التغيير الإسرائيلي الممنهج لديموغرافية غزة.. هكذا أدت آلاف المجازر بحق العائلات إلى اختلال التوازن السكاني بالقطاع

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/25 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/25 الساعة 12:30 بتوقيت غرينتش
استمرار حرب الإبادة الجماعية على قطاع غزة - رويترز

تكشف أرقام ضحايا حرب الإبادة الجماعية في غزة التي تشنها دولة الاحتلال الإسرائيلي منذ 17 شهراً، عن جريمة تغيير ديموغرافي ممنهج ترتكبها بحق السكان الفلسطينيين، حيث تسببت الغارات الجوية المكثفة والقصف العشوائي باستشهاد عشرات الآلاف من المدنيين، وتشريد أعداد هائلة، وأحدثت تحولاً جذرياً مرعباً في البنية السكانية لقطاع غزة، خصيصاً المجازر الجماعية التي ارتكبت بحق عائلات بأكملها، وفقاً لمسؤولين فلسطينيين ومحللين.

كيف أدت حرب الإبادة التي ارتكبتها "إسرائيل" بحق العائلات إلى اختلال التوازن السكاني في قطاع غزة؟

  • تشير البيانات المتاحة إلى أنه عشية حرب إسرائيل على غزة في 7 أكتوبر 2023، بلغ عدد سكان قطاع غزة الفلسطينيين حوالي 2.2 مليون نسمة، يعيشون في مساحة 365 كيلومترًا مربعًا، ويمثلون حوالي 40٪ من إجمالي عدد سكان فلسطين البالغ عددهم حوالي 5.3 مليون نسمة. معظم هؤلاء السكان، حوالي 67٪، هم لاجئون أجبروا على الفرار من قراهم وبلداتهم خلال حرب عام 1948. ويتوزع السكان على 5 محافظات فلسطينية تشكل قطاع غزة. ووفقًا للتقديرات التي يعود تاريخها إلى منتصف عام 2023، يعيش حوالي 1.2 مليون فلسطيني في محافظتي شمال غزة (جباليا) وغزة (شمال وادي غزة)، بينما يعيش المليون الآخر في محافظات خان يونس ودير البلح ورفح.
  • ويشير توزيع سكان قطاع غزة حسب العمر قبل الحرب، إلى مجتمع يغلب عليه الشباب. تبلغ نسبة السكان الذين تقل أعمارهم عن 17 عامًا (حسب تعريف اليونيسف للأطفال) حوالي 47% من إجمالي السكان، بينما تبلغ نسبة من هم دون سن 30 عامًا 70%. أما نسبة كبار السن، أي من هم فوق سن 65 عامًا، فتبلغ 3% فقط. ويبلغ متوسط ​​عمر السكان، أي العمر الذي يقسم السكان إلى قسمين متساويين، حوالي 19.5 عامًا. بمعنى آخر، نصف السكان دون هذا العمر والنصف الآخر فوق هذا العمر.
  • ومنذ بداية الإبادة بدعم أمريكي مطلق، في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، قتلت دولة الاحتلال أكثر من 50 ألف فلسطيني ممن وصلوا المستشفيات فقط، معظمهم أطفال ونساء، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية بغزة. وارتكبت دولة الاحتلال وفق الإحصائيات الرسمية 11 ألفاً و850 مجزرة بحق عائلات فلسطينية، ما أدى إلى إبادة 2165 عائلة بالكامل، وفقدان 9272 فرداً من 5064 عائلة أخرى.
  • يحذر مسؤولون وخبراء من أن التغيرات الديمغرافية الناجمة عن الحرب ستكون لها آثار بعيدة المدى على مختلف المستويات على سكان قطاع غزة، وفي مقدمتها خلل في التوازن السكاني بسبب استهداف العائلات وفقدان آلاف الأسر بالكامل. حيث أوجدت الحرب أزمة في البنية الاجتماعية جراء ارتفاع عدد الأرامل والأيتام، ما يزيد العبء الاجتماعي مع تزايد حالات فقدان المعيل الرئيسي للأسرة.
جيش الاحتلال الإسرائيلب في قطاع غزة، أرشيفية – flash
  • وبحسب المدير العام للمكتب الإعلامي الحكومي بغزة إسماعيل الثوابتة فإن "مليوني فلسطيني نزحوا داخلياً منذ بدء الحرب الإسرائيلية التي خلفت آثاراً كارثية على الفئات الأكثر ضعفاً في القطاع، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن".
  • وأفاد في تصريحات صحفية بأن الهجمات الإسرائيلية أدت إلى استشهاد أكثر من 17 ألفاً و954 طفلاً و12 ألفاً و365 امرأة، وفقد 39 ألفاً و384 طفلاً أحد والديهم أو كليهما، فيما فقدت 14 ألفاً و323 امرأة أزواجهن.
  • إلى جانب ذلك، ستحدث هذه المجازر الجماعية ضغطاً اقتصادياً هائلاً بفعل تدمير أكثر من 165 ألف وحدة سكنية كلياً، وتهجير جماعي أدى إلى تغيير أنماط الاستقرار السكاني، وزيادة معدلات الفقر والبطالة، مع تجاوز الخسائر الأولية 41 مليار دولار، وفق تقديرات حكومية.
  • وتحاصر دولة الاحتلال قطاع غزة للعام الـ18، وبات نحو 1.5 مليون من مواطنيها البالغ عددهم حوالي 2.4 مليون فلسطيني بلا مأوى بعد أن دمرت حرب الإبادة مساكنهم، فيما دخل القطاع مراحل المجاعة جراء إغلاق تل أبيب المعابر بوجه المساعدات الإنسانية.

