شهدت الأسواق العالمية، وفي مقدمتها البورصات الأمريكية، خسائر فادحة مع افتتاح جلسات التداول في بداية الأسبوع الجاري بسبب حالة عدم اليقين لدى المستثمرين بشأن سياسة الرسوم الجمركية التي أعلن عنها الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، وتزايد القلق بشأن إغلاق محتمل للحكومة الاتحادية، مما أثار مخاوف من أن الاقتصاد الأمريكي قد ينزلق إلى الركود.
وضاعف الرئيس الأمريكي، الأحد 9 مارس/آذار 2025، مخاوف المستثمرين والأسواق العالمية من احتمالية حدوث ركود اقتصادي وتباطؤ للنمو في الولايات المتحدة حينما رفض التكهن بما إذا كانت الولايات المتحدة قد تواجه ركوداً وسط مخاوف أسواق الأوراق المالية من تأثير إجراءاته المتعلقة بالرسوم الجمركية.
وأضاف خلال مقابلة مع قناة فوكس نيوز الأمريكية: "ما يجب أن أفعله هو بناء دولة قوية، لا يمكنك الانشغال بتحركات سوق الأسهم". وهو التصريح الذي أثار ذعر الأسواق المالية.

وبعد أن أتيحت له الفرصة لشرح هذه التعليقات في وقت لاحق من مساء يوم الأحد، عزز ترامب تصريحاته للصحفيين على متن الطائرة الرئاسية. وقال: "ستكون الرسوم الجمركية أعظم شيء قمنا به على الإطلاق كدولة. وسوف تجعل بلادنا غنية مرة أخرى".
ولم تكن تعليقات الرئيس الأمريكي بمعزل عن تعليقات وزراء في حكومته، حيث قال وزير الخزانة الأمريكي، سكوت بيسنت، الجمعة 8 مارس/آذار 2025، إن أكبر اقتصاد في العالم قد يتباطأ مع تقليص الإنفاق الحكومي واتباع سياسة تهدف إلى تعزيز القطاع الخاص.
سياسة تجارية متقلبة
وأحدثت سياسات الحماية التي ينتهجها الرئيس الأمريكي اضطراباً في الأسواق في شتى أنحاء العالم، خاصة مع حالة التخبط في القرارات لدى البيت الأبيض فيما يتعلق بالرسوم الجمركية.
فبعدما فرض ترامب رسوماً جمركية على كندا والمكسيك، موردي النفط الرئيسيين للولايات المتحدة، بنسبة 25% في الرابع من مارس/آذار الجاري، تراجع الرئيس الأمريكي عن قرار فرض الرسوم وأرجأ تنفيذها في أحدث تطور في سياسة تجارية متقلبة هزّت الأسواق المالية.
وتنتهي الإعفاءات المتعلقة بأكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة في الثاني من أبريل/نيسان المقبل، وهو الموعد الذي هدد ترامب أن يفرض فيه نظاماً شاملاً من الرسوم الجمركية المضادة على جميع شركاء واشنطن التجاريين.
نستعرض في هذا التقرير ما يعنيه الركود الاقتصادي وتأثير الرسوم الجمركية التي فرضها ترامب وتصريحاته الأخيرة السلبية على الأسواق العالمية وحتى على ثروات مؤيديه من المليارديرات.
ماذا يعني الركود الاقتصادي؟
يعرفه بعض الخبراء على أنه مرور الناتج القومي لبلد بحالة تراجع لمدة ستة أشهر متتالية، أما المكتب القومي الأمريكي للأبحاث الاقتصادية فيعرف الركود بأنه "تراجع كبير في معظم الأنشطة الاقتصادية، وهذا ينعكس بشكل طبيعي على الناتج القومي والدخل الفعلي للأفراد والبطالة والإنتاج الصناعي ومبيعات الجملة والتجزئة".
ولو أسقطنا هذه التعريفات على حياتنا اليومية، سنجد أن ذلك ينعكس في جمل تتردد مثل "السوق نائم"، "لا أحد يبيع ولا يشتري"، "المحلات فارغة من زبائنها"، "الأسعار ترتفع بشكل جنوني لا يتناسب مع نسب الزيادة في الدخل إن حدثت"، والجملة الأخيرة تحديداً تعني بمصطلحات الاقتصاد "زيادة التضخم".

