تهدد إسرائيل بضرب سوريا واحتلال أراضيها بذريعة حماية الطائفة الدرزية، لكنها، كعادتها، تسوق ذرائع استعمارية تجاوزها الزمن، لتواصل عدوانها ووحشيتها في المنطقة بلا رادع.
تماماً كما فعلت ألمانيا النازية عام 1938، حين ادّعت تدخلها في تشيكوسلوفاكيا لحماية الأقلية الألمانية آنذاك، زعم أدولف هتلر أن الحكومة التشيكية ترهب وتقتل العديد من الألمان السوديت، مبرراً بذلك اجتياح جيشه النازي للبلاد. وفي رسالة إلى الرئيس الأمريكي روزفلت، صوّر هتلر الألمان السوديت كضحايا "اضطهاد سياسي واقتصادي" و"نظام رعب دموي"، مؤكداً أن الرايخ الألماني سيتدخل لنجدتهم إذا عجزوا عن نيل حقوقهم بأنفسهم.
اليوم، يحاول نتنياهو، المطلوب دولياً بتهم جرائم حرب، وحكومته التي تضم متطرفين، استغلال الدروز لخدمة مصالح إسرائيل التوسعية، تماماً كما فعل النازيون مع السوديت.
لكن ما يزيد عبثية الأمر حالياً، أن إسرائيل تتعامل مع الطائفة الدرزية داخل الأراضي الفلسطينية المحتلة بازدراء، إذ تشير تقارير عديدة إلى أنهم لا يُعاملون كمواطنين من الدرجة الثانية فحسب، بل إن حتى تضحياتهم في سبيل خدمة الاحتلال الإسرائيلي لم تجلب لهم المساواة، بل أبقتهم محل شك، وكأنهم يُستخدمون كدروع بشرية في حروبها الاستعمارية.
إذ أشارت بعض التقارير إلى أن الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي غالباً ما يُزج بهم في خطوط النار الأولى. ففي غزة تحديداً، وعلى سبيل المثال، وفي واحدة من أقوى الضربات التي تلقاها جيش الاحتلال منذ بدء عمليات "طوفان الأقصى"، قُتل العقيد إحسان دقسة، قائد لواء 401 المدرع، والذي كان يُعد من أبرز القادة العسكريين في قوات الاحتلال التي ترتكب المجازر داخل غزة منذ أكثر من عام.
فكيف يعامل الاحتلال الإسرائيلي الدروز؟
يبلغ عدد أفراد الطائفة الدرزية في الأراضي المحتلة اليوم حوالي 143 ألف نسمة، أي ما يشكل نحو 1.6% من إجمالي السكان، وتفيد معطيات متنوعة بأنهم يشكلون ما نسبته 10% من فلسطينيي الداخل (فلسطينيي 48)، ويعيش معظمهم في الشمال، خاصة في منطقة الجليل وجبال الكرمل، وهناك العديد من القرى والبلدات الدرزية المعروفة، مثل بيت جن، ودالية الكرمل، وعسفيا، ويركا، وجولس، والرامة، وحرفيش، والمغار، والبقيعة، وشفاعمرو، ومجدل شمس، وغيرها.
على عكس غالبية العرب في داخل الأراضي المحتلة، يُجبر الدروز على الخدمة العسكرية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، حيث تُعد هذه الخدمة إلزامية لهم تماماً كما هي لليهود. نتيجة لهذا التجنيد الإجباري، يشغل العديد من أفراد الطائفة الدرزية مناصب عسكرية رفيعة في جيش الاحتلال. وتشير العديد من التقارير إلى أن 85% من أبناء الطائفة الدرزية يؤدون الخدمة العسكرية في الجيش الإسرائيلي، وهي نسبة تفوق نسبة اليهود المنخرطين في جيش الاحتلال، حيث انخرط هؤلاء الجنود في وحدات متنوعة، كان أبرزها ألوية المشاة المختارة، إلى جانب وحدات الشرطة وحرس الحدود.
