ميزانية 2025 تثير الجدل في “إسرائيل”.. رشوة للحريديم وأحزاب الائتلاف للحفاظ على سلطة نتنياهو

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/25 الساعة 12:35 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/25 الساعة 12:39 بتوقيت غرينتش
نتنياهو يسعى لتعزيز سلطته من خلال ميزانية 2025/ عربي بوست

تستعد إسرائيل للإقرار بـ"ميزانية 2025″، التي تُعد من أضخم الميزانيات في تاريخ دولة الاحتلال، إذ تم تصميمها لتلبية احتياجات استثنائية ناجمة عن استمرار الحرب التي بدأت منذ 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، والتحديات الاقتصادية المترتبة عليها، وسط اتهامات من المعارضة الإسرائيلية بأنها "ميزانية لصوص"، بسبب الزيادة الكبيرة لوزارات غير ضرورية ولقضايا الحريديم من أجل الحفاظ على تماسك الحكومة.

وتبلغ القيمة الإجمالية الصافية لـ"ميزانية 2025″ حوالي 755.9 مليار شيكل (أكثر من 211 مليار دولار أمريكي)، فيما حُدد الجزء من الميزانية المخصص لحساب حد الإنفاق بما يقارب 620 مليار شيكل، بزيادة قدرها 20.6% عن عام 2024.

وتُعزى هذه الزيادة بشكل رئيسي إلى زيادة الإنفاق الدفاعي، التي بلغت رقماً قياسياً بمقدار 109.8 مليارات شيكل (29.8 مليار دولار)، وفقاً للجنة المالية في الكنيست الإسرائيلي.

كما تستهدف ميزانية 2025 عجزاً بنسبة 4.9% من الناتج المحلي الإجمالي، وهو مرتفع نسبياً مقارنة بالسنوات السابقة (كان الهدف السابق حوالي 4% أو أقل).

ويعكس هذا العجز التكاليف الباهظة للحرب، التي تجاوزت 68 مليار دولار منذ بدايتها، وانخفاض الإيرادات الضريبية (انخفضت بنسبة 38% في فبراير/شباط 2025 مقارنة بشهر يناير/كانون الثاني).

ومن المتوقع أن تحظى ميزانية 2025 بأغلبية 63 عضواً بالكنيست على الأقل، بعد تمكن نتنياهو من حل الخلافات داخل الائتلاف الحكومي، ومع عودة حزب "القوة اليهودية" بقيادة إيتمار بن غفير إلى الائتلاف بعد استئناف الحرب على غزة.

وتقول صحيفة "يديعوت أحرونوت" إن ميزانية 2025 غير مبشّرة للإسرائيليين، كما أن زيادة العجز التي سيتم إقرارها سوف تؤدي إلى مزيد من الزيادات في تكلفة المعيشة للمواطنين.

الكنيست الإسرائيلي - رويترز
الكنيست الإسرائيلي – رويترز

وتُظهر الوثائق أن الزيادات في ميزانية 2025 تتضمن زيادة في تخصيصات أحزاب الائتلاف اليميني، إلى جانب مؤسسات ووزارات حكومية غير ضرورية، بحسب وسائل إعلام إسرائيلية.

ويقول موقع "كالكاليست" إن الموافقة على ميزانية 2025 ستعزز قبضة نتنياهو على السلطة، لأنه سيمنع إمكانية الإطاحة به من خلال اقتراح حجب الثقة التي قدّمته المعارضة.

تخصيصات رئيسية

  • وزارة الجيش: حصلت على أكبر حصة بقيمة 109.8 مليار شيكل (حوالي 29.8 مليار دولار)، وهي زيادة كبيرة تعكس استمرار العمليات العسكرية في غزة ولبنان، بما في ذلك تكاليف تعبئة جنود الاحتياط وتعزيز القدرات الدفاعية.
  • وزارة التربية والتعليم: خُصص لها أكثر من 92 مليار شيكل (24.8 مليار دولار)، وهي ثاني أكبر ميزانية، لدعم النظام التعليمي المتضرر من الحرب.
  • وزارة الصحة: حوالي 59 مليار شيكل، مع تركيز على تعزيز الخدمات الطبية في ظل الظروف الطارئة.
  • وزارة الاستيطان: شهدت زيادة ملحوظة من 123 مليون شيكل إلى 391 مليون شيكل (زيادة 320%)، مما أثار جدلاً سياسياً حول أولويات الإنفاق.

