“إسرائيل بدأت حرباً لا تعرف نهايتها”.. هل يمكن لنتنياهو تحقيق “النصر” على إيران دون ترامب؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/06/17 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/06/17 الساعة 13:37 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب خلال استقباله رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في البيت الأبيض/رويترز

تمثل الحرب الجارية بين دولة الاحتلال وإيران ذروة عقود من المناوشات بين الجانبين، لم تصل إلى الحد الذي وصلت إليه الآن، ومع مواصلة طهران شن هجمات على إسرائيل بعد الضربة الافتتاحية التي قامت بها الأخيرة، تثار التساؤلات حول استراتيجية تل أبيب للخروج، وكيف يمكن إنهاء هذا الصراع مع تحقيق أهدافها.

ولم تتمكن الضربة الأولى والهجمات التي تلتها من تدمير البرنامج النووي الإيراني، رغم الاستهداف الدقيق الذي تمكنت فيه إسرائيل من اغتيال شخصيات عسكرية بارزة وعلماء نوويين، ومواقع للتخصيب.

لكن الأفق الاستراتيجي للحرب التي بدأتها إسرائيل على إيران، ما زال غامضاً، وسط تخوفات داخل إسرائيل من تكرار نموذج غزة، مع مدى إمكانية تحقيق "النصر على إيران" دون تدخل أمريكي مباشر.

وتشير البيانات والتصريحات الرسمية الإسرائيلية إلى "لغة النصر" و"حرمان إيران من القدرات النووية"، لكن الطموح الأساسي هو "تغيير النظام".

وقال نتنياهو في تصريحات مع شبكة "فوكس نيوز" إن الهجمات العسكرية التي تشنها إسرائيل قد تؤدي إلى تغيير النظام في إيران.

ومع ذلك، لا يزال هذا الأمر بعيد المنال حتى اللحظة، فمنشآت إيران النووية تحت الأرض لا تزال سليمة، ولا يمكن الوصول إليها إلا بتدخل أمريكي.

هل يسعى نتنياهو إلى توريط ترامب في الحرب؟

بعدما وجّه ترامب دعوة غريبة طالب فيها الإيرانيين بإخلاء طهران، توقّع الإسرائيليون بأن هذا إعلان بانخراط أمريكي في الحرب على إيران.

وقالت القناة 14 العبرية المقربة من نتنياهو، تعقيباً على مغادرة ترامب، إن الإنجازات الإسرائيلية فتحت شهية واشنطن، مضيفة: "لقد قررت الولايات المتحدة بقيادة ترامب المضي قدماً بعشر خطوات".

وأضافت القناة الإسرائيلية: "إذا دخل ترامب المعركة، فسيكون هناك نظام مختلف في إيران، وستصبح تهديداتها النووية من الماضي".

وخلال اليومين الماضيين، بدأت الولايات المتحدة بنقل ناقلات وقود جوية عبر المحيط الأطلسي، وأمرت حاملة الطائرات "نيميتز" بالتوجه من بحر جنوب الصين إلى منطقة الشرق الأوسط.

لكن ترامب، في تصريحات إلى قناة "سي بي سي" الأمريكية، أعرب عن أمله في أن يتم القضاء على البرنامج النووي الإيراني دون تدخل أمريكي.

صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز
صورة للقاء سابق بين ترامب ونتنياهو/ رويترز

وقالت شبكة "سي أن أن" الأمريكية إن ترامب لا يزال علناً على الأقل، متردداً في إغراق الولايات المتحدة في حرب أخرى في الشرق الأوسط، ويواصل النأي بنفسه عن العنف.

ومع توجه التعزيزات الأمريكية إلى المنطقة، زاد ترامب من ضغطه على الحكومة الإيرانية لإبرام اتفاق، نشر تغريدةً قال فيها إنه "كان ينبغي على إيران التوقيع على الاتفاق الذي طلبتُ منهم التوقيع عليه"، وأكد مجدداً أن "إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي".