ومن بين أبرز الشخصيات الدرزية في جيش الاحتلال الإسرائيلي، يبرز الجنرال غسان عليان، الذي قاد لواء "غولاني"، أحد أشهر ألوية المشاة النخبوية في جيش الاحتلال، وقد أُصيب بجروح خطيرة خلال حرب غزة عام 2014 بنيران المقاومة الفلسطينية، ويشغل منصب منسق شؤون الأراضي الفلسطينية في وزارة أمن الاحتلال.
وزير الدفاع الإسرائيلي قرر ترقية العميد غسان عليان قائد لواء جولاني السابق إلى رتبة لواء وتعيينه في منصب منسق أعمال الحكومة في المناطق الفلسطينية، خلفا للواء كميل أبو ركن. وسيكون عليان ثالث درزي يشغل المنصب pic.twitter.com/MQlMN9LZIn
— إسرائيل بالعربية (@IsraelArabic) October 8, 2020
ولم يكن أول درزي في هذا المنصب، فقد سبقه فيه الجنرال الدرزي كميل أبو ركن. بالإضافة إلى ذلك، يبرز العقيد أيوب كيوف، الذي قاد وحدتين من وحدات النخبة، هما "شيلداغ" و"سييرت غولاني"، ويشغل حالياً منصب قائد لواء "منشيه" المسؤول عن منطقة جنين. وفي عام 2018، قُتل ضابط درزي على يد كتائب القسام عندما كان يقود وحدة إسرائيلية خاصة تسللت إلى قطاع غزة.
متى بدأ انخراط الدروز في جيش الاحتلال الإسرائيلي؟
تختلف التقديرات الإسرائيلية حول التاريخ الدقيق لانخراط الدروز في جيش الاحتلال، ولكن بعض التقارير تشير إلى أن مشاركة الدروز بدأت منذ إنشاء دولة الاحتلال عام 1948.
ومنذ بداية الاحتلال، عملت الحكومة الإسرائيلية على عزل الدروز عن محيطهم العربي، عبر تصنيفهم كـ"عرب غير مسلمين"، والترويج لفكرة أن الدرزية تشكل قومية مستقلة بذاتها، في محاولة لتفكيك الهوية العربية داخل الأراضي المحتلة، وفتح الباب أمام ممارسات التمييز والتهميش بحقهم في القضايا الوطنية.
ودفعت سلطات الاحتلال نحو ترسيخ هوية مفصولة تحت اسم "الهوية الدرزية الإسرائيلية"، وسعت لتكريسها رسمياً. ففي عام 1957، اعترف القانون الإسرائيلي بالديانة الدرزية كديانة مستقلة، وفصل الطائفة الدرزية عن المجتمع الإسلامي والديانة الإسلامية. وفي عام 1959، فصلت حكومة الاحتلال الإسرائيلية المحاكم الدرزية عن المحاكم الشرعية الإسلامية، في خطوة مدروسة لتعزيز العزلة الثقافية والدينية، وتكريس الانفصال عن الهوية العربية الجامعة.
وخلال تلك الفترة، تطوّع أفراد من الطائفة الدرزية للانضمام إلى جيش الاحتلال ضمن كتيبة خاصة ضمّت الدروز والبدو والشركس، وذلك في إطار ما أُطلق عليه "حلف الدم"، الذي شرعنه ديفيد بن غوريون، أول رئيس وزراء لحكومة الاحتلال، إذ يعطي الدروز لدولة الاحتلال دمهم ويحصلون على الأمان.
وقد واجه قرار التجنيد الإجباري في حينه مقاومة من جزء كبير من الدروز، لكن تذكر المصادر أيضاً أنه، على الرغم من هذه المقاومة، فقد تمكنت بعض القيادات الدرزية المتنفذة من فرضه بالقوة في عام 1959، وحينها تم سن قانون يفرض الخدمة العسكرية الإلزامية على الدروز في إسرائيل. وفي عام 1974، تم تشكيل الكتيبة الدرزية المعروفة باسم "حيرف"، وهي وحدة برية نظامية في جيش الاحتلال تتكون في معظمها من الجنود الدروز. ومنذ بدء التجنيد الإجباري للدروز في صفوف جيش الاحتلال الإسرائيلي وحتى نهاية عام 2022، بلغ عدد قتلى جيش الاحتلال من أبناء الطائفة الدرزية 429 جندياً. وهذا العدد لا يشمل عدد القتلى الدروز المجندين في جيش الاحتلال خلال الحرب الحالية على غزة.
