لماذا علّق ترامب تعريفاته الجمركية واستثنى الصين؟ كل ما تريد معرفته عن أسباب وتبعات القرار المفاجئ للرئيس الأمريكي

قال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الأربعاء 9 أبريل/نيسان 2025، في خطوة مفاجئة إنه سيخفض مؤقتاً التعريفات الجمركية المرتفعة التي كان قد فرضها منذ ساعات فقط على عشرات الدول، بينما يزيد الضغوط على الصين، مما أدى إلى ارتفاع الأسواق العالمية بشدة.

وجاء تراجع ترامب المفاجئ بعد أقل من 24 ساعة على تطبيق رسوم جمركية جديدة مرتفعة على عشرات الشركاء التجاريين، مما أثر على الأسواق وعزز احتمالات الركود وأثار ردود فعل من الصين والاتحاد الأوروبي.

وقال ترامب للصحفيين عقب إعلانه: "رأيت الليلة الماضية أن الناس يشعرون ببعض القلق. سوق السندات الآن في حالة ممتازة".

ومنذ عودته إلى البيت الأبيض في يناير/كانون الثاني، هدد ترامب مراراً بفرض مجموعة من الإجراءات العقابية على شركائه التجاريين، ليتراجع عن بعضها في اللحظة الأخيرة. وقد أربك هذا النهج المتقطع قادة العالم وأثار قلق رجال الأعمال، الذين يقولون إن حالة عدم اليقين جعلت من الصعب التنبؤ بظروف السوق.

1- ما تفاصيل قرار ترامب وما هي التعريفات المتبقية؟

في أحدث تطور، أعلن ترامب أنه سيعلق الرسوم الجمركية المستهدفة على دول أخرى لمدة ثلاثة أشهر لإتاحة الوقت للمسؤولين الأمريكيين للتفاوض مع الدول التي سعت إلى خفضها.

غير أنه أوضح أنه سيرفع الرسوم الجمركية على الواردات من الصين إلى 125% من 104%، والتي دخلت حيز التنفيذ، الأربعاء، مما يُصعّد المواجهة الخطيرة بين أكبر اقتصادين في العالم. وقد تبادلت الدولتان زيادات جمركية مراراً خلال الأسبوع الماضي.

وتراجع ترامب عن الرسوم الجمركية المفروضة على كل دولة ليس نهائياً. فقد أعلن البيت الأبيض أن الرسوم الجمركية الشاملة بنسبة 10% على جميع الواردات الأمريكية تقريباً ستظل سارية. كما لا يبدو أن هذا الإعلان يؤثر على الرسوم المفروضة بالفعل على السيارات والصلب والألمنيوم.

وكتب ترامب على مواقع التواصل: "سمحت بتعليق مؤقت لمدة 90 يوماً ورسوم مضادة مخفضة بشكل كبير خلال تلك الفترة، بنسبة 10%، تدخل حيز التنفيذ فوراً".

وقال مسؤول بالبيت الأبيض إن قرار ترامب تعليق الرسوم الجمركية 90 يوماً لا ينطبق على كندا والمكسيك.

وأضاف أن الرسوم البالغة 25% على السلع التي تستوردها الولايات المتحدة من المكسيك وكندا ولا تغطيها اتفاقية التجارة الحرة بين الدول الثلاث لا تزال سارية، وأن الرسوم بنسبة 10% على الطاقة والبوتاس من البلدين ستظل سارية.

وكانت معظم السلع المستوردة من المكسيك وكندا والمدرجة ضمن اتفاقية التجارة استُثنيت من الرسوم الجمركية الأمريكية واسعة النطاق.

2- لماذا قرر ترامب تعليق الرسوم الجمركية؟

على الرغم من أن وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، زعم أن تراجع ترامب عن فرض الرسوم الجمركية كان هو الخطة الأساسية لإجبار الدول على الجلوس على طاولة المفاوضات، إلا أن العديد من المراقبين والتقارير الغربية أشارت إلى أن القرار كان مدفوعاً بأسباب تتجاوز هذا الزعم.

وقال تقرير نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية إن قرار الرئيس الأمريكي بتعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً كان مدفوعاً بموجة البيع العالمية التي شهدتها أسواق الأسهم، والانتقادات التي طالت ترامب من المشرّعين الجمهوريين في الكونغرس. كما انتقد العديد من الممولين المليارديرات هذه الرسوم، بمن فيهم بعض أكبر داعمي الحزب الجمهوري.

ونقلت وكالة رويترز عن كايل رودا، محلل الأسواق المالية لدى كابيتال.كوم: "يبدو أن الرئيس الأمريكي تراجع عن موقفه عندما وجد نفسه أمام احتمالات الركود ورد فعل سياسي عنيف وسوق أسهم تسودها رهانات الهبوط ومؤشرات مبكرة على أزمة مالية… هناك الآن تراجع في ثقة المتعاملين بالحكومة الأمريكية".

