بين مفاوضات البرنامج النووي المستمرة٬ وقرع تل أبيب لطبول الحرب وعدم انتظار نتائج الجولات التفاوضية، تسابق إيران الزمن وتعمل على إعادة بناء منظوماتها الدفاعية بشكل كامل٬ استعداداً لهجمات إسرائيلية أو حتى أمريكية محتملة. ورغم إظهارها مرونة غير مسبوقة في مواقفها النووية تستعد طهران للأسوأ٬ ويبدو أنها تأخذ التهديدات الإسرائيلية الأخيرة على محمل الجد.
في الوقت ذاته٬ يدير الرئيس الأميركي دونالد ترامب أوراق اللعبة مع إيران بخليط من الدبلوماسية والتهديدات العسكرية، مستخدماً رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين كأداة تهديد ضاربة٬ لترهيب طهران والضغط عليها بالمحادثات النووية. وبينما يحذر ترامب إسرائيل علناً من "إفساد المفاوضات"، يواصل استخدام التهديد الإسرائيلي كوسيلة ضغط لكسب المزيد من التنازلات من طهران، التي باتت تدرك أن التهديد بالضربة لم يعد احتمالاً نظرياً، بل يجب الاستعداد له بشكل جيد وسريع.
كيف تستعد إيران لهجمات محتملة من إسرائيل وأمريكا؟
- تسعى إيران إلى تعزيز دفاعاتها الجوية في الوقت الذي يستعد فيه الجيش والحرس الثوري لاحتمال توجيه ضربة إسرائيلية أو أميركية للبنية الأساسية النووية لطهران إذا انهارت المفاوضات بشأن برنامجها لتخصيب اليورانيوم٬ كما يقول تقرير لصحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية.
- وتقول تقارير استخباراتية غربية إنه خلال الغارات الجوية الإسرائيلية في أكتوبر وأبريل 2024 تم تدمير أو إتلاف العديد من الصواريخ أرض-جو وأجهزة الرادار الإيرانية الأكثر تقدماً – بما في ذلك أنظمة S-300 طويلة المدى روسية الصنع – وقد أدى هذا، إلى جانب الضربات الإسرائيلية الناجحة على وكلاء إيران مثل حزب الله اللبناني والمتمردين الحوثيين في اليمن، إلى إدراك أن إيران أصبحت في أكثر حالاتها عرضة للهجوم الجوي منذ عقود.
- مع ذلك، يقول الخبراء للصحيفة البريطانية إن العديد من عناصر الدفاعات الجوية الإيرانية لا تزال سليمة أو يبدو أنها تم إصلاحها في الأشهر الأخيرة. وتشير تقييمات الاستخبارات الغربية وصور الأقمار الصناعية التي راجعها محللون دفاعيون إلى أن إيران أعادت منذ ذلك الحين نشر العديد من منصات إطلاق الصواريخ أرض-جو، بما في ذلك أنظمة إس-300، بالقرب من المواقع النووية الرئيسية مثل نطنز وفوردو.
- وقد تم عرض بعض هذه المعدات علناً في الأشهر الأخيرة، مع عرض للأسلحة ــ بما في ذلك قاذفة صواريخ إس-300 وشاحنة رادار ــ في طهران خلال احتفالات "يوم الجيش" الشهر الماضي. وقد ظهر أيضا نظام إس-300 وهو يطلق صاروخا أرض-جو خلال تدريبات عسكرية في فبراير/شباط 2025 باستخدام رادار جديد من تصميم إيراني، وفقا للباحثة نيكول جراجوسكي من مؤسسة كارنيغي في واشنطن. التي قالت إن "إيران تريد نفي الرواية التي تقول إن دفاعاتها الجوية المتقدمة قد تم تدميرها".
- وأعلن محمد باقري، رئيس أركان القوات المسلحة الإيرانية، هذا الشهر استعداد إيران لشن هجوم محتمل. وقال "إننا نشهد تحسنا ملحوظا في قدرة وجاهزية الدفاع الجوي للبلاد"، معلناً عن زيادة الاستثمارات عدة مرات في هذا القطاع. وأضاف أن "أعداء الأمة الإيرانية يجب أن يفهموا أن أي انتهاك للمجال الجوي لبلادنا سيلحق بهم أضراراً كبيرة".