وقد اعترف رئيس وزراء الاحتلال نتنياهو بدورهم في حفظ أمن الاحتلال، كما أكد يعكوف شيمعوني، وهو دبلوماسي إسرائيلي، على أن تجنيد الدروز هو حربة يُطعن بها القومية العربية ويؤثّر بها على دروز سوريا ولبنان.
الدروز: مواطنون عند الحاجة فقط
رغم هذا "الولاء" للاحتلال وآلته العسكرية، لم يعترف الاحتلال بالدروز كمواطنين متساوين مع اليهود. فمنذ عام 1948، يمارس الاحتلال بشكل ممنهج سياسات تمييزية طالت جميع الجوانب: الأرض، والسكن، والتعليم، والاقتصاد، وحتى المؤسسة العسكرية نفسها.

فمصادرة الأراضي مستمرة إلى اليوم، وقرى الدروز لم تُستثنَ من سياسات الاحتلال التوسعية منذ عام 1948، بل جُرّدت من مساحات كبيرة لصالح المستوطنات اليهودية.
لذلك، يعاني الدروز من ضائقة سكن متفاقمة تعود إلى رفض الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة توسيع مسطحات البناء منذ عام 1987، بعد مصادرة ما يزيد على 85% من أراضي القرى الدرزية، ما حوّلها إلى بيئات خانقة شبيهة بمخيمات اللاجئين. وحتى "دائرة شؤون الدروز"، التي أُنشئت عام 1970، لم تنجح في وقف شُحّ الميزانيات أو تنظيم البناء، ما اضطر الدروز إلى البناء دون تراخيص في أراضيهم، فواجهوا أوامر الهدم من سلطة الاحتلال. وفي عام 2016، احتج زعماء الطائفة على هدم منازل في قرى مثل حرفيش، والمغار، ويركا، وعسفيا، وطالبوا بتجميد الأوامر، لكن دون جدوى.
وقد وثّق تقرير صادر عن مركز "Crown Center" في جامعة برانديس الأميركية هذا التمييز العنصري المتزايد، حيث أشار إلى أن جنوداً دروزاً، بينما كانوا يشاركون في إبادة الفلسطينيين في غزة، كانوا يواجهون غرامات وأوامر هدم لمنازلهم وهم في الخدمة، كنتيجة طبيعية لسياسات البناء العنصرية التي يفرضها الاحتلال، والتي لا تمنح تراخيص لغير اليهود، حتى وإن شاركوهم في سفك دماء الفلسطينيين. وأوضح التقرير أن المادة 7 من "قانون الدولة القومية" الإسرائيلي تُشكل حاجزاً قانونياً فعلياً أمام العرب لبناء مساكن قانونية.
ولا يتوقف الأمر على ذلك، بل طال حتى الجنود داخل المؤسسة العسكرية. فعلى سبيل المثال، شهدت نهاية عام 2013 حادثة إهانة مجموعة من الجنود الدروز بمنعهم من دخول موقع ديمونة النووي أثناء تدريب. وفي الوقت الذي يُمنح فيه الجنود اليهود امتيازات واضحة بعد تسريحهم، خاصة في مجالي السكن والعمل، يُحرَم الجنود الدروز المسرّحون من هذه الحقوق، رغم أدائهم نفس الخدمة للاحتلال.
بل ويتعرضون لإهانات عنصرية، تصل أحياناً إلى الإذلال الجسدي والمعنوي. وتنقل وسائل الإعلام بين الحين والآخر شهادات لجنود دروز تعرضوا لسوء معاملة من زملائهم اليهود، وصلت حد المقاطعة، والنعوت المهينة مثل "كلب" و"إرهابي فلسطيني".