وقال مصدر مطلع لصحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية إن هناك عاملاً آخر جعل ترامب أكثر استعداداً للتراجع عن الرسوم الجمركية، وهو أن العديد من البلدان تجري مفاوضات مع الإدارة الأمريكية.

وأضافت وول ستريت جورنال: "تأثر ترامب أيضاً بسوق الأسهم وضغط قادة الأعمال الذين أعربوا عن قلقهم بشأن الرسوم الجمركية. وخلال الأيام القليلة الماضية، غمرت الرسائل هاتف سوزي وايلز، كبيرة موظفي البيت الأبيض، من المديرين التنفيذيين وجماعات الضغط، وفقاً لشخص مقرب منها".

ولجأ المسؤولون التنفيذيون في البنوك إلى المشرّعين الجمهوريين في الأيام الأخيرة للضغط على ترامب بشأن الرسوم الجمركية، وفقاً لأشخاص مطلعين على الأمر. وكانت رسالتهم أن ترامب سيُلحق ضرراً بالغاً بالاقتصاد.

كما شكلت التطورات بشأن سوق السندات الأمريكية عاملاً محورياً في قرار ترامب بإيقاف نظام الرسوم الجمركية "المتبادلة"، وفقاً لما ذكره 3 أشخاص مطلعين على الأمر لشبكة سي إن إن.

وشهدت أسواق سندات الحكومة الأمريكية، التي تعد عادة ملاذاً آمناً للمستثمرين، موجة بيع حادة في الأيام الماضية مما رفع تكاليف الاقتراض لأجل 30 عاماً إلى 5%، وهو أعلى مستوى في عامين، ما أثار القلق من أن التداعيات الاقتصادية لاستراتيجية ترامب قد تكون كارثية وأسوأ مما توقعه مستشاروه سابقاً.

3- كيف كان رد فعل الأسواق المالية على قرار ترامب؟

شهدت الأسواق المالية العالمية موجة من الارتفاعات فور إعلان ترامب تعليق الرسوم الجمركية لمدة 90 يوماً. وامتدت الارتفاعات لتشمل عملات الملاذ الآمن والذهب.

وارتفعت مؤشرات الأسهم الأمريكية بعد قرار ترامب، إذ أغلق المؤشر ستاندرد اند بورز 500 الرئيسي مرتفعاً 9.5%، وانتقلت حالة الارتياح للأسواق الآسيوية، الخميس، وصعد المؤشر نيكي الياباني بأكثر من 8%.

كما شهدت البورصات العربية والأوروبية هي الأخرى مكاسب كبيرة، لكن هناك بالفعل مؤشرات على أن هذا الارتفاع قد يكون قصير الأمد، وسط انخفاض تداولات العقود الآجلة للأسهم الأمريكية. وهبطت أسعار النفط بنحو 1%، مواصلة اتجاهها نحو النزول الذي تغذيه المخاوف من أن التوتر التجاري قد يدفع الاقتصاد العالمي نحو ركود، وفق تقرير لوكالة رويترز.

4- هل تعود الرسوم الجمركية "المتبادلة"؟

قال ترامب إن أكثر من 70 دولة طالبت بإبرام اتفاقيات مع واشنطن.

ولتجنب سيناريو ظهور الرسوم مرة أخرى في غضون 90 يوماً، سيسعى البيت الأبيض إلى إبرام صفقات سريعة بشأن التعريفات الجمركية "المتبادلة" المتوقفة، بما في ذلك على الدول كثيفة التصنيع مثل اليابان وكوريا الجنوبية وفيتنام وكمبوديا.

ونقلت فايننشال تايمز عن آلي رينيسون، المسؤولة السابقة في وزارة التجارة البريطانية والتي تعمل حالياً في شركة إس إي سي نيوجيت الاستشارية، أنه نظراً للتحدي المتمثل في إجراء العديد من المفاوضات في وقت واحد، فإننا سنشهد تحولاً من التعريفات الجمركية الشاملة إلى رسوم قطاعية أكثر استهدافاً وإعفاءات من المنتجات.

وأضافت أن "ترامب قد يبتعد عن فرض رسوم جمركية شاملة على كل دولة على حدة، ويتجه إلى نظام يعتمد على رسوم جمركية خاصة بكل منتج، وهو ما قد يكون أكثر قابلية للإدارة بالنسبة للمصنعين ويستهدف الحواجز التجارية غير العادلة على منتجات معينة".

5- لماذا لم يخفض ترامب الرسوم الجمركية على الصين؟

رفع ترامب الرسوم الجمركية على الصين من 104% إلى 125%، مع أنه خفّضها على دول أخرى. وجاءت هذه الخطوة بعد أن فرضت بكين رسوماً جمركية انتقامية على الولايات المتحدة في وقت سابق من يوم الأربعاء، رداً على زيادة سابقة من واشنطن.

