إسطنبول تجمع موسكو وكييف.. كل ما تريد معرفته عن أول مفاوضات مباشرة بين الطرفين لإنهاء الحرب

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/15 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/15 الساعة 10:53 بتوقيت غرينتش
الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، والأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش خلال مؤتمرًا صحفي مشترك - أوكرانيا 18 أغسطس 2022. (shutterstock)

تتجه الأنظار اليوم، الخميس 15 مايو/أيار 2025، إلى إسطنبول، ليس فقط كموقع للمحادثات، بل كطرف فاعل يحاول استثمار موقعه المتوازن لدفع مسار التفاوض بين روسيا وأوكرانيا. تستضيف المدينة أول لقاء مباشر بين الجانبين منذ اندلاع الحرب في فبراير/شباط 2022، في خطوة تعكس تطلعاً دولياً لكسر الجمود، لكنها في الوقت نفسه تثير تساؤلات حقيقية: هل تمهّد هذه الجولة لانفراجة سياسية، أم أنها مجرد محطة أخرى في صراع لا يزال مفتوحاً على كل الاحتمالات؟

من سيحضر المباحثات؟

في 10 مايو/أيار، رفض الرئيس الروسي فلاديمير بوتين دعوة لوقف إطلاق النار لمدة 30 يوماً، كانت كييف ودول أوروبية قد تقدمت بها، واقترح بدلاً من ذلك عقد محادثات مباشرة مع أوكرانيا في تركيا في 15 مايو/أيار. الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ردّ سريعاً بإعلانه استعداده للحضور إلى إسطنبول ولقاء بوتين. تركيا بدورها أبدت استعدادها لاستضافة المحادثات، كما أكّد الرئيس رجب طيب أردوغان خلال اتصال هاتفي مع بوتين.

في البداية، لم تؤكد روسيا ما إذا كان بوتين سيزور إسطنبول شخصياً، لكن الكرملين أعلن بعد ذلك أن بوتين لن يحضر المفاوضات شخصياً، مكتفياً بتسمية وفد رسمي يضم شخصيات سبق أن شاركت في مفاوضات 2022، أبرزهم مستشاره فلاديمير ميدينسكي ونائب وزير الدفاع ألكسندر فومين. الوفد الروسي وصل بالفعل إلى مطار أتاتورك صباح يوم اللقاء.

في المقابل، اعتبر زيلينسكي أن غياب بوتين دليل على افتقار موسكو للجدية، وقرّر في اللحظة الأخيرة عدم حضور المفاوضات بنفسه، رغم وجوده في إسطنبول، مكتفياً بلقاء الرئيس التركي.

من الجانب الأميركي، أعلن البيت الأبيض أن الرئيس دونالد ترامب، الموجود في جولة خليجية، لن يحضر بدوره، رغم تلميحه سابقاً إلى إمكانية المشاركة بشرط حضور بوتين. وتمثّلت الولايات المتحدة بوزير الخارجية ماركو روبيو، الموجود في أنطاليا لعقد اجتماعات مع وزراء خارجية الناتو، إلى جانب مبعوثين آخرين، بينهم ستيف ويتكوف وكيث كيلوغ.

كما حضر إلى تركيا عدد من المسؤولين الأوروبيين، بينهم الأمين العام لحلف الناتو مارك روته ووزراء خارجية لاتفيا، إستونيا، وألمانيا. وعن مدة المفاوضات، أخبر المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف وكالة الأنباء الروسية "تاس" أن المحادثات قد تمتد إلى ما بعد يوم الخميس، لكن ذلك يعتمد على تقدمها.

لماذا المحادثات الآن؟

في 10 مايو/أيار، زار قادة فرنسا وألمانيا وبريطانيا وبولندا العاصمة الأوكرانية كييف، حيث التقوا الرئيس فولوديمير زيلينسكي ودعوا إلى هدنة لمدة 30 يوماً تبدأ في 12 مايو/أيار، ملوّحين بعقوبات جديدة ضد موسكو في حال رفضت الامتثال. وخلال الزيارة، أجرى القادة اتصالاً هاتفياً مع الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب، الذي عبّر عن دعم البيت الأبيض لفرض عقوبات إضافية إذا تعنتت روسيا. لكن ترامب، وفي منشور لاحق على منصة "تروث سوشيال" بعد خطاب بوتين في اليوم نفسه، تجاهل الحديث عن العقوبات، ودعا زيلينسكي بدلاً من ذلك إلى قبول عرض بوتين عقد لقاء في تركيا.

