تشهد الساحة السياسية الإسرائيلية حالة من التوتر الداخلي مع استمرار الحرب على غزة دون تحقيق أي أهداف بالقضاء على حماس أو إعادة الأسرى الإسرائيليين٬ وكذلك تزايد الخسائر في صفوف الجنود مع كل محاولات للتوغل تقوم بها القوات البرية للضغط على سكان القطاع المحصورين في مناطق معينة.
وبحسب الإعلام الإسرائيلي٬ تتزايد الضغوط على رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو لاتخاذ قرار بحسم عسكري شامل وغير مسبوق في قطاع غزة، بينما يحذر رئيس الأركان اليميني الجديد الأقرب لنتنياهو٬ إيال زامير٬ من التبعات الميدانية لأي عملية اجتياح بري واسعة٬ خصيصاً في ظل اتساع رقعة الإحجام عن الخدمة العسكرية لدى قطاعات مختلفة من الجيش الإسرائيلي بسبب استمرار الحرب وارتفاع الخسائر.
انقسامات بسبب خطط الحرب في غزة داخل مجلس الكابينت الإسرائيلي
- هدد وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش يوم الأربعاء 23 أبريل/نيسان 2025 بالاستقالة من الحكومة، وذلك في أعقاب اجتماع الكابينت السياسي والأمني الذي ناقش فيه الوزراء قضية المساعدات الإنسانية لقطاع غزة. وقال سموتريتش: "إن إدخال المساعدات إلى حماس هو خطوة خطيرة لن أكون جزءاً منها.. إعادة ترتيب الأوضاع العسكرية وتقديم المساعدات الإنسانية إلى حماس في ظل وجود مختطفينا هناك ليس خياراً مطروحاً". وخلال اللقاء، تناقش وزير المالية اليميني مع رئيس الأركان إيال زامير بشأن فتح الباب للسماح بدخول مساعدات للقطاع، وغادر النقاش بينما كان رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) رونين بار يتحدث".
- وقال مصدر سياسي للقناة 13: "لم يُتخذ أي قرار بشأن إدخال المساعدات الإنسانية إلى غزة. وقد أصدر المستوى السياسي تعليماته للمؤسسة الأمنية وجيش الدفاع الإسرائيلي بحرمان حماس من السيطرة على المساعدات الإنسانية في أي موقف قد يتطور".
- وبحسب القناة٬ فإن الحديث عن مبادرة تشمل تبادلاً للأسرى ووقفاً طويلاً لإطلاق النار في قطاع غزة لا يزال دون أي تأكيد رسمي داخل "إسرائيل"، ما يعكس استمرار حالة الجمود في المفاوضات٬ وأكدت الصحفية في القناة موريا أسرف وولبرغ أن هذه المفاوضات معرضة للانهيار في حال تطورت العمليات العسكرية".
- وأشارت الصحفية إلى أن هناك تصاعد للضغوط داخل الحكومة الإسرائيلية على نتنياهو لاتخاذ لاحتلال كامل قطاع غزة، في ظل مخاوف رئيس الأركان الجديد إيال زامير من الثمن العسكري لمثل هذه الخطوة. فيما نقلت القناة 14 عن مراسلها تامير موراغ أن المجلس الوزاري المصغر (الكابينيت) ناقش مقترحات لرفع حدة العمليات العسكرية في قطاع غزة، وسط مطالبات من الوزيرين إيتمار بن غفير وسموترتش باتخاذ خطوات أكثر "جذرية"، تشمل توغلاً برياً شاملاً في غزة٬ حيث أن هذا التوجه "يحظى بتأييد متزايد داخل مجلس الحرب".
- لكن في المقابل، أشار محلل الشؤون العسكرية في قناة 24 يوسي يهوشع إلى أن "نتنياهو لا يميل حالياً إلى خوض حرب واسعة، ويرجح خيار التصعيد المتدرج، وهو ما يتماشى مع استراتيجية زامير الذي يفضل استنفاد فرص التفاوض قبل الانتقال إلى خطوات كبرى".
- لكن المحلل العسكري في القناة 13، ألون بن دافيد، فقد حذر من أن دخول الجيش الإسرائيلي في مرحلة استنزاف طويل الأمد قد يتطلب استدعاء الاحتياط، في وقت يشكك فيه كثيرون بقدرتهم على تلبية هذا الطلب، ما يعكس التحديات التي تواجه قيادة الجيش في إدارة المعركة الحالية. وأضاف بن دافيد أن زامير لا يتبنى نهجاً اندفاعياً، ويحاول تجنّب تعريض القوات النظامية والاحتياطية لمخاطر مفرطة ما لم تكن هناك ضرورة قصوى وموافقة سياسية واضحة تخدم الأهداف الاستراتيجية للحرب.
