من تعليق المساعدات الخارجية إلى إغلاق مؤسسات إعلامية.. كيف يقوض ترامب القوة الناعمة الأمريكية؟

عربي بوست
تم النشر: 2025/03/20 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/03/20 الساعة 11:38 بتوقيت غرينتش
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - عربي بوست

لا يقتصر تأثير السياسات التي تبناها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، والتي وُصفت بأنها سياسات "متهورة"، على الدول الحليفة لواشنطن وحسب، بل شمل ذلك أيضاً الداخل الأمريكي بأشكال عدة، إلى الحد الذي حذر فيه كتاب بارزون من أن البلاد تتجه إلى الانهيار العظيم بفعل توجهات الرئيس الجمهوري الجديدة.

فمنذ بدء ولايته الثانية في البيت الأبيض في الرابع من مارس/آذار 2025، عمد ترامب إلى انتهاج سياسات اقتصادية شملت فرض الرسوم الجمركية، وخفض الإنفاق الحكومي، وتقليص الوظائف الفيدرالية، وقطع المساعدات الخارجية، وإغلاق مؤسسات إعلامية، بما يشكل تهديداً للقوة الناعمة الأمريكية، وغيرها من الإجراءات التي أشعلت حرباً تجارية مع حلفاء الولايات المتحدة، وأحدثت ضجة داخلية سمع صداها وبقوة في خسائر غير مسبوقة شهدها سوق الأسهم الأمريكية.

ومثلما رصدنا في تقارير سابقة كيف أضرت سياسات ترامب الاقتصادية بسمعة الولايات المتحدة على الصعيد الدولي إلى الحد الذي انطلقت فيه حملة عالمية لمقاطعة المنتجات الأمريكية، نرصد في هذا التقرير كيف تقوض سياسات وإجراءات ترامب القوة الناعمة الأمريكية.

ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب/عربي بوست

ما هي القوة الناعمة في السياسة الدولية؟

  • القوة الناعمة هي مصطلح في السياسة الدولية يشير إلى القدرة على التأثير في الدول والشعوب الأخرى دون استخدام القوة العسكرية أو الاقتصادية، بل من خلال وسائل غير قسرية. 
  • وتم تطوير هذا المفهوم من قبل عالم السياسة الأمريكي جوزيف ناي في تسعينيات القرن الماضي. وهو يشمل مجموعة من الأدوات التي يمكن أن تؤثر على الآخرين بطريقة إيجابية دون أن يكون لها طابع إجباري.
  • وعرّف المؤرخ البريطاني، نيل فيرجسون، القوة الناعمة بأنها القدرة على إحداث تأثير في السياسة العالمية عن طريق قوى غير تقليدية. ويعتبر بذلك المعروض الثقافي والتجاري قوى غير تقليدية، إلا أنها تظل قوى محدودة بحسب قبولها والإعجاب بها، أو رفضها ومقاومتها من الطرف الآخر.

ما هي أشكال القوة الناعمة الأمريكية التي قوضها ترامب؟

  • كانت أبرز ملامح الضرر الذي ألحقته سياسات ترامب منذ بدء ولايته الثانية بالقوة الناعمة الأمريكية حاضرة في قرار تعليق المساعدات الخارجية ووقف تمويل الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية "USAID"، وتقليص تمويل الوكالة الأم لمؤسسة صوت أمريكا الإعلامية الممولة من الحكومة.

ما هي الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية؟

  • الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية هي الذراع الإنسانية والتنموية الدولية للحكومة الأمريكية، وتقدم المساعدات للدول التي تعاني من الصراعات وغيرها من "الدول ذات الأهمية الاستراتيجية" من خلال التخفيف من حدة الفقر والمرض والأزمات الأخرى، وفقًا لتقرير صادر عن مركز أبحاث الكونغرس.
  • تأسست الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية عام 1961 على يد الرئيس جون كينيدي كوكالة مستقلة، وكان هدفها مزدوجاً: مواجهة النفوذ السوفييتي أثناء الحرب الباردة وإدارة برامج مختلفة للمساعدات الخارجية، استناداً إلى فكرة أن الأمن الأمريكي مرتبط بالاستقرار والتقدم الاقتصادي في الدول الأخرى.
  • يعمل أكثر من 10 آلاف شخص في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، حوالي ثلثيهم في الخارج، بحسب ما يقوله مركز أبحاث الكونغرس.
  • تعالج الوكالة مجموعة واسعة من الاحتياجات، من صحة المرأة إلى المياه النظيفة. 
  • ووصف جيريمي كونينديك، المسؤول السابق في الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية خلال إدارتي أوباما وبايدن، عمل الوكالة بأنه عاجل وقال إن تدميرها من شأنه أن يعطل مبادرات الصحة العامة الحيوية في العيادات التي تمولها الولايات المتحدة في بلدان أخرى.
المهاجرون السوريون
اللاجئون السوريون في لبنان/ الأناضول

ما هو تأثير غلق الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية على القوة الناعمة الأمريكية؟

