النفاق الدولي.. لماذا يصمت العالم عن السلاح النووي الإسرائيلي؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/18 الساعة 12:48 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/18 الساعة 12:49 بتوقيت غرينتش
النفاق الدولي.. لماذا يصمت العالم عن السلاح النووي الإسرائيلي؟ /عربي بوست

بينما بررت إسرائيل هجومها الأخير على إيران، والذي دخل يومه السادس، برغبتها في تدمير البرنامج النووي الإيراني، الذي تقول إنه يشكل تهديداً وشيكاً لها، تسود حالة من الصمت الدولي بشأن ترسانة السلاح النووي الإسرائيلي، التي أشارت تقارير عدة إلى بعض من تفاصيلها ووصفتها بالبرنامج السري.

يأتي ذلك بينما تدعم الرواية الإسرائيلية بشأن البرنامج النووي الإيراني دول غربية عدة في مقدمتها الولايات المتحدة التي أعلنت بشكل قاطع أن إيران لا يمكنها أن تمتلك سلاحاً نووياً بينما تغض الطرف عن نشاطات تل أبيب النووية.

ولا تقتصر التصريحات الداعمة لتل أبيب على أمريكا فقط، حيث عبرت مجموعة السبع عن دعمها لإسرائيل ووصفت إيران بأنها مصدر عدم استقرار الشرق الأوسط، وذلك في بيان صدر في وقت متأخر من يوم الاثنين 16 يونيو/حزيران 2025، دعت فيه إلى السلام والاستقرار في المنطقة.

مفاعل ديمونا
أسست دولة الاحتلال الإسرائيلي مفاعل ديمونا في مطلع ستينيات القرن الماضي٬ تعبيرية/ رويترز

وقال تقرير نشرته صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية إن إسرائيل تمتلك برنامجها النووي السري الخاص، وهو البرنامج الذي لا تعترف به علناً، ولكن بعض الخبراء يعتقدون أنه يتوسع أيضاً.

وتثير مثل هذه التقارير تساؤلات بشأن الصمت الدولي وغض الطرف عن البرنامج النووي الإسرائيلي، وكذلك عن حجم الترسانة النووية الإسرائيلية ورفض تل أبيب الانضمام لمعاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية.

لماذا يلتزم الغرب الصمت بشأن السلاح النووي الإسرائيلي؟

  • رأى أكاديميون ومختصون أن سياسات إسرائيل تتناقض مع القواعد الدولية فيما يتعلق بالأسلحة النووية، وأن الغرب الذي يمارس ضغوطاً على إيران يلتزم الصمت تجاه إسرائيل، واصفين ذلك بـ"ازدواجية المعايير".
  • ونقلت وكالة الأناضول عن الأكاديمي النمساوي، هاينز جارتنر، قوله إن الدول الغربية التي تمارس ضغوطاً على إيران، وهي طرف في معاهدة حظر الانتشار النووي وتخضع منشآتها النووية للرقابة لأنها قبلت اتفاقية المراقبة الأمنية، وعلى كوريا الشمالية أيضاً التي ليست طرفاً في أي من الاتفاقيتين، تلتزم الصمت حيال البرنامج النووي الإسرائيلي.
  • وأشار جارتنر إلى أن سياسات إسرائيل تتعارض مع القواعد الدولية في العديد من القضايا. ولفت إلى أن الوكالة الدولية للطاقة الذرية أرادت أن تصبح إسرائيل طرفاً في معاهدة حظر الانتشار النووي، ولكن لم يتم اتخاذ خطوات ملموسة لتحقيق ذلك.
  • وأردف: "الولايات المتحدة ليس لديها تأثير جدي على إسرائيل بهذا الصدد، ولهذا السبب إسرائيل لم تقبل حتى باتفاق السياسة الأمنية الشاملة التي تطبقها الوكالة على الجميع، ولا تدرج إسرائيل بنداً على جدول أعمال اجتماعات مجلس إدارة الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
  • ويتجلى النفاق الغربي أيضاً في الموقف الفرنسي، فبينما دعم الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، إسرائيل، مؤكداً أن البرنامج النووي الإيراني يشكل تهديداً للأمن العالمي، فقد ساعدت فرنسا سراً في بناء منشأة ديمونا النووية الإسرائيلية في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، مما مكّن من بناء الترسانة النووية الوحيدة غير المعلنة في المنطقة، في انتهاك للقانون الدولي، وفق سمية الغنوشي، الكاتبة البريطانية التونسية والخبيرة في شؤون الشرق الأوسط.
  • وأضافت الغنوشي في مقال نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني، أن إسرائيل ترفض عمليات التفتيش على برنامجها النووي، ولم توقع قط على معاهدة حظر الانتشار النووي، ومع ذلك، تقصف إيران باسم حظر الانتشار النووي.
  • من جانبه، قال الكاتب سامي العريان، مدير مركز الإسلام والشؤون العالمية، إن المزاعم الإسرائيلية والأمريكية بأن إيران تسعى سراً لامتلاك قنبلة نووية لا تستند إلى أي أدلة.
  • وأضاف العريان في مقال نشره موقع تي آر تي غلوبال أن "الأرشيف الذري" الذي حصل عليه الموساد عام 2018 لم يقدم حتى دليلاً قاطعاً على وجود برنامج أسلحة نووية نشط.
  • وتابع أن تقديرات الاستخبارات الوطنية الأمريكية خلصت منذ عام 2003 إلى أن إيران أوقفت برنامجها للأسلحة النووية في عام 2003 ولم تستأنفه بعد.
النصر على إيران
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

