قرار إسرائيلي يمهد لضم 60% من الضفة الغربية.. هذه تداعيات السيطرة على “تسجيل الأراضي” بمناطق “ج”

عربي بوست
تم النشر: 2025/05/13 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/05/13 الساعة 12:46 بتوقيت غرينتش
مناطق ج تشكّل 60% من الضفة الغربية المحتلة/ عربي بوست

صوَّتت الحكومة الإسرائيلية اليمينية التي يقودها بنيامين نتنياهو، لأول مرة منذ عام 1967، على تحمُّل المسؤولية الكاملة عن تسجيل الأراضي بمناطق ج من الضفة الغربية، وهو القرار الذي يُعد ضماً فعلياً لتلك المنطقة التي تعادل نحو 60% من أراضي الضفة.

صادقت الحكومة على أن تتخذ إسرائيل الآن كافة القرارات المتعلقة بالأراضي في المناطق "ج"، وهي المنطقة الخاضعة للسيطرة الإسرائيلية بموجب اتفاق أوسلو.

ووفقاً لاتفاقية أوسلو، فإن أراضي الضفة الغربية توزعت إلى مناطق تابعة للسيادة الفلسطينية (مناطق أ وتشكل 17.5%)، وأخرى تابعة لسيادة "فلسطينية إسرائيلية مشتركة" (مناطق ب وتشكل 18%)، إلى جانب مناطق تتبع السيادة الإسرائيلية الأمنية مباشرة (مناطق ج وتشكل 60%).

ورغم أن اتفاق أوسلو نص على تسليم مناطق ج إلى السلطة الفلسطينية مع حلول عام 1999، لكن إسرائيل احتفظت بسيطرتها الكاملة عليها مع تعثر مفاوضات الحل النهائي، وشهدت هذه المنطقة أكبر عمليات الهدم والتهجير، وأصبحت "شبه دولة" للمستوطنين.

خريطة لمناطق الضفة الثلاث بحسب اتفاقية أوسلو2/ عربي بوست
خريطة لمناطق الضفة الثلاث بحسب اتفاقية أوسلو2/ عربي بوست

إضافة إلى القرار الإسرائيلي الجديد، فقد أصدر الكابينت تعليمات إلى المؤسسة الأمنية بوقف عملية "تسجيل الأراضي" الموازية التي بدأتها السلطة الفلسطينية "بأي وسيلة متاحة"، وقال وزير الجيش يسرائيل كاتس إن هذا القرار سيعزز الاستيطان الإسرائيلي في المنطقة.

ووفقاً لصحيفة "هآرتس" العبرية، فإن خطة القرار الذي صاغه وزير الجيش يسرائيل كاتس، ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش، تشمل:

  • توجيه قائد المنطقة الوسطى في الجيش الإسرائيلي باستئناف تسجيل الأراضي في المنطقة "ج".
  • ستقوم إدارة تسجيل الأراضي وتسوية الحقوق التابعة لوزارة العدل الإسرائيلية، والمستشار القانوني لوزارة الجيش، وإدارة التوطين لوزارة الجيش، بوضع إطار سياسي نهائي خلال 60 يوماً لتنفيذ العملية.

ويشير مصطلح "تسجيل الأراضي" إلى التسجيل الرسمي لحقوق الملكية بعد عملية رسم الخرائط والتحقق من ادعاءات الملكية.

وبمجرد إتمام عملية التسجيل، المعروفة بالعبرية باسم "الطابو"، يصعب الطعن فيها، وكجزء من هذه العملية، تُنقل ملكية أي أرض لا تحمل ادعاءات ملكية موثقة إلى الدولة.

وكانت جهود "تسجيل الأراضي" في الضفة الغربية قد بدأت خلال الانتداب البريطاني على فلسطين، واستمرت تحت الحكم الأردني، لكن إسرائيل جمدت العملية بعد احتلالها للمنطقة عام 1967.

