باتت شركة آبل الأمريكية لصناعة الهواتف الذكية في موقف لا تُحسد عليه مع دخول التعريفات الجمركية، التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب منذ عدة أيام، حيز التنفيذ بشكل كلي منتصف ليل التاسع من أبريل/نيسان 2025، وخاصة تلك التي فرضتها الولايات المتحدة على الصين، حيث تُنتج الشركة الجزء الأكبر من هواتفها.
وبينما كانت آبل تُعتبر في السابق بالغة الأهمية لكل من أمريكا والصين، لدرجة أن البعض تمنى أن تُسهم في تجنب صراع القوى العظمى، إلا أن الشركة المُصنّعة لأجهزة آيفون وجدت نفسها أكثر عُرضةً من أي شركة أمريكية كبيرة لحرب الرئيس ترامب التجارية، وفق تقرير لمجلة الإيكونوميست البريطانية.

فالرسوم الجمركية المرتفعة لن تؤدي إلى رفع تكاليفها في أمريكا، أكبر أسواقها فحسب، بل قد يُلحق رد الصين على التعريفات الأمريكية ضرراً بالغاً بمبيعاتها في الصين، ثاني أكبر أسواقها.
وقد تتخذ الحكومة الصينية إجراءات انتقامية ضد شركة آبل، مهما بلغت استفادة البلاد من استثمارات الشركة ومورديها وتوظيفهم. وفي فبراير/شباط الماضي، أفادت وكالة بلومبرغ أن هيئة مكافحة الاحتكار الصينية تدرس إجراء تحقيق محتمل في الرسوم التي تفرضها آبل على مطوري التطبيقات، وهو ما يُنذر بنقطة اشتعال أخرى في الحرب التجارية.
وتجني الشركة نصف إيراداتها تقريباً من بيع هواتف تُصنع في الصين والهند، بينما تُصنع بعض منتجاتها الأخرى في فيتنام.
كيف تأثرت شركة آبل بتعريفات ترامب الجمركية؟
تسبب إعلان ترامب عن فرض الرسوم الجمركية على الشركاء التجاريين للولايات المتحدة، وفي مقدمتهم الصين، في انخفاض قيمة شركة آبل السوقية بمقدار 311 مليار دولار في 3 أبريل/نيسان 2025، أي بعد يوم واحد من فرض الرسوم "المتبادلة" على جميع شركاء أمريكا التجاريين تقريباً بحد أدنى يبلغ 10%.
وعندما ردت الصين في 4 أبريل/نيسان 2025 بفرض رسوم جمركية بنسبة 34% على جميع السلع الأمريكية وقيود على صادرات المعادن النادرة، واصلت أسهم الشركة انخفاضها، وفقدت شركة آبل ما يقرب من 640 مليار دولار من قيمتها السوقية حتى يوم الاثنين الماضي، وأغلقت أسهمها على انخفاض إضافي بنسبة 5% مع نهاية تداولات البورصة الأمريكية، الثلاثاء 8 أبريل/نيسان 2025.
وفقدت الشركة لقب الشركة الأغلى في العالم بعدما وصلت قيمتها السوقية إلى حوالي 2.6 تريليون دولار، وباتت شركة مايكروسوفت الشركة الأغلى في العالم بقيمة سوقية بلغت حوالي 2.64 تريليون دولار.
ويتوقع أن تواصل أسهم الشركة انخفاضها بعدما أعلن الرئيس الأمريكي، الثلاثاء 8 أبريل/نيسان 2025، عن فرض رسوم جمركية إضافية على الصين بنسبة 50% ليصل إجمالي الرسوم الجمركية على بكين 104% رداً على فرض الصين رسوماً جمركية على الولايات المتحدة.

وتأتي أنباء التعريفات الجمركية في لحظة محورية بالنسبة لشركة آبل، حيث تواجه تراجعاً في حماس المستهلكين ومنافسة أشد في بعض الأسواق الرئيسية.
وقال جيريت شنيمان، كبير المحللين في شركة كاونتربوينت ريسيرش: "تأخرت مبيعات آيفون 16 عن مبيعات آيفون 15 منذ إطلاقه.
وفي العام الماضي، اشتكت شركات الاتصالات من انخفاض معدلات الترقية إلى مستويات قياسية، لذا كنا بالفعل في وضع لم يكن فيه الناس يسارعون لشراء هواتف ذكية جديدة على أي حال".