ما تأثير تصريحات ترامب بشأن الركود على الأسواق العالمية؟
هبوط الأسهم العالمية:
- تراجعت الأسهم الأمريكية، أمس الاثنين، إذ عانت المؤشرات الثلاثة الرئيسية في وول ستريت من انخفاضات حادة. ووفقاً للبيانات الأولية، فقد المؤشر ستاندرد آند بورز 500 ما يعادل 155.21 نقطة، أو 2.69%، ليغلق عند 5614.99 نقطة، وهو أكبر انخفاض يومي منذ 18 ديسمبر/كانون الأول.
- كما خسر المؤشر ناسداك المجمع 726.01 نقطة، أو 4% ليغلق عند 17470.21 نقطة، وهو أكبر تراجع يومي له منذ سبتمبر/أيلول 2022. وانخفض المؤشر داو جونز الصناعي 890.63 نقطة، أو 2.08%، ليغلق عند 41911.09 نقطة.
- وامتدت تأثيرات الخسائر في البورصات الأمريكية لتصل إلى الأسواق العربية التي شهدت هي الأخرى انخفاضات ملحوظة.
- وتصدّر سوق دبي المالي قائمة الأسواق الأكثر تراجعاً في الأسواق الخليجية، بينما انخفضت بورصتا السعودية وأبوظبي بأكثر من 1%، وسجّل مؤشر بورصة مصر تراجعاً بنحو 1%.
- وعلى صعيد الأسهم الآسيوية، هبط المؤشر نيكي الياباني، الثلاثاء، إلى أدنى مستوى له في ستة أشهر مقتفياً أثر وول ستريت، لكنه قلص معظم خسائره عند الإغلاق مع ارتفاع العقود الآجلة للأسهم الأمريكية.
- وانخفض نيكي 0.64% إلى 36793.11 نقطة عند الإغلاق بعد أن هبط أدنى مستوى له عند 35987.13 نقطة منذ 17 سبتمبر/أيلول.
- وهبط المؤشر توبكس الياباني الأوسع نطاقاً، الذي كان أداؤه أفضل مقارنة بنيكي، نحو 3% خلال الجلسة ليصل إلى أدنى مستوى له منذ 28 أكتوبر/تشرين الأول.
تصدر الين قائمة الملاذات الآمنة:
- تصدر الين قائمة الملاذات الآمنة المفضلة للمستثمرين، الثلاثاء، ولامس أعلى مستوى في خمسة أشهر مع تذبذب الأسهم الأمريكية والدولار وسط مخاوف من تباطؤ النمو الاقتصادي الأمريكي بسبب الرسوم الجمركية.
- وسجل الين أعلى مستوى في خمسة أشهر عند 146.55 للدولار، قبل أن يستقر عند نحو 147.24 للدولار. كما ارتفع اليوان 0.2 بالمئة إلى 7.2426 للدولار.
- وهبط الدولار بأكثر من 7% من أعلى مستوى في ستة أشهر الذي سجله في يناير /كانون الثاني مقابل الين، ويبدو أن بريق الدولار كملاذ آمن خفت تزامناً مع ارتفاع كبير لليورو وإعادة التفكير على نطاق أوسع في كيفية تأثير الرسوم الجمركية والحرب التجارية على أسواق الصرف الأجنبي، وفق تقرير لوكالة رويترز.
هبوط أسعار النفط:
- هبطت أسعار النفط خلال التعاملات المبكرة، الثلاثاء، في تراجع لليوم الثاني على التوالي، بفعل مخاوف من أن الرسوم الجمركية الأمريكية على كندا والمكسيك والصين ستؤدي لإبطاء اقتصادات في أنحاء العالم وإلحاق الضرر بالطلب على الطاقة بينما تزيد مجموعة أوبك+ إمداداتها.
