لماذا يتخوف الإسرائيليون من النفوذ التركي في سوريا؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/04/08 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/04/08 الساعة 13:41 بتوقيت غرينتش
تتباين المواقف التركية والإسرائيلية تجاه سوريا/ عربي بوست

أعرب الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، عن استعداده للتوسط بين أنقرة وتل أبيب لحل المشاكل بينهما في سوريا، في الوقت الذي تشهد البلاد صراع نفوذ بين تركيا وإسرائيل التي تمددت في الأراضي السورية واحتلت مناطق واسعة في الجنوب السوري.

بعد الإطاحة بنظام بشار الأسد في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تزايدت المخاوف من صراع محتمل بين تركيا وإسرائيل.

واكب ذلك مزاعم عن نية تركيا توسيع وجودها العسكري في سوريا وبناء قواعد عسكرية كبيرة، وإنشاء إسرائيل مناطق عازلة جديدة داخل الأراضي السورية.

ومنذ سقوط نظام بشار الأسد، وسعت إسرائيل من عملياتها الجوية لإضعاف القدرات العسكرية للإدارة السورية الجديدة.

وبعد لقائه ترامب، أكد نتنياهو أن إسرائيل لن تسمح باستخدام سوريا كقاعدة لشن هجمات ضدها، مشيراً إلى أن العلاقات مع تركيا كانت ودية لكنها تدهورت مؤخراً.

وتابع قائلاً: "لا نريد أن نرى وضعاً يستخدم فيه الآخرون، ومن بينهم تركيا، سوريا كقاعدة للهجوم على إسرائيل".

ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض/ رويترز
ترامب ونتنياهو في البيت الأبيض/ رويترز

وكشفت مصادر لموقع "ميدل إيست آي" عن أن نتنياهو يمارس ضغوطاً على وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو لمنع بيع طائرات "أف35" إلى تركيا، وأنه سيتحدث إلى ترامب بهذا الشأن، مشيراً إلى مخاوف بشأن نفوذ أنقرة المتزايد في سوريا.

لكن ترامب قال خلال لقائه بنتنياهو، إن لديه "علاقات ممتازة" مع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، مضيفاً: "أنا أحبه وهو يحبني، وقلت لنتنياهو إذا كانت لديك مشكلة مع تركيا، سأساعدك على حلها، ولا أعتقد أن ذلك سيكون مشكلة".

وأضاف ترامب: "أبلغت نتنياهو أن على الإسرائيليين التصرف بعقلانية لحل أي مشكلة مع تركيا".

ما التطور الأبرز بين تركيا وإسرائيل في سوريا؟

تتباين المواقف التركية والإسرائيلية تجاه سوريا، عقب سقوط نظام بشار الأسد، وفي الوقت الذي تشدد فيه أنقرة على وحدة الأراضي السورية، سارع المسؤولون الإسرائيليون باقتراح تبني نموذج فيدرالي في سوريا، تتمتع فيه الأقليات بحكم ذاتي واسع النطاق، بحسب مجلة "إيكونوميست".

والشهر الماضي، وجّه نتنياهو ووزير جيشه، القوات الإسرائيلية للاستعداد "للدفاع" عن الدروز في سوريا، مشددين على أن إسرائيل لن تسمح للنظام السوري الجديد بإلحاق الأذى بهم.

وتحدث نتنياهو عن محافظات القنيطرة ودرعا والسويداء كمناطق يجب أن تخضع لترتيبات أمنية مشددة، مشيراً إلى أنه "لن يسمح لقوات تنظيم هيئة تحرير الشام أو الجيش السوري الجديد بدخول المنطقة جنوب دمشق".

ومؤخراً، وصف وزير الجيش الإسرائيلي يسرائيل كاتس، قوات سوريا الديمقراطية "قسد" بأنهم "حلفاء" لإسرائيل، ودعا العالم الخارجي إلى حمايتهم من تركيا.