وبحسب صحيفة "نيويورك تايمز" الأمريكية، فإن تصريحات ترامب تشير إلى أن تفضيله الحالي هو استخدام المكاسب العسكرية التي حققتها إسرائيل كوسيلة ضغط لاستئناف المحادثات مع طهران.

وتقول الصحيفة إن هناك رأياً يرجح أن يتجنب ترامب المواجهة المباشرة مع إيران، ما لم يحوّل الجيش الإيراني هجماته من إسرائيل إلى المصالح والأفراد الأمريكيين في الشرق الأوسط.

وما يضيّق هامش المناورة أمام ترامب هو تجنب إيران تقديم مثل هذه الذريعة للتدخل الأمريكي، كما تجنبت شن هجمات على حلفاء الولايات المتحدة الآخرين في المنطقة.

انقسام بين الجمهوريين

ويذكر تقرير لصحيفة "الغارديان" أن حرباً أخرى اندلعت في واشنطن بين الصقور المحافظين الذين يدعون إلى توجيه ضربات أمريكية فورية إلى منشآت تخصيب اليورانيوم، و"الانعزالية" المؤيدة لإسرائيل، الذين يطالبون ترامب بالالتزام بتعهده الانتخابي بعدم إشراك الولايات المتحدة في حروب خارجية جديدة.

حيث دعت شخصيات مقربة من ترامب، بمن فيهم نائبه، جيه دي فانس، بلادهم إلى الامتناع عن إرسال قواتها لخوض حروب خارجية، فيما أدان محللون بارزون مثل تاكر كارلسون احتمال تورط الولايات المتحدة في حرب مع إيران.

وفي حديثه عبر بودكاست، وصف كارلسون زملاءه من الشخصيات الإعلامية بأنهم "محرضون على الحرب"، وقال إن هذا الوصف "سيشمل أي شخص يتصل بدونالد ترامب اليوم للمطالبة بشن غارات جوية وغيرها من التدخل العسكري الأمريكي المباشر في حرب مع إيران".

ومن بين الشخصيات التي ترفض الانغماس الأمريكي في الحرب على إيران، إلبريدج كولبي، وكيل وزارة الدفاع لشؤون السياسة، حيث يشدد على أن القوة العسكرية الأمريكية يجب أن تُوجّه إلى منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدلاً من الشرق الأوسط.

لكن مجموعة من الجمهوريين التقليديين، بينهم السيناتور توم كوتون، وكبار المسؤولين في البنتاغون مثل مايكل إريك كوريللا، واصلوا التأكيد على ترامب بالحاجة إلى سياسة أكثر صرامة تجاه إيران.

هل يستطيع نتنياهو تحقيق "النصر على إيران" دون تدخل ترامب؟

يرى تحليل للقناة 12 العبرية أن نجاح العملية الإسرائيلية ضد إيران يعتمد على دخول الولايات المتحدة في الهجوم.

وأوضحت أن كل شيء يعتمد الآن على "الشريك"، كما يقولون في المؤسسة الأمنية، فمشاركته في الحدث ستتسبب في تحقيق الأهداف، وإلا فليس لدى إسرائيل استراتيجية خروج حقيقية.

وتكمن المعضلة في أن "الشريك" ليس الأمريكيين القدامى من عهد الرؤساء بايدن وأوباما وحتى بوش، والذين تصرفوا باسم "القيم المشتركة" وفقاً لخطط عمل منتظمة، بل دونالد ترامب، الذي لا تُتوقع تصرفاته، بحسب القناة.

ونوّهت إلى أن إسرائيل تعوّل عليه كثيراً، ويُؤمل أن تشجّع النجاحات العسكرية والسيطرة على سماء طهران "الشريك" على الانضمام.

ورأت أنه إذا لم يأتِ الأمريكيون لتوجيه ما يسمى "الضربة النهائية" للقضاء على المشروع النووي في فوردو، ومن ناحية أخرى لم ينجحوا في فرض اتفاق نووي على إيران بشروط أفضل، فإن إسرائيل لن تحصل على إنجاز واضح لا لبس فيه، بل ستتلقى "ضربة كبيرة للغاية".