"لا تغرقوا في رمال غزة"
- يقول الكاتب والمحلل الإسرائيلي في "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع٬ إن عدم وجود عدد كبير من الضحايا في صفوف الجيش الإسرائيلي منذ سقوط الهدنة مع حماس كان مصدر ارتياح لنتنياهو٬ حيث عزا الجيش ذلك إلى الأوامر التي أعطيت للقوات بالتقدم ببطء، وأن حماس ضعفت عسكرياً٬ لكن يعزى ذلك في المقام الأول إلى "الحظ".
- يضيف الكاتب: لكن لسوء الحظ، فإن الحظ هو سلعة قابلة للتلف٬ حيث إن الكمين المزدوج الذي قتل فيه الرقيب وقصاص الأثر غالب نصاصرة من رهط، وأصيب فيه ضابط وجندي وقصاص أثر آخر، أعاد إلى الواجهة سؤالاً إجابته معقدة لدى الإسرائيليين: ماذا نفعل بالضبط هناك.. في غزة؟!
- ويستشهد الكاتب برنياع في تقرير نقدي قدمه اللواء المتقاعد يوآف هار إيفن حول الحادثة التي استشهد فيها 15 مسعفاً فلسطينياً في رفح على يد كتيبة جولاني. واتهم هار إيفن الجيش بالفشل في إدارة القتال بغرة وانتهاكاً للأوامر، ونشر تقارير كاذبة٬ قائلا أن فيديوهات الحادثة التي قتل فيها المسعفون رهيبة؛ وألحقت ضرراً في صورة "إسرائيل" بشكل كبير حول العام.
- يقول برنياع: إذن ماذا نفعل في الحقيقة هناك في غزة؟ لدينا نهجين غير متوافقين٬ حيث يقول رئيس الأركان إيال زمير إن العملية تهدف إلى زيادة الضغط على القيادة العسكرية لحماس٬ هذا هو الهدف الوحيد٬ ولا يوجد لدى الجيش أي خطط للسكان أو المساعدات أو الاحتفاظ بالسيطرة على الأرض. وفي المقابل٬ يتبنى نتنياهو نهجاً توسعياً٬ ويقول إنه خلال أيام ستنتقل إسرائيل إلى المرحلة التالية، أي احتلال غزة بشكل كامل ودائم. لكن هذا يعني القتال على نطاق واسع مع سقوط ضحايا من جانبنا وعمليات قتل جماعي للفلسطينيين ثم الاحتلال، ثم والتهجير والاستيطان المتجدد، وأخيراً خلق ريفييرا بين مخيمي الشاطئ وجباليا. والسؤال الوحيد هو ما الذي يريد نتنياهو تحقيقه بهذه الأمنيات٬ هل الفكرة هي تهديد حماس، أم إعداد إسرائيل لحرب أبدية لا نهاية فيها، والسعي لتحقيق نصر لا يمكن تحقيقه بالأساس؟! والتخلي الكامل عن الرهائن الإسرائيليين لإنهم لا يناسبون أجندة وطموحات نتنياهو!
- ودعا الكاتب في النهاية الحكومة الإسرائيلية إلى "وقف الأعمال العدائية والتوصل إلى اتفاق لإطلاق سراح جميع الرهائن"، لإن "استمرار الحرب، سيعني معاناة الرهائن وعائلاتهم، والغرق أكثر في رمال غزة".
"تقويض حماس ليس هدفاً واقعياً"
- المراسل العسكري لصحيفة معاريف آفي أشكنازي٬ قال إن القتال في غزة هو تحد مركّب للجيش الإسرائيلي٬ فهذه ليست نزهة في حديقة. وهدف الحملة أولاً وقبل كل شيء هو ممارسة ضغط شديد على حماس كي تعيد الرهائن٬ وبخلاف ذلك فإن مسألة تفكيك حماس لا توجد على الاطلاق على جدول الأعمال، لاعتبار بسيط وهو أن هذا ليس هدفاً واقعياً.
- ويقول أشكنازي إن في غزة اليوم لا يزال يوجد عشرات آلاف الأنفاق، وفي شمال القطاع أينما يُلقى حجر تفتح عين نفق! حماس بخلاف التقديرات الأولية، لا تزال تحوز قوة قتالية كبيرة تضم عدداً ليس هيّن من المقاتلين٬ وفي الحقيقة فإن تطور القتال الآن بالنسبة للجيش الإسرائيلي هو أمر معقد. كما أن الجيش لا يمكنه العمل في كل مكان حول القطاع، خوفاً من إلحاق الضرر بالأسرى المخطوفين٬ وهو الأمر الذي تستغله حماس بشكل جيد وحتى النهاية.