ووفقاً لتقرير صادر عن مركز "ستراتفور" الأميركي للدراسات الاستراتيجية والأمنية، جاءت دعوة موسكو لإجراء محادثات ثنائية مع كييف في وقت يتصاعد فيه الإحباط الأميركي من جمود مسار السلام، وهو ما دفع البيت الأبيض إلى التلويح بالانسحاب من جهود الوساطة وتكثيف الضغوط على روسيا عبر عقوبات إضافية.

بين فبراير/شباط وأبريل/نيسان، عقد مسؤولون روس وأميركيون عدة لقاءات ناقشوا فيها ملف الحرب والعلاقات الثنائية. وبحلول منتصف أبريل/نيسان، طرحت واشنطن، بالتنسيق مع كييف والدول الأوروبية، مسودات مقترحات سلام تناولت ملفات شائكة مثل مصير المناطق التي تسيطر عليها روسيا، وضمانات أمنية مستقبلية لأوكرانيا، وفي أواخر أبريل/نيسان، اتفاقية تعاون اقتصادي، كما صادقت إدارة ترامب على أول صفقة أسلحة لصالح كييف.

ورغم وجود اختلافات كبيرة بين المقترحات الأميركية والمقترحات الأوكرانية الأوروبية، إلا أن الكرملين رفض تلك المقترحات، مكتفياً بعرض وقف إطلاق نار خلال عيد الفصح وعيد النصر.

وقد عبّر ترامب في 26 أبريل/نيسان، في منشور على منصة "تروث سوشيال"، عن شكوكه في نوايا بوتين بشأن وقف الحرب، قائلاً: "يجعلني أعتقد أنه ربما لا يريد وقف الحرب، بل يُجرّني إلى ذلك فحسب، ويجب التعامل معه بطريقة مختلفة، من خلال المعاملات المصرفية أو العقوبات الثانوية". وفي 8 مايو/أيار، عاد ترامب وأشار إلى أن استمرار روسيا في رفض وقف إطلاق النار سيُقابَل بعقوبات جديدة من قبل الولايات المتحدة وشركائها. وفي 7 مايو/أيار، صرّح نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، أن موسكو "تطلب الكثير" لإنهاء الحرب، ملمّحاً إلى احتمال تخلي واشنطن عن دورها كوسيط.

لماذا إسطنبول؟

يعود اختيار إسطنبول كمقر للمفاوضات بين روسيا وأوكرانيا إلى موقع تركيا الفريد كوسيط يحظى بثقة الطرفين والمجتمع الدولي. فمنذ اندلاع الحرب، حافظت أنقرة على توازن دبلوماسي دقيق بين موسكو وكييف، ما جعلها منصة مقبولة للحوار.

رأت الخبيرة البولندية كارولينا فاندا أولزوسكا أن تركيا قادرة على لعب دور حاسم في إنهاء الحرب، بشروط تحافظ على سيادة أوكرانيا وتحقق أمناً دائماً لأوروبا. ووفقاً لتحليلات نشرتها وكالة الأناضول، فإن استضافة تركيا للمفاوضات تأتي امتداداً لنهجها المتوازن وسعيها لحل الأزمة بشكل نهائي، بما يخدم استقرار المنطقة وأمنها.

أكد محللون أن الموقف التركي لا يدعم العدوان أو احتلال الأراضي، بل يسعى لتأمين الأرضية المشتركة التي يمكن أن تنطلق منها تسوية تراعي مخاوف الطرفين. هذه المقاربة جعلت من أنقرة طرفاً موثوقاً للطرفين.