وتحتاج إسرائيل إلى القوة النارية الأمريكية، وليس إلى التدخل الدبلوماسي الأمريكي، ورغم نجاحها في قتل علماء نوويين رئيسيين، فضلاً عن ضرب منشآت التخصيب، فإن إلحاق ضرر دائم بالبرنامج النووي الإيراني لا يزال يتجاوز قدراتها، بحسب شبكة "سي أن أن" الأمريكية.

صورة أقمار صناعية تُظهر مبانٍ مدمرة عند مدخل منشأة صواريخ كرمانشاه في <br>إيران/ رويترز
صورة أقمار صناعية تُظهر مبانٍ مدمرة عند مدخل منشأة صواريخ كرمانشاه في 
إيران/ رويترز

وتشير الشبكة الأمريكية إلى أن بعض أهم المواقع الإيرانية تقع تحت الأرض على عمق كبير، مثل منشأة فوردو للتخصيب في شمال إيران، والتي بُنيت داخل جبل، وبدون التدخل العسكري الأمريكي، بما في ذلك الدعم اللوجستي والقوة النارية القادرة على اختراق المخابئ، فإن قدرات إيران قد تصمد حتى في وجه القصف الإسرائيلي المطوّل، وهناك عيب آخر في الاستراتيجية الإسرائيلية أيضاً.

وحتى لو دُمِّرت جميع المنشآت الإيرانية، فمن الممكن إعادة بنائها في نهاية المطاف على يد نظام يتمتع بخبرة مؤسسية في المجال النووي، علاوة على ذلك، إذا نجا النظام الإيراني من الهجوم الحالي، فقد يحسب، على نحو مفهوم، أن الردع النووي، وليس اتفاقاً نووياً جديداً، هو أفضل دفاع له ضد أي هجوم مستقبلي.

ما هي سيناريوهات الحرب بين إسرائيل وإيران؟

يقول المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس" عاموس هارئيل، إن التحركات العسكرية الإسرائيلية لم تنتهِ بعد، وهناك مخاوف من سيناريو خطير وهو "حرب الاستنزاف"، مشدداً على أن ترامب لا يزال قادراً على تغيير الموازين تماماً.

وأضاف أنه من المفترض أن يمهّد القصف الإسرائيلي، الذي شمل اغتيال العشرات من كبار المسؤولين في النظام الإيراني، الطريق لتدخل ترامب، ولا تزال تل أبيب تأمل أن يفرض الرئيس الأمريكي تسوية أكثر صرامة على الإيرانيين بفضل الخطوة العسكرية.

وأشار إلى أن إسرائيل لا تزال تحاول الترويج لانهيار النظام في طهران، لكن هذا الهدف الطموح للغاية، من المشكوك في أن يتحقق، مضيفاً أن الأعداد المتزايدة من المدنيين الذين قُتلوا في إيران في القصف الإسرائيلي تحقق نتائج عكسية.

وتابع بأن هناك غموضاً يحيط بموقف الولايات المتحدة، إلى جانب غموض حول سيناريوهات النهاية، وهناك مخاوف من أن تتجه الأمور نحو حرب استنزاف طويلة، وهي حرب لم تستعد لها إسرائيل بعد.

وشدد على أن الحلقة المفقودة والحاسمة هي مدى دعم الإدارة الأمريكية لإسرائيل، متسائلاً: "هل ستُترجم التصريحات العلنية ونقل الأسلحة والمساعدة الاستخباراتية والدفاعية إلى خطوات هجومية؟".

