رغم أن تل أبيب تمتلك أحد أكثر أنظمة الدفاع الجوي تطوراً في العالم، إلا أن صواريخ إيران الباليستية تمكنت من اختراق هذه الأنظمة خلال حرب الـ12 يوماً التي اندلعت بين الجانبين الشهر الماضي، حسبما ذكرت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية، نقلاً عن خبراء صواريخ الدفاع الجوي، الذين قاموا بتحليل صور شظايا الصواريخ ومناطق الاصطدام.
وقال التقرير: "كانت حرب إسرائيل الأخيرة مع إيران بمثابة عبرة للدول التي تمتلك دفاعات صاروخية متطورة، وتلك التي تسعى لامتلاكها. فعلى مدار 12 يوماً، اخترقت إيران دفاعات إسرائيل بنجاح متزايد، مثبتةً أن حتى أكثر أنظمة العالم تطوراً قابلة للاختراق".
وأضاف التقرير أن طهران غيرت تكتيكات إطلاق الصواريخ وحددت الثغرات في الدفاعات الإسرائيلية، وتصرفت على أساس التجربة والخطأ، وأطلقت صواريخ أكثر تطوراً، ذات مدى أوسع، ومن مواقع متعددة في أنحاء إيران، ما قلل من قدرة أنظمة الدفاع الإسرائيلية على اعتراض كل عملية إطلاق بنجاح.

ويتوافق تقرير وول ستريت جورنال مع تقارير أخرى كانت قد أشارت، بعد مرور خمسة أيام على شن جيش الاحتلال هجوماً موسعاً ضد طهران وما تبع ذلك من رد إيراني بالصواريخ الباليستية والطائرات المسيرة، إلى أن منظومة الدفاع الجوي الإسرائيلية تواجه تحديات عدة لإسقاط واعتراض الصواريخ الإيرانية.
وتمثلت أهم التحديات التي واجهت منظومات الدفاع الجوي لجيش الاحتلال في استنفاد المخزون الإسرائيلي والأمريكي من الصواريخ الاعتراضية للصواريخ الباليستية الإيرانية، والكلفة العالية التي تتطلبها عمليات الاعتراض، فضلاً عن تكتيكات الإطلاق الجديدة التي تتبعها إيران في إطلاق الصواريخ.
فيما كشفت صور أقمار صناعية أيضاً أن خمس منشآت إسرائيلية حساسة، بينها قواعد جوية واستخباراتية، تعرضت لهجمات صاروخية مباشرة من إيران خلال الحرب الأخيرة.
كيف تمكنت صواريخ إيران الباليستية إذن من اختراق طبقات الدفاعات الجوية الإسرائيلية الأكثر تطوراً؟
- وفقاً للخبراء، ورغم اعتراض معظم الصواريخ والطائرات المسيرة التي أطلقتها طهران، فقد بدأت إيران بإطلاق صواريخ أكثر تطوراً وأبعد مدى من مواقع متنوعة في عمق إيران، وتمكنت القوات الإيرانية من تحديد وقت وطريقة الهجمات، بالإضافة إلى توزيع الأهداف داخل إسرائيل.
- واستناداً إلى تحليلات لبيانات أجرتها مراكز أبحاث في إسرائيل وواشنطن: "فمع استمرار الحرب، انخفض عدد الصواريخ التي أُطلقت، لكن عدداً أكبر منها أصاب أهدافه".
- وخلال الأيام الستة الأولى من الحرب، لم تتمكن سوى 8% من الصواريخ الإيرانية من اختراق الدفاعات الإسرائيلية. في المقابل، ووفقاً لبيانات المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي (JINSA) ومقره واشنطن، تمكنت 16% من الصواريخ في النصف الثاني من الحرب من اختراق الدفاعات الجوية الإسرائيلية.
- وأوضحت موران ديتش، الباحثة ورئيسة مركز جمع وتحليل البيانات في معهد دراسات الأمن القومي بجامعة تل أبيب، أن "معدل النجاح لا يشمل الصواريخ التي فشلت أثناء الإطلاق أو التي تم اعتراضها قبل وصولها إلى المجال الجوي الإسرائيلي".
- وأضافت ديتش أن البيانات لا تميّز أيضاً بين عمليات الاعتراض الفاشلة والصواريخ التي سمحت إسرائيل لها بضرب مناطق مفتوحة.
- ووفقاً لبيانات المعهد اليهودي للأمن القومي الأمريكي، وقع أنجح هجوم إيراني في 22 يونيو/حزيران – قبل يومين من نهاية الحرب – عندما أصابت 10 صواريخ من أصل 27 صاروخاً أطلقها الإيرانيون مواقع في إسرائيل.
