تواجه الخطة الأمريكية الجديدة لتوزيع المساعدات في غزة عقبات عدة قبل أيام من البدء في تطبيقها تحت إشراف مؤسسة مدعومة من الولايات المتحدة وسط رفض أممي للنموذج الجديد لتوزيع المساعدات في القطاع الفلسطيني، حيث تقول الأمم المتحدة إن الخطة تفتقر إلى النزاهة والحياد.
ومن المقرر أن تبدأ مؤسسة غزة الخيرية في توصيل المساعدات إلى قطاع غزة بدءاً من الأحد 24 مايو/أيار 2025.
يأتي ذلك بينما يعاني سكان القطاع من أزمة غذائية غير مسبوقة بعدما فرض الاحتلال حصاراً موسعاً على غزة ومنع دخول المساعدات الإنسانية منذ الثاني من مارس/آذار الماضي بعد انهيار اتفاق وقف إطلاق النار، الذي تم التوصل إليه بين حماس وإسرائيل في منتصف يناير/كانون الثاني الماضي، بسبب تعنت إسرائيل ورفضها المضي قدماً في تنفيذ المرحلة الثانية من الاتفاق.

ولم يدخل إلى قطاع غزة منذ ذلك الحين سوى كميات محدودة من شاحنات المساعدات التي لا تفي بالحد الأدنى من المواد الإغاثية المطلوبة لتلبية احتياجات السكان.
ما هي مؤسسة غزة الخيرية؟
مؤسسة غزة الخيرية هي مؤسسة غير ربحية تم تسجيلها في سويسرا في فبراير/شباط 2025، ومقرها جنيف.
وفي بيانها التعريفي، تسوق مؤسسة غزة الخيرية (GHF) نفسها كبديل آمن وفعال بدلاً من المنظمات الأممية التي هاجمها الاحتلال الإسرائيلي وسعى إلى إنهاء عملها في غزة.
وقالت دوروثي شيا، القائمة بأعمال الممثل الدائم للولايات المتحدة لدى الأمم المتحدة، أمام مجلس الأمن في وقت سابق هذا الشهر إن مسؤولين أمريكيين كباراً يعملون مع إسرائيل لتمكين المؤسسة من بدء العمل، وحثت الأمم المتحدة ومنظمات الإغاثة على التعاون. وقالت إسرائيل إنها ستسمح للمؤسسة بأن تباشر عملها دون المشاركة في إيصال المساعدات.
ولم تكن مؤسسة غزة الخيرية معروفة للعامة حتى بضعة أسابيع مضت عندما ظهر أن المؤسسة يقودها مزيج من العاملين في المجال الإنساني والممولين والمسؤولين العسكريين والأمنيين السابقين في الولايات المتحدة، ومن بينهم المدير التنفيذي للمؤسسة جيك وود، مؤسس فريق روبيكون، ومحارب قديم في مشاة البحرية الأمريكية.
كيف ستعمل خطة التوزيع الجديدة؟
قالت مؤسسة غزة الخيرية إن المؤسسة ستنفذ عملياتها في البداية من أربعة مواقع توزيع آمنة، ثلاثة في الجنوب وواحد في وسط غزة، وإنه سيُجرى "خلال الشهر القادم افتتاح مواقع إضافية، بما في ذلك في شمال غزة".
وأكدت المؤسسة أنها "لن تشارك أو تدعم أي شكل من أشكال التهجير القسري للمدنيين"، وأنه لا يوجد حد لعدد المواقع التي يمكنها فتحها أو أماكنها.
وذكرت في بيان: "ستستعين مؤسسة غزة الخيرية بمقاولين أمنيين لنقل المساعدات من المعابر الحدودية إلى مواقع التوزيع الآمنة. وبمجرد وصول المساعدات إلى المواقع، سيتم توزيعها مباشرة على سكان غزة بواسطة فرق إنسانية مدنية".
وأشارت المؤسسة إلى أنها تضع اللمسات الأخيرة على آليات إيصال المساعدات إلى من لا يستطيعون الوصول إلى مواقع التوزيع.
وأضافت أنها لن تشارك أي معلومات شخصية عن متلقي المساعدات مع إسرائيل، وأن جيش الاحتلال الإسرائيلي "لن يكون له وجود في المنطقة المجاورة مباشرة لمواقع التوزيع".

وبحسب مصادر خاصة لـ"عربي بوست"، فإن:
- جيش الاحتلال الإسرائيلي اشترط أن تتم عملية شراء المساعدات من الداخل الإسرائيلي، الأمر الذي قوبل بالرفض.
- وافق جيش الاحتلال الإسرائيلي على أن يتم الشراء من الأردن عبر "الخيرية الهاشمية"، ولكنه لم يبدِ موافقة بعد على مسألة الشراء من مصر.
- ستنسق مؤسسة غزة الخيرية إدخال وتوزيع المساعدات بالترتيب مع مكتب تنسيق أعمال الحكومة الإسرائيلية في المناطق (COGAT).