فعلى سبيل المثال، أحد الجنود الدروز رُفض التحدث معه تماماً من قبل زملائه، فيما رُوي عن آخر أن ضابطاً يهودياً أمره بتنظيف المرحاض، وعندما رفض، مُنع من دخول غرفة الطعام، وبقي دون طعام لثلاثة أيام. وعندما حاول تقديم شكوى، قوبل بالتجاهل، بل زجره أحد القادة قائلاً: "ليس لدي وقت الآن، انصرف من هنا أيها العربي".
إلى جانب ذلك، لا تخلو العنصرية الصريحة في المجتمع الإسرائيلي من دعوات علنية لطرد الدروز من الجيش، حيث عبّر الحاخام المتطرف مائير كاهانا – زعيم حركة "كاخ" – عن موقفه العنصري قائلاً بسخرية: "يجب أن نوفر لهم حافلات مكيّفة لنقلهم".
اللافت أن هذا التمييز لا يقتصر على الجنود أو صغار الموظفين، بل يطال الدروز حتى وهم في مناصب عليا. ففي عام 2019، صرّح رضا منصور، سفير الاحتلال لدى بنما – وهو من أبناء الطائفة الدرزية – بأنه تعرض لـ"تمييز عنصري" ومعاملة مهينة من قبل حارسة أمن عند مدخل مطار "بن غوريون" في تل أبيب.
وفيما يخص التعليم، فوفقاً للتقارير، الدروز هم الأقل تحصيلًا بين العرب في الداخل. فقط 44.4% من أبنائهم حاصلون على البجروت (الثانوية العامة الإسرائيلية)، وغالبيتهم لا يكملون التعليم الجامعي، نتيجة عوامل اجتماعية وأخرى تتعلق بغياب سياسات. التمييز البنيوي: تخصيص الميزانيات للخدمات المحلية أدنى مما هو عليه في البلدات اليهودية؛ فرص التشغيل في القطاع العام محدودة؛ والبنى التحتية في القرى الدرزية متأخرة نسبيًا.
رغم تقديم الدروز أجسادهم وأرواحهم على مذبح الاحتلال لعقود من خلال خدمتهم في الجيش، لم يشفع لهم هذا "الولاء الدموي" لنيل المساواة. فبدل أن يُكافأوا بحقوق كاملة، تلقوا سلسلة من الضربات المتتالية من المؤسسة السياسية الإسرائيلية، خاصة في ظل تصاعد اليمين المتطرف خلال السنوات الأخيرة. تشير تقارير متعددة إلى أن لحظة الانفجار الشعبي تعود إلى عام 2018، عندما بلغت مشاعر السخط الدرزي ذروتها إثر إقرار "قانون الدولة القومية".
هذا القانون الأساسي عرّف إسرائيل رسميًا كـ"دولة قومية للشعب اليهودي فقط"، ومنح حق تقرير المصير القومي لليهود دون غيرهم، مستبعدًا بذلك العرب، بمن فيهم الدروز، من دائرة الانتماء القومي. ورغم محاولات حكومة الاحتلال التخفيف من أثر القانون عبر وصفه بأنه "تكريس للطابع القائم"، إلا أن أبناء الطائفة شعروا أنه إعلان واضح وصريح لتهميشهم المتعمد.
وصفت قيادات درزية ونواب في الكنيست القانون بأنه "قانون متطرف يميز ضد الأقليات". خرجت احتجاجات غاضبة في مختلف المدن، طالبت بإلغاء التجنيد الإجباري الذي بات لا يعكس إلا واقعًا يفتقر للمساواة. قابلت الشرطة الإسرائيلية هذه التظاهرات بالقمع، واستخدمت الرصاص واعتقلت المئات من المتظاهرين، رغم أن غالبهم خدم في جيش الاحتلال ذاته.
مع تمرير القانون في الكنيست، تصاعدت الأصوات الرافضة للتجنيد الإجباري، وخرجت مظاهرات ضخمة بتاريخ 4 أغسطس عام 2018، وامتلأ ميدان رابين في تل أبيب بما يُقدَّر بين 90 إلى 150 ألف متظاهر، رفعوا أعلام الطائفة الدرزية إلى جانب الأعلام الإسرائيلية، تعبيرًا عن غضبهم ورفضهم للتمييز. على المنصة، لخص الإعلامي الدرزي رفيق حلبي – رئيس مجلس دالية الكرمل – الموقف بقوله: "يجب أن يكون التحالف مع اليهود تحالفًا بين متساوين. نريد أن يكون لمواطنتنا معنى. نحن إسرائيليون حقيقيون – وقانون الدولة القومية يُفرغ الهوية الإسرائيلية من معناها. من اليوم فصاعدًا، لا عهد دم، لا تحالف حياة، بل تحالف مساواة".