لماذا ترفض إسرائيل الانضمام إلى معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية؟

  • هناك اعتقاد سائد عالمياً منذ عقود طويلة بأن إسرائيل تمتلك أسلحة نووية، وأنها سادس دولة في العالم تقوم بتطوير هذا النوع من الأسلحة. وهي واحدة من 4 دول نووية غير مُعرَّفة في معاهدة الحد من انتشار الأسلحة النووية كدول تمتلك السلاح النووي، والدول الثلاث الأخرى هي الهند وباكستان وكوريا الشمالية.
  • وإسرائيل ليست طرفاً في معاهدة الحد من الانتشار النووي ولم تقبل الضمانات التي وضعتها الوكالة الدولية للطاقة الذرية بشأن بعض أنشطتها النووية الرئيسية. وقد تم التسامح عموماً مع سياسة التعتيم النووي التي تنتهجها إسرائيل من قِبَل حلفائها الذين ساعدوها أيضاً في تأسيس النووي الخاص بها.
  • وبموجب سياسة الغموض التي تنتهجها منذ عقود والتي تهدف إلى "ردع الأعداء المحيطين مع تجنب الاستفزازات التي يمكن أن تؤدي إلى سباقات التسلح" كما تقول وكالة رويترز، لا تؤكد إسرائيل أو تنفي امتلاكها للأسلحة النووية، ولا تفضح عن عدد القنابل النووية التي تمتلكها فعلياً، ولا تريد التوقيع على أي ضمانات تفضح نشاطها النووي أو تجبرها على التفريط بها أو الحد منها، كي تبقى تحافظ على ميزة الحصرية النووية في الشرق الأوسط.
  • ولسنوات طويلة قاومت إسرائيل العديد من الدعوات الدولية لفرض منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط، بما في ذلك تلك الصادرة عن مؤتمرات مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي لعام 1995 و2005 و2010. 
  • ودعت مسودة الوثيقة الختامية في مؤتمر مراجعة معاهدة منع الانتشار النووي لعام 2015 الأمين العام للأمم المتحدة إلى عقد مؤتمر بشأن إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط بحلول عام 2016. لكن عرقلت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وكندا تلك الوثيقة
  • واعتبر تأجيل المؤتمر إلى أجل غير مسمى أن "إسرائيل ليست مضطرة للإعلان عن قدراتها النووية". وعلى الدوام، يواصل رئيس الوزراء نتنياهو التأكيد على أن إسرائيل لن توقع أبداً على معاهدات وقف انتشار الأسلحة النووية.
  • وخلال عام 2015، رفضت الولايات المتحدة وكندا والمملكة المتحدة وفرنسا وكندا و60 دولة أخرى من أعضاء المعاهدة قراراً صاغته المجموعة العربية في مجلس الأمن، من شأنه أن يُطالب إسرائيل بإخضاع برنامجها النووي لإشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية.

ما هو حجم الترسانة النووية الإسرائيلية؟

  • يعتقد على نطاق واسع أن إسرائيل تمتلك ما لا يقل عن 90 رأساً حربياً، وأنها أنتجت ما يكفي من البلوتونيوم لصنع  100 إلى 200 سلاح نووي، وفقاً لمركز السيطرة على الأسلحة ومنع الانتشار ومبادرة التهديد النووي.
  • وأوردت تقارير أن البلوتونيوم لبرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي تم إنتاجه بواسطة مفاعل تم بناؤه بمساعدة فرنسية
  • وقدرت الوكالة الدولية للطاقة الذرية أن 30 دولة قادرة على تطوير أسلحة نووية، لكن من المعروف أن تسع دول فقط تمتلكها. 
  • وتمتلك إسرائيل ثاني أصغر ترسانة نووية بين الدول التسع، متقدمةً فقط على كوريا الشمالية، وفقاً لمنظمة الحملة الدولية للقضاء على الأسلحة النووية، وهي منظمة مناصرة حائزة على جائزة نوبل. 
  • وقال خبراء إن إسرائيل قادرة على إطلاق رؤوس حربية من طائرات مقاتلة أو غواصات أو منصات إطلاق صواريخ باليستية أرضية.
  • كما تدير إسرائيل خمس غواصات ألمانية الصنع من طراز دولفين تعمل بالديزل والكهرباء، والتي تعمل من ميناء حيفا على ساحل البحر الأبيض المتوسط. وربما تم تجهيز بعض أو كل هذه الغواصات لإطلاق صاروخ كروز مسلح نووياً.
خلافات خامنئي والحرس الثوري ترامب وإيران المفاوضات بين إيران وأمريكا سياسة إيران في 2025
المرشد الإيراني الأعلى خامنئي – رويترز

