بعد شهرين من توجيه زعيمه المعتقل عبد الله أوجلان "دعوتَه التاريخية"، عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره الخاص معلناً أنه اتخذ "قرارات تاريخية" في إطار حل نفسه ونزع سلاحه، في خطوةٍ تنهي 47 عاماً من الصراع مع تركيا.
وذكرت وكالة فرات للأنباء المرتبطة بحزب العمال الكردستاني أن المنظمة الكردية عقدت مؤتمراً ما بين 5 و7 مايو/أيار 2025، واتخذت "قرارات تاريخية" تصب في منحى حل نفسها.
وأشارت إلى أنه "سيتم مشاركة المعلومات المفصلة بشأن القرارات المتخذة إلى الرأي العام في أقرب وقت ممكن".
وتأخر الإعلان عن نتائج المؤتمر بسبب وفاة النائب عن حزب المساواة وديمقراطية الشعوب، سري سُريا أوندر (62 عاماً)، السبت الماضي، وهو أحد مهندسي الحوار بين أنقرة والحزب.
توقعات بالإعلان قريباً
وقالت المتحدثة باسم حزب المساواة والديمقراطية الكردي "DEM" عائشة غول دوغان إن "حزب العمال الكردستاني قد يعلن عن نتائج مؤتمره في أي لحظة، نحن ننتظر أيضاً هذه الخطوة التاريخية".
وأضافت دوغان: "نأمل أن تتحول هذه الفرصة إلى سلام دائم من خلال الحوار، مع وضع أسس سياسية وقانونية متبادلة".
وخلال اجتماع عقده الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مع وزراء ونواب حزبه في مقر حزب العدالة والتنمية في 8 مايو/أيار، قال أردوغان: "لقد تغلبنا على كافة العقبات، وسيلقي حزب العمال الكردستاني سلاحه اليوم أو غداً، وسيتم حل المنظمة، وبعد ذلك سيبدأ عصر جديد لنا جميعاً".

فيما يتوقع مسؤولو حزب العدالة والتنمية التركي الحاكم أن يعلن حزب العمال الكردستاني، بداية الأسبوع المقبل، بحسب شبكة "بي بي سي" بالنسخة التركية، فيما ذكرت مصادر لصحيفة "حرييت" أنه من المتوقع أن يصدر الإعلان اليوم.
وكان أوجلان قد وجّه في 28 فبراير/شباط 2025 "دعوة تاريخية" إلى منظمته التي تتهمها تركيا بـ"الإرهاب"، بالاستسلام وإلقاء السلاح، وحملت رسالته عنوان "دعوة للسلام والمجتمع الديمقراطي".
أوجلان في رسالته مخاطباً العمال الكردستاني: "اعقدوا مؤتمركم واتخذوا القرارات اللازمة للاندماج مع الدولة والمجتمع؛ يجب على جميع المجموعات إلقاء سلاحها، ويجب على التنظيم حل نفسه".
وفي خطوة غير متوقعة في أكتوبر/تشرين الأول 2024، فاجأ زعيم حزب الحركة القومية دولت بهتشلي الجميع بمصافحته نواب حزب المساواة والديمقراطية الكردي "DEM"، موجهاً دعوة إلى أوجلان بالحضور إلى البرلمان، وداعياً منظمة العمال الكردستاني إلى إلقاء السلاح، مقابل الاستفادة من "حق الأمل" أي العفو عنه.
وفي الوقت الذي سقطت هذه الدعوة مثل "القنبلة" على الأجندة السياسية التركية، لاسيما من زعيم تركي عارض دائماً وبشدة التفاوض مع المنظمة الكردية، بدأت المفاوضات مع حزب "DEM" بدعم من أردوغان، الذي علّق قائلاً: "لا مكان للإرهاب وجانبه المظلم في مستقبل تركيا، نريد أن نبني تركيا خالية من الإرهاب والعنف معاً، ولا ينبغي التضحية بنافذة الفرصة التاريخية من أجل بعض الحسابات".
كيف استقبلت الحكومة التركية خطوة حزب العمال الكردستاني؟
وفي تعليقه على عقد المؤتمر، قال كبير مستشاري الرئيس التركي لشؤون الخارجية والأمن عاكف شغتاي كيليش إنهم يراقبون العملية الجارية، وقبل كل شيء يجب التخلي عن الأسلحة بكافة أشكالها.
