حذر حزب بارز في قبرص من عمليات استحواذ على أراضي الجزيرة المتوسطية من قبل إسرائيليين، خاصة في السنوات القليلة الماضية، مشيراً إلى أن شراء الإسرائيليين للأراضي القريبة من البنية التحتية الحيوية والمناطق الحساسة يشكل تهديداً وطنياً خطيراً.
وأشار ستيفانوس ستيفانو، الأمين العام للحزب التقدمي للشعب العامل "أكيل" اليساري (أكبر أحزاب المعارضة في قبرص)، خلال كلمة في مؤتمر لحزبه، إلى أن الإسرائيليين يشترون الأراضي بشكل غير خاضع للرقابة، وقال إن "بلدنا يُنتزع منا… إسرائيل تحتلنا".
ولاقت تحذيرات حزب أكيل، ثاني أكبر حزب في قبرص، انتقادات من مسئولين إسرائيليين ووسائل إعلام عبرية، وواجه اتهامات بمعاداة السامية، بحسب تقرير لصحيفة يديعوت أحرونوت.

يأتي ذلك بينما نشرت صحيفة بوليتس، أبرز الصحف في قبرص الرومية، تقريراً يكشف تصاعد شراء الإسرائيليين للأراضي في الجزيرة.
وأوردت الصحيفة تقريرها بعنوان: "كأنها أرض موعودة أخرى… لماذا يشتري اليهود الأراضي في قبرص؟".
وسلط التقرير الضوء على الإسرائيليين الذين اشتروا منازل وأراض في الشطر الرومي، والذين توافدوا بعد الحرب الأخيرة مع إيران.
ولطالما شكلت قبرص الرومية وجهة جاذبة للإسرائيليين، وخاصة بعد أحداث السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023. كما أنها كانت مرشحة قبل الأراضي الفلسطينية لإنشاء وطن قومي لليهود.
ماذا قال الأمين العام لحزب أكيل القبرصي؟
وفي 20 يونيو/حزيران الماضي، حذر ستيفانو، خلال مؤتمر لحزبه، بقوله: "الخطر الكبير قادم… بلدنا يضيع."
وأضاف: "نرصد تطور ظاهرة، وهي قيام الإسرائيليين بإنشاء غيتوهات من خلال تأسيس مدارس صهيونية ومعابد يهودية. ونرى الإسرائيليين يشترون مراكز اقتصادية مهمة وأراضٍ شاسعة في قبرص، بطريقة منظمة".
وفي منشورات حزب أكيل على وسائل التواصل الاجتماعي بمناسبة المؤتمر الحزبي، برزت عبارات مثل: "إسرائيل الجديدة"، و"الدولة الجديدة التي احتلتها إسرائيل"، وفق تقرير لوكالة الأناضول.
واتهم ستيفانو الحكومة القبرصية بالسماح بعمليات بيع "غير منضبطة" للأراضي، ودعا الرئيس نيكوس خريستودوليديس إلى التدخل الفوري.
وأكد ستيفانو أن تصريحاته لم تكن بدافع كراهية الأجانب أو معاداة السامية، بل بدافع مخاوف حقيقية بشأن السيادة الوطنية.
وخلال لقاء صحفي مع إذاعة "CyBC" المحلية، قال ستيفانو: "تُبنى مدارس صهيونية – هكذا يُسمونها – وكنس يهودية، وأنتم تدركون أن هذا، بالتزامن مع تقارير إعلامية مختلفة تظهر في صحف إسرائيلية جادة، يشير إلى أن إسرائيل تُعدّ – حديقة خلفية – في قبرص… لذا، لا بد أن هذا يدق ناقوس الخطر لدينا".
كيف ردت إسرائيل؟
أثارت تصريحات ستيفانو ردود فعل غاضبة في تل أبيب. وأدان سياسيون من أحزاب الوسط وعدد من الصحفيين هذا الخطاب، رغم رفض الحكومة القبرصية التعليق.
وردّ السفير الإسرائيلي لدى قبرص، أورين أنوليك، بحدة قائلاً: "بقلق بالغ، نلاحظ وندين ظهور خطاب معادٍ للسامية على نحو غير معهود في الخطاب العام القبرصي – خطاب يُعيد، تحت ستار "القلق السياسي"، إلى الأذهان أنماطاً مظلمة من الماضي: إلقاء اللوم الجماعي، ونظريات المؤامرة، وإلقاء اللوم على الآخرين".
