عندما أدى دونالد ترامب اليمين الدستورية رئيساً للولايات المتحدة للمرة الثانية في يناير/كانون الثاني 2025، قطع وعداً بأن إرثه سيكون الأعظم فخراً، موصِفاً نفسه بـ"صانع السلام"، لكن التطورات في الشرق الأوسط والمعارك التي يشعلها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قد تحول دون ذلك.
فبعد خمسة أشهر على توليه الرئاسة، وفي ظلال الهجوم الإسرائيلي على إيران، واستمرار الإبادة الجماعية في قطاع غزة، مع تضاؤل فرص إنهاء الحرب على أوكرانيا، تبددت حتى الآن آمال ترامب.
5 أشهر دون التوصل إلى اتفاق واحد ينهي الحروب
وكان ترامب في تصريحاته يتفاخر بأنه الشخص الوحيد القادر على التوصل إلى اتفاق مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، وقبل وصوله إلى البيت الأبيض، أكد مراراً أنه سينهي الحروب، ويمنع الحرب العالمية الثالثة.
والخميس 12 يونيو/حزيران 2025، أعرب ترامب عن خيبة أمله من عدم توصل روسيا وأوكرانيا إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، مشيراً إلى أنه كان يعتقد أنه من الممكن التوصل إلى اتفاق بين البلدين.
أما في غزة، فقد دعا مراراً وتكراراً إلى وقف الحرب على القطاع، لكن نتنياهو انتهك اتفاق وقف إطلاق النار الذي شارك مبعوثه ستيف ويتكوف بالتوقيع عليه، وأطلق عملية "عربات جدعون"، مع تصاعد في عدد الشهداء والجرحى بين الفلسطينيين.
نتنياهو قوّض جهود ترامب في توسيع نطاق اتفاقيات التطبيع
وكان الإنجاز الأبرز لترامب في مجال السياسة الخارجية في ولايته الأولى هو اتفاقيات التطبيع بين إسرائيل ودول عربية، ولم تكتمل.
وحتى الآن لم يُحرَز أي تقدم في هذا الملف، وذكرت تقارير إسرائيلية سابقة أن الرئيس الأمريكي أصبح لا يشترط إجراء محادثات نووية مدنية مع السعودية بالتطبيع مع إسرائيل.

وخلال زيارته السعودية، أعرب ترامب عن "حلمه" بانضمام السعودية إلى اتفاق التطبيع مع إسرائيل، لكنه أشار إلى أن المملكة لن تفعل ذلك إلا عندما تكون مستعدة.
وكشف ترامب حينها أن السعودية قالت إنها لن تطبع العلاقات مع إسرائيل حتى يكون هناك مسار واضح لإقامة دولة فلسطينية ونهاية دائمة للحرب في غزة، لكن هذا الأمر يبدو بعيد المنال في ظل رفض نتنياهو "حل الدولتين" ومواصلته الحرب على غزة.
هل أحبط نتنياهو جهود ترامب في هجومه على إيران؟
والخميس، أي قبل ساعات من الضربة الإسرائيلية الأعنف ضد إيران، قال ترامب إنه يفضل إبرام اتفاق مع إيران في الملف النووي، وأن أي هجوم إسرائيلي محتمل عليها "سيدمر كل شيء".
ولدى سؤاله عن الحديث حول هجوم إسرائيلي محتمل على إيران، حذر ترامب من هذا السيناريو، مضيفاً: "لا أريد منهم (إسرائيل) أن يتدخلوا، لأنني أعتقد أن هذا سيدمر كل شيء".
ورداً على سؤال عما قاله المسؤولون الإسرائيليون له في هذه الفترة، أجاب ترامب: "لم يقولوا لي شيئاً، لكن هناك احتمال لاندلاع صراع كبير في الشرق الأوسط. لا أستطيع القول إنه (الهجوم الإسرائيلي) سيحدث قريباً، لكن يبدو أن شيئاً ما سيحدث".
ولكن بعد ساعات من تصريحاته، هاجمت إسرائيل عشرات الأهداف الإيرانية في هجوم مفاجئ ومتشعب الجمعة 13 يونيو/حزيران 2025، يقول محللون إنه يهدد بالتحول إلى حرب شاملة في المنطقة في نهاية المطاف، بحسب وكالة رويترز.