- وقال آري سيركول، مدير السياسة الخارجية في المعهد اليهودي: "يمكننا الاستنتاج من البيانات أن إيران نجحت في التكيّف وتحديد موعد ونطاق وأنواع الصواريخ خلال الحرب".
- وصرح رافائيل كوهين، كبير علماء السياسة في مؤسسة راند، التي تأسست كمركز أبحاث تابع للبنتاغون، أن "أنظمة الدفاع الجوي الإسرائيلية من بين الأكثر تطوراً والأفضل في العالم، وقد طُوّرت بالتعاون مع الولايات المتحدة، لكن لا يوجد نظام صاروخي، حتى لو كان متطوراً كالنظام الإسرائيلي، يوفر حماية شاملة ومطلقة".
- خلال الحرب أيضاً، قام الإيرانيون بتحديث توقيت ونوع إطلاق الصواريخ، بل وزادوا من التشتت الجغرافي لأهدافهم، ما جعل الأمر أكثر صعوبة على أنظمة الدفاع الإسرائيلية.
- وأجرت وول ستريت جورنال تحليلاً لتصريحات المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي بشأن معدلات نجاح عمليات الاعتراض خلال الحرب.
- وخلال الحرب، أفاد الجيش بمعدل اعتراض يتراوح بين 90% و95%، ولكن بعد وقف إطلاق النار في 24 يونيو/حزيران، عاد الجيش وأعلن عن معدل نجاح إجمالي بلغ 86%.
- وقالت الصحيفة الأمريكية إن نجاح إسرائيل في مهاجمة منصات إطلاق الصواريخ الإيرانية منع إيران من نشر صواريخها القديمة والأقل دقة والأقصر مدى. ومع ذلك، سعت طهران إلى الحصول على صواريخ أكثر تطوراً وأطول مدىً في وقت أبكر خلال الحرب.
- ووفقاً لصور الشظايا التي حللها خبراء الصواريخ، سقطت شظايا من صواريخ "فتاح-1" الأسرع من الصوت في موقعين في إسرائيل. ويهبط هذا الصاروخ بزاوية حادة من خارج الغلاف الجوي، بسرعة تفوق سرعة الصوت بعشر مرات، وله رأس حربي ينقسم أثناء الطيران، ويمكن للصاروخ تفادي الصواريخ الاعتراضية.
- انتقلت إيران أيضاً من إطلاق وابل كثيف من الصواريخ الليلية في الأيام الأولى – 30 إطلاقاً أو أكثر – إلى إطلاق وابل أصغر بكثير خلال النهار، من مواقع واسعة النطاق.
- كما غيّر الإيرانيون أنماط إطلاقهم للصواريخ، فأصابوا مدناً بعيدة، وغيّروا الفجوات الزمنية بين الهجمات.
- وقال خبراء إن مع استمرار الحرب، دفع انخفاض عدد الصواريخ الاعتراضية وارتفاع تكلفتها إسرائيل إلى اختيار ترشيد الموارد ومحاولة اعتراض الصواريخ التي تشكّل التهديد الأكبر فقط.

ما هي قدرات إيران الصاروخية؟
تمتلك إيران نوعين من الصواريخ الباليستية، تلك التي تعمل بالوقود الصلب وأخرى بالسائل، ولا تستغرق الصواريخ الباليستية العاملة بالوقود الصلب سوى دقائق لتحضيرها قبيل الإطلاق، في مقابل وقت أطول قد يصل لساعات لصاروخ يعمل بالوقود السائل غير مزود بالوقود، مما يجعلها أقل عرضة للضربات الاستباقية، وفقاً للمعهد الدولي للدراسات الإستراتيجية.
وفيما يلي أبرز وأهم الصواريخ الباليستية الإيرانية:
صاروخ "خيبر" الباليستي
- إلى جانب صاروخ "فتاح" الفرط الصوتي والذي يعد أهم صواريخ إيران وأحدثها، طورت إيران صاروخ باليستياً يسمى "خيبر"، الذي يصنف بأنه أطول مدى لصاروخ تملكه البلاد حتى الآن.
- وصاروخ خيبر قادر على الوصول إلى مدى 2000 كيلومتر (1242 ميلاً)، ويحمل رؤوساً حربية تزن أكثر من طن، ومداه يطال إسرائيل ومعظم دول الشرق الأوسط.
- وفي مايو/أيار 2023 قالت إيران إن الصاروخ تم اختباره بنجاح، حيث بث التلفزيون الحكومي لقطات لما قالت إنه عملية الإطلاق لصاروخ خيبر. ووصفت وكالة أنباء الجمهورية الإسلامية الإيرانية "إرنا" صاروخ "خيبر" بأنه "صاروخ يعمل بالوقود السائل ويبلغ مداه 2000 كيلومتر ويحمل رأسا حربيا يزن 1500 كيلوغرام".