وأضاف لشبكة "سي أن أن" التركية أنه يجب السير في الطريق الذي أعلنه الرئيس أردوغان بـ"تركيا خالية من الإرهاب"، وستكون هناك فترات صعبة في بعض الأحيان، ولكن ما يتوقعه الجميع هو ألا يبقى أي تهديد إرهابي في البلاد.
ولا يرى قادة حزبي "العدالة والتنمية" و"الحركة القومية" أن إعلان قرار الحل كافٍ، والاتجاه السائد هو مراقبة موقف المنظمة الكردية بعد الحل من أجل اتخاذ خطوات التحول الديمقراطي الشامل.
وفي تصريحات لقناة 24 التركية، علّق وزير الخارجية التركي هاكان فيدان على عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره قائلاً: "يبدو أننا سنظل في حالة ترقّب لبعض الوقت، في انتظار أن نسمع ردّ التنظيم على هذه الدعوة التاريخية".
وشدّد فيدان على أن الجميع يرغب في التحلي بالتفاؤل بهذا الشأن، مشيراً إلى أن الأرضية التي كان يستند إليها الإرهاب في تركيا قد زالت منذ وقت طويل، غير أن التنظيم لا يزال يجد لنفسه موطئ قدم في الدول المجاورة التي تعاني من استمرار حالة عدم الاستقرار.

وحول سيناريوهات إلقاء "بي كي كي" السلاح، قال فيدان: "على الجميع أن يعمل من أجل بناء أرضية لا وجود فيها للسلاح، تنتهي فيها حالة اللاشرعية، ويتمكن الناس من ممارسة عملهم السياسي بطرق حضارية وضمن الأطر القانونية".
وأكد على ضرورة تفكيك التنظيمات غير القانونية والبنى الاستخباراتية غير الشرعية، مشدداً في الوقت ذاته على أن تركيا متأهبة للاحتمالات الأخرى في حال لم يُلقِ التنظيم الكردي سلاحه.
وأوضح أنه في حال تم تفكيك منظمة العمال الكردستاني وألقت السلاح "لن تُسفك المزيد من الدماء، ولن تبقى الوحدة المجتمعية مهددة باستمرار، بل سيتم التمهيد لنظام إقليمي أكثر تقدماً".
ورداً على سؤال حول وجود "بي كي كي" في سوريا والمسار الذي قد يتخذه تنظيم "واي بي جي" في هذه المرحلة، قال فيدان إنه في حال قرر "بي كي كي" حلّ نفسه والتخلي عن السلاح "فسنرى جميعاً بمرور الوقت كيف سينعكس هذا القرار على أذرعه في سوريا والعراق".
ما هي الخطوة التي ستتبع إعلان حزب العمال الكردستاني حلَّ نفسه؟
وفي بيان أصدره بعد انتهاء مؤتمر حزب العمال الكردستاني، أشار حزب المساواة والديمقراطية إلى الترتيبات التي سيتم اتخاذها في البرلمان التركي.
وأكدت القيادية بالحزب بيرفين بولدان أن "الجزء الأصعب قد انتهى" مع عقد حزب العمال الكردستاني مؤتمره، وقالت: "الآن، بالطبع، حان الوقت لاتخاذ خطوات نحو الديمقراطية، نحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن السلام سيحل في تركيا".
وخلال اجتماعه مع وزير العدل يلماز تونج، في 24 أبريل/نيسان 2025، نقل حزب المساواة والديمقراطية وجهات نظره بشأن الخطوات التي ينبغي للسلطتين التشريعية والتنفيذية اتخاذها من أجل التقدم السليم للعملية وتحقيق الديمقراطية.
كما أنه من المقرر أن يجتمع المجلس التنفيذي لحزب المساواة والديمقراطية، الإثنين 12 مايو/أيار 2025، لمناقشة وإعلان توصياته بشأن الخطوات التي يجب أن تتخذها السلطات التركية، بالإضافة إلى خارطة الطريق لهذه العملية.
وتتضمن مقترحات حزب المساواة والديمقراطية:
- تحسين ظروف سجن زعيم حزب العمال الكردستاني أوجلان، وتوسيع مجالات تواصله، والسماح بلقائه الصحفيين والأكاديميين وممثلي الأحزاب السياسية، ومنحه الحق في استخدام الهاتف.