ترامب يضغط ويهدد.. ونتنياهو يدعو لـ"تحرك سريع" ضد طهران
- الوكالة الدولية للطاقة الذرية قالت في تقرير سري نشر يوم السبت 31 مايو 2025 إن إيران زادت مخزونها من اليورانيوم المخصب إلى مستويات قريبة من درجة صنع الأسلحة، ودعت طهران إلى "تغيير مسارها بشكل عاجل والامتثال لتحقيق الوكالة"٬ وفي أعقاب ذلك قال رئيس الوزراء الإسرائيلي نتنياهو إن طهران "عازمة تماماً على استكمال برنامجها للأسلحة النووية".
- ورد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو على التقرير ووصفه بأنه "خطير"، مضيفا أن المجتمع الدولي يجب أن "يتحرك الآن لوقف إيران". وقال مسؤولون أميركيون لصحيفة "وول ستريت جورنال" إن إيران قادرة على تحويل مخزونها إلى "مادة انشطارية صالحة لصنع الأسلحة النووية بنسبة 90%" في أقل من أسبوعين.
- ويأتي التقرير في وقت حساس حيث تجري طهران وواشنطن عدة جولات من المحادثات بشأن اتفاق نووي محتمل يحاول الرئيس الأمريكي ترامب التوصل إليه. ورغم أن المفاوضات مستمرة، فقد هدد ترامب ــ الذي تخلى عن اتفاق نووي سابق مع إيران خلال ولايته الأولى ــ بمهاجمة الجمهورية الإسلامية إذا انهارت المحادثات.
- وفي لعبة المراوغة واستخدام نتنياهو لتهديد طهران٬ قال الرئيس ترامب يوم الأربعاء الماضي عندما سُئل عمّا إذا كان قد حذّر إسرائيل من أفعال قد تُعطّل المحادثات النووية مع إيران. فأجاب: "حسنًا، أودّ أن أكون صادقًا. نعم، لقد حذّرتُ". لكن تقول صحيفة "وول ستريت جورنال"٬ إنه لم يكن تحذيراً بحد ذاته، فقد سارع ترامب إلى توضيح ذلك٬ وقال إنه أبلغ رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو: "لا أعتقد أنه من المناسب الآن مهاجمة البرنامج النووي الإيراني لأن الولايات المتحدة وإيران على وشك التوصل إلى حل تفاوضي". وأضاف: "قد يتغير هذا في أي لحظة، لكنني أعتقد أنهم يريدون الآن التوصل إلى اتفاق".
- وتقول الصحيفة لا يُمثل إن نتنياهو المُتصلب لا يُمثل مشكلةً للدبلوماسية الأمريكية؛ بل هو أفضل رصيد لترامب في المفاوضات٬ ولسان حال ترامب يقول إنه على إيران أن تُدرك أن التهديد بالضربة لا يزال قائمًا حتى تتخلى عن قدرتها على تخصيب اليورانيوم – وهو الطريق إلى القنبلة النووية. إذا لم تفعل ذلك، فيجب إخبار طهران بأنه لا سبيل لإيقاف الإسرائيليين.
- ولقد فعل ترامب ذلك من قبل٬ عندما سألته مجلة "تايم" في أبريل/نيسان 2025 عما إذا كان يخشى أن يجرّه نتنياهو إلى حرب مع إيران، أجاب بالنفي. وأضاف: "لقد سألتَه إن كان سيجرّني، وكأنني سأدخل رغماً عني. إذا لم نتوصل إلى اتفاق، فسأكون في طليعة المتضررين.. من الحكمة ألا تنسى إيران ذلك".
- وتقول الصحيفة إن آخر فكرة طرحتها طهران، هذه المرة عبر رويترز، هي أن النظام قد "يوقف" تخصيب اليورانيوم "إذا أفرجت الولايات المتحدة عن الأموال الإيرانية المجمدة واعترفت بحق طهران في تكرير اليورانيوم للاستخدام المدني بموجب "اتفاق سياسي" قد يؤدي إلى اتفاق نووي أوسع نطاقًا" في المستقبل.
- ويوم الأربعاء، وصف ترامب نوع الاتفاق الذي يتوقعه من إيران بالقول: "يمكننا الدخول مع عمليات تفتيش، ويمكننا أخذ ما نريد، ويمكننا تفجير ما نريد". هذا يعني تفكيكًا لأجهزة الطرد المركزي، وسيستغرق الأمر وقتًا وضغطًا اقتصاديًا وربما عسكريًا لتحقيقه٬ كما تقول "وول ستريت جورنال".