أين تبني إسرائيل أسلحتها النووية؟

  • يتواجد برنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي في ديمونا، وفق تقرير نيويورك تايمز. 
  • وقال خبراء إن مفتشي الوكالة الدولية للطاقة الذرية لم يزوروا الموقع قط، وأنه لم يُبرم أي اتفاق مع إسرائيل يسمح للوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبته. 
  • وزار علماء أمريكيون ديمونا في ستينيات القرن الماضي، وخلصوا إلى أن البرنامج النووي هناك سلمي، استناداً إلى عمليات تفتيش محدودة بشكل متزايد، وفقاً للسجلات التاريخية. لكن لا يوجد دليل علني على عودة المفتشين الأمريكيين منذ ذلك الحين. 
  • وتُظهر صور الأقمار الصناعية أعمال بناء جديدة في ديمونا خلال السنوات الخمس الماضية. ويقول الخبراء إن المنشأة، على أقل تقدير، تخضع لإصلاحات وتحديثات ضرورية للغاية. 
  • وهناك اعتقاد متزايد لدى بعض الخبراء بأن إسرائيل تبني مفاعلاً جديداً في ديمونا لتعزيز قدرتها النووية. 
  • وأفاد تقرير صدر هذا الأسبوع عن معهد ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام بأن إسرائيل تعمل على ما يبدو على تطوير موقع مفاعل هناك لإنتاج البلوتونيوم، الذي يمكن استخدامه في الأسلحة النووية وفي بعض الأغراض السلمية، مثل الفضاء. 

هل سبق وأن اعترفت إسرائيل بامتلاك سلاح نووي؟

  • حيازة إسرائيل أسلحة نووية حقيقةٌ معروفة منذ وقت طويل، ولكن نادراً ما يؤكدها المسؤولون الإسرائيليون. ففي إطار سياسة تُعرَف بـ"عميموت" – وهي كلمة عبرية تعني التعتيم أو الغموض – يمتنع القادة الإسرائيليون عن نفي أو تأكيد حيازة بلادهم للأسلحة النووية، بزعم الحفاظ على عدم الانتشار النووي في الشرق الأوسط.
  • لكن سبق أن اعترف رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، إيهود أولمرت، خلال مقابلة مع قناة سات 1 الألمانية 11 ديسمبر/كانون الأول 2006، بامتلاك بلاده السلاح النووي، غير أنه سرعان ما تراجع عن تصريحاته تلك، من دون أن يؤكد أو ينفي امتلاك بلاده السلاح النووي.
  • وأصر أولمرت خلال مؤتمر صحفي مع المستشارة الألمانية السابقة أنجيلا ميركل على أن "موقف إسرائيل المتمسك بشدة بالغموض الذي يكتنف الأسلحة النووية لم يتغير". ولكن تصريحاته لم تنجح في تهدئة الانتقادات ضده في إسرائيل حينها، فقد اتهمه زعماء المعارضة بالفشل "غير المسؤول" وقالوا إنه يتعين عليه الاستقالة.
  • وفي مطلع نوفمبر/تشرين الثاني 2024 بعد أقل من شهر على بدء الحرب الإسرائيلية في غزة، أشار وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو إلى أن إلقاء قنبلة نووية على غزة هو أحد الخيارات الممكنة، وهو ما اعتبر على أنه اعتراف ضمني بامتلاك "إسرائيل" سلاحاً نووياً. 
  • وبينما تعرّض إلياهو لتأنيب علني من نتنياهو وعُلِّقت مشاركته في اجتماعات مجلس الوزراء، فقد احتفظ بمنصبه في الحكومة، وأعاد تأكيد موقفه المؤيد لاستخدام السلاح النووي في أواخر يناير/ كانون الثاني 2024.
  • ولا يزال الافتقار إلى الوضوح فيما يتعلق ببرنامج الأسلحة النووية الإسرائيلي والغطاء الأمريكي على ذلك، يشكل عقبة رئيسية أمام إنشاء منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل في الشرق الأوسط. 
  • وكان التعهد العالمي بإنشاء مثل هذه المنطقة في عام 1995 حاسماً في تأمين تمديد معاهدة منع الانتشار النووي إلى أجل غير مسمى. لكن يشكل غياب المنطقة اليوم بسبب الرفض الإسرائيلي للمكاشفة تحدياً مستمراً لهذه الاتفاقية الحاسمة.
تحميل المزيد