فيما تبلغ ميزانية التأمين الوطني نحو 61 مليار شيكل، وسيتم تحويل 25 مليار شيكل لوزارة الأمن الوطني، ونحو 25 مليار شيكل للمعاشات والتعويضات، و12 مليار شيكل لوزارة الشؤون الاجتماعية، وإضافة 390 مليون شيكل لوزارة البعثات الوطنية.

وتقول القناة 12 العبرية إن ميزانية 2025 تسببت في انتقادات واسعة في إسرائيل، وذلك بسبب:

  • تخصيص 5 مليارات شيكل للائتلاف اليميني دون تحديد الهدف منها.
  • المبالغ الضخمة المخصصة للمجتمع الحريدي وتمويل التهرب من الخدمة العسكرية لهم، في الوقت الذي يستعد الجيش لتجديد الحرب وتمديد مدة الخدمة الإلزامية وسنوات الخدمة الاحتياطية.
  • ميزانية الوزارات الحكومية "غير الضرورية"، التي أوصت وزارة المالية سابقاً بإغلاقها.
  • تخصيص مئات الملايين من الشواكل لثماني هيئات منفصلة تعمل على تعزيز وتنمية "الهوية اليهودية"، في حين يضطر النازحون إلى اللجوء إلى المساعدات العامة لتمويل إعادة تأهيلهم.

ارتفاع كبير في ميزانيات الوزارات غير الضرورية

ورغم أن ميزانية 2025 جاءت لتتناسب مع إجراءات التقشف التي اتخذتها الحكومة الإسرائيلية بسبب الحرب على غزة وتداعياتها الاقتصادية، فإن وزارات ومؤسسات تم تصنيفها بأنها غير ضرورية حظيت بارتفاع كبير في ميزانياتها.

وتهدف هذه الزيادات في تلك المؤسسات والوزارات إلى إرضاء طموحات أعضاء الائتلاف اليميني الذي يقوده نتنياهو.

  • وارتفعت ميزانية وزارة الاستيطان التي ترأسها أوريت ستروك عن حزب "الصهيونية الدينية" من 123 مليون شيكل (حوالي 33.6 مليون دولار) في القراءة الأولى إلى 391 مليون شيكل (106.7 ملايين دولار)، بزيادة بلغت 268 مليون شيكل (73.1 مليون دولار)، أي بارتفاع بنسبة 320%.
  • كما ارتفعت ميزانية وزارة التراث (التي استقال منها الوزير عميحاي إلياهو من حزب "القوة اليهودية") من 71 مليون شيكل (19.4 مليون دولار) إلى 77.9 مليون شيكل (21.3 مليون دولار)، وهذا يعني زيادة قدرها 6 ملايين شيكل (1.6 مليون دولار) في الإنفاق المباشر، و6 ملايين شيكل أخرى في إطار السماح بالالتزامات المالية، مما يعني زيادة في سقف الائتمان.
  • أما وزارة القدس والتقاليد، التي يقودها مئير بوروش من حزب "يهودوت هتوراه"، فقد ارتفعت ميزانيتها من 28 مليون شيكل (7.7 ملايين دولار) إلى 118 مليون شيكل (32.2 مليون دولار)، أي بزيادة 90 مليون شيكل (24.5 مليون دولار) في الإنفاق المباشر، بالإضافة إلى 40 مليون شيكل (10.9 ملايين دولار) في الالتزامات المستقبلية، مما يمثل زيادة بنسبة 420% مقارنة بالميزانية الأصلية التي تمت الموافقة عليها بالقراءة الأولى.

ما هي المؤسسات التي لم تشملها الزيادة في الميزانية؟

بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت"، لم يتم تضمين الميزانيات التي وُعد بها "قانون القيامة" لإعادة تأهيل ومساعدة المستوطنات التي تضررت في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.

كما لم تشمل الزيادة الميزانيات المخصصة لإعادة تأهيل المستوطنات الشمالية، وتمويل النازحين، وتم أيضاً خفض ميزانية الهيئة الوطنية للسلامة المجتمعية في السلطات المحلية.