- وطالبت واشنطن إيران بوقف تخصيب اليورانيوم، وهو ما تقول إنه ضروري لمنع البلاد من امتلاك أسلحة نووية، في حين تصر طهران على أنها يجب أن تكون قادرة على مواصلة التخصيب للاستخدام المدني.
- في أبريل/نيسان 2025، أمرت الولايات المتحدة بنشر 6 قاذفات من طراز بي-2 – وهو أكبر انتشار لهذه الطائرة على الإطلاق – في قاعدة دييغو غارسيا في المحيط الهندي والتي من المتوقع أن تكون نقطة الانطلاق المحتملة لأي ضربات ضد إيران.
- أما إسرائيل، التي أثبتت بالفعل قدرتها على ضرب دفاعات جوية إيرانية، تضغط على الولايات المتحدة لدعم توجيه ضربات ضد إيران. وحذر خبراء من احتمال شن إسرائيل هجوماً دون موافقة واشنطن إذا رأت أن ترامب وافق على اتفاق ضعيف.
هل إسرائيل قادرة على تدمير المنشآت النووية الإيرانية؟
- خلال ضرباتها العام الماضي، استهدفت إسرائيل مواقع رادار وصواريخ بصواريخ باليستية أُطلقت من مسافة بعيدة جدًا عن المدى الأقصى لنظام إس-300، وهو 200 كيلومتر. وعُثر على معززات لهذه الصواريخ، من صنع شركة رافائيل الإسرائيلية، في الصحراء العراقية على بُعد مئات الكيلومترات. ولا تزال فعالية هذه الهجمات موضع نقاش ساخن.
- تُظهر صور الأقمار الصناعية مفتوحة المصدر بعض الإصابات المباشرة، مثل تلك التي أصابت شاحنة رادار إس-300 في قاعدة جوية قرب أصفهان بعد غارة أبريل/نيسان 2024. لكن الصور التي التُقطت بعد غارات أكتوبر/تشرين الأول أظهرت أن العديد من مواقع إس-300 فارغة، مما يجعل من غير الواضح ما إذا كانت الصواريخ قد دُمرت أم نُقلت ببساطة. وقال سام لير، الباحث المشارك في مركز جيمس مارتن لدراسات منع الانتشار لصحيفة فاينانشيال تايمز: "لا يوجد الكثير من الأدلة القاطعة".
- مع ذلك، تشير تقديرات الاستخبارات الغربية إلى أن طهران تعتقد أن دفاعاتها الجوية "أداءها دون المستوى" العام الماضي، واتخذت خطوات مثل إعادة تمركز وتنويع منصات الإطلاق والرادارات، وفقًا لشخصين مطلعين على هذه التقارير.
- ولكن الهجوم على المواقع النووية الإيرانية، الواقعة في مخابئ تحت الأرض محصنة ــ المنشأة في نطنز مبنية داخل جبل ــ سيكون أكثر تعقيداً كثيراً من أي شيء حاولت إسرائيل تنفيذه في العام الماضي. وفي حالة مشاركة الولايات المتحدة، فمن المرجح أن تقوم قاذفات بي-2 بإسقاط قنابل ثقيلة من طراز جي بي يو-57 تزن 30 ألف رطل مباشرة على الهدف، وذلك وفقاً لبحث نشرته في مارس/آذار |أكاديمية الخدمات المتحدة الملكية" في لندن. ولو تحركت إسرائيل بمفردها، فإن خياراتها سوف تكون محدودة للغاية، لأنها تفتقر إلى القاذفات الثقيلة أو وسيلة لإيصال مثل هذه الذخائر الكبيرة.
- ومن المرجح أن يستخدموا مقاتلات الشبح من طراز إف-35، المسلحة بقنابل دقيقة من طراز بي إل يو-109 تزن 2000 رطل، أو قاذفات مقاتلة من طراز إف-15 تحمل قنابل جي بي يو-28 تزن 4000 رطل، وكلاهما يتطلب ضربات متعددة على نفس الحفرة لاختراق الملاجئ المحصنة، بحسب المعهد الملكي للخدمات المتحدة.
- قد يتطلب هذا طلعات جوية عديدة، ربما باستخدام ناقلات وقود جوًا، وهي في حد ذاتها قد تكون عرضة لصواريخ أرض-جو بعيدة المدى أو طائرات مُسيّرة. منذ الصيف الماضي، ضربت إسرائيل أهدافًا في اليمن تسع مرات على الأقل من مسافة تُقارب مسافة ضربة على إيران.
