في غزة، تُشغَّل هذه الطائرات يدويًا من قِبل جنود ميدانيين، وغالبًا ما تُستخدم لقصف مدنيين فلسطينيين — بمن فيهم أطفال — في محاولة لإجبارهم على مغادرة منازلهم أو منعهم من العودة إلى مناطق تم إخلاؤها مسبقًا.
كشف جندي إسرائيلي خدم في رفح هذا العام، في حديث لـ +972 دون الكشف عن هويته، أنه نسق هجمات بالطائرات المسيّرة على حي أُمر بإخلائه. وبحسب تقارير يومية من قائد كتيبته اطّلعت عليها +972 وLocal Call، نفّذت القوات عشرات الضربات الجوية خلال نحو 100 يوم.
في هذه التقارير، صُنِّف جميع القتلى الفلسطينيين على أنهم "إرهابيون". غير أن هذا الجندي أكّد أن معظم الضحايا — بمعدل شخص يوميًا — كانوا غير مسلحين، باستثناء شخص واحد عُثر معه على سكين، ومواجهة واحدة مع مقاتلين مسلحين. وبحسب شهادته، فإن الغارات بالطائرات المسيّرة كانت تنفذ بقصد القتل، رغم أن الضحايا كانوا في مواقع لا تشكل أي تهديد للجنود.
وتابع قائلاً : "كان واضحًا أنهم يحاولون العودة إلى منازلهم — لا شك في ذلك. لم يكن أيٌّ منهم مسلحًا، ولم يُعثر على شيء بجوار جثثهم. لم نُطلق أي طلقات تحذيرية. ولا مرة واحدة."
ونظرًا لأن الفلسطينيين قُتلوا بعيدًا عن مواقع تمركز الجنود، قال الجندي للمجلة إنه لم تُجمع جثثهم، بل تُركت لتنهشها الكلاب الضالة. "كان بالإمكان رؤية ذلك في لقطات الطائرات. لم أستطع تحمّل مشاهدة كلب يأكل جثة، لكن آخرين من حولي شاهدوها. الكلاب تعلّمت الركض نحو المناطق التي تشهد إطلاق نار أو انفجارات — لأنها تعني غالبًا وجود جثة."
Exclusive |
— Younis Tirawi | يونس (@ytirawi) July 3, 2025
Aerial footage obtained depicts Israeli soldiers dropping grenades from a drone, targeting a group of civilians fleeing Netzarim last September. One person is visibly struck and collapses
Netzarim became a kill zone, and as the military gradually expanded it, so did… pic.twitter.com/QPW2EVHJ3D
شهادات الجنود تشير إلى أن هذه الهجمات تُنفذ غالبًا ضد أي شخص يدخل منطقة صنفها الجيش على أنها "محظورة على الفلسطينيين" — دون أي علامات مرئية على الأرض. ووصف جنديان لصحيفة هذا الأسلوب بـ"التعلم من خلال الدم"، أي أن مقتل المدنيين يُستخدم كوسيلة لتحذير غيرهم من الاقتراب.
قال جندي آخر خدم في منطقة النصيرات وسط غزة: "كان هناك العديد من حوادث إسقاط القنابل اليدوية من الطائرات المسيّرة. هل كانت موجهة ضد مقاتلين مسلحين؟ بالتأكيد لا. بمجرد أن يحدد القائد خطًا أحمر وهميًا، يصبح كل من يعبره هدفًا للقتل — حتى لو كان فقط يمشي في الشارع."
في عدة حوادث، أفاد الجندي الإسرائيلي الذي خدم في رفح أن القوات استهدفت أطفالًا عمدًا. قال: "كان هناك فتى دخل المنطقة المحظورة. لم يفعل شيئًا. قال الجنود إنهم رأوه واقفًا يتحدث إلى بعض الأشخاص. فقط هذا — وأسقطوا عليه قنبلة." وأضاف أن الجنود حاولوا، في واقعة أخرى، قتل طفل كان يقود دراجة هوائية من مسافة بعيدة.
وبحسب ما أفادت به المجلة، شهدت الأشهر الأولى من الحرب تدفقًا واسعًا للتبرعات من داخل إسرائيل والولايات المتحدة إلى وحدات الجيش الإسرائيلي. فإلى جانب المواد الأساسية مثل الطعام والشامبو، كانت الطائرات المسيّرة من بين أكثر الأشياء المطلوبة من الجنود المشاركين في الإبادة.
وقد قال جندي إسرائيلي: "أطلق الجنود حملات تمويل جماعي بأنفسهم. تلقت شركتنا نحو 500,000 شيكل (150,000 دولار)، استخدمناها أيضًا لشراء طائرات." فيما أشار الجندي آخر إلى أنه طُلب منه توقيع رسائل شكر لمتبرعين أمريكيين أرسلوا طائرات EVO لكتيبته.
وقد ظهرت منشورات في مجموعة فيسبوك تُدعى "مجتمع طياري الطائرات الإسرائيلية" دعوات متكررة للتبرع بطائرات EVO للوحدات المتمركزة في غزة. كما أُطلقت حملات تمويل جماعي عديدة على منصة Headstart الإسرائيلية خصيصًا لهذا الغرض.