وطالب المحتجون من الدروز حينها بإبطال قانون القومية الجديد وتعديله. وكان من الشخصيات الدرزية البارزة التي شاركت في بعض تلك الاحتجاجات الزعيم الروحي الشيخ موفق طريف، الذي قال مخاطباً الجموع: "رغم ولائنا المطلق، إلا أن إسرائيل لا تعتبرنا مواطنين متساوين." فما كان من الجمهور إلا أن هتف قائلاً: "المساواة! المساواة!" ورفع المشاركون يافطات كتب عليها: "إذا كنا إخوة فيجب أن نكون متساوين."
توجه قادة الطائفة – بينهم ثلاثة أعضاء كنيست – إلى محكمة العدل العليا مطالبين بإلغاء القانون، بحجة أنه تمييزي. بيد أن المحكمة العليا الإسرائيلية في 2021 ردّت الالتماسات وارتأت بأغلبية قضاتها أن القانون لا ينتقص من حقوق الفرد للمواطنين غير اليهود، بل هو "إعلان لحقوق اليهود" وأنه يعلن فقط حقوق المواطنين اليهود، وبالتالي فهو دستوري. هذا الحكم شكّل صفعة إضافية للدروز وتثبيتًا رسميًا لمخاوفهم. فشعر كثيرون أن الميزان اختل نهائيًا: الدولة التي حموا حدودها تتنكر لمبدأ المساواة معهم. ومنذ ذلك الحين، فترت الحماسة التجنيدية لدى بعض الشبان الدروز وارتفعت أصوات تدعو لإعادة النظر في أداء الخدمة الإلزامية طالما ظلت المواطنة منقوصة – رغم أن الأغلبية ما تزال تلتحق بالجيش بحكم العادة والبيئة الاجتماعية.
أحد الأمثلة البارزة على ذلك هو انسحاب النقيب أمير جمال من الخدمة في جيش الاحتلال في عام 2018، حيث دعا الشباب إلى رفض سياسة التجنيد الإلزامي والعمل على إنهائها، احتجاجًا على القانون.
دروز الجولان المحتل
في عام 2023، برزت موجة جديدة من الغضب الدرزي، تمثلت في احتجاجات حاشدة واشتباكات جماهيرية في قرى الجولان السوري المحتل، رفضًا لمشروع إسرائيلي لبناء 23 توربينًا هوائيًا لتوليد الطاقة، اعتبره سكان المنطقة اعتداءً سافرًا على أراضيهم وتهديدًا مباشرًا لزراعتهم واقتصادهم المحلي. المشروع الذي صادقت عليه الحكومة الإسرائيلية وكُلّفت بتنفيذه شركة "إنرجيكس"، يتضمن إقامة 24 مروحة عملاقة يزيد ارتفاع كل واحدة منها على 200 متر، وتُقام كل واحدة منها على مساحة تقارب 100 دونم، ما يُهدد أكثر من 3 آلاف دونم من الأراضي الزراعية التي يعتمد عليها السكان في معيشتهم.
سكان الجولان أكدوا أن المشروع لا يشكل خطرًا بيئيًا وصحيًا فحسب، بل إنه يُناقض بشكل صارخ القانون الدولي، كون الجولان أرضًا سورية محتلة لا يجوز لقوة الاحتلال أن تتصرف بها.
على خلاف أقرانهم من الطائفة الدرزية داخل الأراضي المحتلة الذين يحاولون أن ينتزعوا الاعتراف الكامل بمواطنتهم داخل دولة الاحتلال، فإن إخوتهم في الجولان السوري المحتل رفضوا منذ البداية هذا المسار. فهم يعيشون على أرضهم، لكن تحت علم لا يعترفون به، ولا يحملون جنسيته، ولا يمنحهم الاحتلال أي حقوق كاملة كمواطنين. في الوقت نفسه، لا يعاملهم كجزء من شعب خاضع للاحتلال له صفة قانونية أو حماية دولية.