وتشتبه تركيا في أن إسرائيل تستخدم "قسد" لتقويض النفوذ التركي في سوريا، وإثارة النزعة الانفصالية داخل تركيا، بحسب مجلة "إيكونوميست".

لكن التطور اللافت لإسرائيل في سوريا، هو الهجمات العسكرية التي نفذتها إسرائيل في 2 أبريل/نيسان 2025، ضد أهداف سورية، شملت مطار حماة العسكري، ومطار "تي فور" بريف حمص، إضافة إلى قصف ثكنة عسكرية في منطقة الكسوة بريف دمشق.

هذا القصف المفاجئ، جاء بعد يوم واحد من تقارير تحدثت عن مساعي تركية للسيطرة على قاعدة "تي فور" الجوية في سوريا، وأنها تخطط لنشر أنظمة الدفاع الجوي هناك.

وبحسب موقع "ميدل إيست آي"، فإن أنقرة بدأت بالفعل التخطيط للبناء في الموقع الاستراتيجي، وبدأت تتفاوض مع دمشق على اتفاقية دفاعية منذ ديسمبر/كانون الأول 2024، تضمن توفير أنقرة غطاء جوياً وحماية عسكرية للحكومة الجديدة التي تفتقر حالياً إلى جيش فعال.

لماذا يتخوف الإسرائيليون من النفوذ التركي في سوريا؟

ويعتقد الإسرائيليون أن أي قاعدة جوية تركية في سوريا ستقوّض حرية إسرائيل في العمل هناك، بحسب "ميدل إيست آي".

فبعد الإطاحة بنظام بشار الأسد، أصدرت لجنة تقييم ميزانية المؤسسة الدفاعية وتوازن القوى في إسرائيل تقريراً، أشارت فيه إلى أن سوريا التي يحكمها الإسلاميون السنة بتوجيه تركيا قد تشكل تهديداً كبيراً لإسرائيل مقارنة بسوريا القديمة المتحالفة مع إيران.

ووفقاً للتقرير، فإن إسرائيل قد تواجه تهديداً ناشئاً في سوريا، قد يتخذ شكل قوة سنية متطرفة ترفض الاعتراف بوجود إسرائيل، مما ينشأ عنه تهديد أكبر من التهديد الإيراني.

ويزعم التقرير الصادر عن اللجنة التي شكلتها الحكومة الإسرائيلية عام 2023، أن القيادة الجديدة في دمشق تعمل بمثابة "وكيل" لتركيا، وهو ما من شأنه جعل هذا التهديد أكثر خطورة في ظل ما أسماه "طموح أنقرة لاستعادة الإمبراطورية العثمانية إلى مجدها السابق".

أما مركز ألما للأبحاث والدراسات، وهو مركز أبحاث إسرائيلي، فيعتقد أن الصواريخ طويلة المدى المتطورة بشكل متزايد وقدرات الطائرات بدون طيار التي تمتلكها تركيا تشكل تهديداً محتملاً لإسرائيل، لكنه أكد أن "الخطر الأكثر أهمية هو أنها ستختار التهديد غير المباشر، من خلال دعم وكلاء يستهدفون إسرائيل بطريقة مماثلة لإيران، أو حتى دعم الجيش السوري الجديد الذي قد يتحول ضد إسرائيل".

ورأى التقرير أن "الجمع بين الخطاب المعادي لإسرائيل والبيئة الإقليمية المتقلبة يلزم إسرائيل مراقبة التطورات في الصناعة العسكرية التركية عن كثب، والاستعداد لإمكانية استخدام الطائرات بدون طيار والصواريخ ضدها، والبحث عن سبل لوقف نقل الأسلحة المتقدمة إلى المجال السوري".

ولذلك، تضغط إسرائيل على الولايات المتحدة "للحفاظ على سوريا ضعيفة ولا مركزية" والسماح لروسيا بالحفاظ على وجودها العسكري في سوريا، ليكون بمثابة حصن ضد النفوذ التركي في سوريا، بحسب وكالة رويترز.