- طلبت مؤسسة غزة الخيرية أن ترشح المؤسسات الإغاثية الدولية مندوبين لها في مناطق التوزيع الأربعة.
- سيتم تجهيز كشوفات مسبقة بشأن المستفيدين من المساعدات، يتم "فحصها أمنياً" من جيش الاحتلال الإسرائيلي، مع استخدام تقنيات التعرف على الوجه خلال عملية التسليم.
ما هي العقبات التي تواجه خطة التوزيع الجديدة؟
لا تقتصر العقبات التي تواجه خطة توزيع المساعدات الجديدة في غزة على رفض الأمم المتحدة المشاركة فيها، بل يشمل ذلك أيضاً انعدام الشفافية فيما يتعلق بعملية التمويل، وافتقار الشركات المنفذة إلى الخبرة الميدانية، حسبما أشارت تقارير عبرية.
وقال موقع "زمان إسرائيل" العبري تعليقاً على الخطة الجديدة: "على غرار خطة المساعدات باستخدام الرصيف العائم التي حاولت إدارة جو بايدن الترويج لها قبل نحو عام، يبدو أن خطة توزيع المساعدات الجديدة، التي أعدها ممثلو الحكومة الأمريكية وقدمها في إسرائيل السفير الأمريكي مايك هاكابي، محفوفة أيضاً بصعوبات أساسية".
ووفقاً لموقع "زمان إسرائيل"، تواجه الخطة الجديدة عقبات من شأنها أن تجعل نجاحها صعباً، من بينها:
أولاً: شركات عديمة الخبرة
- تفتقر الشركات التي من المفترض أن تدير مراكز توزيع الأغذية إلى الخبرة السابقة في هذا المجال.
- ونقلت وكالة رويترز عن مصدر مطلع أن مؤسسة غزة الخيرية تعتزم العمل مع شركتين أمريكيتين خاصتين للأمن واللوجستيات، وهما "يو.جي سولوشنز" و"سيف ريتش سولوشنز"، وهما الشركتان اللتان قامتا خلال وقف إطلاق النار السابق بتفتيش المركبات الفلسطينية على المعابر.
- ويتولى إدارة شركة "سيف ريتش سولوشنز" فيليب رايلي، ضابط سابق في وكالة المخابرات المركزية. أما شركة "يو.جي سولوشنز" فمملوكة لجيمسون جيوفاني، وهو ضابط أمريكي متقاعد.
- وقد خدم الاثنان لسنوات في العراق وأفغانستان. وعمل رايلي أيضاً بشكل غير مباشر في السابق لدى شركة بلاك ووتر، التي كانت تعمل كمقاول من الباطن للجيش الأمريكي في العراق وارتبط اسمها بفضائح عدة.
- وعلم موقع "زمان إسرائيل" من مصدرين مطلعين على برنامج مؤسسة غزة الخيرية أن هوية المشاركين فيه — وخاصة الروابط التاريخية مع شركة بلاك ووتر في العراق — كانت أحد الأسباب التي دفعت عدة جهات إلى عدم المشاركة في المشروع.
- وبحسب مصدر مشارك في جهود الإغاثة، فإن الأفراد والكيانات المعنية ليس لديهم أي خبرة سابقة في الشرق الأوسط، وليسوا على دراية باللغة العربية — وهو ما يثير مخاوف جدية بشأن قدرتهم على العمل بشكل فعال في قطاع غزة.
- واشارت تقارير إلى أن شركة "سيف ريتش سولوشنز" أعلنت عن شغل وظائف على موقع لينكدإن، وذلك وفقاً لإعلانات الوظائف التي شاركها مسؤولون أمريكيون حاليون وسابقون مع موقع ميدل إيست آي.
- وقالت الشركة إنها تبحث عن "ضباط اتصال إنساني" لكي "يعملوا كحلقات وصل حيوية بين فرقنا التشغيلية والمجتمع الإنساني الأوسع"، وفقاً لوصف وظيفي واحد.

ثانياً: التمويل
- ولم يتضح حتى الآن الكيفية التي ستعتمد عليها مؤسسة غزة الخيرية لتمويل أنشطتها.
- وترتبط مسألة التمويل بجانبين رئيسيين؛ ويتعلق الأول بشراء الأغذية والأدوية، والثاني بالأموال المستحقة لشركتي تأمين المساعدات وأطراف أخرى ذات صلة بتنفيذ الخطة، حسب موقع "زمان إسرائيل".
- وتساءل الموقع العبري عن هوية الجهة التي ستتولى مهمة شراء الأغذية ودفع مستحقات شركتي التأمين.
- يُذكر أنه منذ أن شنت إسرائيل الحرب على غزة وحتى توقف المساعدات في مارس/آذار 2025، كان تمويل شراء الأغذية والأدوية المنقولة إلى غزة يأتي من دول الخليج، والأردن، والأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، ودول أخرى.
