لا تزال هجمات الحوثيين على السفن المرتبطة بإسرائيل في البحر الأحمر تُلقي بظلالها القاتمة على اقتصاد تل أبيب، حيث أعلنت هيئة الملاحة والموانئ في حكومة الاحتلال عن وقف العمل في ميناء إيلات بداية من الأحد المقبل، لعجزه عن سداد ديونه إثر انخفاض حاد في إيراداته جراء حصار بحري تفرضه الجماعة اليمنية.
ولم تقتصر التداعيات على وقف العمل في ميناء إيلات فحسب، بل شمل ذلك أيضاً ميناء حيفا الذي تخشى إسرائيل أيضاً من شبح وقف العمل به نتيجة هجمات الحوثيين.
يأتي ذلك بينما صعّد الحوثيون هجماتهم مؤخراً في البحر الأحمر بشكل ملحوظ ما دفع حكومة رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إلى مطالبة إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، باستئناف ضرباتها ضد الجماعة اليمنية.

وتأتي هذه الهجمات في سياق رد الحوثيين على حرب الإبادة الإسرائيلية على قطاع غزة المستمرة للشهر الـ22 على التوالي، حيث أكدوا مراراً مواصلة استهدافهم للسفن الإسرائيلية أو تلك المتجهة إلى موانئها، حتى وقف تلك الإبادة.
لماذا قررت إسرائيل إغلاق ميناء إيلات؟
قررت إسرائيل، الأربعاء 16 يوليو/تموز 2025، وقف العمل في ميناء إيلات بداية من الأحد المقبل، لعجزه عن سداد ديونه إثر انخفاض حاد في إيراداته جراء حصار بحري تفرضه جماعة الحوثي اليمنية، حسب إعلام عبري الأربعاء.
وقالت القناة 12 العبرية: "اضطرت بلدية إيلات إلى الحجز على حسابات الميناء، وبالتالي ستُغلق أبوابه ابتداءً من الأحد".
وأوضحت أن سبب الإغلاق هو الحجز على جميع حسابات الميناء بسبب ديون مستحقة للبلدية.
وأضافت أن الديون تبلغ نحو 10 ملايين شيكل (حوالي 3 ملايين دولار)، وتراكمت على الميناء نتيجة عدم دفع الضرائب للبلدية.
القناة زادت أن "الديون تراكمت على الميناء نتيجة الانخفاض الحاد في إيراداته"، جراء ما سمته "النشاط العدواني للحوثيين في البحر الأحمر".
وأردفت أنه بسبب هذا النشاط "تحولت السفن التي كانت تصل إيلات إلى ميناءي أشدود وحيفا (على البحر المتوسط)".
وحسب البيانات المالية للميناء، بلغت إيراداته في عام 2024 نحو 42 مليون شيكل فقط (12.52 مليون دولار)، مقارنة بحوالي 212 مليون شيكل (63.19 مليون دولار) في عام 2023، بانخفاض قرابة 80% وفق القناة.