- ستكون هذه الصواريخ أيضًا ضمن مدى منظومة صواريخ أرض-جو القصيرة والمتوسطة التي لا تزال قيد التشغيل، والطائرات المسيرة المضادة للطائرات التي تُحلّق فوق المنطقة، والتي عززت بها إيران دفاعاتها الجوية. وسيكون من الصعب معرفة عدد هذه الصواريخ التي دُمرت قبل بدء حملة القصف المُنسّق.
ما الذي تملكه طهران لصد الهجمات المحتملة؟
- إلى جانب الأنظمة الصاروخية قصيرة المدى العديدة، مثل نظام تور-إم1 الروسي، تضم ترسانة إيران أيضًا صواريخ أرض-جو مُطوّرة محليًا، مثل صاروخ بافار-373 بعيد المدى وصاروخ خرداد-15 متوسط المدى. وقد نشأت هذه البرامج التسلحية المحلية نتيجةً للإحباط من بطء روسيا في تسليم الأسلحة ورفضها بيع أنظمة أكثر تطورًا، مثل نظام إس-400، وفقًا لفابيان هينز، الباحث في المعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في المملكة المتحدة. وأضاف أن "هذا الجهد من الجانب الإيراني يهدف إلى تكرار قصة نجاح برنامج تطوير الصواريخ الباليستية الإيراني".
- وقال جون ألترمان، رئيس قسم الأمن العالمي والجيوستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن، إن التعامل مع مثل هذه الدفاعات لن يكون سهلاً على إسرائيل. "ولكن هل هذا يتجاوز قدرات إسرائيل؟ لا، بالطبع لا. لقد دأب الإسرائيليون على التدرب على هذا السيناريو تحديدًا لعقود."
- وكذلك فعلت إيران. إن قمع الدفاعات الجوية الإيرانية قبل قصف المواقع النووية سيستغرق ربما أياماً، حيث تواجه أطقم الطائرات مشغلي الأسلحة السطحية، باستخدام المقاتلات والصواريخ المجنحة، مدعومة بطائرات تشويش إلكتروني وصواريخ مضادة للإشعاع لتدمير الرادار.
- قال روبرت تولاست، الباحث في مركز الأبحاث البريطاني "RUSI": "لقد رسّخت إسرائيل هيمنة جوية شبه كاملة فوق إيران. لكن ضربة كهذه تتطلب موجاتٍ من الطائرات على مدار عدة ساعات. ويدخل إرهاق الطاقم في الصورة. فكلما طالت مدة بقائهم فوق إيران، زاد احتمال وقوع خطأ ما" على حد تعبيره.
- وأضاف تولاست أن الرادار الإيراني، المعرض للصواريخ الموجهة بالإشعاعات، والذي يضطر إلى إيقاف تشغيله للبقاء، قد يُعميه التشويش الإسرائيلي. ومع ذلك، حتى لو تم إضعاف أو تدمير معظم الدفاعات الجوية الإيرانية المتطورة، فهناك أنظمة قد يحالفها الحظ. "إنها معركة جوية مكثفة للغاية، مع وجود فرصة كبيرة لأن يتم عرض طيار إسرائيلي على التلفزيون الإيراني."
- حتى صواريخ إيران الأقل تطوراً قد تنجح في صد الهجمات الإسرائيلية. على سبيل المثال، أسقطت سوريا عام 2018 طائرة إف-16 إسرائيلية بصاروخ أرض-جو إس-200 وهو نظام روسي دخل الخدمة أواخر الستينيات. وتحطمت الطائرة في الجولان ونجا الطياران.
- ويقول يوري ليامين، المتخصص في الدفاع الجوي وأحد كبار الخبراء العالميين في أنظمة الدفاع الجوي الروسية في مركز تحليل الاستراتيجيات والتقنيات في موسكو، إن نجاح الهجوم الإسرائيلي على طهران لن يكون محسوما مسبقا. وأضاف لفاينانشيال تايمز: "بينما يولي الجميع اهتماماً لمنظومة إس-300، تولي إيران أهمية كبيرة لإنشاء أنظمة الدفاع الجوي الأكثر قدرة على الحركة والحداثة والتي يمكنها تغيير مواقعها بسرعة، والاختباء في الملاجئ، مما يجعلها أقل عرضة للهجمات بالصواريخ بعيدة المدى".