“فريق القمع الأكاديمي”.. من هم البيروقراطيون المجهولون الذين يعتمد عليهم ترامب في ملاحقة الجامعات بدعوى مكافحة السامية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/15 الساعة 12:06 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/15 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
اعتصام طلبة جامعة كولومبيا الأمريكية تضامناً مع فلسطين/ رويترز

تصاعدت حملة الضغط التي تمارسها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضد الجامعات الأمريكية والطلاب الأجانب بدعوى مكافحة السامية، حيث جمّدت وزارة التعليم تمويلاً اتحادياً لجامعة هارفارد بأكثر من ملياري دولار، عقب ساعات فقط من رفضها مطالب بإجراء تغييرات جذرية في سياستها بشأن التنوع.

وتمثل هذه الخطوة مستوىً جديداً من الخلاف بين إدارة ترامب والجامعات الأمريكية التي تتهمها من جهة بأنها واقعة في قبضة اليسار المتطرف، وبأنها فشلت في جهود مكافحة السامية من جهة أخرى، بعدما شهدت تلك الجامعات حراكاً طلابياً واسعاً مؤيداً لفلسطين ومناهضاً للحرب الإسرائيلية على غزة منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول. 

وجمّدت إدارة ترامب تمويلاً اتحادياً للجامعات بمئات الملايين من الدولارات، وضغطت عليها لتغيير سياساتها، مستعينة على ذلك بأمر تنفيذي يتعلق بمكافحة معاداة السامية وفريق عمل حكومي "هزّ الجامعات الأمريكية المرموقة في الأسابيع الأخيرة"، حسبما وصف تقرير نشرته صحيفة وول ستريت جورنال جاء تحت عنوان: "البيروقراطيون المجهولون الذين يمزقون الجامعات الأمريكية"

وبدأت إجراءات ترحيل بعض الطلاب الأجانب المعتقلين الذين شاركوا في مظاهرات مؤيدة للفلسطينيين، ومن بينهم الطالبين محمود خليل ومحسن مهداوي، بينما أُلغيت تأشيرات مئات الطلاب الآخرين. وقد أثارت هذه الحملة مخاوف بشأن حرية التعبير والحريات الأكاديمية.

ولم تقتصر جهود حملة ترامب ضد الجامعات على فريق عمل مكافحة السامية وحسب، بل إن أعضاء نافذين في الجناح الغربي في البيت الأبيض تبنوا هذا النهج، وفي مقدمتهم ستيفن ميلر، نائب رئيس موظفي ترامب للشؤون السياسية ومهندس معظم أجندة الرئيس المحلية، وفق تقرير صحيفة نيويورك تايمز.

ماذا نعرف عن الأمر التنفيذي الخاص بمكافحة "معاداة السامية"؟

وفي 29 يناير/كانون الثاني 2025، وقع ترامب أمراً تنفيذياً للتصدي لـ"معاداة السامية"، وتعهد بترحيل طلاب الجامعات غير الأمريكيين وغيرهم من الأجانب المقيمين الذين شاركوا في احتجاجات مؤيدة للفلسطينيين، وفق تقرير لوكالة رويترز.

وتوعدت لائحة تتضمن أهم بنود الأمر بأن تتخذ وزارة العدل "إجراءً فورياً" للملاحقة فيما يخص "التهديدات الإرهابية والحرق والتخريب والعنف بحق اليهود الأمريكيين".

كما توعدت بحشد كل الموارد الاتحادية لمكافحة ما أسمته "انفجار معاداة السامية في جامعاتنا وشوارعنا" منذ السابع من أكتوبر تشرين الأول 2023.

وقال ترامب في اللائحة: "إلى جميع الأجانب المقيمين الذين انضموا إلى الاحتجاجات المؤيدة للجهاديين، نحذركم: في 2025.. سنعثر عليكم وسنرحلكم".

وألزم الأمر التنفيذي مسؤولي الوكالات والوزارة تقديم توصيات إلى البيت الأبيض في غضون 60 يوماً بشأن جميع السلطات الجنائية والمدنية التي يمكن استخدامها للتصدي لمعاداة السامية، وسيطالب "بإبعاد الأجانب المقيمين الذين ينتهكون قوانيننا".

