نجح رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو في تأجيل الإدلاء بشهادته أمام المحكمة المركزية في تل أبيب للرد على تهم الفساد الموجهة إليه، فيما حقق للوزير المستقيل إيتمار بن غفير شروطه للعودة إلى الائتلاف اليميني، الذي يواجه أزمات داخلية، بعودته إلى الحرب على غزة من جديد.
لم يمضِ اتفاق وقف إطلاق النار، بوساطة أمريكية ومصرية وقطرية، إلى مرحلته الثانية، بضغط من وزير المالية بتسلئيل سموتريتش واليمين الإسرائيلي المتطرف، لتشير المعطيات إلى أن قرار نتنياهو بالعودة إلى الحرب على غزة جاء لأسباب سياسية داخلية يوظفها لصالح بقائه وتماسك ائتلافه.
وشنت طائرات الاحتلال، بشكل مفاجئ، قصفاً جوياً في كافة أنحاء قطاع غزة، ما أدى إلى استشهاد أكثر من 360 فلسطينياً في حصيلة ما زالت مستمرة.
ويعد هذا الهجوم الأوسع منذ اتفاق وقف إطلاق النار، الذي بدأت مرحلته الأولى في 19 يناير/كانون الثاني 2025، وجاء بعد 16 يوماً من إغلاق المعابر وإطباق الحصار على المواطنين في غزة، وسط تحذيرات من مجاعة يشهدها القطاع.

وماطل الاحتلال الإسرائيلي في الدخول إلى المرحلة الثانية من وقف إطلاق النار، وسط رفض من نتنياهو إعلان إنهاء الحرب، الأمر الذي يهدد استمرار حكومته ويجره إلى محاكمته ثم السجن.
أزمات داخلية إسرائيلية تتجدد
أولاً: أزمة الميزانية وقانون التجنيد
جاءت الهجمات والعودة إلى الحرب على غزة في الوقت الذي تشهد فيه إسرائيل أسبوعين مقبلين يشكلان قلقاً على النظام السياسي.
حيث إنه يتعين على الكنيست الإسرائيلي إقرار ميزانية الدولة بحلول نهاية مارس/آذار 2025، وإلا ستتجه إسرائيل إلى الانتخابات، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت".
وتقول الصحيفة إنه إذا أقرت الميزانية، فيمكن لنتنياهو البقاء في منصبه إلى موعد الانتخابات في نوفمبر/تشرين الثاني 2026، مشيرة إلى أن قضايا أخرى من شأنها أيضاً أن تقوض استقرار الحكومة.
وتكمن المعضلة بالنسبة إلى نتنياهو بشأن إقرار قانون الميزانية في:
- انسحاب حزب "القوة اليهودية" بقيادة بن غفير من الائتلاف.
- تهديد رئيس حزب "يهدوت هتوراه"، وزير الإسكان إسحاق غولدكنوب، بالتصويت ضد الميزانية بسبب قانون تجنيد الحريديم.
وفشل نتنياهو في الأيام الأخيرة في إقناع بن غفير بالعودة إلى الائتلاف الحكومي، رغم الإغراءات المالية التي عرضها عليه، حيث يشترط الوزير الأخير ثلاثة شروط، وهي:
- تنفيذ خطة ترامب بشأن تهجير السكان الفلسطينيين من غزة.
- وقف المساعدات الإنسانية عن غزة بشكل كامل.
- العودة إلى الحرب على غزة.
وتشير "يديعوت أحرونوت" إلى أن قانون الحريديم لن يتم تمريره في الدورة الشتوية للكنيست، فيما أرسلت المستشارة القضائية للحكومة رسالة إلى وزير الجيش يسرائيل كاتس، طالبته فيها بفرض عقوبات على المتهربين من التجنيد من أبناء الحريديم.

ثانياً: الإصلاحات القضائية والإطاحة بالمستشارة القضائية
معضلة أخرى عادت إلى الواجهة مجدداً مع عزم نتنياهو إقالة المستشارة القضائية من منصبها، والأزمة مع رئيس المحكمة العليا غير المعترف به من حكومة نتنياهو.
وفي بداية الحرب على غزة، قال وزير العدل ياريف ليفين، ورئيسة لجنة الدستور سميحا روتمان، إن جميع قوانين الإصلاح القضائي لن تكون على جدول الأعمال السياسي في ظل عدم انتهاء الحرب.
وتذكر صحيفة "يديعوت أحرونوت" أنه إلى جانب أزمة قانون الميزانية، هناك بعض قوانين الإصلاح القضائي التي تلوح في الأفق مجدداً، أهمها قانون تغيير تكوين لجنة تعيين القضاة، بالإضافة إلى عملية الإطاحة بالمستشارة القضائية.
ثالثاً: تحرك المعارضة
واقترح رئيس الحزب الديمقراطي يائير غولان أن توقع أحزاب المعارضة على اتفاق مشترك لإسقاط الحكومة.
كما أعلنت منسقة المعارضة الإسرائيلية، ميراف بن آري، أن أعضاء الكنيست من المعارضة سيقدمون آلاف التحفظات على ميزانية الدولة، مشيرة إلى أنهم "سيكونون في حالة تعبئة كاملة خلال هذين الأسبوعين".
إلى ذلك، قررت المعارضة تنظيم احتجاجات واسعة كانت من المقرر أن تنطلق الأربعاء 19 مارس/آذار 2025، رداً على إقالة رئيس الشاباك رونين بار، ونية الحكومة إقالة المستشارة القضائية.
ماذا يحقق نتنياهو من العودة إلى الحرب على غزة؟
تقول صحيفة "معاريف" إن العودة إلى حرب غزة تأتي تنفيذاً لمطلب بن غفير من أجل عودته إلى الحكومة، وجاءت بالتزامن مع المخاوف التي يواجهها الائتلاف بشأن التصويت على الميزانية.
ومع تحقق الشرط المركزي المتمثل في العودة إلى الحرب على غزة، وتقدم المفاوضات بشأن الشروط الأخرى (وقف المساعدات وتنفيذ برنامج الهجرة الطوعية)، فإن الطريق يُمهد لعودة إيتمار بن غفير وحزبه إلى الائتلاف وضمان الأغلبية اللازمة لإقرار الميزانية.
ورحب حزب بن غفير بالعودة إلى الحرب على غزة، معتبراً إياها خطوةً صحيحةً، لـ"تدمير حماس وإعادة رهائننا، يجب عدم قبول حماس ومن الضروري تقويضها".
ورأى الكاتب الإسرائيلي أفي بار إيلي، في مقال على موقع "ذا ماركر" العبري، أنه من الصعب الفصل بين توقيت العملية العسكرية في غزة وبين الصعوبات التي يواجهها نتنياهو في الائتلاف الحكومي.
وأوضح أنه قبل 48 ساعة من بدء النقاشات حول الميزانية، أعلن نتنياهو العودة إلى الحرب على غزة، حيث أدرك أنه لا يمكن الاعتماد على أصوات المتدينين (الحريديم) للمصادقة على الموازنة، وبالتالي يجب إعادة حزب بن غفير إلى الائتلاف، حتى لا تنتهي الحكومة.