وتشير التقديرات إلى أن الجولان اليوم يعيش فيه أكثر من 20 ألف درزي، معظمهم يعرّفون أنفسهم كسوريين، وقد رفضوا منذ احتلال المنطقة عام 1967 عرض الحصول على الجنسية الإسرائيلية، رغم محاولات الأسرلة المتكررة. في المقابل، زرع الاحتلال أكثر من 25 ألف مستوطن يهودي في الجولان، موزعين على أكثر من 30 مستوطنة، في محاولة لفرض وقائع ديموغرافية جديدة.
بخلاف الزعيم الروحي للطائفة الدرزية داخل فلسطين المحتلة، الشيخ موفق طريف، الذي يتخذ موقفًا مندمجًا مع الاحتلال، يبرز في الجولان صوت ديني مستقل يتمثل في مشايخ رافضين تمامًا للاندماج أو قبول "الاحتلال الإسرائيلي". هذا الرفض ظل ثابتًا ومُعلنًا رغم كلفته الثقيلة، وتم التعبير عنه مرارًا في المحافل والمناسبات الدينية والوطنية داخل القرى الجولانية.
حين فشلت سلطات الاحتلال في إقناع أهالي الجولان بقبول الجنسية طوعًا، أقر الكنيست قانونًا يفرض الجنسية الإسرائيلية بالقوة، ما فجّر ما عُرف لاحقًا بـ"انتفاضة الهوية". قُوبل القرار بإضرابات واسعة واحتجاجات حاشدة، بلغت حد الاشتباك المباشر بين الأهالي وقوات الاحتلال، التي استخدمت الأسلحة لقمع المتظاهرين.
ورغم ادعاء بعض وسائل الإعلام الإسرائيلية – مثل "تايمز أوف إسرائيل" – بوجود تغير محدود في مواقف بعض شباب الجولان تجاه قبول الجنسية، فإن تلك التحركات، وفق تحليلات الخبراء، ترتبط باعتبارات براغماتية تتعلق بالواقع المعيشي الصعب، وليس تقبّلًا حقيقيًا لـ"الهوية الإسرائيلية".
فالواقع أن الأغلبية من دروز الجولان ما زالت متمسكة بهويتها السورية، رافضة لمحاولات الأسرلة، ومصممة على البقاء على أرضها بوصفها جزءًا من وطن محتل، لا تابعًا لدولة تحتلهم.
مستندًا إلى نفس الأساليب الاستعمارية القديمة، يعاود الاحتلال الإسرائيلي استخدام أدواته في تفكيك المجتمعات العربية، وهذه المرة من بوابة دروز سوريا. ففي أعقاب محاولات الدولة السورية، بعد مرحلة ما بعد الأسد، إعادة توحيد أراضيها وبسط سيادتها على كامل الجغرافيا السورية، تنظر تل أبيب إلى هذه التحركات كتهديد استراتيجي مباشر لوجودها.
في هذا السياق، يسعى الاحتلال لاستغلال ورقة الطائفة الدرزية، عبر حملة استقطاب موجهة تهدف إلى فك ارتباط دروز سوريا بالحكومة المركزية في دمشق. ووفقًا لما نشرته صحيفة وول ستريت جورنال، تخطط "إسرائيل" لإنفاق أكثر من مليار دولار على برامج دعم ومساعدات تستهدف الدروز المقيمين شمالي فلسطين المحتلة، بهدف التأثير على مواقفهم، ودفعهم للضغط على دروز سوريا لرفض الاعتراف بشرعية الحكومة السورية الجديدة.
ويُعدّ تصاعد التهديدات الإسرائيلية ضد الإدارة السورية الجديدة والقصف المتتالي للأراضي السورية، إلى جانب التهديدات بمواجهة أي وجود لمسلحين أو قوات تابعة للدمشق في المناطق التي يسكنها الدروز جنوب سوريا، امتدادًا لهذه الاستراتيجية الأوسع.