وقالت اللائحة إن المحتجين شاركوا في أعمال تخريب وترهيب مؤيدة لحماس، ومنعوا الطلاب اليهود من حضور الفصول الدراسية واعتدوا على المصلين في المعابد اليهودية، فضلا عن تخريب آثار وتماثيل أمريكية.

من هم أعضاء فريق عمل مكافحة السامية الذي يستهدف الجامعات الأمريكية؟

تم تشكيل "فريق عمل مكافحة معاداة السامية" في فبراير/شباط الماضي بهدف "استئصال المضايقات المعادية للسامية في المدارس والجامعات"، وهي مهمة انبثقت من الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين التي شهدتها الجامعات الأمريكية العام الماضي. 

ويضم فريق العمل حوالي 20 مسؤولاً إدارياً، لم تُعلن الحكومة عن هوية معظمهم علناً، مُشيرةً إلى مخاطر أمنية محتملة. ويجتمع أعضاء الفريق أسبوعياً داخل مقرات الوكالات الفيدرالية في واشنطن لمناقشة تقارير التمييز في الجامعات، ومراجعة المنح المُقدَّمة للجامعات، وإعداد النتائج والتوصيات لترامب. 

ويرأس فريق العمل محامي الحقوق المدنية ليو تيريل، المُعيَّن سياسياً في وزارة العدل والمُعلِّق السابق في قناة فوكس نيوز. وقال تيريل، الذي غيَّر انتماءه السياسي من الديمقراطي إلى الجمهوري عام 2020، على قناة فوكس نيوز الشهر الماضي: "ستُفلس هذه الجامعات إذا لم تلتزم بالقواعد". 

ويتولى قيادة الجزء الأكبر من الأعمال اليومية لفريق العمل كل من المحامي شون كيفيني من وزارة الصحة والخدمات الإنسانية، وتوم ويلر، القائم بأعمال المستشار العام لوزارة التعليم، وجوش جرونباوم، وهو مفوض في إدارة الخدمات العامة، والذي أشار سابقاً إلى أن نشأته اليهودية الأرثوذكسية، كونه حفيد أحد الناجين من المحرقة، ساهمت في تشكيل نظرته للعالم، بالإضافة إلى وزيرة التعليم، ليندا مكماهون. 

التظاهرات المؤيدة لغزة
عناصر من الشرطة أمام جامعة كولومبيا/رويترز

وتعمل هذه المجموعة على توسيع نطاق ثقافة الجامعات بطرق تعكس أهداف حركة "لنجعل أمريكا عظيمة مرة أخرى" (ماغا) لإعادة صياغة التعليم العالي، بما في ذلك إنهاء التفضيلات العرقية في القبول والتوظيف. 

ويتمتع قادة فريق العمل بنفوذ غير مسبوق، وحددوا في فبراير/شباط عشر جامعات ستكون محور تركيزهم الأولي. وتشمل القائمة جامعات كولومبيا، وجامعة جورج واشنطن، وهارفارد، وجامعة جونز هوبكنز، وجامعة نيويورك، ونورث وسترن، وجامعة كاليفورنيا في بيركلي، وجامعة كاليفورنيا في لوس أنجلوس، وجامعة مينيسوتا، وجامعة جنوب كاليفورنيا. 

وركز البيت الأبيض أيضاً على خمس جامعات أخرى وهي جامعة براون، وجامعة كورنيل، ونورث وسترن، وجامعة بنسلفانيا، وجامعة برينستون.

ماذا حدث مع جامعة هارفارد؟

أعلنت إدارة ترامب، الاثنين 14 أبريل/نيسان 2025، أنها ستجمّد 2.2 مليار دولار من المنح و60 مليون دولار من قيمة العقود المخصصة لجامعة هارفارد، التي تفوق ميزانيتها المالية الناتج المحلي الإجمالي لنحو 100 دولة، بعد أن أعلنت الجامعة أنها لن تلتزم بمطالب الإدارة بتغيير سياساتها.