وأشار أنوليك إلى أن قبرص، الدولة ذات التقاليد الديمقراطية العريقة، تعترف بحقوق الأجانب في فتح المدارس، وممارسة الشعائر الدينية، والاستثمار، والعيش بحرية، طالما احترموا القانون.
وقال: "هذه سمات الدولة الليبرالية، وليست علامات ضعف". وأضاف: "إن ما يهدد التماسك الاجتماعي والاستقرار الديمقراطي هو الانتشار المهووس لروايات مختلقة حول "الخطط الصهيونية"، و"الاستيلاء"، و"الغيتوهات".
فيما قال ممثلو حزب أكيل إن أي شخص يعارض السياسة الإسرائيلية يُصنَّف تلقائياً بأنه معادٍ للسامية.
يُذكر أن حزب أكيل قد اتخذ مواقف مؤيدة للفلسطينيين ومعارضة للحرب الإسرائيلية على غزة.

ماذا نعرف عن التواجد الإسرائيلي في قبرص؟
بحسب تقرير صحيفة بوليتس، فإن عدد الإسرائيليين المقيمين في قبرص بلغ 15 ألف شخص، يمثلون حوالي 3500 عائلة، مقارنة بـ 2000 عائلة قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، وهناك نشاط بارز لحركة "حباد" اليهودية في المنطقة.
وذكرت الصحيفة أن الإسرائيليين الوافدين "يقتربون من تأسيس مدينة"، وذكر التقرير أن الإسرائيليين استخدموا قبرص الرومية كـ "حديقة خلفية" خلال فترة جائحة كوفيد-19.
وتمتلك حركة حباد، بحسب التقرير، 6 منازل، وكنيساً يهودياً، وروضة أطفال، وميكفاه (مغطس يهودي)، ومركز كشروت (هيئة يهودية لمنح شهادات "الحلال")، ومقبرة، بالإضافة إلى منشآت للأنشطة الصيفية.
وتُعد حركة حباد إحدى المنظمات المتطرفة، التي لا تؤمن بوجود الفلسطينيين وتدعو لطردهم من فلسطين المحتلة، وتعارض أي اتفاق يمكن أن يمنحهم جزءاً من الأراضي.
وأشار التقرير إلى أن بعض المناطق القبرصية باتت تشهد تجمعات سكنية إسرائيلية تتجاوز الطابع الفردي أو السياحي، وتقترب من تشكيل نواة مدينة متكاملة، اجتماعياً ودينياً وخدماتياً.
ونقل تقرير نشرته وكالة التلغراف اليهودية، عن الحاخام آري راسكين، مؤسس حركة حباد القبرصية قبل 22 عاماً: "لا يتوقف الإسرائيليون عن التوافد".
وأضاف: "في كل يوم، تصل عائلات جديدة إلى هنا، لكنهم يشعرون بالحزن حيال ذلك. ويقولون لي دائماً إن الأمر مؤقت".
وفي عام 2024، ووفقاً للأرقام الرسمية، زار حوالي 411 ألف إسرائيلي قبرص، مما يجعلهم المصدر الثاني للسياحة في الجزيرة (حوالي 10.7% من الإجمالي)، بعد المملكة المتحدة، التي تبلغ حصتها 33.9%.
لماذا تُشكّل قبرص وجهة جاذبة للإسرائيليين؟
عزت تقارير إسرائيلية توافد مواطني دولة الاحتلال على قبرص إلى عدة أسباب، من بينها قربها من إسرائيل، وتكاليف المعيشة المنخفضة نسبياً، وحالة الاضطراب التي خلفتها التعديلات القضائية.
ورصد تقرير نشرته صحيفة هآرتس العبرية، جاء تحت عنوان: "إسرائيل الثانية؟ الإسرائيليون يتدفقون إلى قبرص لشراء أي شيء يظهر في الأفق"، قصص العديد من الإسرائيليين الذين توافدوا على الجزيرة المتوسطية، ومن بينهم روني شوارتز، الذي يعيش في مدينة بافوس القبرصية منذ ست سنوات، ويقدّم نصائح للإسرائيليين الذين يسعون إلى الانتقال إلى قبرص.
وقال شوارتز إن عدداً كبيراً ممن تواصلوا معه بعدما تم إقرار التعديلات القضائية في عام 2023 يقولون إنهم يشعرون بأن البلاد والمجتمع الإسرائيلي يتجهان نحو وضع سيئ، ويرغبون في مغادرته.

