دعا الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى زيادة الإنفاق على التقنيات العسكرية المرتبطة بالبحرية الروسية، وتعهد بإنفاق نحو 100.8 مليار دولار على مدى العقد المقبل على برامج أسلحة مثل برنامج الغواصات النووية "بوراي"-أ المتقدم وبرنامج "ياسن-إم" Borei-A و Yasen-M.
كان هذا أحدث تصريحٍ من الرئيس بوتين حول أهمية تطوير وإصلاح البحرية الروسية، بعد سنوات حالةٍ الركود٬ حيث أصبحت أكبر سفنها الحربية، بما فيها حاملة الطائرات الرائدة، الأميرال كوزنيتسوف، خارج الخدمة، ولم يُحدَّد موعدٌ لانتهاء أعمال تجديدها.
وقال بوتين إن تقوم روسيا ببناء أسطول من السفن الحربية والغواصات النووية الحديثة والأكثر قدرة. وأوضح: "سفننا يجب أن تكون قادرة على تنفيذ كامل مجموعة المهام المحددة لها الآن وفي المستقبل بشكل فعال"، مسلطاً الضوء على التقدم الذي تم إحرازه حتى الآن، وفقا لتقرير موقع "نافال توداي" الروسي.
ويقول بوتين إن روسيا في السنوات الأخيرة، نفذت برنامجاً واسع النطاق لتحديث أسطولها البحري٬ من كالينينغراد إلى فلاديفوستوك، وهي تُنتج في أحواض بناء السفن كميات كبيرة من السفن السطحية والغواصات النووية الجديدة، بما في ذلك سفن مشروعي "بوراي" و"ياسن" المتطورتين. وقد خُصصت أموال طائلة لهذا الغرض. وأشار بوتن إلى أن 49 سفينة روسية جديدة دخلت الخدمة خلال السنوات الخمس الماضية، ودعا إلى تطوير تقنيات جديدة تخدم البحرية الروسية.
لماذا تنفق روسيا 100 مليار دولار على تطوير الغواصات النووية؟
- تخطط روسيا لتحديث أسطولها البحري بمليارات الدولارات من الأموال الإضافية، بعد أن قطعت بالفعل خطوات كبيرة في هذه المهمة على مدى السنوات الخمس الماضية.
- وتكبدت البحرية الروسية خسائر فادحة خلال الصراع المستمر منذ ثلاث سنوات في أوكرانيا، حيث زعمت كييف أنها دمرت أو عطّلت حوالي ثلث أسطولها في البحر الأسود بحلول منتصف عام 2024. ومع ذلك، تعمل البلاد على إعادة بناء وتسليح أسطولها البحري في الأشهر الأخيرة، وتشير تصريحات بوتين الأخيرة إلى أن الغواصات النووية ستكون محوراً أساسياً في المرحلة المقبلة من تطويرها.
- تقول مجلة national interest الأمريكية إن مبلغ 100.8 مليار دولار هو مبلغ كبير من المال، ولكن لوضعه في المنظور الصحيح، فإن ميزانية البحرية الروسية في العقد المقبل ستتجاوز بالكاد الإنفاق الدفاعي السنوي في المملكة المتحدة، أي أقل من 40% مما ستنفقه الولايات المتحدة هذا العام وحده.
- لكن على العموم٬ في عام 2009، قال الرئيس الروسي آنذاك دميتري ميدفيديف إنه "بدون وجود بحرية مناسبة، لن يكون لروسيا مستقبل كدولة". ولعلّ ميدفيديف يتذكر أن الإمبراطورية الروسية لم تصبح قوة عظمى إلا بعد أن أسس القيصر بيتر الأول أسس البحرية الروسية الحديثة.

- وتشهد قدرات البحرية الروسية توسعاً ملحوظًا خلال الأعوام الأخيرة، مع خطط لإضافة 12 سفينة حربية سطحية وأربع غواصات إلى أسطولها بحلول عام 2025. ورغم العقوبات الدولية المفروضة عليها إثر غزوها لأوكرانيا، تزعم روسيا أنها حققت استبدالًا كاملًا للواردات في بناء السفن، مما يضمن لها الاكتفاء الذاتي.
- وتمتلك البحرية الروسية أحد أكبر أساطيل الغواصات في العالم، إذ يُقدر الأمريكيون عددها بـ 64 غواصة. وتُعد غواصاتها الـ 16 العاملة بالطاقة النووية جزء لا يتجزأ من استراتيجيتها الدفاعية. وعلى الرغم من الصعوبات المالية التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفييتي، فقد قامت روسيا بتحديث قوتها البحرية بشكل كبير في السنوات الأخيرة.
- كانت البحرية الروسية هدفًا للقوات الأوكرانية طوال الحرب مع أوكرانيا بعد غزو بوتين في 24 فبراير 2022. وقد قامت قوات كييف بتدمير بعض السفن الروسية الثمينة، وأعلنت مسؤوليتها عن غرق السفينة الرئيسية موسكفا. وقال دميتري بلينتشوك المتحدث السابق باسم البحرية الأوكرانية إن أوكرانيا قامت بتعطيل ثلث أسطول البحر الأسود الذي يحظى بالتقدير لدى بوتين.
ما هي الغواصات النووية "ياسن"؟
- غواصات "ياسن" (Yasen-class)، المعروفة أيضًا باسم مشروع 885 / مشروع 885M (Yasen-M)، هي غواصات هجومية تعمل بالطاقة النووية تابعة للبحرية الروسية. تم تصميمها لتحل محل غواصات أوسكار II وأكولا، وتُعد من أكثر الغواصات تقدماً من حيث التكنولوجيا والتسلح في الأسطول الروسي٬ ويوجد منها 5 نسخ نشطة حالياً.