ويُعد ميناء إيلات أحد أهم الموانئ بالنسبة للاحتلال، فهو الميناء الإسرائيلي الوحيد المطل على البحر الأحمر، ويمثل بوابة رئيسية للتجارة مع آسيا وإفريقيا، ويوفر الميناء لإسرائيل منفذاً إلى دول الشرق دون الحاجة إلى قناة السويس.
وحتى بداية الحرب على غزة، كان النشاط الرئيسي للميناء هو استيراد السيارات، حيث تم فيه تفريغ نصف السيارات المستوردة، إضافة إلى تصدير الأسمدة والمعادن.
كما يوجد فيه خط أنابيب "إيلات ـ عسقلان"، لنقل النفط الخام من ميناء إيلات إلى ميناء عسقلان على البحر المتوسط، حسب القناة.
وكان "عربي بوست" حصل سابقاً على بيانات صادرة عن "هيئة الموانئ والشحن" الإسرائيلية توضح كيف وصل ميناء إيلات إلى حافة الانهيار والإفلاس، وكيف خسر نحو 85% من نشاطه، إثر استهداف الحوثيين للسفن الإسرائيلية أو المتوجهة لإسرائيل في البحر الأحمر.
وبدأ الانهيار في نشاط حركة البضائع (حركة الشحن) في ميناء إيلات، مع بداية الربع الأخير من العام 2023 (أشهر أكتوبر/تشرين الأول، ونوفمبر/تشرين الثاني، وديسمبر/كانون الأول)، وصولاً إلى الأشهر الـ6 الأولى من العام 2024، ويقصد بحركة البضائع، هي الشحنات التي تم تفريغها في الميناء، وتلك التي تم تحميلها منه إلى السفن.
وخلال الفترة المذكورة، سجل الميناء أسوأ رقم له منذ 10 سنوات من حيث نشاط حركة البضائع، إذ تظهر البيانات، أنه:
- خلال العام 2014، وصل نشاط حركة البضائع في ميناء إيلات إلى 2 مليون و310 آلاف طن، لكنه بلغ في العام 2024 (حتى شهر حزيران)، 354 ألف طن فقط، أي أن الميناء خسر نحو 85% من نشاطه في حركة البضائع.
- وسجل الميناء خلال أشهر أكتوبر، ونوفمبر، وديسمبر 2023 بداية الانخفاض الملحوظ في نشاطه، وأصبح شبه مغلق بعدما بدأ الحوثيون في نوفمبر 2023 بضرب السفن بالبحر الأحمر، وفي هذه الأشهر الثلاث:
- وصل نشاط حركة البضائع في ميناء إيلات إلى 438 ألف طن، فيما كان نشاط البضائع في الميناء خلال الربع الثالث من 2023، قد سجّل 539 ألف طن.
وبحسب البيانات التي توصل إليها "عربي بوست"، فإن كمية الشحنات الواصلة لميناء إيلات، والخارجة منه في الـ6 أشهر الأولى من العام 2024، ومقارنتها بنفس الفترة من العام 2023، تظهر ما يلي:
- انخفضت نسبة الشحنات الواصلة للميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 85%، مقارنة مع نفس الفترة من 2023.
- انخفضت نسبة الشحنات الخارجة من الميناء خلال الأشهر الـ6 الأولى من 2024، بنسبة 54.3%، مقارنة مع نفس الفترة من العام 2023.
ماذا عن ميناء حيفا؟
وخِشية أن يلقى ميناء حيفا مصير ميناء إيلات، تواصلت إسرائيل مع شركات التأمين البحري بشأن تغطية مخاطر الحرب للسفن التي لها علاقات غير مباشرة مع الاحتلال، وسط مخاوف من أن هجمات الحوثيين المتتالية في البحر الأحمر قد تضر بحركة المرور في ميناء حيفا، حسبما قال مصدران في مجال الشحن لموقع ميدل إيست آي البريطاني.
وفي أوائل يوليو/تموز الجاري، أعلنت جماعة الحوثي استهداف وإغراق السفينتين "إترنيتي سي" و"ماجيك سيز" في البحر الأحمر، بدعوى توجههما إلى موانئ إسرائيلية. وتحمل السفينتان علم ليبيريا وتداران من قبل شركتين يونانيتين.
وقال أحد مصادر الشحن لموقع ميدل إيست آي: "هناك نقاش كبير في السوق حالياً حول ما إذا كان ينبغي لشركات التأمين تغطية السفن التي لها اتصالات غير مباشرة مع إسرائيل".

وأضاف: "هذا ليس في صالح إسرائيل. الصورة العامة سيئة. لقد تواصل الإسرائيليون مع شركات التأمين والشحن".
وأعربت إسرائيل عن قلقها بعد أن قررت شركة التأمين الأمريكية "ترافيلرز" عدم تمديد تغطية مخاطر الحرب على سفينة "إترنيتي سي" قبل مرورها في البحر الأحمر.
ومن المرجح أن يؤدي هذا القرار إلى إلحاق خسائر بالمشغّل اليوناني، كوزموشيب مانجمنت، تُقدّر بنحو 20 مليون دولار بناءً على القيمة التقديرية للسفينة.
وهذا يعني أيضاً أن مالكي السفن ومشغّليها قد يتجنبون الرسو في الموانئ الإسرائيلية خوفاً من عدم الحصول على تغطية في المستقبل.
وقال مسؤول في الأمن البحري: "ستبدأ السفن بتجنب الرسو في الموانئ الإسرائيلية. الأمر لا يتعلق بالتعرض لهجمات الحوثيين، بل باحتمالية عدم الحصول على التأمين". وتساءل: "هل يعني الارتباط الثانوي أو الثالث بإسرائيل إمكانية حرمانك من التغطية التأمينية؟"
ما أهمية ميناء حيفا؟
- يُعد ميناء حيفا هو الأكبر والأكثر تنوعاً من بين جميع الموانئ الإسرائيلية. ويلعب دوراً محورياً في حركة الاستيراد والتصدير إلى الكيان.
- يتمتع الميناء بموقع استراتيجي في شمال "إسرائيل"، أي أنه قريب من الأسواق الأوروبية والمتوسطية.
- كما يحتوي الميناء على مرافق متعددة للنقل واللوجستيات، مما يجعله مركزاً للنقل البحري والبري، ويعزز قدراته كبوابة تجارية رئيسية للمنطقة.
- يُعتبر الميناء مركزاً صناعياً مهماً، حيث يحتوي على مصانع وشركات كبيرة، بعضها مرتبط بصناعة الكيماويات والبترول. وهذا يعزز من مكانته كمرفق حيوي للصناعة والاقتصاد الإسرائيلي.
- بالنسبة لحجم التجارة، يمر عبر ميناء حيفا سنوياً ملايين الأطنان من البضائع. يتعامل الميناء مع أكثر من 35% من حجم الاستيراد والتصدير الإسرائيلي، حيث يأتي البترول، المواد الخام، والمنتجات الصناعية والحبوب على رأس الواردات. أما الصادرات فتشمل المنتجات الكيميائية، الأدوية، والتقنيات المتقدمة وغيرها.
- في عام 2023، قدرت حجم التجارة التي مرت عبر الميناء بأكثر من 30 مليون طن من البضائع، مما يعكس دوره الكبير في تعزيز الاقتصاد الإسرائيلي.