من جانبه، قال الحاخام راسكين: "في البداية، انتقل الناس إلى هنا بسبب ضغوط العيش في إسرائيل"، مستشهداً – على سبيل المثال – بالاحتجاجات على الإصلاحات القضائية التي اقترحها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
وتابع راسكين: "لم يعُد الناس يتحمّلون الوضع. من استطاع العمل عبر الإنترنت غادر البلاد. وليس إلى قبرص فقط، بل إلى اليونان ورومانيا أيضاً، وأي بلد شعروا فيه بالأمان. ومن الواضح أن قبرص – بسبب قربها من إسرائيل – باتت أكثر جاذبية".
ووفقاً لتقرير وكالة التلغراف اليهودية، فبصفتها عضواً في الاتحاد الأوروبي، تتمتع قبرص بعملة مستقرة وقوانين ضريبية منفتحة.
وأضاف التقرير أن قبرص كانت وجهةً شهيرةً لحفلات الزفاف للإسرائيليين غير القادرين أو غير الراغبين في الزواج تحت رعاية الحاخامية الكبرى الإسرائيلية، التي لا تعترف إلا بالمراسم التي تُقام وفقاً للشريعة اليهودية الأرثوذكسية.
وأصبحت قبرص أكثر أهمية الآن، بعدما توقفت الخطوط الجوية التركية عن تسيير رحلاتها إلى تل أبيب، ولم يعُد اليهود الإسرائيليون يشعرون بالأمان في الوجهات التركية الشهيرة مثل أنطاليا وبودروم وكابادوكيا، بعدما قررت تركيا قطع العلاقات مع إسرائيل، بعد أن شن جيش الاحتلال الحرب على غزة.
وعزا تقرير وكالة التلغراف اليهودية أيضاً زيادة التواجد الإسرائيلي في قبرص إلى الموقف الدافئ تجاه إسرائيل في قبرص على مستوى الحكومات.
وكشفت تقارير إعلامية في يناير/كانون الثاني الماضي أن إدارة قبرص الرومية سمحت لعناصر من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية بالتمركز في مطاري بافوس ولارنكا لأغراض أمنية.
ووفقاً لما نشرته وسائل الإعلام الرومية، أجرت فرق من جهاز الاستخبارات الإسرائيلية "الموساد"، وجهاز الأمن الداخلي (الشاباك)، عمليات تفتيش في مطار لارنكا والمناطق المحيطة به، بما في ذلك السواحل القريبة، باستخدام كاميرات مزوّدة بعدسات مكبّرة ومعدات خاصة، وبمرافقة شرطة جنوب قبرص.

قبرص كوطن قومي لليهود
ولم يقتصر كون قبرص وجهة جاذبة لليهود على السنوات الأخيرة، حيث أشارت تقارير إلى أنها كانت ضمن قائمة البلدان المرشحة لإقامة وطن قومي لليهود قبل الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وروّج إسرائيليون، ومن بينهم يوسف لاوفر، لبناء بؤرة استيطانية في جزيرة قبرص.
وفي حوار لموقع سروجيم العبري، رأى لاوفر أن قبرص ليست بمعزل عما يُعرف بـ "حدود دولة إسرائيل الكبرى"، التي أُدرج ضمنها – إلى جانب الجزيرة – سيناء، وجنوب لبنان، وجنوب تركيا، وشرق البحر المتوسط.
ولم يكن مشروع لاوفر بالأمر الجديد، وإنما سبق ودعت له دوائر استيطانية، واقترحت حينئذ استئجار أو حتى شراء سلسلة من الجزر المحيطة بجزيرة قبرص الأم، وبناء نقاط استيطانية عليها؛ ودعا القائمون على الفكرة رجال الأعمال اليهود في إسرائيل وخارجها إلى تمويل المشروع بغرض التوسع إقليمياً.
واعتبر لاوفر أن أوجه الشبه بين الاستيطان في إسرائيل تضاهي إلى حد كبير الاستيطان حال تفعيله في جزيرة قبرص أو إحدى الجزر المتاخمة لها شرق المتوسط، زاعماً أن نقل جانب من المشروع الاستيطاني لا يُعد انعزالاً عن إسرائيل، وإنما امتداد جغرافي لسواحلها على شرق المتوسط، إذ لا تفصل بين المكانين سوى 45 دقيقة فقط بالطائرة، وادّعى أن التعاليم التوراتية تُلزم الإسرائيليين بالتوسع الجغرافي غرباً، وليس شمالاً وجنوباً فقط.
ودعا لاوفر إلى إحياء تاريخ الطوائف اليهودية التي كانت تستوطن قبرص في الفترة ما بين 1883 حتى 1939، والتي كانت تتألف – حسب زعمه – من عشرات العائلات اليهودية.