- تمثل غواصة Yasen-M الجيل جديد من الغواصات الروسية الهجوم، وتضم فئتها مجموعة الضوابط الرقمية جديدة، كما أنها تمتلك بدناً أقصر، وهي الأقل ضوضائية. ويمكن لغواصة Yasen من فئتها الأولى سيفيرودفينسك أو Severodvinsk، إطلاق صواريخ كروز Kalibr-M الروسية الجديدة بمدى مذهل يبلغ 4500 كيلومتر.
- تزود روسيا غواصات "ياسن" بقمة التكنولوجيا البحرية التي تمنحها قدرات تسليحية مذهلة وتزيد قدرتها على التخفي من أنظمة الكشف المعادية. وتعد هذه الغواصات تهديدا كبيرا للغرب، خاصة وأنها تحمل صواريخ متقدمة مثل "تسيركون" الأسرع من الصوت، بحسب مجلة "ناشونال إنترست" الأمريكية والتي أشارت في تقرير لها إلى أنها تمثل "كابوساً" لخصوم روسيا. وتتميز صواريخ "تسيركون" بسرعتها (9 ماخ) ذات مستويات المناورة العالية، التي تجعلها اعتراضها شبه مستحيل.
- وتتميز غواصات "ياسن بي" بأنها من بين الأكثر هدوءا في العالم، مما يتيح لها الاقتراب من الأهداف دون اكتشافها. كما أنها مزودة بنظام السونار الكروي "إم جي كيه – 600″، وهو من أحدث الأنظمة، إضافة إلى استخدام الفولاذ منخفض المغناطيسية لتقليل فرصة اكتشافها، إضافة إلى اعتمادها على مفاعل نووي صغير من الجيل الرابع يتميز بدورة مياه طبيعية تقلل الضوضاء.
ما هي الغواصات النووية من فئة "بوراي"؟
- أما الغواصات من فئة "بوراي" (Borei-class) فهي غواصة صاروخية روسية من الجيل الرابع تعمل بالطاقة النووية. صُممت لتحل محل غواصات دلتا 3 وتايفون القديمة التي تم إخراجها من الخدمة بحلول فبراير 2023.
- وبوراي تعمل بالطاقة النووية، تم تطويرها لصالح البحرية الروسية ضمن مشروعي 955 و955A، وتُعرف باسم "بوراي" أو "بوراي-أ". تُشكل رادعًا هامًا للبحرية الروسية. وهي أول فئة من الغواصات تُطورها روسيا منذ الحقبة السوفيتية.
- وتتميز هذه الغواصات بتصميم هيدروديناميكي متكامل لتقليل الضوضاء، وتُعد أول غواصات روسية تستخدم نظام الدفع النفاث (pump-jet). وفقًا لوكالة تاس الروسية، فإن مستوى الضوضاء في غواصات "بوراي" أقل بخمس مرات مقارنة بغواصات "أكولا" من الجيل الثالث، وأقل بمرتين مقارنة بغواصات "فرجينيا" الأمريكية.

- فيما يتعلق بالتسليح٬ فهي تحمل صواريخ باليستية (16 صاروخا) من طراز RSM-56 Bulava، كل منها قادر على حمل 6 رؤوس نووية متعددة الانفصال (MIRV). كما تحمل نظام الدفاع المضاد للطوربيدات: REPS-324 Shlagbaum. بالإضافة إلى صواريخ مضادة للسفن والغواصات: RPK-2 Viyuga
- وحول نسخها٬ فهناك مشروع 955A (بوراي-أ): والذي يتضمن تحسينات في أنظمة الاتصال والكشف، وتعديلات هيكلية لزيادة المناورة وتقليل البصمة الصوتية. تم إطلاق أول غواصة من هذا الطراز، "كنياز فلاديمير"، في 17 نوفمبر 2017.
- وهناك أيضاً مشروع 955B (بوراي-B): كان من المخطط أن يشمل نظام دفع مائي جديد وتقنيات متقدمة لتقليل الضوضاء، لكن تم إلغاء المشروع لأسباب تتعلق بالتكلفة. وبقي هناك مشروع بوراي-K: وهي نسخة تحمل صواريخ كروز بدلاً من الصواريخ الباليستية، مشابهة لغواصات "أوهايو" الأمريكية المعدلة.
- وفي معرض Army-2022 العسكري كشفت مكتب تصميم روبين الروسي عن تصميم جديد لغواصة صاروخية باليستية تُعرف باسم فئة "أركتوروس" (Arcturus)، والتي من المقرر أن تبدأ في استبدال غواصات "بوراي" اعتبارًا من عام 2037. وتتميز هذه الغواصة بهيكل مائل لتقليل إمكانية الكشف، وستحتوي على 12 صومعة صواريخ، بالإضافة إلى القدرة على حمل مركبة AUV مضادة للغواصات من طراز Surrogat-V. من المتوقع أن تكون إزاحتها أقل بنسبة 20% مقارنة بالغواصات الحالية، مع طاقم مكون من حوالي 100 فرد وطول يبلغ 134 مترًا.
- وحتى الآن، تم الانتهاء من بناء 8 غواصات من فئة "بوراي"، مع 3 غواصات إضافية قيد الإنشاء، وتخطط البحرية الروسية لامتلاك ما مجموعه 14 غواصة من هذه الفئة.