ولم تتمكن الشركة أيضاً من جذب جمهور رئيسي من خلال سماعة Vision Pro باهظة الثمن، ومؤخراً واجهت انتقادات بسبب الأداء الضعيف لبعض ميزات "Apple Intelligence" المزعومة.
وفي الوقت نفسه، يتجه المستهلكون في الخارج ــ وخاصة في الصين ــ بشكل متزايد إلى الهواتف الذكية من شركتي هواوي تكنولوجيز وسامسونغ.
لماذا تأثرت شركة آبل أكثر من غيرها بالتعريفات الجمركية؟
تتخذ شركة آبل من الصين قاعدة تصنيعية لهواتفها، وبعدما رفع ترامب الحد الأدنى للرسوم الجمركية على السلع الصينية إلى 104%، فمن المرجح أن يؤدي ذلك إلى ارتفاع تكلفة السلع الصينية في الولايات المتحدة.
وبجانب الصين، طالت فوضى التعريفات الجمركية دولاً آسيوية تزيد فيها آبل إنتاجها، مثل الهند، وهي دولة ناشئة في تصنيع هواتف آيفون (برسوم جمركية بنسبة 26%)، وفيتنام، حيث تُصنّع أجهزة قابلة للارتداء مثل ساعات آبل وسماعات إيربودز (بنسبة 46%).
وكانت الشركة الأمريكية قد توجهت إلى دول بديلة للصين بسبب الحروب التجارية التي اندلعت في ولاية ترامب الأولى، حيث كانت آبل تنوي تحويل المزيد من إنتاجها إلى هذه الدول كجزء من استراتيجية لتقليل اعتمادها على الصين.
واستبقت الشركة دخول الرسوم الجمركية حيز التنفيذ وشحنت خمس طائرات محملة بأجهزة آيفون ومنتجات أخرى من الهند إلى الولايات المتحدة في غضون ثلاثة أيام فقط خلال الأسبوع الأخير من شهر مارس/آذار الماضي.
وقالت صحيفة تايمز أوف إنديا إن الشركة أرسلت هذه الشحنات بشكل عاجل لتجنب تداعيات الرسوم الجمركية المتبادلة.

ويُعدّ هاتف شركة آبل، آيفون، من نواحٍ عديدة، الرمز الأبرز لعصر سلاسل التوريد العالمية. فقد صُمّم في ولاية كاليفورنيا على يد مهندسين ومصممين أمريكيين، لكنّه يُجمّع في الصين والهند باستخدام قطع غيار مُستوردة من موردين مختلفين، ولكلٍّ منهم سلسلة توريده المعقدة. وقد مكّن هذا التعقيد شركة آبل من أن تصبح واحدة من أكثر الشركات قيمةً في العالم، وقوةً ثقافيةً واقتصاديةً.
غير أن إعلان ترامب بفرض الرسوم الجمركية يهدف إلى القضاء على هذا النظام. وبدلاً من ذلك، يريد أن تكون سلاسل التوريد وموردي قطع الغيار هذه داخل الولايات المتحدة، وتوظيف عمال أمريكيين.
وصرح وزير التجارة، هوارد لوتنيك، خلال لقاء تلفزيوني على قناة سي بي إس نيوز سابقاً: "جيشٌ من ملايين البشر الذين يُثبّتون مسامير صغيرة لصنع هواتف آيفون، هذا النوع من الأشياء، سيصل إلى أمريكا".
من سيتحمل التكلفة الإضافية لمنتجات شركة آبل؟
ليس من الواضح ما إذا كانت شركات مثل آبل – التي تحقق هامش ربح كبير على أجهزة آيفون عالية الجودة – ستتحمل التكلفة الإضافية أم ستنقلها إلى المستهلكين.
ويتوقع بعض المحللين أن تبدأ زيادات الأسعار في غضون أسابيع، بمجرد أن تبيع آبل جميع أجهزتها المخزنة في الولايات المتحدة.
ويقدر الاقتصاديون والمحللون أن سعر هاتف آيفون بقيمة 1000 دولار قد يرتفع بمقدار 250 دولاراً أو أكثر إذا استمرت الرسوم الجمركية، بحسب تقارير أمريكية.
وما لم يمنح ترامب شركة آبل مهلة أخيرة أو إعفاءً جمركياً، فإن النتيجة المباشرة للرسوم الجديدة ستكون ارتفاع التكاليف. ويقدر ديفيد فوغت من بنك يو بي إس أن حوالي ثلث أجهزة آيفون، أي أكثر من 70 مليون جهاز، يتم تجميعها في الصين ثم بيعها في أمريكا.
