في 21 يناير/كانون الثاني 2025، وبعد يومين فقط من سريان وقف إطلاق النار في غزة، بدأ الاحتلال الإسرائيلي بشن عملية عسكرية هي الأكبر منذ عام 2002 ضد مخيمات الضفة الغربية، ليعلن لاحقاً أنه يسعى إلى إعادة تشكيلها، بالتزامن مع إنهاء عمل وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية.
وتسبب العدوان الإسرائيلي في شمال الضفة الغربية بتهجير أكثر من 40 ألف فلسطيني من منازلهم، وقال وزير الجيش يسرائيل كاتس إنهم لن يسمحوا لهم بالعودة.
وقال كاتس إنه أصدر تعليمات للجنود للاستعداد لإقامة طويلة في مخيمات الضفة الغربية التي تم إخلاؤها لعام من الآن، ومنع عودة قاطنيها.
وللمرة الأولى منذ عقدين من الزمن، أرسل الجيش الإسرائيلي دبابات إلى مدينة جنين، وأنشأ موقعاً عسكرياً في طولكرم.

وواكب ذلك زيارات منفصلة لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الجيش يسرائيل كاتس لمناطق عملية "السور الحديدي" في مخيمات الضفة الغربية.
وتأتي العملية الموسعة في الضفة الغربية بالتزامن مع إلغاء عمل وكالة "الأونروا"، في استهداف واضح للمخيمات واللاجئين الفلسطينيين الذين يستفيدون من خدمات الوكالة الأممية.
أين تتوزع مخيمات الضفة الغربية؟
يتوزع نحو ربع اللاجئين الفلسطينيين في مخيمات الضفة الغربية، البالغ عددهم 775 ألفاً، في 19 مخيماً رسمياً، بينما يعيش معظم الآخرون في مدن وقرى الضفة، بحسب هيئة الإحصاء الفلسطيني.
وأقيمت مخيمات الضفة الغربية عقب النكبة الفلسطينية عام 1948، حيث قامت وكالة الأونروا باستئجار أراضٍ من الحكومة الأردنية التي كانت تسيطر على الضفة في ذلك الوقت.
وتالياً مخيمات الضفة الغربية:
- مخيم الأمعري: يقع ضمن حدود بلدية البيرة وسط الضفة الغربية، ويعيش فيه أكثر من 10.5 آلاف لاجئ مسجّل.
- مخيم الجلزون: يقع شمال رام الله وسط الضفة الغربية، ويعيش فيه أكثر من 11 ألف لاجئ فلسطيني مسجّل.
- مخيم الدهيشة: يقع جنوب مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، وتنحدر أصول سكانه من 45 قرية تقع غرب منطقة القدس وغرب منطقة الخليل، ويقطنه حوالي 13 ألف مسجّل.
- مخيم العروب: يقع على وادٍ يسمى "الصقيع"، على مسافة 15 كيلومتراً جنوب بيت لحم، وينحدر سكان المخيم من 33 قرية تابعة للرملة والخليل وغزة، ويقطنه أكثر من 10.4 آلاف لاجئ مسجّل.
- مخيم الفارعة: يقع جنوب طوباس وشمال شرق نابلس شمال الضفة الغربية، وهو جزء من سلسلة جبلية، لكن تتخلله أراضٍ واسعة صالحة للزراعة، وينحدر سكان المخيم من 30 قرية تابعة للمناطق الشمالية الشرقية من يافا، ويقطنه 7.6 آلاف لاجئ مسجّل.
- مخيم الفوار: يقع على بعد 10 كيلومترات جنوب الخليل جنوب الضفة الغربية، وينحدر سكانه من 18 قرية تابعة لمناطق غزة والخليل وبئر السبع، ويقطنه أكثر من 8 آلاف لاجئ مسجّل.
- مخيم بلاطة: يقع ضمن حدود بلدية نابلس شمال الضفة الغربية، وينحدر سكانه من 60 قرية تابعة لمناطق اللد ويافا والرملة، ويقطنه حالياً 23.6 ألف لاجئ مسجّل.
- مخيم بيت جبرين: يقع في قلب مدينة بيت لحم جنوب الضفة الغربية، ويسكنه أكثر من ألف لاجئ مسجّل، وينحدر سكانه من القرى المدمرة في بيت جبرين، التي تقع على التلال الغربية لمدينة الخليل.