ما الموقف التركي؟

في 4 أبريل/نيسان 2025، قال وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، إن بلاده لا تريد أي مواجهة مع إسرائيل في سوريا، لكنه أوضح أن الهجمات الإسرائيلية المتكررة على مواقع عسكرية تقوّض قدرة الحكومة السورية الجديدة على ردع التهديدات من تنظيم الدولة وغيره من مصادر التهديد.

ورداً على سؤال عما إذا كانت خطط تركيا لإبرام اتفاق دفاع مشترك مع سوريا تدفع إسرائيل لتكثيف ضرباتها على قواعد عسكرية سورية، قال فيدان إن أنقرة تعمل مع شركائها في المنطقة لتشكيل منصة مشتركة مع سوريا لمنع عودة ظهور تنظيم الدولة ومحاربة التهديدات المشتركة، ومنها جماعة حزب العمال الكردستاني المحظورة.

بدوره قال المتحدث باسم حزب العدالة والتنمية في تركيا عمر اتشليك، إن هناك تصريحات مكثفة من إسرائيل ضد تركيا، مشدداً على أن الوجود التركي في سوريا لا يشكل تهديداً لأحد.

وأضاف تشيلك: "نحن نواصل جهودنا من أجل السلام الإقليمي، لكن كما يرى فإن كل عملية عسكرية تقوم بها إسرائيل داخل سوريا تؤدي إلى صدمة كبيرة وتذبذب أمني سلبي كبير في المنطقة".

وشدد على أن القضية الرئيسية التي يجب مناقشتها ليست أنشطة تركيا، بل إسرائيل التي تقوم باحتلال أجزاء معينة من الأراضي السورية.

من جهتها نقلت قناة "سي ان ان" التركية، عن مصادر في أنقرة، رداً على تصريحات نتنياهو: "لا نريد قاعدة تركية في سوريا"، أن تركيا ستتخذ الخطوات التي تراها ضرورية، مشددة على أن "الأنشطة التركية في سوريا ستكون ضمن نطاق الاتفاقيات التي سيتم إبرامها بين دولتين ذات سيادة، وفقاً للقانون الدولي، وستساهم في استقرار سوريا والمنطقة".
كما شددت المصادر التركية على أنه "ليس هناك أي نية لاستهداف دول ثالثة".

هل تصطدم تركيا وإسرائيل في سوريا؟

يرى تحليل لمجلة "إيكونوميست"، أن العلاقات بين تركيا وإسرائيل التي تسممت بالفعل بسبب الحرب على غزة، قد تتدهور أكثر، ولكن من غير المرجح أن ينشأ صراع مسلح فعلي بين ثاني أكبر جيش في "الناتو"، والحليف الإقليمي الرئيسي لأمريكا.

وأضاف التحليل أن الطرفين لا يرغبان في قتال الآخر، مشيراً إلى أن إسرائيل وتركيا يمهدان طريقاً للردع، وليس للحرب.
فيما نقل موقع "ميدل إيست آي" عن مصادر غربية بأن محادثات بين تركيا وإسرائيل تجري بشأن إنشاء خط منع اشتباك في سوريا، لتجنب أي اشتباك محتمل بين جيشهما.

وذكرت المصادر الغربية، أن إسرائيل رغم التهديدات العلنية، فمن المرجح أن تقبل بوجود قواعد عسكرية تركية في حماة وتدمر كجزء من ترتيبات منع الصراع.

فيما يرى الكاتب في صحيفة "صباح" التركية بيرجان توتار، أن الولايات المتحدة سيعمل على كبح جماح إسرائيل ضد تركيا في الشرق الأوسط، مضيفاً أن الحقبة الجديدة للسياسة الخارجية الأمريكية تعطي أهمية حيوية لروسيا وتركيا بالمنطقة.