ما تداعيات قرار الاحتلال بشأن تسجيل الأراضي بمناطق ج؟

قال وزير المالية بتسلئيل سموتريتش إن عملية "تسجيل الأراضي" تنضم إلى جهود أخرى لتنظيم المستوطنات الجديدة والتخطيط والبناء وتطوير الطرق والبنية الأساسية التي نقودها لجلب مليون مستوطن آخر إلى المنطقة وتعزيز الحزام الأمني لإسرائيل، والقضاء على تهديد دولة الإرهاب الفلسطينية، على حد وصفه.

وتشير منظمة "السلام الآن" الحقوقية الإسرائيلية إلى أن قيام إسرائيل بـ"تسجيل الأراضي" في الضفة الغربية له تداعيات رئيسية، وهي:

  • عملية الضم وتطبيق السيادة على الأراضي المحتلة.
  • إغلاق الباب أمام الفلسطينيين للمطالبة بملكية أراضيهم.
  • التهجير الجماعي للفلسطينيين من معظم أراضيهم في المنطقة ج وتسجيلها باسم الدولة.
  • تسجيل الأراضي في سجل الأراضي بأسماء إسرائيليين.

أولاً: تطبيق السيادة (الضم):

ومع وصول الائتلاف اليميني الذي يقوده بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل، تزايدت الإجراءات الميدانية التي تهدف إلى ضم مناطق "ج" في الضفة الغربية، مع فرض السيادة الأمنية والمدنية على مناطق "ب"، وتضييق الخناق على الفلسطينيين في مناطق "أ".

وعقب الإعلان عن فوز ترامب برئاسة الولايات المتحدة، تعالت الأصوات في الائتلاف اليميني، باعتبار "2025 عام السيادة الإسرائيلية" في الضفة الغربية.

وتقول منظمة "السلام الآن" إن السعي إلى تسجيل الأراضي في مناطق ج بالضفة الغربية يشكل أداة غير مباشرة لتأكيد السيادة، وقد كانت محظورة بموجب القانون الدولي، وبعد فترة وجيزة من احتلال الضفة الغربية، أصدر القائد العسكري أمراً بتجميد إجراءات تسجيل الأراضي في الضفة الغربية لهذا السبب.

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز

سموتريتش في بيانه الصحفي قال إن تسجيل الأراضي سيوفر استقراراً قانونياً، ويمكن من احتياطيات أراضٍ لتطوير المستوطنات، ويمنع محاولات السلطة للسيطرة على المناطق المفتوحة.

فيما اعتبرت جماعة المستوطنين والمنظمات اليمينية القرار تأكيداً على السيادة الإسرائيلية وحقوق الأراضي في الضفة الغربية.

ثانياً: طرد الفلسطينيين من أراضيهم

بالنظر إلى الظروف التي ستُجرى فيها عملية التسجيل هذه، فإنها ستُشكِّل عملياً استيلاءً واسع النطاق على الأراضي، من شأنه أن يَحرِم الفلسطينيين من حقوقهم في جميع أراضي المنطقة "ج" تقريباً.

وتقول منظمة "السلام الآن" إن القوة المحتلة ليست طرفاً محايداً يمكنه الفصل بشكل عادل في المطالبات المتعلقة بالأراضي، وفي ظل ظروف الاحتلال، فلا يمكن إجراء تسوية للأراضي بحرية.

ويفتقر الفلسطينيون إلى الوثائق والمعلومات اللازمة لإثبات ملكيتهم، ولن يتمكن مئات الآلاف من "الغائبين"، وهم الفلسطينيون الذين غادروا الضفة الغربية، من المشاركة في عملية التسوية، رغم أن كثيرين منهم يملكون أراضي.

ومنذ عام 1967، قامت إسرائيل بالاستيلاء على حوالي 900 ألف دونم لصالح ما يسمى "أراضي دولة" في الضفة الغربية، حوالي 800 ألف دونم منها تقع في المنطقة "ج".

كما تعتبر سلطات الاحتلال 450 ألف دونم أخرى "أراضي مسح"، والتي تدعي أيضاً أنها ممتلكات لـ"دولة إسرائيل".