- مخيم جنين: يقع ضمن حدود بلدية جنين شمال الضفة الغربية، ويسكنه 16 ألف لاجئ فلسطيني مسجّل، تعرض للتدمير عام 1953 بعد عاصفة ثلجية، وفي عام 2002 احتله الاحتلال بعد 10 أيام من القتال العنيف، حيث دُمّر فيه أكثر من 400 منزل.
- مخيم دير عمار: يقع شمال غرب رام الله، وينحدر سكانه من القرى المدمرة التابعة لمناطق اللد والرملة ويافا، كما أنه يقع في المنطقة (ب) تحت السيطرة الإسرائيلية والفلسطينية المشتركة.
- مخيم رقم واحد: يعد أول مخيم للاجئين الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة، ويقع في حدود بلدية نابلس شمال الضفة الغربية، ويسكنه نحو 6.7 آلاف لاجئ مسجّل، كما يطلق عليه اسم "مخيم عين بيت الماء".
- مخيم شعفاط: يعد المخيم الوحيد في الضفة الغربية الذي يقع ضمن حدود بلدية القدس التابعة للاحتلال الإسرائيلي، ويصل عدد سكانه إلى حوالي 11 ألف لاجئ فلسطيني.
- مخيم طولكرم: يقع ضمن حدود بلدية طولكرم شمال الضفة الغربية، وينتمي اللاجئون الأصليون فيه إلى القرى والمدن التابعة لمناطق حيفا ويافا وقيسارية، ويبلغ عدد اللاجئين المسجّلين فيه نحو 27,631 لاجئاً فلسطينياً.
- مخيم عايدة: يقع بين مدينتي بيت لحم وبيت جالا جنوب الضفة الغربية، وينتمي اللاجئون الأصليون فيه إلى 17 قرية تابعة للجزء الغربي من منطقتي القدس والخليل، حيث يسكنه أكثر من 4.7 آلاف لاجئ مسجّل.
- مخيم عسكر: يقع ضمن حدود بلدية نابلس شمال الضفة الغربية، وينحدر سكانه من 36 قرية تابعة لمناطق اللد وحيفا ويافا، ويسكنه نحو 15.9 ألف لاجئ مسجّل.
- مخيم عقبة جبر: يقع جنوب غرب مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، وينحدر سكانه الأصليون من قرابة 22 قرية شمال حيفا، ويسكنه نحو 10,502 لاجئ فلسطيني.
- مخيم عين السلطان: يقع قرب مدينة أريحا شرق الضفة الغربية، ويبلغ عدد سكانه حوالي 3,458 لاجئاً مسجّلاً، وينحدر سكانه من مناطق الرملة واللد والخليل.
- مخيم قلنديا: يقع شمال القدس المحتلة، ويخضع لسيطرة السلطات الإسرائيلية التي تعتبره جزءاً من بلدية القدس الكبرى، ويبلغ عدد سكانه 16,344 لاجئاً مسجّلاً.
- مخيم نور شمس: يقع شرق مركز مدينة طولكرم شمال الضفة الغربية، وكان سكانه الأوائل يقطنون منطقة جنين، ويبلغ عدد سكانه 13.5 ألف لاجئ مسجّل.

أما مخيمات الضفة الغربية غير المعترف بها، فهي:
- مخيم سلواد: يقع شرق رام الله وسط الضفة الغربية، ويطلق عليه البعض "مخيم غزة"، ولا يتجاوز عدد سكانه 500 نسمة.
- مخيم عين عريك: يقع غرب مدينة رام الله وسط الضفة الغربية، ولا يتجاوز عدد سكانه 500 نسمة.
- مخيم النويعمة: يقع شمال مدينة أريحا، وبلغ عدد سكانه عام 1967 حوالي 25,000 نسمة، ويمثلون نحو 300 عائلة؛ وبعد العدوان، أصبحت معظم وحدات المخيم آيلة للسقوط، فهجره سكانه، بعدما منعت السلطات الإسرائيلية وكالة الغوث من ترميم أبنيته.
أين تتركز عمليات الجيش الإسرائيلي؟
تتركز عمليات جيش الاحتلال بشكل خاص في مخيمات مدن جنين وطولكرم وطوباس، وامتدت لتشمل بلدة قباطية وقرى أخرى في محيطها.
وتشير المعطيات الميدانية إلى أن الاحتلال الإسرائيلي هجّر المواطنين الفلسطينيين من:
- مخيم جنين.
- مخيم طولكرم.
- مخيم نور شمس.
- مخيم الفارعة.
ويخشى الفلسطينيون أن تكون هذه العمليات التوسعية بمثابة خطة للتهجير الواسع النطاق، وإعادة السيطرة الإسرائيلية على المناطق التي تديرها السلطة الفلسطينية منذ عام 1993، بحسب صحيفة نيويورك تايمز.

