قالت هيئة البث الإسرائيلية الرسمية، الإثنين 7 يوليو/تموز 2025، إن إسرائيل تخطط لإقامة ما تسميه "مدينة إنسانية" على أنقاض مدينة رفح جنوبي قطاع غزة، ضمن مخططاتها لتهجير الفلسطينيين خارج بلادهم.
وذكرت الهيئة أن هذه المدينة ستقام بين محوري "فيلادلفيا" و"موراج" جنوب القطاع، بزعم الفصل بين المدنيين وعناصر الفصائل الفلسطينية المسلحة.
وأشارت إلى أن هذه الخطة تهدف لتجميع مئات آلاف الفلسطينيين في منطقة معزولة وخاضعة للفحص الأمني، في إطار سياسة التهجير الإسرائيلية المستمرة.

وتحاول إسرائيل استغلال الأيام القليلة المتبقية قبل أي تهدئة مرتقبة، لتوسيع رقعة التدمير وإبادة المدن، خاصة في شمال وشرق محافظة الشمال، وشرق مدينة غزة، وشرق خان يونس جنوبي القطاع، وفق ما نقلت وكالة الأناضول عن مصدر مقرب من الفصائل الفلسطينية.
وذكر المصدر أن إسرائيل تسعى لتدمير ما تبقى من مقومات الحياة في تلك المناطق، لاستنفاد أي فرصة لعودة الفلسطينيين إليها كما فعلت في مخيم جباليا الذي دمرته بشكل شبه كامل خلال النصف الثاني من عام 2024.
يأتي ذلك فيما تستمر في العاصمة القطرية الدوحة، مباحثات غير مباشرة عبر وسطاء في محاولة للتوصل لاتفاق وقف إطلاق النار وإطلاق سراح الأسرى.
ما هي ملامح الخطة الإسرائيلية؟
- وفق هيئة البث الإسرائيلية، فإن المرحلة الأولى من المخطط الإسرائيلي تشمل نقل آلاف النازحين الفلسطينيين من "المنطقة الإنسانية" في المواصي بخان يونس إلى ما تسميه "المدينة الإنسانية"، وهي منطقة ستخضع لتأمين جيش الاحتلال الإسرائيلي بالكامل.
- ووفق المصدر نفسه، تخطط إسرائيل لنقل نحو 600 ألف فلسطيني من سكان غزة إلى هذه المنطقة بعد إخضاعهم لإجراءات فحص أمني صارمة، على ألا يُسمح لهم لاحقاً بمغادرتها، في خطوة تعكس سياسة تهجير جماعي وعزل ممنهج.
- وخلال الأسبوع الأخير، صعّد جيش الاحتلال الإسرائيلي من قصفه وعمليات تدمير للمنازل ومراكز الإيواء، خاصة المباني متعددة الطوابق التي توفر رؤية استراتيجية للأحياء المحيطة في شمال وشرق غزة.
- وحسب وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، نقلاً عن مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، فإن 85% من مساحة القطاع تقع ضمن مناطق عسكرية إسرائيلية أو خاضعة لأوامر بالإخلاء أو كلا الأمرين.
- وقالت الهيئة الإسرائيلية إن "الجيش الإسرائيلي لا يخطط لتوزيع المساعدات على المتواجدين بتلك المنطقة بنفسه، بل يسعى لإلقاء هذه المهمة على عاتق دول أخرى (لم تسمها) ومنظمات دولية".
- وأشارت إلى أن إسرائيل ستقيم في المنطقة 4 نقاط جديدة لتوزيع المساعدات التي تشرف عليها ما تسمى "مؤسسة غزة الإنسانية" المدعومة أمريكياً وإسرائيلياً.
- وبعيداً عن إشراف الأمم المتحدة، بدأت إسرائيل في 27 مايو/أيار الماضي، تنفيذ مخطط لتوزيع مساعدات عبر تلك المؤسسة.