ولتركيا سجلّ سابق في تسهيل الحوار، كان أبرز إنجازاته اتفاق تصدير الحبوب من الموانئ الأوكرانية، الذي ساهم في التخفيف من أزمة الأمن الغذائي العالمي. هذا الرصيد الإيجابي عزز من موقعها كمحاور فاعل لا يقتصر دوره على الاستضافة، بل يمتد إلى محاولة تفكيك الأزمة نفسها.

إسطنبول تجمع موسكو وكييف.. كل ما تريد معرفته عن أول مفاوضات مباشرة بين الطرفين لإنهاء الحرب
مراسم توقيع وثيقة تصدير الحبوب الأوكرانية للعالم/ الأناضول

استضافة إسطنبول تأتي أيضاً وسط سباق دبلوماسي دولي، حيث تسعى قوى كبرى، مثل الولايات المتحدة، لإيجاد حل للصراع. ومع ذلك، فإن الدور التركي يبرز باعتباره مساهمة من لاعب إقليمي بات يحظى باعتراف دولي واسع. وقد عبّرت الأمم المتحدة عن تقديرها لدور أنقرة، حيث قال المتحدث باسم الأمين العام، ستيفان دوجاريك، إن المنظمة تثمّن دائماً الجهود التركية لإنهاء الحرب.

هل تقرّب المحادثات المباشرة نهاية الحرب؟

يرى العديد من المحللين أن المحادثات المباشرة بين روسيا وأوكرانيا ستُمثل نقلة نوعية في عملية السلام، حتى لو لم يلتقِ بوتين وزيلينسكي وجهاً لوجه في إسطنبول في 15 مايو/أيار، فإن المفاوضات المباشرة بين موسكو وكييف ستُمثل تغييراً جوهرياً في ديناميكية عملية السلام، حيث رفض الجانبان حتى الآن الانخراط المباشر، واستعاضا عن ذلك بالولايات المتحدة وجهات أخرى كوسطاء.

ومع ذلك، لا يُتوقع حدوث خرق على مستوى عالٍ، إذ لا تزال هناك عقبات عديدة أمام التوصل إلى اتفاق، وعلى رأسها الخلاف حول كيفية البدء في عملية السلام.

الموقف الأوكراني: تطالب كييف بوقف إطلاق نار غير مشروط كخطوة أولى، يعقبه فتح باب المفاوضات لحل القضايا الثنائية.

الموقف الروسي: موسكو، مستفيدة من وضع ميداني مريح، تشترط معالجة "الأسباب الجذرية" للنزاع أولاً، والتي تشمل سياسات أوكرانيا الخارجية والعسكرية، وتركيبة الأمن الإقليمي في أوروبا.

موقف متذبذب من واشنطن: الولايات المتحدة لم تحسم موقفها تماماً، ففي بعض الأحيان، تؤيد وقف إطلاق نار فوري، بينما تميل أحياناً أخرى إلى الدفع بخطة سلام شاملة وفورية، تُنهي الحرب عبر تسوية سياسية متكاملة.

الضمانات الأمنية: كييف قبلت مبدئياً تعليق سعيها للانضمام إلى الناتو، لكنها تُصر على وجود قوات أمريكية داخل أراضيها لضمان حمايتها مستقبلاً. في المقابل، ترفض موسكو بشكل قاطع أي وجود عسكري أمريكي أو أوروبي في أوكرانيا، وتطالب بتقييد القوة العسكرية للجيش الأوكراني.

بينما تتبنى الولايات المتحدة موقفاً وسطياً، فبينما أعلن البيت الأبيض أنه لن يقدم دعماً عسكرياً مباشراً لأوكرانيا بعد الحرب، فإنه يدعم فكرة نشر "تحالف راغبين" أوروبي في البلاد كقوة طوارئ.

السيادة على الأراضي: أوكرانيا وشركاؤها الأوروبيون يرفضون رسمياً أي تنازلات إقليمية، ويؤكدون على ضرورة استعادة السيطرة الكاملة، بما في ذلك شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014.

الولايات المتحدة أعربت عن استعدادها للاعتراف بالقرم كأرض روسية، وقبول السيطرة الروسية على أجزاء من لوغانسك، ودونيتسك، وزابوريجيا، وخيرسون، التي تحتلها حالياً كلياً أو جزئياً.

تحميل المزيد