  • أكد ترامب أنه سيقوم "بتصفية" الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، مما ترك منظمات الإغاثة في حالة من القلق بشأن ما إذا كان بإمكانها الاستمرار في برامج مثل المساعدات الغذائية للرضع والأطفال الذين يعانون من سوء التغذية، والمنح التعليمية المقدمة للطلاب في مناطق من بينها الشرق الأوسط.
  • تشمل الدول المتلقية للمساعدات الخارجية الأمريكية البلدان النامية والبلدان ذات الأهمية الاستراتيجية للولايات المتحدة والبلدان التي شهدت حروباً. وتعتمد الولايات المتحدة على وكالات حكومية عدة لتقديم هذه المساعدات، وفي مقدمتها الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية ووزارة الخارجية، اللذَين يشرفان على 90% من حجم هذه المساعدات، وفق تقرير لصحيفة واشنطن بوست.
  • وبحسب ما نشره تقرير لوكالة بلومبرغ الأمريكية، أثار قرار تصفية الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية القلق في دوائر السياسة الخارجية في واشنطن بشأن مكانة الولايات المتحدة في العالم.
  • وهناك حالة من الإجماع بأن الإدارة، من خلال خنق المساعدات الخارجية، ألحقت ضرراً بالغاً بالقوة الناعمة الأمريكية. وهناك أيضاً قلق وتوتر بشأن الفراغ الذي قد تعمل الصين على ملئه.
  • ونقل تقرير بلومبرغ عن عالم السياسة ناي قوله إن الضرر الذي يلحقه ترامب بالقوة الناعمة الأمريكية لا يمكن إصلاحه بسهولة.

ما هي مؤسسة صوت أمريكا؟

  • صوت أمريكا (VOA) هي مؤسسة إعلامية دولية تبث برامجها بأكثر من 40 لغة عبر الإنترنت والراديو والتلفزيون، وتشرف عليها الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي. كما تمول الوكالة إذاعة أوروبا الحرة وإذاعة آسيا الحرة وشبكات البث في الشرق الأوسط.
  • تأسست إذاعة صوت أمريكا أثناء الحرب العالمية الثانية كشبكة أخبار أمريكية لبث برامجها إلى الأراضي التي تسيطر عليها قوى المحور (ألمانيا وإيطاليا واليابان).
  • وخلال الحرب الباردة، صُممت الإذاعة لبث الأخبار الغربية إلى سكان الاتحاد السوفيتي خلف الستار الحديدي. كما بثت أيضاً عبر دول الجنوب العالمي، حيث تنافست الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي على النفوذ.
  • وبلغ عدد موظفي الوكالة 3384 موظفاً في السنة المالية 2023. وقد طلبت 950 مليون دولار للسنة المالية الحالية.
  • وتشمل وسائل الإعلام الأخرى الممولة من الولايات المتحدة والتي تعرضت للإغلاق راديو فردا، وهي محطة إذاعية ناطقة بالفارسية، وقناة الحرة، وهي شبكة ناطقة بالعربية أنشئت بعد الغزو الأمريكي للعراق. 
  • والسبت الماضي، بدأ عدد من موظفي صوت أمريكا إجازة مدفوعة الأجر بعد يوم واحد من توقيع ترامب على الأمر التنفيذي الذي استهدف تقليص حجم الوكالة الأم لمؤسسة صوت أمريكا الإعلامية. 
  • وأرسل عدد من موظفي إذاعة صوت أمريكا رسائل بالبريد الإلكتروني إلى وكالة رويترز تُفيد بمنحهم إجازة إدارية براتب كامل ومزايا إضافية "حتى إشعار آخر". وطلبت الرسالة، التي أرسلها مسؤول موارد بشرية في الوكالة الأمريكية للإعلام العالمي، من الموظفين عدم دخول مقار عملهم أو استخدام الأنظمة الداخلية.
  • ويشكل المتعاقدون الجزء الأكبر من القوى العاملة في إذاعة صوت أمريكا، و يهيمنون على التوظيف في الخدمات غير الناطقة باللغة الإنجليزية.
شعار قناة الحرة/ مواقع التواصل

ما هو تأثير غلق صوت أمريكا على القوة الناعمة الأمريكية؟

  • تؤكد هذه الخطوة كيف تعمل إدارة ترامب على تمزيق الركائز التقليدية للدبلوماسية الأمريكية والقوة الناعمة في جميع أنحاء العالم، في ظل سعيها إلى إعادة تأسيس نظام جديد مع قوى عظمى مثل روسيا والصين، وفقاً لتقرير نشره موقع ميدل إيست آي البريطاني.
  • وأشاد مقال رأي نشرته صحيفة جلوبال تايمز الصينية المملوكة للدولة بإغلاق إذاعة صوت أمريكا، وقالت الصحيفة "احتكار المعلومات الذي تمتلكه بعض وسائل الإعلام الغربية التقليدية يتحطم".
  • وأضافت:"ومع بدء المزيد من الأمريكيين في الخروج من شرانقهم المعلوماتية ورؤية عالم حقيقي وصين متعددة الأبعاد، فإن الروايات الشيطانية التي تروجها إذاعة صوت أمريكا سوف تصبح في نهاية المطاف مادة للسخرية في ذلك العصر".
  • فيما أعربت موسكو عن سعادتها بتحركات الرئيس ترامب الرامية إلى إغلاق وسائل الإعلام الممولة من الولايات المتحدة، وفقا لما ذكره مسؤولون ودبلوماسيون روس رفيعو المستوى لصحيفة موسكو تايمز.
  • ونقل تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية عن جاك تومسون، الباحث في تاريخ السياسة الخارجية بالشمال الأمريكي في جامعة أمستردام، قوله إن "صوت أمريكا كانت جزءاً من القوة الناعمة الأمريكية ومن الأدوات الدبلوماسية التي استخدمتها الولايات المتحدة دون انقطاع منذ الحرب العالمية الثانية".
تحميل المزيد