ووضع المحلل العسكري ثلاثة سيناريوهات:

  • السيناريو الأول: يؤدي انضمام أمريكا إلى الهجوم على المنشأة النووية في فوردو والنظام الإيراني إلى تغيير ميزان القوى تماماً وتحقيق جميع أحلام نتنياهو، لكن ترامب لم يُظهر بعد أي علامات على أنه يسير في هذا الاتجاه، وفي الدائرة المحيطة به هناك معارضة شديدة للتدخل المباشر.
  • السيناريو الثاني: يحث ترامب نتنياهو على الإسراع في إنهاء الحرب وهو في وضعية أفضلية، ويفرض وقفاً سريعاً لإطلاق النار على الأطراف، بينما يسعى للتوصل إلى اتفاق نووي جديد بشروط أكثر صرامة على إيران.
  • السيناريو الثالث، وهو الأخطر، فيتعلق باندلاع حرب استنزاف، وقد تجد تل أبيب نفسها في موقف مشابه لأوكرانيا التي تخوض حرباً ضد روسيا منذ أكثر من ثلاث سنوات، ولكن على الأقل يتمتع الأوكرانيون بدعم دولي كبير.

مخاوف إسرائيلية من تكرار نموذج غزة مع إيران

في هذا الإطار، تذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الليالي التي يقضيها الإسرائيليون في الملاجئ تمثل تغييراً جذرياً في مفهوم الأمن الشخصي، وإذا انتهت العملية الإسرائيلية بإنجاز استثنائي، فسيجمع معظم الإسرائيليين على أن الثمن كان يستحق العناء.

وأوضحت أن التساؤل الأساسي هو: "ما مقدار ما تم إنجازه وما يمكن إنجازه ضد المنشآت النووية والعسكرية الإيرانية؟"، وهما هدفا الحرب.

تقول القناة 12 العبرية إنه وبينما لا تزال نشوة الإنجاز العسكري الهائل حاضرة، فإن ثمن هذه الحرب بدأ يتبيّن أمام أعين الجميع، ومن الصواب معرفة استراتيجية الخروج، وما هو الإنجاز المطلوب من إسرائيل، ومن سيجبر رئيس الوزراء على عدم الانتظار قليلاً حتى "النصر الكامل".

وشددت على أنه يجب عدم قبول نموذج غزة ضد إيران، فحرب الاستنزاف ضد حركة حماس لا تشبه تلك التي ضد إمبراطورية ضخمة تبعد عن إسرائيل 1500 كيلومتر.

وبالحديث عن "نموذج غزة"، فإن عدم إنهاء نتنياهو، عمداً، للحرب في غزة وإطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين قبل الشروع في أعظم حملات إسرائيل، أمرٌ مثير للقلق أيضاً، تماماً كما هو الحال مع قرار الشروع فيها دون سدّ الخناق تماماً على ترامب، كما تقول القناة.

وأضافت القناة أن نتنياهو قد يقنع نفسه بضرورة الحفاظ على حكومته مهما كلّف الأمر لخوض حرب الوجود الكبرى ضد إيران، لأنه وحده القادر على ذلك.

وأكدت أنه إذا لم يجبر ترامب نتنياهو على إنهاء الأزمة، سواء بانتصار ساحق أو باتفاق قسري، فالأمر سيصبح كله بيد نتنياهو، الذي إن شاء أعلن "النصر" وفق الجدول الزمني للمؤسسة الأمنية على غرار حزب الله ولبنان، ومع ذلك، يمكنه أيضاً تكرار نموذج غزة هنا، وفرض حرب استنزاف حتى سقوط النظام الإيراني، ليعلن "نصراً كاملاً"، وفي الوقت نفسه يطالب الإسرائيليين بتحمل الثمن، وهنا ستكون الكارثة الكبرى.

وشددت في تقرير آخر أن المشكلة هي أن إيران ليست غزة، ومشروعها النووي ليس منظومة صواريخ حزب الله، ولن تُغلق الحسابات التي فُتحت مع الإيرانيين قريباً.

والأهم من ذلك، أن التحذير الذي أطلقه رئيس الموساد الأسبق مئير داغان قبل 14 عاماً لا يزال يلوح في الأفق؛ ففي إحاطة قدمها يوم مغادرته منصبه، حذّر من أن أي هجوم إسرائيلي لن يكون سوى ذريعة للإيرانيين لتجديد مشروعهم النووي بكامل قوته. وكما ذُكر، فإن تدمير المشروع بأكمله مادياً على يد إسرائيل وحدها أمرٌ مستحيل.

تحميل المزيد