- وخلال هذه الفترة، لم تستفد الشركات الإسرائيلية من بيع منتجاتها في غزة. ووفقاً لـ"زمان إسرائيل"، فإن دخول الشركات الإسرائيلية إلى غزة يخلط المصالح التجارية المباشرة بنظام المساعدات الإنسانية.
- وبحسب مصادر في الصناعة، فإن العديد من الشركات "متلهفة" لتوقيع عقود مع مؤسسة غزة الخيرية، متوقعة تحقيق أرباح كبيرة.
- وأفادت تقارير نشرها موقع "يديعوت أحرونوت" أن شركة استيراد القمح "شينتاركو" الإسرائيلية وقّعت اتفاقاً مع برنامج الغذاء العالمي لبيع القمح إلى غزة.
- وبحسب ما ورد في مجلة "ذا ماركر" العبرية، قامت شركة "سيف ريتش سولوشنز" بتوزيع وثيقة متطلبات لشراء كميات كبيرة من المواد الغذائية من الشركات الإسرائيلية.
- وعلم موقع "زمان إسرائيل" أن العديد من الشركات الإسرائيلية الخاصة التي تلقت طلبات من مؤسسة غزة الخيرية أبدت تحفظاتها بشأن توقيع العقود، بسبب تأخر شروط الدفع لمدة 60 يوماً.
ثالثاً: قيود المساعدات تعزز السوق السوداء
- وبينما صرّح وزير المالية الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، بأنه سيتم إدخال الحد الأدنى فقط من المساعدات الإغاثية المطلوبة، فإنه من المتوقع أن تؤدي هذه السياسة إلى تعزيز السوق السوداء وارتفاع كبير في الأسعار.
- وقد يتحول صندوق طعام يزن 20 كيلوغراماً — مخصص لمدة أسبوع لأسرة واحدة — إلى سلعة ثمينة، وهدفاً للسرقة.
- وقال دبلوماسي إسرائيلي كبير هذا الأسبوع: "إن المواطن الغزاوي الذي يمشي كيلومترات عديدة وهو يحمل 20 كيلوغراماً من المعدات على ظهره قد يتعرض للسرقة".
- وأضاف أن فكرة حشد عشرات الآلاف من الأشخاص يومياً للوقوف في طوابير والحصول على الطعام هي "خطة مجنونة وغير منطقية".
- وقال موقع "زمان إسرائيل" إن الحد من ظاهرة السوق السوداء لا يكمن في الحد من المساعدات، بل في توسيعها.

لماذا ترفض الأمم المتحدة التعامل مع خطة التوزيع الجديدة؟
تقول الأمم المتحدة إن خطة التوزيع المدعومة من الولايات المتحدة لا تفي بمبادئ المنظمة الراسخة المتمثلة في النزاهة والحياد والاستقلالية. وقال توم فليتشر، وكيل الأمين العام للأمم المتحدة للشؤون الإنسانية، إنه لا ينبغي إضاعة الوقت على الاقتراح البديل.
وفي إفادة قدمها فليتشر إلى مجلس الأمن، أوضح أن المشكلات في الخطة التي كانت إسرائيل أول من طرحها هي أنها "تفرض مزيداً من النزوح، وتعرض آلاف الأشخاص للأذى… وتقصر المساعدات على جزء واحد فقط من غزة، ولا تلبي الاحتياجات الماسة الأخرى، وتجعل المساعدات مقترنة بأهداف سياسية وعسكرية، وتجعل التجويع ورقة مساومة".
وتقول الأمم المتحدة إن وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) هي العمود الفقري لعمليات الإغاثة في غزة. إلا أن إسرائيل تتهم الوكالة بالتحريض ضدها، وتتهم موظفيها "بالتورط في أنشطة إرهابية". وتعهدت الأمم المتحدة بالتحقيق في جميع هذه الاتهامات.
ما هو موقف المؤسسات الإغاثية الدولية من خطة التوزيع الجديدة؟
حذرت نحو 12 منظمة إغاثية وحقوقية بريطانية من أن مؤسسة غزة الخيرية المدعومة أمريكياً "مسيسة".
وفي رسالة مفتوحة قبل عدة أيام، انتقدت المنظمات مؤسسة غزة الخيرية التي قالوا إنها أُطلقت دون مشاركة فلسطينية، بينما يظل السكان في غزة تحت حصار كامل.
ودعت المنظمات الحكومات والمنظمات الإنسانية إلى رفض نموذج المؤسسة الجديد والمطالبة بالوصول إلى القطاع لجميع مقدمي المساعدات "وليس فقط أولئك الذين يتعاونون مع قوة احتلال".
وقالت المنظمات البريطانية، التي تضم منظمة العمل من أجل الإنسانية ومجلس التفاهم العربي البريطاني، في رسالتها إن مؤسسة غزة الخيرية "ليس لها جذور في غزة، ولا تخضع للمساءلة أمام المجتمع المدني الفلسطيني، ولديها سجل واضح في العمل بالتنسيق مع الحكومتين الإسرائيلية والأمريكية".