وتقول "رويترز" إن الهجمات تمثل تجاهلاً لترامب الذي حث نتنياهو مراراً على عدم مهاجمة إيران، رغم أن الرئيس ذاته هدد بقصفها إذا فشلت المحادثات النووية.
وكان من المقرر أن يتم عقد الجولة السادسة من المفاوضات الأمريكية الإيرانية غير المباشرة، بوساطة سلطنة عمان، يوم الأحد، لكن التقديرات تشير إلى أنه سيتم إلغاؤها أو تأجيلها بعد الهجوم الإسرائيلي.
وأوضحت "رويترز" أن الهجمات تمثل أيضاً تجاهلاً للمبعوث الأمريكي ستيف ويتكوف، الذي كان يعمل من أجل التوصل إلى حل دبلوماسي للحد من برنامجها النووي.
وسعى ويتكوف دون جدوى لإقناع نتنياهو بالتحلي بالصبر بينما تمضي المفاوضات الأمريكية الإيرانية قدماً. ووصلت تلك المحادثات إلى مرحلة من الجمود.
وقال بريت بروين، وهو مستشار سابق للسياسة الخارجية للرئيس الديمقراطي الأسبق باراك أوباما، إن "دبلوماسية ترامب هي إحدى أولى ضحايا هذه الهجمات".
وأضاف لوكالة رويترز: "لقد وجد صعوبة في الاقتراب حتى من وقف إطلاق النار (في غزة)، ناهيك عن السلام في أي صراع كبير. بدا أن إيران هي صاحبة أكثر ملف واعد لتحقيق نجاح، وأفسده نتنياهو للتو".
وفي أول تعليق له على الهجوم الإسرائيلي على إيران، حث ترامب إيران على إبرام اتفاق بشأن البرنامج النووي، مضيفاً أن الوقت لا يزال متاحاً أمامها لمنع مزيد من الصراع مع إسرائيل.
وقال على منصة تروث سوشيال: "وقع بالفعل موت ودمار واسع، لكن لا يزال الوقت متاحاً لوقف هذه المذبحة بالنظر إلى وجود خطة للهجمات القادمة بالفعل وستكون أكثر وحشية".
وذكرت قناة "فوكس نيوز" أن ترامب قال إنه كان على علم بأن إسرائيل ستنفذ ضربات على إيران قبل حدوث ذلك، وأنه يأمل أن تكون المفاوضات ممكنة.
كما نقلت قناة "إيه.بي.سي نيوز" عن ترامب أن الهجوم الإسرائيلي على إيران "ممتاز"، في الوقت الذي زعم فيه وزير خارجيته ماركو روبيو أن بلاده لم تشارك في مهاجمة إيران.
هل تسبب نتنياهو بتوريط ترامب في ولايته الأولى؟
وفي الوقت الذي تكشفت فيه الهجمات الإسرائيلية على إيران، عبّر بعض أعضاء الحزب الديمقراطي البارزين عن إحباطهم من قرار ترامب خلال ولايته الأولى سحب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الإيراني، الذي أُبرم بين طهران وقوى عالمية في عهد أوباما.
وندد ترامب ومنتمون للحزب الجمهوري بذلك الاتفاق، قائلين إنه لم يكن ليُبعِد السلاح النووي عن أيدي طهران. ويعيب الديمقراطيون على ترامب عدم توصله حتى الآن إلى بديل موثوق يُعتمد عليه.
وقال السيناتور المنتمي للحزب الديمقراطي كريس ميرفي في منشور على منصة "إكس": "هذه كارثة من صنع ترامب ونتنياهو، والآن تخاطر المنطقة بالانزلاق نحو صراع جديد يُزهق الأرواح".
في هذا الإطار، يشير موقع "بلومبرغ" إلى أن أحد الأسباب الرئيسية لمسار إيران المتزايد الخطورة، كان سوء التقدير الجسيم الذي ارتكبه نتنياهو وترامب في تعاملهما مع إيران.
فبدعم قوي من نتنياهو، انسحب ترامب عام 2018 من الاتفاق النووي الذي توصل إليه الرئيس باراك أوباما، والذي احتوى إلى حد كبير على البرنامج النووي الإيراني.

ويبدو أن ترامب توقع أن تعود إيران زاحفةً وتُقدِّم تنازلات، لكن بدلاً من ذلك، سرّعت إيران تخصيب اليورانيوم. وصف مسؤول أمني إسرائيلي سابق قرار إلغاء الاتفاق عام 2018 بأنه "كارثة"، بينما قال آخر إنه "خطأ تاريخي".
ولم تفلح عدوانية نتنياهو آنذاك، ويبدو من غير المرجح أن تُفلح الآن. ربما كان القصف يهدف إلى تقويض جهود ترامب الدبلوماسية الأخيرة لاستعادة شيء يُقارب الاتفاق النووي الأصلي مع إيران، بحسب "بلومبرغ".
هل الهجوم الإسرائيلي على إيران سيتسبب بحرب واسعة؟
تقول صحيفة "الغارديان اليومية" إن محللين إيرانيين يزعمون أن بإمكان إيران الآن السعي لاستهداف المصالح الأمريكية أو استئناف هجمات البحر الأحمر عبر الحوثيين. بدورها، أشارت إسرائيل إلى أن هذه ليست سوى "الجولة الأولى" في هجوم أوسع على طموحات إيران النووية.
وتضيف الصحيفة أنه من شبه المؤكد أن إسرائيل لن تتمكن من تفجير مصنع فوردو الإيراني المدفون دون مساعدة عسكرية أمريكية، وهي مساعدة لم يقدمها البيت الأبيض.
وعليه، فإن الأيام المقبلة ستُظهر ما إذا كانت الأزمة ستُنهي صورة ترامب كصانع سلام دولي، أم ستُؤجل خططه في السياسة الخارجية فحسب. وفي كلتا الحالتين، تُواجه رؤيته للسلام أصعب اختبار لها حتى الآن.
فيما يذكر موقع "بلومبرغ" أن مثل هذه الهجمات الإسرائيلية قد تؤدي ببساطة إلى تسريع مساعي إيران للحصول على الأسلحة النووية، لأن قادتها سوف يلجأون إلى المزيد من الحجج التي تزعم أن هذا يُظهر أن البلاد تحتاج إلى رادع نووي.
ويكمن الخطر في أن نشهد دورة تصعيد تؤدي إلى حرب إقليمية لا يريدها أحد، وستكون القوات والسفارات الأمريكية في خطر، وأفضل طريقة لحمايتها من ترامب هي البقاء بعيداً عن هذا الصراع ومحاولة إحياء الاتفاق النووي، كما يقول الموقع.