ورفضت جامعة هارفارد مطالب إدارة ترامب بإنهاء جهود التنوع واتخاذ خطوات أخرى قالت الجامعة إن من شأنها أن تخنق الحريات الفكرية لأعضاء هيئة التدريس والطلاب مقابل الحصول على التمويل الاتحادي.

وكتب رئيس جامعة هارفارد، آلان غاربر، في رسالة عامة أن المطالب التي قدمتها وزارة التعليم يوم الجمعة من شأنها أن تسمح للحكومة الاتحادية "بالسيطرة على مجتمع هارفارد" وتهديد "قيم الجامعة كمؤسسة خاصة مكرسة لإنتاج المعرفة ونشرها".

وأضاف غاربر: "ينبغي لأي حكومة ألا تملي ما يمكن للجامعات المستقلة أن تدرسه، ومن يمكنها قبوله وتوظيفه، وما هي مجالات الدراسة والبحث التي يمكنها متابعتها".

وفي رسالة يوم الجمعة، ذكرت وزارة التعليم أن هارفارد "لم تف بشروط الحقوق الفكرية والمدنية التي تبرر الاستثمار الاتحادي".

ونصت الرسالة أيضاً على ضرورة أن تلتزم الجامعة بحلول أغسطس/آب المقبل بتوظيف أعضاء هيئة التدريس وقبول الطلاب بناء على الجدارة فقط، ووقف جميع التفضيلات القائمة على العرق أو اللون أو الأصل القومي. كما يجب على الجامعة فحص الطلاب الدوليين "لمنع قبول المعادين للقيم الأمريكية"، وإبلاغ سلطات الهجرة الاتحادية بالطلاب الأجانب الذين ينتهكون قواعد السلوك.

الدولة العميقة في إسرائيل
البيت الأبيض/ رويترز

هل هناك جامعات أخرى تعرضت لقطع التمويل الفيدرالي؟

أعلنت وزارة التعليم الأمريكية في مارس/آذار الماضي أنها تحقق مع 60 كلية وجامعة بشأن مزاعم التمييز المعادي للسامية.

وأرسلت وزارة التعليم الأمريكية خطابات إلى 60 جامعة، محذرةً إياها من "إجراءات إنفاذ محتملة" إذا فشلت في "حماية" الطلاب اليهود في الحرم الجامعي.

وأُرسلت الرسائل من مكتب الحقوق المدنية التابع لوزارة التعليم، مستشهدة بالعنوان السادس من قانون الحقوق المدنية الذي يُلزم المؤسسات بحماية الطلاب اليهود في الحرم الجامعي، بما في ذلك "الوصول المستمر إلى مرافق الحرم الجامعي والفرص التعليمية".

وفي 4 أبريل/نيسان الماضي، أشارت تقارير إلى أن إدارة ترامب تستهدف خفض 510 مليون دولار من العقود والمنح الفيدرالية المقدمة لجامعة براون بسبب "معاداة السامية" المزعومة في الحرم الجامعي ومراجعة سياسات التنوع والمساواة والشمول.

وفي الأول من أبريل/نيسان، علقت إدارة ترامب عشرات المنح البحثية بقيمة إجمالية بلغت 210 مليون دولار لجامعة برينستون كجزء من تحقيق مستمر في معاداة السامية في الحرم الجامعي، وفقاً للبيت الأبيض.

وكانت إدارة ترامب ألغت تمويلاً فيدرالياً لجامعة كولومبيا بقيمة 400 مليون دولار من المنح والعقود الفيدرالية في 11 مارس/آذار بسبب اتهامات بأنها لم تبذل ما يكفي من الجهد لمكافحة معاداة السامية. وفي 21 مارس/آذار، أعلنت الجامعة أنها ستمتثل لمطالب الإدارة الأمريكية.

ويُشكّل التمويل الفيدرالي جزءاً كبيراً من الميزانية التشغيلية لبعض الجامعات البحثية الكبرى. وتعتمد الجامعات على العقود والمنح الفيدرالية لتغطية تكاليف المختبرات ومساعدي الدراسات العليا وفي تغطية تكاليف الدراسة الجامعية للعديد من الطلاب.