- يضيف الكاتب: "وبالتالي ماذا نفعل أمام مقاتلين يخرجون من الأنفاق يطلقون النار ويختفون في كل يوم عدة مرات.. مقاتلو الجيش الإسرائيلي مهما كانوا متحفزين ويقظين وحادين٬ كم من الوقت يمكنهم البقاء على هذا النحو في غزة؟! الأنفاق المفخخة في غزة لا تنتهي.. والعمل على تطهيرها هو مثل تفريغ البحر بملعقة! الجيش الإسرائيلي ملزم بان يفكر من خارج الصندوق بالنسبة للانفاق؛ أن يفكر كيف يمكن تدمير كل شبكات الأنفاق بوتيرة سريعة، بالحد الأدنى من الاستثمار، والأهم٬ دون تعريض الأسرى الإسرائيليين للخطر"٬ على حد تعبيره.
- في النهاية٬ يقول أشكنازي "إذا لم يتحقق في الأيام القريبة القادمة اختراق في المفاوضات لتحرير المخطوفين، سيكون المستوى السياسي مطالباً بأن يوجه تعليماته للجيش الإسرائيلي أن يشدد الضغط٬ ويتضمن ذلك تجنيد واسع لمئات آلاف الجنود الاحتياط وارسال خمس أو ست فرق في آن واحد للقتال في غزة".
"إسرائيل ما تزال بعيدة عن هزيمة حماس"
- من جهته٬ يقول رئيس تحرير صحيفة هآرتس ألوف بين٬ إن "نتنياهو يقف الآن أمام حماس بشروط خيالية٬ وترامب يقدم المواعظ للتطهير العرقي في غزة، والرأي العام في الغرب أقل اهتماماً بمعاناة الفلسطينيين، والذين تظاهروا ضد إسرائيل تم طردهم من الجامعات في أمريكا.. وفي إسرائيل سيطر نتنياهو على كل شيء٬ ووضع في الجيش والأجهزة الأمنية رجال مخلصون له. وفي الوقت نفسه٬ يهاجم الجيش الإسرائيلي بدون قيود قانونية وأخلاقية غزة، ويقتل كل يوم عشرات الفلسطينيين ويتفاخر باحصاء الجثث كـ "ضغط عسكري" على حماس٬ لكن حتى في ظل كل هذه الظروف٬ فإسرائيل بعيدة كل البعد عن هزيمة حماس".
- ويرى ألوف بين أن "تدمير حزب الله وسقوط نظام الأسد في سوريا، ساعدا في تهدئة جبهة الشمال، لكن لم يغيرا ميزان القوة في الجنوب. فحماس تسيطر على القطاع وتراكم من جديد القوة وتقوم باحتجاز الأسرى الإسرائيليين، فيما يراوح الجيش الإسرائيلي في مكانه وينفذ نشاطات عسكرية عبثية. وبدلاً من أن يعمل نتنياهو على تماسك الرأي العام في إسرائيل٬ يواجه الآن معارضة متزايدة داخل البيت الإسرائيلي".
- ويضيف الكاتب أن "دعوة نتنياهو للتضحية بالمخطوفين مقابل طرد الفلسطينيين من غزة (تطبيق خطة ترامب)، لم تجعل الجمهور الإسرائيلي يتحمس لها، باستثناء طائفة اتباع نتنياهو المجانين.. فيما وقّع آلاف جنود الاحتياط على عرائض تطالب بوقف الحرب، وهناك آخرون كثيرون يتهربون بهدوء من أوامر التجنيد٬ ولا يريدون العودة لغزة٬ لكن احتجاجهم لم يثر بسبب الشعور المفاجئ بالذنب تجاه الفلسطينيين أو الادراك المتأخر بأن نتنياهو ينشغل فقط ببقائه السياسي، بل بسبب الفشل في تحقيق أهداف الحرب مثل تدمير حماس، أو إعادة المخطوفين٬ وإعادة الأمن للمستوطنات في غلاف غزة".
- ويرى رئيس تحرير "هآرتس" أنه "عندما يصطدم الواقع بخطط وآمال صعبة فإن الزعماء والقادة يبحثون عن طرق قصيرة للنصر. وفي إسرائيل خاب الأمل لدى الجيش بحسم المعركة من الجو رغم قوة النيران التي لم تتوقف، أما الذين تخيلوا الدبابات وهي تسير بسرعة نحو معاقل العدو فقط خاب ظنهم٬ حيث إن أسلوب قتل قادة حزب الله لم يفلح مع حماس أو يدمرها٬ رغم حرب القتل والتدمير والتجويع في القطاع".
- في الوقت نفسه٬ سيكتشف نتنياهو الآن أن استبدال القادة ورؤساء أجهزة الاستخبارات أيضاً لن يغير أي شيء في نتائج المعركة٬ هو يستطيع رواية آلاف القصص والروايات الخيالية عن نفسه للأمريكيين اليمينيين بأنه "خليفة تشرتشل"، الذي يؤمن بالنصر أمام كل المتشككين والانهزاميين. لكن ذلك لن يساعده٬ فالشخص الذي سمى نفسه "القوي أمام حماس" بقي لوحده في القمة بعدما أزاح الجميع، وهو المسؤول الوحيد اليوم عن السقوط الأصعب الذي عرفته إسرائيل في تاريخها٬ يقول ألوف بين.