- وفي وقت سابق من يوم الإثنين، كشف وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في لقاء مع مراسلين عسكريين أجانب، عن خطة لإنشاء 4 مراكز إضافية لتوزيع المساعدات جنوب محور موراج برفح، إلى جانب إقامة منطقة مدنية ضخمة مخصصة لمئات الآلاف من الفلسطينيين الذين سيُجرى ترحيلهم إليها قسراً.
- وقال: "من يدخل إلى هذه المنطقة لن يُسمح له بالخروج، وسيكون الدخول عبر ممرات ضيقة وخالية من عناصر حماس".
- وأكد كاتس أيضاً طموحه لتشجيع الفلسطينيين على "الهجرة الطوعية" من قطاع غزة إلى دول أخرى، قائلاً إن هذه الخطة "يجب أن تتحقق".
- وهناك مخاوف من أن إسرائيل ستُنشئ مستوطنات في المناطق التي تُخليها قسراً، وفق تقرير لموقع تايمز أوف إسرائيل.

ما هو موقف مصر من الخطة الإسرائيلية؟
- حذّر مسؤولون مصريون مطلعون من الخطة الإسرائيلية لإقامة "مدينة إنسانية" في رفح قرب الحدود المصرية، حسبما ذكر تقرير للقناة 7 العبرية.
- وأثار المخطط مخاوف في مصر، وفق ذات المصدر.
- وقالت مصادر إن المنطقة الأمنية المزمع إنشاؤها في المنطقة قد تصبح نقطة انطلاق لأعمال عدائية ضد مصر، وخاصة عبر شبه جزيرة سيناء.
- وقال تقرير القناة 7 العبرية إن هناك مخاوف من أن عملاء إسرائيليين، مثل "جماعة أبو شباب"، سيوجّهون المساعدات والأنشطة نحو مصر.
- وبحسب المصادر، فإن المؤسسة العسكرية والأمنية في مصر تدرك تماماً خطورة المشروع، وأن السلطات في القاهرة ستدعم الجانب الفلسطيني في معارضته لتنفيذ الخطة الإسرائيلية.
- وأكدت المصادر أن "مصر متمسكة بموقفها الذي يطالب بانسحاب إسرائيلي كامل من قطاع غزة دون شروط، كما تعارض تدخل عصابات محلية تابعة لإسرائيل في إدارة المدينة الإنسانية".
ما هي أبرز ردود الفعل على الخطة الإسرائيلية؟
- وصف خبراء قانونيون وأكاديميون الخطة الإسرائيلية بأنها جريمة ضد الإنسانية.
- ونقلت صحيفة الغارديان البريطانية عن مايكل سفارد، أحد أبرز محامي حقوق الإنسان في إسرائيل، أن خطة كاتس تنتهك القانون الدولي، كما أنها تتناقض بشكل مباشر مع ادعاءات صدرت عن مكتب رئيس الأركان الإسرائيلي، إيال زامير، الذي قال في رسالة إن الفلسطينيين نزحوا داخل غزة فقط من أجل حمايتهم.
- وقال سفارد: "إنها تتعلق بنقل السكان إلى الطرف الجنوبي لقطاع غزة تمهيداً لترحيلهم خارجه".
- وأضاف سفارد: "في حين أن الحكومة لا تزال تصف الترحيل بأنه طوعي، فإن الناس في غزة يتعرضون للعديد من التدابير القسرية لدرجة أنه لا يمكن اعتبار أي مغادرة للقطاع من الناحية القانونية على أنها تتم بالتراضي".
- وتابع سفارد: "عندما تطرد شخصاً من وطنه، فهذا يُعدّ جريمة حرب في سياق الحرب، وإذا ارتُكب على نطاق واسع كما يُخطط، فإنه يُصبح جريمة ضد الإنسانية".