- اتخاذ خطوات لتوفير الضمانة التركية للعملية القانونية التي تصفها الحكومة بـ"تركيا بلا إرهاب".
- وضع الترتيبات القانونية لتسهيل إطلاق سراح المعتقلين المرضى.
- تنفيذ قرارات المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان والمحكمة الدستورية بشأن "السجناء السياسيين"، وخاصة صلاح الدين دميرتاش.
ووفقاً لصحيفة "حرييت" التركية وشبكة "بي بي سي" النسخة التركية، فإنه بعد إعلان قرار الحل:
- يدخل "بروتوكول تسليم الأسلحة"، و"وضع أعضاء المنظمة الذين ألقوا أسلحتهم" قيد التنفيذ.
- تقول مصادر في حزب العدالة والتنمية إن دراسات "فنية" تجري حالياً من الوحدات المختصة بالدولة بشأن قضية نزع سلاح المنظمة.
- من المتوقع أن يُطرح تشريع جديد في البرلمان التركي من أجل العفو عن أعضاء المنظمة غير المتورطين في الجرائم.
- من المتوقع أن يتم نقل قادة حزب العمال الكردستاني إلى دولة ثالثة، وعدم عودتهم إلى تركيا.
- يطالب حزب المساواة والديمقراطية الكردي بتغيير ظروف اعتقال أوجلان في جزيرة إمرالي في بحر مرمرة، وإطلاق سراحه بموجب قانون "الحق في الأمل".
- ومن المتوقع أن تُدرج على جدول الأعمال في البرلمان التركي القواعد المتعلقة بتطبيق معدلات "الإعدام المتساوي" على جميع أنواع الجرائم، وذلك اعتماداً على المناخ الذي سينشأ بعد قرار حل المنظمة.
- ولا يفكر حزب العدالة والتنمية في اتخاذ أي خطوات بشأن قانون تعيين أمناء البلديات في الوقت الراهن، ولكن في أعقاب قرار حل حزب العمال الكردستاني، سيتم إيقاف تعيين الأوصياء، مع إمكانية إعادة تعيين بعض رؤساء البلديات إذا لم تكن لديهم أي جرائم أخرى.
أبرز محطات الصراع بين تركيا وحزب العمال الكردستاني خلال 47 عاماً
- تأسس حزب العمال الكردستاني بقيادة عبد الله أوجلان في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 1978، في قرية "فيس" بمنطقة ديار بكر جنوب تركيا.
- بدأ الحزب العمل المسلح في 15 أغسطس/آب 1984، فيما سُمِّي بـ"قفزة آب 1984″، عندما شن هجمات على مراكز الدرك في إروه بولاية سيرت، وشمدينلي بولاية هكاري، وشكّلت منعطفاً في مسار الصراع.
- استخدم حزب العمال الكردستاني سوريا ملاذاً آمناً له حتى عام 1988، وعاش في مخيمات في سهل البقاع اللبناني لسنوات، وتلقى تدريبه على الأسلحة هناك.
- نفذ حزب العمال الكردستاني أعنف هجماته في تسعينيات القرن الماضي، وشن هجمات طالت المدنيين والشرطة والجيش التركي.
- تلقى الحزب ضربة موجعة بعد أن اعتقلت المخابرات التركية أوجلان في 15 فبراير/شباط 1999 في العاصمة الكينية نيروبي، وذلك بعد مغادرته سوريا تنفيذاً لالتزامات اتفاقية أضنة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول 1998، وتنقل بين دول مثل اليونان وروسيا وإيطاليا وطاجيكستان، وكانت جهود اللجوء في بلدان مختلفة غير ناجحة.
- حُكم على أوجلان بالسجن مدى الحياة في عام 2002، بسبب إلغاء عقوبة الإعدام في تركيا في إطار قوانين المواءمة في الاتحاد الأوروبي.

- استغل حزب العمال الكردستاني الفراغ في السلطة في شمال العراق بعد حرب الخليج عام 2003، فقام بتدريب مقاتليه حول جبل قنديل، وأنشأ معسكرات مختلفة.