صاروخ "سجيل" 2 الباليستي
- صاروخ يعمل بالوقود الصلب على مرحلتين ويبلغ مداه 2000 – 2500 كيلومتراً.
- يحمل الرأس الحربي لهذا الصاروخ مواد شديدة الانفجار يبلغ وزنها 500 كيلوغرام.
- يملك هذا الصاروخ قدرات على المراوغة من منظومات الدفاع الجوي، ويملك هامش خطأ بنسبة 10 أمتار.
صاروخ "الحاج قاسم" الباليستي
- من أحدث الصواريخ الإيرانية ويبلغ مداه 1400 كيلومتر ويحمل اسم قائد فيلق القدس السابق، قاسم سليماني الذي قتل في غارة أمريكية عام 2019.
- يبلغ وزنه 7 أطنان، وله القدرة على حمل 500 كيلوغرام من المتفجرات، ويمكنه التحرك بسرعة 12 ماخ ويضرب الهدف بسرعة 6 ماخ.
- يبلغ طول جسم هذا الصاروخ 11 مترا، ويتراوح قطر جسمه بين 85 إلى 95 سم. ويتكون الصاروخ من 8 كتل، وتقول طهران إن دقة هذا الصاروخ أقل من 10 أمتار.
صواريخ "خرمشهر" الباليستية
- صاروخ باليستي متوسط المدى يعمل بالوقود السائل، مشتق من صاروخ "موسودان" الكوري الشمالي الذي حصلت عليه إيران عام 2005، كُشف عنه لأول مرة عام 2017، وهو قادر على إيصال حمولة تزن 1800 كلغ إلى مدى 2000 كيلومتر.
- خلال اختباره في أغسطس/آب 2020، استطاع "خرمشهر" إصابة منطقة تبلغ مساحتها 40 متراً مربعاً، وفقًا لوكالة أنباء فارس. ومن التفسيرات المحتملة لهذه الحمولة الكبيرة جدًا (1500 إلى 1800 كلغ) هو أنه يحمل رؤوسًا حربية متعددة أو أجهزة خداع لإرباك أنظمة الدفاع الصاروخي.

ما هي منظومات الدفاع الإسرائيلية؟
آرو
- صممت إسرائيل منظومة الصواريخ آرو-2 وآرو-3 بعيدة المدى مع الأخذ في الحسبان التهديد الصاروخي الإيراني، بهدف التعامل مع التهديدات داخل الغلاف الجوي وخارجه.
- وتحلق هذه الصواريخ على ارتفاع يسمح بالانتشار الآمن لأي رؤوس حربية غير تقليدية.
- والمتعهد الرئيسي لهذا المشروع هو شركة صناعات الطيران والفضاء الإسرائيلية (إسرائيل إيروسبيس إندستريز) المملوكة للدولة، في حين تشارك بوينج في إنتاج الصواريخ الاعتراضية.
مقلاع داود
- جرى تصميم منظومة ديفيدز سلينج (مقلاع داود) الصاروخية متوسطة المدى لإسقاط الصواريخ الباليستية التي يتم إطلاقها من مسافة تتراوح بين 100 و200 كيلومتر.
- وجرى تطوير وتصنيع المنظومة بشكل مشترك بين مؤسسة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة المملوكة لإسرائيل وشركة آر.تي.إكس الأمريكية، التي كانت تعرف سابقاً باسم ريثيون، وهي مصممة كذلك لاعتراض الطائرات والطائرات المسيرة وصواريخ كروز.
القبة الحديدية
- تم بناء القبة الحديدية، وهي منظومة دفاع جوي قصيرة المدى، لاعتراض صواريخ مثل تلك التي تطلقها حركة المقاومة الإسلامية الفلسطينية (حماس) من غزة.
- وطورت شركة رافائيل لأنظمة الدفاع المتقدمة منظومة القبة الحديدية بدعم من الولايات المتحدة، وصارت جاهزة للعمل في عام 2011.
- وتطلق كل وحدة محمولة على شاحنة صواريخ موجهة بالرادار لنسف تهديدات قصيرة المدى مثل الصواريخ وقذائف المورتر والطائرات المسيرة في الجو.
- ونشرت إسرائيل نسخة بحرية من القبة الحديدية لحماية السفن والأصول البحرية في عام 2017.
منظومة ثاد الأمريكية
- قال الجيش الأمريكي في أكتوبر/ تشرين الأول إنه أرسل إلى إسرائيل منظومة ثاد المتقدمة المضادة للصواريخ.
- وتعد منظومة ثاد مكوناً رئيسياً في أنظمة الدفاع الجوي للجيش الأمريكي، وهي مصممة لاعتراض وتدمير تهديدات الصواريخ الباليستية ذات المدى القصير والمتوسط وفوق المتوسط خلال المرحلة النهائية من تحليقها.