- يُذكر أن سفارد مثّل ثلاثة من جنود الاحتياط الذين قدموا التماساً إلى المحاكم الإسرائيلية، مطالبين الجيش بإلغاء الأوامر الخاصة بـ"تعبئة وتركيز" السكان المدنيين في غزة، ومنع أي خطط لترحيل الفلسطينيين من قطاع غزة.
- وفي رسالة رداً على ادعاءاتهم، قال مكتب رئيس الأركان الإسرائيلي إن تهجير الفلسطينيين أو تركيز السكان في جزء واحد من غزة لم يكن من بين أهداف العملية.
- وقال البروفيسور آموس جولدبرج، مؤرخ الهولوكوست في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، إن تصريحات كاتس تناقضت بشكل مباشر.
- وقال جولدبرج إن وزير الدفاع وضع خططاً واضحة للتطهير العرقي في غزة، وإنشاء "معسكر اعتقال أو معسكر عبور للفلسطينيين قبل طردهم".
- وقال عن المنطقة التي يخطط كاتس لإقامة منطقة احتجاز للفلسطينيين: "إنها ليست إنسانية وليست مدينة".
- وأضاف: "المدينة هي المكان الذي تتوفر فيه إمكانيات العمل، وكسب المال، وإقامة العلاقات، وحرية التنقل".
- وتابع جولدبرج أن خطة كاتس أثارت أيضاً تساؤلات بشأن ما سيحدث للفلسطينيين الذين يرفضون اتباع الأوامر الإسرائيلية بالانتقال إلى المجمع الجديد.

خطة أخرى لإقامة "مناطق انتقال إنسانية"
يأتي ذلك بينما كشف مقترح اطّلعت عليه وكالة رويترز، ويحمل اسم مؤسسة إغاثة مثيرة للجدل تدعمها الولايات المتحدة، عن خطة لإقامة مخيمات على مساحات كبيرة تُسمى "مناطق انتقال إنسانية" داخل غزة، وربما خارجها، لإيواء فلسطينيين من القطاع، بما يشير إلى رؤية "لإنهاء سيطرة حماس على السكان في غزة".
وقال مصدران إن الخطة التي تبلغ تكلفتها نحو ملياري دولار طُرحت بالفعل على إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وأوضح أحدهما أنها نوقشت في الآونة الأخيرة في البيت الأبيض.
وقال المصدران إن الخطة تم إعدادها في وقت ما بعد 11 فبراير/شباط، وتحمل اسم مؤسسة غزة الإنسانية المدعومة من الولايات المتحدة.
وتصف الخطة، التي اطّلعت عليها رويترز، المخيمات بأنها أماكن "واسعة النطاق" و"طوعية"، حيث يمكن لسكان غزة "الإقامة بها مؤقتاً والتخلص من التطرف والعودة للاندماج والاستعداد لإعادة التوطين إذا رغبوا في ذلك".
وأشارت صحيفة واشنطن بوست في مايو/أيار الماضي إلى وجود خطط لدى مؤسسة غزة الإنسانية لبناء مجمعات سكنية للفلسطينيين غير المقاتلين.
واطّلعت رويترز على مجموعة من شرائح العرض الإلكترونية تتطرّق إلى تفاصيل دقيقة بشأن "مناطق انتقال إنسانية"، بما يتضمّن كيفية التنفيذ والتكلفة.
وتدعو الخطة إلى استخدام تلك المنشآت الشاسعة من أجل "اكتساب ثقة السكان المحليين" وتسهيل تنفيذ "رؤية غزة" التي يتبنّاها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب.
ورداً على أسئلة من رويترز، نفت مؤسسة غزة الإنسانية تقديم مقترح بهذا الشأن، وقالت إن شرائح العرض تلك "ليست وثيقة من مؤسسة غزة الإنسانية".
وقالت المؤسسة إنها درست "عدداً من الخيارات النظرية لإيصال المساعدات بأمان إلى غزة"، لكنها "لا تخطط لتنفيذ مناطق انتقال إنسانية".