وألقى وزير الخزانة بيسنت باللوم على الصين في فرض الرسوم الجمركية الانتقامية. وقال: "كما قلتُ للجميع قبل أسبوع في هذا المكان تحديداً: لا تردّوا، وستُكافأون".

وفي حين أن العديد من الدول توجهت إلى البيت الأبيض لإجراء محادثات تجارية، إلا أن الولايات المتحدة والصين لم تجريا أي مفاوضات.

وقال الرئيس إنه لا يتوقع زيادات أخرى في معدل التعريفات الجمركية على الصين، مضيفاً أنه يتوقع أن تتوصل الدولتان إلى اتفاق في مرحلة ما.

6- ما هو رد فعل الصين على الرسوم الجمركية الأمريكية الإضافية؟

قالت وزارة الخارجية الصينية، الخميس، رداً على أسئلة عن الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة عليها إن بكين ليست مهتمة بالدخول في معارك لكنها لا تخشى مواصلة الولايات المتحدة تهديداتها بفرض مزيد من الرسوم.

وقال لين جيان، المتحدث باسم وزارة الخارجية، في مؤتمر صحفي معتاد "حجة الولايات المتحدة لا تحظى بدعم شعبي وسيكون مآلها الفشل".

وأضاف أن الصين لن تكتفي بالجلوس على مقعد المتفرج وتتخلى عن حقوق ومصالح الشعب الصيني المشروعة.

كما أكدت وزارة التجارة الصينية انفتاح بكين على الحوار مع الولايات المتحدة، لكنها شددت على ضرورة أن يجرى على أسس من الاحترام المتبادل والمساواة.

وقال متحدث باسم الوزارة في إفادة صحفية رداً على سؤال عما إذا كانت الدولتان قد بدأتا مفاوضات بشأن الرسوم الجمركية، إن ممارسة الضغط وإطلاق التهديدات والابتزاز ليست طريقة التعامل السليمة مع الصين.

وتابع قائلاً إن الصين "ستكمل حتى النهاية" إذا أصرت الولايات المتحدة على هذا النهج.

7- هل انتهت الحرب التجارية العالمية؟

يحذر خبراء الاقتصاد من أن الاضطرابات التي أحدثها بالفعل نهج ترامب العدواني في فرض الرسوم الجمركية سيكون لها آثار سلبية نتيجة لعدم اليقين وانعدام الثقة الذي يخيم على العلاقات التجارية الأمريكية.

وقال نيكولو تامبيري من مركز سياسة التجارة الشاملة بجامعة ساسكس بالمملكة المتحدة، إن حالة عدم اليقين تعمل على ردع الاستثمار حيث تتبنى الشركات سياسة الانتظار والترقب قبل أن تقرر كيفية تعديل سلاسل التوريد الخاصة بها.

وتشير الدراسات الأكاديمية إلى أن آثار عدم اليقين قد تكون أسوأ من الرسوم الجمركية، وهناك قدر هائل من عدم اليقين في هذا الشأن. لذا، حتى لو عقد ترامب صفقات لتجنب آثار الرسوم الجمركية اليوم، فقد يغير رأيه غداً.

وقال كايل رودا، محلل الأسواق المالية لدى كابيتال.كوماً: "حتى لو أبرم الرئيس ترامب صفقات مع شركاء تجاريين، فإن ضرراً قد لحق بالأسواق والاقتصاد الأمريكي سيستغرق وقتاً للتعافي".

وقد يتبنى مستثمرو السوق أيضاً استراتيجية الانتظار والترقب قبل افتراض انتهاء الاضطرابات.

وحذّر ستيفن أبراهامز، رئيس استراتيجية الاستثمار في سانتاندير لأسواق رأس المال الأمريكية، من أنه في غياب المزيد من الوضوح، قد يُقرر المستثمرون الانتظار لمدة 90 يوماً بدلاً من العودة إلى السوق. 

وقال: "لقد شهدنا "يوم التحرير" الأول. في غياب الوضوح، قد يُقبل البعض على الاستثمار رغم احتمالية "يوم التحرير" الثاني، لكن الكثيرين لن يفعلوا ذلك".

ومن المرجح أيضاً أن يكون هناك المزيد من الاضطرابات في المستقبل. ولا تزال حرب ترامب التجارية مع الصين مستمرة. ورغم أن فريق ترامب يزعم أنه يعتزم إبرام صفقات مع كل دولة أخرى يستهدفها، إلا أنه من غير الواضح كيف يمكن لهذه الصفقات أن تحقق هدف ترامب المتمثل في تحقيق فائض تجاري للولايات المتحدة مع كل شريك تجاري رئيسي، وفق تقرير لموقع فوكس الأمريكي.