وفاة رجل أضرم النار بنفسه قرب محكمة يُحاكم فيها ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/رويترز

ما هي ردود فعل قادة الجامعات على حملة إدارة ترامب بحقهم؟

أعرب قادة الجامعات الأمريكية عن صدمتهم من الحملة التي تستهدفهم. ويرى كثيرون أن الحملة هي هجوم واسع النطاق على الحرية الأكاديمية يهدف إلى سحق نفوذ التعليم العالي.

ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن لي سي. بولينغر، الذي قضى 21 عاماً رئيساً لجامعة كولومبيا وأكثر من خمس سنوات في قيادة جامعة ميشيغان، قوله: "لم أشهد أبداً هذه الدرجة من التدخل الحكومي والتعدي على عملية صنع القرار الأكاديمي".

وكتب الأكاديمي الأمريكي كريستوفر ل. آيزجروبر في مجلة ذا أتلانتيك الشهر الماضي أن تحركات إدارة ترامب ضد جامعة كولومبيا تخلق "أعظم تهديد للجامعات الأمريكية منذ الخمسينيات".

بينما لجأ بعض قادة الجامعات إلى ناشطين يهود للرد على ما يعتبرونه تعريفاً واسعاً للغاية من جانب الإدارة لمعاداة السامية.
فيما ركزت جامعات أخرى على التواصل مع ترامب من خلال حلفائه. ووظفت جامعة هارفارد برايان بالارد، الرئيس السابق للجنة المالية في حملة ترامب الانتخابية، كعضو في جماعة الضغط، والذي كانت شركته توظف سابقاً سوزي وايلز، رئيسة موظفي ترامب.

كيف استغلت الجامعات الأوروبية حملة ترامب على مؤسسات التعليم الأمريكية؟

"سباق أوروبي لجذب العلماء الأمريكيين في ظل ضغوط ترامب على الجامعات"، هكذا جاء عنوان لتقرير نشرته صحيفة واشنطن بوست الأمريكية قالت فيه إن بعض الجامعات الأوروبية تقدم تمويلاً للعلماء الأمريكيين الذين يفكرون في مغادرة الولايات المتحدة والانتقال إلى القارة العجوز، وتعد بتوفير ملاذ آمن خالٍ من الرقابة الأكاديمية.

وأضافت الصحيفة الأمريكية أنه وبدافع "التدخل السياسي المقلق في البحث الأكاديمي من قِبل إدارة ترامب"، خصصت جامعة بروكسل الحرة (VUB)، أو الجامعة الحرة، تمويلاً قدره 2.7 مليون دولار في مارس/آذار الماضي لما لا يقل عن 12 وظيفة جديدة في دراسات ما بعد الدكتوراه متاحة "للأمريكيين الخاضعين للرقابة". 

وفي الشهر نفسه، فتحت جامعة إيكس مرسيليا الفرنسية باب التقديم لنحو 15 مقعداً في برنامج "مكان آمن للعلوم" الجديد، على أمل الترحيب بالعلماء الأمريكيين مع وعد بالحرية الأكاديمية. وأعلنت جامعة إيكس مرسيليا أنها تخطط لجمع تمويل يصل إلى 16 مليون دولار، وقد تلقت بالفعل عدداً كبيراً من المتقدمين للبرنامج الذي يستمر لثلاث سنوات.

وتسعى جهود الجامعات، التي تسير بالتوازي مع المبادرات الوطنية التي تطرح في العواصم الأوروبية، إلى الاستفادة من حالة الخوف وعدم اليقين التي سادت بين بعض العلماء الأمريكيين رداً على تحركات إدارة ترامب لإعادة تشكيل قطاع التعليم العالي في البلاد، وفق واشنطن بوست.

وقال رئيس جامعة بروكسل الحرة، يان دانكيرت: "إن الأوساط الأكاديمية في الولايات المتحدة تتعرض حالياً لضغوط مالية ولكن أيضاً لضغوط في شكل تدخل من السلطات"، ووعد بأن الأكاديميين في جامعته لن يتعرضوا أبداً لأي شكل من أشكال التدخل السياسي.

تحميل المزيد