وبدلاً من ذلك، قد تُثقل الرسوم الجمركية كاهل المستثمرين والموردين. ويُقدّر فوغت أن الرسوم الجمركية قد تُخفّض هوامش الربح الإجمالي من 46% إلى 40%، وتؤثر سلباً على أرباح أسهم الشركة هذا العام بنسبة تصل إلى 20%. وفي حال تم تحميل زيادة التكاليف المتوقعة على المستهلكين، فسيكون ذلك أمراً معقداً، وفق تقرير مجلة الإيكونوميست. فقد ركدت مبيعات هواتف آيفون، التي شكّلت العام الماضي أكثر من نصف إيرادات آبل.
وخلال ولاية ترامب الأولى، كانت شركة آبل مُعفاة من رسوم جمركية واسعة النطاق.

وفي فبراير/شباط الماضي، أعلنت الشركة التزامها باستثمار 500 مليار دولار في الولايات المتحدة على مدى السنوات الأربع المقبلة، وهي مبادرة أشاد بها ترامب على موقع "تروث سوشيال"، ووجه الشكر للرئيس التنفيذي للشركة، تيم كوك.
وسواءً أكان هذا وعداً معقولاً أم لا، فقد اعتُبر على نطاق واسع وسيلةً لإقناع ترامب بإعفاء شركة آبل من وابل الرسوم الجمركية، كما فعل في ولايته الأولى. لكن حتى الآن، لم يُفلح هذا الوعد.
ونقلت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية عن شخص مطلع على خطط آبل، والذي تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لأنه غير مخول له بالتحدث علناً عن التعريفات الجمركية: "يبدو الأمر وكأنه خيانة لأن آبل أُمرت بتنويع قاعدة تصنيعها خارج الصين منذ سنوات عديدة وقد فعلت ذلك، ولكن الآن تتعرض الهند وفيتنام أيضاً للتعريفات الجمركية".
ما هي خطط آبل البديلة للحد من تأثير الرسوم الجمركية؟
تتمثل إحدى خطط الشركة الأمريكية البديلة في زيادة إنتاج هواتف آيفون في الهند لشحنها إلى الولايات المتحدة، حسبما قال أشخاص مطلعون لصحيفة وول ستريت جورنال.
وقال محللون إنه إذا اضطرت شركة آبل إلى رفع أسعار آيفون، فإن هذه الخطوة قد تحفز المزيد من المستهلكين للاحتفاظ بأجهزتهم في سبتمبر/أيلول المقبل، عندما تخطط الشركة للكشف عن ثلاثة نماذج جديدة من آيفون.
وقد لا يُخفف سعي آبل لإنتاج المزيد من هواتف آيفون في الهند من وطأة ارتفاع أسعارها. فبما أن آبل لا تستطيع تلبية الطلب العالمي بالهواتف التي تُنتجها في الهند فقط، فسيُجمّع الكثير منها في الصين، ومن المُرجّح أن يُطبّق قرار التسعير الذي تتخذه آبل بشكل مُوحّد.
وفيما يتعلق بخطط نقل خطوط الإنتاج إلى الولايات المتحدة، دفع نطاق مشاكل سلسلة التوريد الخاصة بشركة آبل بعض مراقبي السوق إلى التساؤل حول إمكانية نقل إنتاج آيفون إلى الولايات المتحدة.
وإذا بدأت شركة آبل في إنتاج الأجهزة في الولايات المتحدة، فإن التكلفة الباهظة للعمالة الأمريكية والاعتماد على أجزاء من الموردين الآسيويين في الغالب قد يعنيان ارتفاع أسعار آيفون بشكل كبير.
وقال مصدر مطلع على خطط شركة آبل لصحيفة واشنطن بوست إن "تصنيع هواتف آيفون لن يعود إلى أمريكا".
وتوقع دان إيفز، رئيس قسم أبحاث التكنولوجيا العالمية في شركة الخدمات المالية ويدبوش سيكيوريتيز، أن سعر هواتف آيفون المصنعة في الولايات المتحدة قد يزيد على ثلاثة أضعاف سعرها الحالي الذي يبلغ نحو ألف دولار ليصل إلى 3500 دولار، كما أن آبل ستحتاج إلى 30 مليار دولار وثلاث سنوات لنقل 10% فقط من سلسلة إمدادها إلى الولايات المتحدة.