وبحسب مصادر محلية لـ عربي بوست، فإن العمليات داخل مخيم جنين شملت:
- تحويل المباني السكنية إلى نقاط انتشار للقوات الإسرائيلية.
- تخريب ممنهج للبنى التحتية والمناطق المحيطة بالخدمات الحيوية في المخيم.
- منع وصول المياه إلى 4 مستشفيات رئيسية في جنين.
- قطع كامل للتيار الكهربائي عن أحياء واسعة في مخيم جنين.
وقال محافظ جنين كمال أبو الرب، في تصريحات صحفية، إن الاحتلال يقوم بعمليات حفر عميقة تصل إلى أكثر من ثلاثة أمتار في محيط مخيم جنين، في خطوة تهدف إلى التحضير لبناء أبراج مراقبة عسكرية.
وأشار إلى أن قسم الهندسة التابع للاحتلال يعمل منذ اليوم الأول للعدوان على تغيير خارطة مخيم جنين من خلال فتح شوارع جديدة، وهو ما يعكس محاولة لفرض واقع جديد يسهل السيطرة الأمنية عليه.
وتشير البيانات التي حصل عليها عربي بوست إلى أن الاحتلال هدم 193 منزلاً، و290 محلاً تجارياً ومنشآت زراعية وبركسات وغيرها في مخيم جنين حتى 24 فبراير/شباط 2025.
وبلغ عدد النازحين في جنين ومخيمها ما يقرب من 20 ألف نسمة (أي ما يشكل 29% من مجمل عدد السكان في المدينة والمخيم)، بينما في مخيم جنين وحده، فقد نزح قسراً 90% من مجمل السكان، وفق تقديرات الأونروا.
أما في طولكرم، فقد توسعت العمليات العسكرية لتشمل جميع أحياء المدينة ومخيماتها، حيث استهدفت الهجمات الشوارع الرئيسية، فيما تتوغل القوات الإسرائيلية في أحياء البالونة والشهداء والحدايدة والحمام والمطار، حيث حلّ الدمار الهائل فيها.

كما حولت قوات الاحتلال بعض منازل المواطنين إلى ثكنات عسكرية في خطوة تهدف إلى ترسيخ الوجود العسكري في قلب طولكرم.
ووفقاً للمعطيات الرسمية الفلسطينية، فقد بلغ عدد النازحين في طولكرم 16 ألف مواطن، منهم 11 ألف نازح من مخيم طولكرم، ما نسبته 92% من مجمل سكان المخيم، ونحو 5,500 نازح من مخيم نور شمس.
وتشير بيانات حصل عليها عربي بوست إلى أن الاحتلال هدم 91 منزلاً، ونحو 526 محلاً تجارياً ومنشآت زراعية وبركسات وغيرها في طولكرم.
وفي مخيم نور شمس بطولكرم، قامت قوات الاحتلال بتجريف المنازل والطرقات بشكل عشوائي، وحاصرت السكان لمدة 48 ساعة، ثم أجبرتهم على الخروج مشياً بعد إجراء تحقيقات ميدانية وتفتيش جسدي للرجال.
ووفقاً لوكالة وفا الفلسطينية، فإن قوات الاحتلال أخطرت في ساعة متأخرة من ليلة الثلاثاء/الأربعاء بهدم 11 منزلاً في مخيم نور شمس خلال الأيام القادمة.

وفي إطار تغيير معالم المخيم، يعمل الاحتلال على شق طريق يمتد من ساحة المخيم باتجاه حارة المنشية.
وخلال الأيام الماضية، هدم الاحتلال أكثر من 26 بناية في مخيم طولكرم، وتم تسويتها بالأرض، ضمن مخطط يهدف إلى فتح شارع يمتد من منطقة الوكالة إلى حارة البلاونة، ما ألحق أضراراً جسيمة بكل ما حولها من بنايات ومرافق.
وواكب ذلك توزيع إخطارات من الاحتلال بمنع إقامة منشآت للفلسطينيين في قرية خربة جبارة جنوب طولكرم.
أما في طوباس، فقد بلغ عدد النازحين ما يقارب 4,400 في كل من قرية طمون ومخيم الفارعة، وهو ما يشكل 29% من مجمل عدد السكان المقدر في تلك المناطق.