وتقول منظمة "السلام الآن" إنه وفقاً للتفسير الإسرائيلي، يُفترض أن جميع أراضي الضفة "أراضي دولة" ما لم يثبت مالكوها خلاف ذلك.

وتطالب سلطات الاحتلال الفلسطينيين بـ"إثباتات تعجيزية"، منها وثائق من الحقبة العثمانية والبريطانية والأردنية، وسجلات الميراث، وسلاسل الملكية الكاملة، وخرائط المساحة، ومعظم هذه الوثائق ليست في أيدي الفلسطينيين.

كما تشترط السلطات الإسرائيلية إثباتاً على أن الأراضي مقيدة أنها زراعية منذ عام 1967، ونادراً ما يستوفي الفلسطينيون هذا الشرط. وفي الحالات النادرة التي يمكنهم فيها إثبات الملكية، قد لا تعترف إسرائيل إلا بالملكية الجزئية إذا كانت أي من الأراضي مملوكة لـ"غائبين"، مثل الأقارب المقيمين خارج الضفة الغربية.

الاستيطان في الضفة الغربية/ رويترز
الاستيطان في الضفة الغربية/ رويترز

وبناءً على ذلك، ونظراً لانعدام الثقة بالمؤسسات الإسرائيلية، فمن غير المرجح أن يتعاون العديد من الفلسطينيين في عملية تسوية الأراضي في مناطق "ج".

ثالثاً: عرقلة جهود السلطة الفلسطينية في مناطق ج

ويشير الاتفاق المؤقت بموجب أوسلو إلى ترك إدارة أراضي المنطقة "ج" مؤقتاً بيد إسرائيل، ريثما يتم التوقيع على تسوية دائمة كان يُفترض أن يتم التوقيع عليها بحلول مايو/أيار 1999.

ويتضمن قرار حكومة الاحتلال الجديد خطوات لمنع عمليات تسجيل الأراضي التي تنفذها السلطة الفلسطينية في المنطقة "ج"، وتشمل الإجراءات:

  • منع المسؤولين والمسّاحين الفلسطينيين من دخول المناطق التي تجري فيها عملية التسجيل.
  • مطالبة كبار المسؤولين في السلطة الفلسطينية بوقف العملية.
  • منع تحويل المساعدات المالية الأجنبية المخصصة لدعم عملية المسح الفلسطيني.
  • يلتزم رؤساء هيئة الأركان و"الشاباك" و"الموساد" بتزويد وزارة المالية الإسرائيلية بمعلومات عن الأموال التي استثمرتها السلطة الفلسطينية في عملية التسجيل، بما في ذلك الأموال المجمعة من دول أجنبية.
  • ستُستخدم هذه المعلومات بعد ذلك لخصم المبالغ من الضرائب التي تجمعها إسرائيل من الفلسطينيين، ومنع تحويلها إلى السلطة الفلسطينية.

رابعاً: تسجيل الأراضي بأسماء الإسرائيليين

في 29 يناير/كانون الثاني 2025، أقر الكنيست بالقراءة التمهيدية مشروع قانون يُمكِّن الإسرائيليين من شراء وتملك الأراضي في الضفة الغربية، بغض النظر عن المنطقة الموجودة فيها، دون الرجوع إلى الجيش.

ويُحذِّر المراقبون من أن القانون الجديد قد يُمكِّن المستوطنين من الانخراط في عمليات تزوير وسرقة الأراضي على نطاق واسع، كما يؤدي إلى تسجيل الأراضي المسروقة وبناء بؤر استيطانية، وتعزيز سياسة تهجير الفلسطينيين.

وتشير منظمة "السلام الآن" إلى أنه حالياً لا يمتلك المستوطنون ملكية كاملة للمستوطنات التي يعيشون فيها، بل لديهم ترتيبات حقوق مع "الدولة".

وسيؤدي تسجيلهم في سجل الأراضي إلى تداعيات قانونية خطيرة، منها إجراءات الإخلاء والتعويض، ما يُعقِّد إمكانيات التوصل إلى اتفاق مستقبلي مع المستوطنين.

تحميل المزيد