ما أبعاد إعادة تشكيل الخريطة السكانية في غزة؟

  • أدت الإبادة الإسرائيلية إلى إعادة تشكيل الخريطة السكانية في غزة، فالقطاع اليوم لم يعد كما كان قبل الحرب، إذ تضاعفت كثافة السكان في مناطق بينما خلت أخرى منهم تماما، حسب متحدث بلدية غزة حسني مهنا. وأضاف مهنا لوكالة الأناضول أن النزوح الذي شهده قطاع غزة ضاعف الضغط على الخدمات الأساسية، لا سيما المياه والصرف الصحي، وتسبب بتكدس 360 ألف طن من النفايات في الشوارع والأزقة.
  • وحذر مهنا من أن "هذا التكدس ليس فقط كارثة بيئية، بل تهديد صحي خطير ينذر بانتشار الأمراض والأوبئة.. كما أن الدمار الواسع في شبكات الطرق والمياه والصرف الصحي والكهرباء والاتصالات، وانهيار النظام الصحي والبيئي، أوجد أزمات وكوارث صحية وبيئية، تنذر بانتشار الأمراض والأوبئة في مختلف أرجاء قطاع غزة، وخاصة في مراكز الإيواء ومخيمات النزوح.
  • وهذا التدمير ليس تدميراً للمباني والمرافق الخدمية والبنية التحتية في غزة فحسب التي تجاوزت نسبتها 80% في القطاع، بل تدمير للحياة نفسها، وحرمان للفلسطينيين من أبسط مقومات البقاء لدفعهم إلى الهجرة. وأكد مهنا أن هذا التغيير الديموغرافي ليس مجرد أرقام، بل تغيير في هوية المجتمع الفلسطيني، وتدمير لأسسه الاجتماعية.
  • بحسب ورقة بحثية للمؤسسة الفلسطينية للدراسات، فإنه من المتوقع أن يتأثر توزيع السكان في غزة حسب العمر ونوعه بشكل مباشر باستهداف الجيش الإسرائيلي لفئات عمرية محددة مثل الشباب والأطفال، مما يؤدي إلى تشويه الهرم الديموغرافي، وخاصة في قاعدته، ويؤدي كذلك إلى فقدان شكله الموحد المميز لذلك الهرم في غزة. 
  • وإذا اعتبرنا القصف الإسرائيلي عشوائيًا ولا يميز بين الفئات السكانية، حيث يتم استهداف عائلات بأكملها ويُقدر أن آلاف العائلات قد تم مسحها من السجل المدني، فإن التأثير المباشر على التوزيع العمري والنوعي سيؤثر على جميع الفئات العمرية بنحو 2.7٪ من إجمالي كل فئة عمرية. في كلتا الحالتين، ستكون قاعدة الهرم وفئة الشباب دون سن 30 هي الأكثر تضرراً من الهجوم، وذلك لأن هذه الفئة تمثل حوالي 70٪ من إجمالي السكان.
  • ومن المتوقع أن يؤثر التأثير متوسط ​​​​وطويل المدى على التوزيع العمري. وسوف يؤدي هذا إلى انخفاض معدلات المواليد في السنوات المقبلة، حيث تشكل هذه الفئة قاعدة الهرم الديموغرافي، نتيجة لاستهداف الفئة العمرية الخصبة أو التي من المتوقع أن تساهم في الإنجاب في السنوات التي تلي الهجوم الإسرائيلي.