رشوة نتنياهو للحريديم وأعضاء الائتلاف

وفي الوقت الذي تطبق فيه الحكومة الإسرائيلية تخفيضات واسعة النطاق تضر بالمجتمع الإسرائيلي، أقرت نحو 5 مليارات شيكل (1.3 مليار دولار) للائتلاف، بحسب موقع "كالكاليست"، حيث تم تخصيص 2.3 مليار شيكل لليهود المتشددين والمستوطنين. بالإضافة إلى ذلك، هناك 2.7 مليار شيكل أخرى "محجوزة" في بند الاحتياطي وأقسام الميزانية الأخرى، وسيتم تحويلها إلى وجهتها بعد أن تؤكد الاستشارة القانونية هذه الخطوة.

وتضمنت قائمة البنود المعتمدة في ميزانية 2025:

  • 2.4 مليار شيكل للتعليم الحريدي والمدارس الدينية.
  • تخصيص 60 مليون شيكل لتمويل اليهود المتشددين من الخارج الذين يأتون للدراسة في إسرائيل، ولكنهم أيضاً يتهربون من الجيش.
  • تخصيص 50 مليون شيكل لتمديد اليوم الدراسي في المؤسسات المعترف بها وغير الرسمية والمؤسسات المعفاة التابعة للحريديم.
  • تخصيص 25 مليون شيكل لمنع تسرب الطلاب من المدارس الدينية.
  • تخصيص 70 مليون شيكل للمؤسسات الثقافية الحريدية.

وتقول صحيفة "كالكاليست"، إنه تم إخفاء أموال التحالف أيضاً تحت بنود الثقافة والتراث، وقد تم تخصيص 410 ملايين شيكل لقضايا "الثقافة اليهودية" في 8 وزارات حكومية، بما في ذلك وزارات التعليم، والثقافة، والاستيطان، والأديان، ومكتب رئيس الوزراء، والقدس، والتقاليد، والتراث.

اليهود الحريديم في احتفال سنوي - shutterstock
اليهود الحريديم في احتفال سنوي – shutterstock

وستحصل وزارة التربية والتعليم على 17.5 مليون شيكل لهيئة "الهوية اليهودية"، منها 5 ملايين شيكل مخصصة للإشراف على البرامج في جهاز التعليم. وسيحصل صندوق أنفاق الحائط الغربي على 7 ملايين شيكل، فيما ستحصل الخدمات الدينية في وزارة الشؤون الدينية على 47 مليون شيكل إضافية.

ويحظى مجال الخصوبة أيضاً بتمويل فريد من نوعه، حيث سيتم تخصيص 7.8 ملايين شيكل لعلاجات الخصوبة، و2.81 مليون شيكل للتدريب على طهارة الأسرة. وستحصل المشاريع الدينية في المجالس المحلية على 21 مليون شيكل لمناسبات دينية.

وبالإضافة إلى ذلك، ستتلقى هيئة تعزيز الأمن الغذائي الجديدة في وزارة الشؤون الاجتماعية، التي تم إنشاؤها حديثاً، 277 مليون شيكل لتوزيع كوبونات غذائية. وسيكون من الممكن أيضاً توجيه هذه الأموال إلى المتشددين.

كما تقرر أن خفض الأجور في القطاع العام لن ينطبق على المؤسسات الحريدية، التي تساهم الدولة في ميزانيتها بنسبة 40%، بمعنى أن الدولة ستمتص 15 مليون شيكل من التخفيضات التي من المفترض أن تُطبق على المؤسسات اليهودية المتشددة.

ووفقاً لـ"كالكاليست"، فإن "بهذه الطريقة ينجح نتنياهو في ترسيخ حكمه، من خلال أموال الائتلاف، والوعود بسن قانون التهرب الضريبي، والدعم المالي المكثف للمؤسسات الحريدية".

ما تأثير ميزانية 2025 على الطبقة المتوسطة في إسرائيل؟

واعتبر موقع "كالكاليست" أن الفشل الذي يكمن في ميزانية 2025، هو أنها تتجاهل بشكل كامل الضرورات التي خلفتها الحرب، ومعالجة التحديات الكبرى التي تواجه إسرائيل.

وأضاف أن قبل 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان الجانب الاقتصادي يواجه تحديات رئيسية هددت تحسين مستويات المعيشة في إسرائيل، تتمثل في انخفاض إنتاجية العمل، وانخفاض معدل التوظيف.

وأوضح أن العامل الإسرائيلي في المتوسط ينتج نحو 66% مما ينتجه العامل الأمريكي، ونحو 79% مما ينتجه الموظف في دولة مماثلة لإسرائيل، ويعود السبب في ذلك إلى أن العمال الإسرائيليين أقل مهارة من العمال في البلدان المتقدمة الأخرى، وإلى حقيقة أن إسرائيل تعاني من نقص حاد في البنية التحتية.