- تبنى حزب العمال الكردستاني فكرة العمل ضمن حدود الدول القومية في الشرق الأوسط، وفي المؤتمر الذي عُقد في يناير/كانون الثاني 2000، تبنى البرنامج الجديد مقولة مفادها: "إقامة دولة منفصلة ليس ضرورياً ولا واقعياً في عالم القرن الحادي والعشرين"، وتسبب ذلك بانشقاقات داخلية نجم عنها مغادرة المئات من صفوفه.
- وفي أبريل/نيسان 2004، قرر الاتحاد الأوروبي إدراج حزب العمال الكردستاني ضمن قائمة المنظمات الإرهابية، وتلا ذلك قرار مماثل من الولايات المتحدة، ليُعلن الحزب في يونيو/حزيران من العام ذاته إنهاء وقف إطلاق النار الذي التزم به منذ عام 1999، حيث توغلت أعداد كبيرة من المقاتلين عبر الحدود إلى الداخل التركي، ما دفع أنقرة لتكثيف عملياتها لملاحقة المسلحين على الحدود.
- وفي عام 2005، تم التأكيد على أن حزب العمال الكردستاني بحاجة إلى إعادة هيكلته وتأسيسه في إطار حل المشاكل في الشرق الأوسط، وتبنى أوجلان من سجنه فكرة "الكونفدرالية الديمقراطية".
- بعد أربع سنوات من ذلك، أطلقت الحكومة التركية "عملية الانفتاح الديمقراطي" لتعزيز حقوق الأكراد وفتح قنوات الحوار، وتعززت تلك الجهود بإطلاق "حزمة حقوق الإنسان" في عام 2010، مما سمح ببث برامج بالكردية وتخفيف نقاط التفتيش الأمنية في المناطق الكردية جنوب البلاد.
- في عام 2012، بدأت الاستخبارات التركية محادثات مباشرة مع عبد الله أوجلان في سجنه للتفاوض حول وقف إطلاق النار وحل النزاع سياسياً.
- في عيد النوروز عام 2013، دعا أوجلان المنظمة إلى وقف إطلاق النار وإلقاء السلاح.
- ولكن الأزمة السورية تسببت في تصاعد التوترات بين تركيا وحزب العمال الكردستاني، حيث استولت "قسد" على مناطق واسعة قرب الحدود التركية، ما أثار قلق أنقرة.
- وفي أكتوبر/تشرين الأول 2014، تسببت احتجاجات كوباني في اندلاع أعمال عنف واسعة بين أنصار حزب "هدى بار" وحركة الشباب الثوري الوطني التابعة لحزب العمال الكردستاني، وبعد محادثات مع أوجلان والجناح الكردي، انخفضت التوترات.
- وانهار وقف إطلاق النار الذي كان سارياً منذ عام 2013، في 22 يوليو/تموز 2015، بعد أن قتل حزب العمال الكردستاني اثنين من ضباط الشرطة في منزليهما، في أعقاب تفجير مدينة سروج الذي نُسب إلى "تنظيم الدولة".
- وفي 25 يوليو/تموز 2015، هاجم مقاتلو الحزب قافلة عسكرية في ديار بكر وقتلوا جنديين اثنين.
- وتوالت بعد ذلك المواجهات المسلحة بين الطرفين، فقامت تركيا بقصف أهداف تابعة للحزب في العراق، وقادت هجوماً عسكرياً واسع النطاق على بعض البلدات التي تُعتبر معقلاً له في جنوب تركيا وشمال سوريا.
- ومنذ أغسطس/آب 2015، وقعت العديد من الاشتباكات في مناطق محافظة شرناق في تركيا، وتم حفر الخنادق من قِبل أعضاء الحزب، حيث فرضت الحكومة التركية حظر التجول في عدة أحياء.
- وأطلقت تركيا في عام 2018 عملية "غصن الزيتون" ضد وحدات حماية الشعب الكردية في مدينة عفرين، وفي أكتوبر/تشرين الأول 2019، نفذت عملية "نبع السلام" في شمال شرق سوريا، ما أدى إلى تغيير موازين القوى في المنطقة.
- ومنذ ذلك الوقت، هددت تركيا بشن عمليات جديدة ضد الوحدات الكردية المسلحة في شمال شرق سوريا، وشنت هجمات ضد معاقل منظمة العمال الكردستاني في شمال العراق.