الهدف هو تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة

  • تستهدف الحرب الإسرائيلية إحداث تغيير ديمغرافي طويل الأمد في قطاع غزة، والهدف التهجير، هذا ما يقوله الكاتب والمحلل السياسي في القطاع مصطفى إبراهيم. الذي يرى أن التغيير يتم عبر دفع الفلسطينيين إلى الهجرة القسرية وتقليص عددهم بالقطاع، في انتهاك صارخ للقانون الدولي والقانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان.
  • وفي 4 مارس/ آذار 2025 اعتمدت قمة عربية طارئة بشأن فلسطين خطة لإعادة إعمار غزة دون تهجير الفلسطينيين منها، على أن يستغرق تنفيذها خمس سنوات، وتكلف نحو 53 مليار دولار. لكن دولة الاحتلال ووالولايات المتحدة رفضتا الخطة وتمسكتا بمخطط يروج له الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لتهجير الفلسطينيين من غزة إلى دول مجاورة مثل مصر والأردن وربما دول أفريقية، وهو ما رفضه دول عربية ومنظمات إقليمية ودولية.
  • يقول إبراهيم أن الاحتلال الإسرائيلي يهدف من حربه على غزة إلى إجبار الفلسطينيين على النزوح، وتقليص عدد السكان، وتهجيرهم من القطاع، مستغلا الوضع الإنساني الصعب والقاهر. وأكد أن هذا التهجير ليس مجرد نزوح مؤقت، بل محاولة لتغيير التركيبة السكانية للقطاع، وتحقيق أهداف سياسية.
  • ولدى "إسرائيل" مخاوف ديموغرافية من التزايد المستمر في عدد السكان الفلسطينيين في الأراضي المحتلة، حيث يتجاوز عددهم 7 ملايين نسمة. وهذا الوضع "يشكل تحديا للتركيبة السكانية التي تسعى إسرائيل للحفاظ عليها، لذلك بدأت بتنفيذ خطط قديمة وسياسات تهجير وإحلال تعود إلى عام 1948، بهدف السيطرة على أكبر قدر ممكن من الأراضي الفلسطينية"، بحسب إبراهيم.
التهجير في قطاع غزة على وقع حرب الابادة الجماعية – رويترز
  • وبالتزامن مع نيران الحرب، صدق المجلس الوزاري الإسرائيلي المصغر "الكابينت" على إنشاء إدارة حكةميد لتهجير الفلسطينيين من غزة، وفق مخطط ترامب. وبينما يدعي البعض مغادرة أكثر من ربع مليون فلسطيني غزة خلال فترة الحرب، قالت جهات أمنية فلسطينية في قطع غزة لوكالة الأناضول، إن عدد الذين غادروا غزة لأسباب مختلفة، عبر معبر رفح منذ 7 أكتوبر 2023، يراوح بين 90 ألفا و100 ألف فلسطيني معظمهم في مصر ويريدون العودة إلى القطاع.
  • لكن يقول مسؤولون ومحللون فلسطينيون أن عمليات النزوح الذي يحدثها الاحتلال ليست مؤقتة، بل محاولات إسرائيلية لتغيير التركيبة السكانية. وأوضح المتحدث باسم بلدية غزة أن "إسرائيل" تنفذ ذلك عبر تدمير حياة الفلسطينيين، ودفعهم إلى الهجرة قسرا وطوعاً، بعد تحويل حياتهم اليومية إلى جحيم، وإيجاد أزمات عديدة تدفعهم إلى البحث عن بدائل.
  • يؤكد إسماعيل الثوابتة من حكومة غزة أن "تدمير المستشفيات وشبكات المياه والصرف الصحي أدى إلى انتشار الأمراض وتلوث المياه وتفاقم الأوضاع البيئية، للضغط على الفلسطينيين وتهديد حياتهم ومستقبلهم". وأشار إلى جهود الحكومة في "إعادة تشغيل المستشفيات، والتنسيق مع المنظمات الدولية، وإنشاء مراكز إيواء، وإعادة تأهيل البنية التحتية". واستدرك أن "هذه الجهود ليست كافية لمواجهة حجم الكارثة، ولكنها محاولة يائسة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه".
  • يقول إياد القرا المحلل السياسي الفلسطيني إن مبدأ اليمين المتطرف الإسرائيلي يقوم على تهجير السكان الفلسطينيين، وهو يحاول الآن تنفيذ سياسات ليصبح التهجير واقعاً. وتابع في حديثه للأناضول: "لا شك أن التهجير هو أداة ضغط تستخدمها إسرائيل ضد المقاومة في غزة، باعتبارها تهديدا استراتيجيا بعد هجوم 7 أكتوبر وحتى لا يكون هناك أي تهديد مستقبلي.
تحميل المزيد