كما أن معدل التوظيف بين الرجال المتشددين دينياً والنساء العربيات منخفض بشكل خاص (48% و42.8% على التوالي). وبما أن عدد السكان المتشددين دينياً من المتوقع أن ينمو بسرعة، فمن المتوقع أن ينخفض معدل التوظيف، مما يجعل من الصعب على إسرائيل أن تنمو بالمعدل الذي يسمح للإسرائيليين بمواصلة تحسين مستوى معيشتهم.

أما على الجانب الاجتماعي، فقد كان التحدي الأكبر هو الشعور بأن الرفاهية في إسرائيل ليست كما يجب، والسبب في ذلك أن أموال الضرائب التي تم جمعها لم تترجم إلى خدمات ذات جودة للمواطنين، لإنقاذهم من الفقر، وخلق فرص متساوية.

وقد اتفق أغلب خبراء الاقتصاد في إسرائيل على هذه التحديات الأساسية، ولم يكن هناك شك في أن الطريق لحل كل هذه التحديات يتعلق بتغيير هيكل الدعم للمجتمع الحريدي، إلى جانب تحسين نظام التعليم لجميع الأطفال الإسرائيليين، وتعميق الاستثمار في البنية التحتية، بحسب موقع "كالكاليست".

وأشار الموقع الاقتصادي إلى أن 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، كشف بشكل أكبر التحديات التي تواجهها إسرائيل، ومع مرور الوقت أصبح من الواضح أن إسرائيل ملتزمة بمعالجة تلك التحديات بسرعة.

وتشير التقديرات إلى أن أجزاء كبيرة من الطبقة المتوسطة الإسرائيلية من المتوقع أن تشهد تراجعاً في نوعية حياتها، سواء بسبب الاحتياطي العسكري، أو بسبب زيادة الضرائب، وانخفاض ميزانيات الخدمات الاجتماعية.

المعارضة تهاجم ميزانية 2025: "ميزانية لصوص"

واعتبر زعيم المعارضة يائير لابيد أن هذه "ميزانية لصوص" على حساب المواطنين، مضيفاً: "بدأت أكبر عملية سرقة في تاريخ البلاد، وهذا ليس تصويتاً على ميزانية، إنها سرقة وقحة".

وتابع قائلاً: "سئمت الطبقة المتوسطة الإسرائيلية من كونها الضحية، لقد سئمت من استغلالها، ومن العيش في ظل حكومة لا تحسب لها حساباً".

فيما قال رئيس حزب "إسرائيل بيتنا" أفيغدور ليبرمان: "حان الوقت لنتنياهو لزيارة سوبر ماركت أو محطة وقود، إن تكلفة المعيشة في ارتفاع مستمر".

وتابع قائلاً: "تم تخفيض ميزانيات جميع الوزارات الحكومية باستثناء أموال الائتلاف، هذه الميزانية لا تقدم حلاً لمشاكل الاقتصاد، ولا تشجع على أي نمو، هذه حكومة تهرّب، ولدينا ميزانية تهرّب، فقد وصلتم إلى السلطة بالغش، ولم تحترموا أياً من التزاماتكم التي قطعتموها للناخبين".

رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز
رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير المالية بتسلئيل سموتريتش/رويترز

فيما قال زعيم "معسكر الدولة" بيني غانتس: "تظنون أن الميزانية تضمن لكم عاماً آخر في السلطة، لكن هذه الميزانية هي لبنة أخرى في طريق استبدالكم. إنها دليل آخر على غطرستكم، ولرؤيتكم الإقطاعية".

وأضاف غانتس: "كان ينبغي أن تتضمن هذه الميزانية سلسلة من الإصلاحات التي من شأنها تعزيز سلطة الحكم المحلي، وتعزيز الخدمة العامة، ومعالجة غلاء المعيشة، والبيروقراطية التي تمزّق الشركات في إسرائيل. وبدلاً من ميزانية تنظر إلى مستقبل دولة إسرائيل، تلقينا ميزانية تهدف إلى الحصول على تصويت هنا".

أما رئيس حزب "رام" منصور عباس، فشدد على أن الميزانية تضر بالمجتمع العربي (فلسطينيو 48)، في ظل الظروف الاقتصادية والاجتماعية التي يعيشونها.

تحميل المزيد