- وقال دانيال هاينز، كبير محللي السلع الأولية، في إيه.إن.زد "أثارت تصريحات ترامب موجة من البيع، إذ بدأ المستثمرون تقدير مخاطر ضعف نمو الطلب".
كيف تأثرت ثروات مؤيدي ترامب من المليارديرات؟
عندما أدى ترامب اليمين الدستورية في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025، كان محاطاً ببعض أغنى أغنياء العالم من مؤيديه. ولم يكن المليارديرات الحاضرون في ذلك اليوم ــ بما في ذلك إيلون ماسك، وجيف بيزوس، ومارك زوكربيرج ــ أكثر ثراءً من أي وقت مضى، حيث حققوا مكاسب كبيرة من أسواق الأسهم المزدهرة.
وبعد سبعة أسابيع، أصبحت القصة مختلفة. فقد شهدت بداية ولاية ترامب الثانية تحولاً مذهلاً بالنسبة للعديد من المليارديرات الذين حضروا حفل تنصيبه في قاعة الكابيتول، حيث خسر خمسة منهم 209 مليار دولار من ثرواتهم، وفقًا لمؤشر بلومبرغ للمليارديرات.
وكانت الفترة بين انتخاب ترامب وتنصيبه بمثابة نعمة لأثرياء العالم. واتجه المستثمرون إلى أسواق الأسهم والعملات المشفرة، على أمل أن تكون سياسات ترامب مفيدة للأعمال.
وارتفعت أسهم شركة تسلا التابعة لماسك بنسبة 98% في الأسابيع التي أعقبت الانتخابات، لتصل إلى مستوى قياسي.
ولكن التوقعات بأن بداية ولاية ترامب الجديدة سوف تستمر في تغذية ثروات المليارديرات من مؤيديه انقلبت رأساً على عقب.
وكانت الشركات التي تقف وراء ثروات الحاضرين في حفل التنصيب من بين أكبر الخاسرين، حيث خسرت 1.39 تريليون دولار من قيمتها السوقية منذ 17 يناير/كانون الثاني، وهو آخر يوم للتداول قبل حفل التنصيب.
فبينما انخفضت ثروات الرئيس التنفيذي لشركة تسلا، ماسك، بمقدار 148 مليار دولار، فقد انخفضت ثروات جيف بيزوس، مالك شركة آمازون، والذي تبرعت شركته بمبلغ مليون دولار لصالح حفل تنصيب ترامب، بمقدار 29 مليار دولار. وانخفضت ثروة مالك شركة ميتا، مارك زوكربيرج، بمعدل 5 مليار دولار.

ما هو التالي؟
قال خبراء اقتصاديون في شركة جي بي مورجان تشيس إن خطر الركود الاقتصادي ارتفع إلى 40% مقارنة بتوقعات سابقة بلغت 30% بسبب "السياسات الأمريكية المتطرفة".
ونقلت صحيفة وول ستريت جورنال الأمريكية عن مؤسسة جولدمان ساكس، التي كانت تتوقع باستمرار نمواً يفوق الإجماع في السنوات الأخيرة، إنها تتوقع نمواً أضعف. ورفع خبراء الاقتصاد في المؤسسة احتمالات الركود على مدى 12 شهراً إلى 20% من 15%.
بينما قال جورج ماتيو، كبير مسؤولي الاستثمار في بنك كي برايفت: "ما زلنا نعتقد أن هذا الأمر أقرب إلى مخاوف تباطؤ النمو منه إلى الركود. إنه وضع من صنع الإنسان إلى حد كبير".
وحذر بعض المحللين من أن تصريحات ترامب بشأن الركود قد تعكس بدلاً من ذلك جهداً استراتيجياً لتحسين موقف البلاد التفاوضي مع الشركاء التجاريين، وإجبار مستثمري السندات وبنك الاحتياطي الفيدرالي على التوجه نحو خفض أسعار الفائدة.
وبالفعل، دفع سلوك ترامب المتهور في التجارة والأمن السلطات في الصين وأوروبا إلى اتخاذ خطوات لزيادة الإنفاق على التحفيز الاقتصادي والدفاع، وفقاً لصحيفة وول ستريت جورنال.