ودمّر الاحتلال 43 محلاً تجارياً ومنشأة زراعية وبركسات وغيرها خلال اجتياح مدينة طوباس ومخيمها، إلى جانب التدمير الكلي لشبكات المياه والصرف الصحي وتمديدات الكهرباء، نتيجة تجريف معظم الطرق الرئيسية والفرعية.
ما الغرض الإسرائيلي من العمليات في مخيمات شمال الضفة؟
يزعم الاحتلال الإسرائيلي أن عدوانه العسكري يأتي رداً على التهديد المتزايد من جانب المقاومين الفلسطينيين في الضفة الغربية.
لكن صحيفة نيويورك تايمز نقلت عن مسؤولين فلسطينيين أن هناك مؤشرات أيضاً على أن القوات الإسرائيلية تسعى إلى فرض سيطرة طويلة الأمد على أجزاء من شمال الضفة الغربية.
ويقول محمد جرار، رئيس بلدية جنين، إن السلطات الإسرائيلية اقترحت على المسؤولين المحليين خططاً لبناء طرق جديدة، والأمر الأكثر إثارة للقلق هو تحويل مخيم جنين إلى حي تابع لمدينة جنين.
وكشف، في تصريحات صحفية، أن البلدية رفضت طلباً إسرائيلياً مباشراً بتحويل مخيم جنين إلى حي من أحياء المدينة يتلقى الخدمات من البلدية.
وهذا المخطط قد يؤدي فعلياً إلى إجبار الأونروا على الخروج من المخيم وزعزعة النسيج الاجتماعي في جنين، ورغم الرفض الفلسطيني، فإن المسؤولين الإسرائيليين قالوا إنهم بدوا عازمين على المضي قدماً في الخطة دون موافقة الفلسطينيين، بحسب نيويورك تايمز.
وقال الأكاديمي البريطاني الفلسطيني كامل حواش، لوكالة الأناضول، إن العدوان على المخيمات، وخاصة في جنين وطولكرم، ينسجم مع هدف نتنياهو بإنهاء مفهوم اللاجئ الفلسطيني.
من جهته، قال وكيل دائرة شؤون اللاجئين بمنظمة التحرير الفلسطينية، أنور حمام، لوكالة وفا، إن استهداف قضية اللاجئين يتخذ مسارين أساسيين تتجلى معالمهما في الوقت الراهن، وهما:
- استهداف المخيمات بالتدمير الممنهج باعتبارها شواهد على النكبة.
- استهداف الأونروا ومنع عملها باعتبارها تمثل الاعتراف الدولي بقضية اللاجئين.
وفي هذا السياق، يؤكد المسؤول الفلسطيني أن الاحتلال بدأ فعلياً بتنفيذ مخطط خطير للغاية عبر إعادة هندسة شكل ومكانة المخيم، مضيفاً أن هناك تهديدات حقيقية تهدف إلى شطب فكرة المخيم، وتحويل المخيمات بعد تجريفها وفتح شوارع كبيرة داخلها إلى أحياء قريبة من المدن ودمجها بها، وبالتالي استهداف هوية المخيم ومكانته، وإلغاء خصوصيته كموقع مكاني وتاريخي مرتبط بالنكبة.

وفي الإطار ذاته، يقول المحلل السياسي الإسرائيلي المعروف جدعون ليفي، في مقال على صحيفة هآرتس، إن العدوان المتواصل في شمال الضفة هو خطة "شيطانية" تتضمن إخلاء كافة مخيمات اللاجئين في الضفة الغربية وتدميرها.
وأضاف أن الخطة بدأت بإلغاء وكالة الأونروا، واستمرت مع جرافات D9، حيث تم بالفعل تهجير 40 ألف شخص وتدمير منازل بعضهم في المخيمات الشمالية الثلاثة.
وتابع بأن ما يجري ليس حرباً على المقاومة الفلسطينية فحسب، ولا يتوقف عند تدمير البنية التحتية للمياه والكهرباء والطرق والصرف الصحي، بل يشمل تدمير مخيمات اللاجئين بالكامل.
وأشار إلى أن الخطة لن تتوقف في مخيم نور شمس أو مخيمات بلاطة وعسكر، بل ستمتد حتى آخر المخيمات المنتشرة في الضفة الغربية.
وحول بدء العملية الإسرائيلية تحديداً في شمال الضفة، نقلت وكالة الأنباء الفلسطينية وفا عن المختص بالشأن الإسرائيلي، عصمت منصور، أن التركيز على الشمال يعود إلى حساسيته وموقعه الجغرافي، سواء لقربه من أراضي عام 1948 أو بالنسبة للحدود مع الأردن.