ومن أجل عدم التورط في إسقاط الحكومة، أجبر نتنياهو على اتخاذ خطوتين، بحسب الكاتب الإسرائيلي، وهما:
- توقيع اتفاق مع جدعون ساعر ودمج حزبه مع الليكود.
- عودة إيتمار بن غفير إلى الحكومة، والذي كان شرطه العودة إلى الحرب على غزة.
المحلل العسكري في صحيفة "هآرتس"، عاموس هارئيل، قال إن حكومة نتنياهو انتهكت اتفاق وقف إطلاق النار في غزة عمداً، وبموافقة أمريكية، لأنها لا ترغب في تنفيذ الشروط التي التزمت بها قبل شهرين بالكامل.
وأكد أن هناك، بشكل رئيسي، سلسلة من الأهداف السياسية العاجلة تسببت في العودة إلى الحرب على غزة، والتي لا يتحدث عنها نتنياهو بصوت عالٍ، وهي:
- عودة إيتمار بن غفير وحزبه إلى الحكومة.
- إقرار الميزانية.
- استقرار الائتلاف.
- محاولة تحويل أجندة وسائل الإعلام عن الاحتجاجات المتجددة ضد الحكومة، على خلفية نية إقالة المستشارة القضائية وإقالة بار.
وتابع بأن الهدف الحقيقي الذي يسعى نتنياهو إلى تحقيقه هو الانزلاق التدريجي نحو نظام ديكتاتوري، وسيحاول ضمان بقائه من خلال الحفاظ على حرب دائمة في عدة ساحات.
إلى ذلك، تمكن نتنياهو من إلغاء شهادته أمام المحكمة المركزية في القدس، مع استئنافه الحرب على غزة، بعد مثوله لـ 18 جلسة من أصل 24 حددتها المحكمة، ما يعني تبقي 6 جلسات من أجل البدء بمحاكمته فعلياً.
ويلخص المعلق الإسرائيلي الشهير، بن كاسبيت، مشهد أهداف نتنياهو من العودة إلى الحرب على غزة بـ:
- عودة بن غفير إلى الحكومة.
- إبقاء بتسلئيل سموتريتش في الحكومة.
- تأجيل محاكمته وإيقاف شهادته أمام المحكمة.
- الموافقة على الميزانية، وإزالة الخطر المباشر الذي يهدد الحكومة.
- تحويل الاهتمام من إقالة رئيس الشاباك ونية إقالة المستشارة القضائية إلى الحرب.
كيف علقت المعارضة على استئناف الحرب؟
واتهمت المعارضة الإسرائيلية نتنياهو بالعودة إلى الحرب على غزة لأسباب سياسية، مخاطراً بحياة الأسرى الإسرائيليين.
وقال زعيم المعارضة الإسرائيلية، يائير لابيد، إن أغلب الإسرائيليين يشعرون بعدم الثقة بنتنياهو، الذي أعاد القتال في غزة ويريد تحويل المليارات للمتهربين من الخدمة العسكرية.
وهاجم زعيم حزب "الديمقراطيين" الإسرائيلي المعارض، يائير غولان، نتنياهو بسبب العودة إلى الحرب على غزة، معتبراً أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يستخدم حياة الإسرائيليين للبقاء في السلطة.
وقال غولان، في تدوينة عبر حسابه على منصة "إكس"، إن "الجنود على الخطوط الأمامية والمختطفين مجرد أوراق في لعبة رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو للبقاء".
وأضاف أن "نتنياهو يستخدم حياة الإسرائيليين والجنود لأنه يرتجف خوفاً منا ومن الاحتجاجات على إقالة رئيس الشاباك"، مشدداً على أنه "ينبغي ألا نسمح للجنون بالانتصار، وأن تندلع الاحتجاجات بغضب لإنقاذ الأسرى والجنود وإسرائيل من أيدي نتنياهو الفاسد والخطير".