واشنطن وموسكو تقرران مصير كييف وتهمّشان أوروبا.. لدى ترامب أهداف استعمارية في أوكرانيا، وهذا ما نعرفه عنها

عربي بوست
تم النشر: 2025/02/18 الساعة 14:29 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/02/18 الساعة 14:30 بتوقيت غرينتش
ترامب وبوتين يقرران مصير أوكرانيا.. هل تعمدت أميركا تهميش أوروبا؟- عربي بوست

وحدتهم الحرب وفرّقهم طريق السلام. على غرار حليفتها الأميركية، أمضت الدول الأوروبية ما يقرب من ثلاث سنوات في استنزاف ترساناتها العسكرية واستنزاف خزائنها تحت شعار الدفاع عن الحرية والديمقراطية. لكن مع عودة دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، يبدو أن هذا الاصطفاف الغربي يتلاشى أمام حسابات مصالح "أمريكا أولاً" وسياسة "عقد الصفقات" التي يعشقها ترامب.

بعد ثلاث سنوات من الجمود شبه الكامل في العلاقات بين واشنطن وموسكو، وقبيل الذكرى الثالثة لاندلاع الحرب الروسية الأوكرانية، اجتمع الثلاثاء، 18 فبراير/شباط 2025، مسؤولون أميركيون وروس كبار، بينهم وزيرا خارجية البلدين، في الرياض لإجراء محادثات تهدف إلى إنهاء الحرب والبت في مستقبل أوكرانيا. وبحسب الخارجية الأميركية، شهد الاجتماع "اتفاقاً على إنشاء آلية تشاور لمعالجة مسببات التوتر" في العلاقات بين البلدين، مضيفةً أنه سيتم العمل على إنهاء الحرب الروسية في أوكرانيا "في أقرب وقت ممكن". بينما قال المستشار الدبلوماسي للكرملين، يوري أوشاكوف، إن المحادثات "سارت بشكل جيد".

ويأتي الاجتماع تمهيداً لقمة مرتقبة بين فلاديمير بوتين ودونالد ترامب في المملكة العربية السعودية، كل ذلك من دون إشراك أوكرانيا أو القادة الأوروبيين، الذين باتت قارتهم ساحة للمعارك والحروب مجدداً بعد عقود من الاسترخاء.

ولذلك، هرع قادة ألمانيا، المملكة المتحدة، إيطاليا، بولندا، إسبانيا، هولندا، والدنمارك إلى قصر الإليزيه في باريس، حيث انضم إليهم كل من رئيس حلف شمال الأطلسي، مارك روته، ورئيسة المفوضية الأوروبية، أورسولا فون دير لاين، ورئيس مجلس الاتحاد الأوروبي، أنطونيو كوستا، في محاولة لوقف اندفاع ترامب نحو ما وصفته كايا كالاس، مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي، بـ"الصفقة القذرة" بين ترامب وبوتين، والتي قد تحقق مصالح الروس والأميركيين على حساب أوروبا وأوكرانيا، التي ما زالت تكافح للحصول على مقعد على طاولة المفاوضات.

فماذا يدور في أوكرانيا بين ترامب وأوروبا؟ وإلى أي مدى تصدعت الجبهة الغربية؟

ينفتح خط صدع خطير في الغرب في الوقت الذي يسارع فيه دونالد ترامب إلى إنهاء الحرب في أوكرانيا على طريقته.

فبحسب بعض المحللين لشبكة CNN الأميركية، يتوق الرئيس الأميركي إلى عقد صفقة وتحقيق انتصار سياسي مبكر لتعزيز مطالبه بالحصول على جائزة نوبل للسلام. ولكن التوصل إلى نهاية عادلة للصراع قد يتحدى الحل السريع، لأنه يفرض قضايا وجودية على أوكرانيا والأمن الأوروبي.

إعلان ترامب عن تواصله مع بوتين جاء بمثابة صدمة لكييف وحلفائها في أوروبا، إذ أثار مخاوف من احتمال اتفاق ثنائي بين ترامب وبوتين قد يُفرض لاحقاً على أوكرانيا كأمر واقع. ويرى العديد من المحللين أن "ملك الصفقات"، بإرساله فريقه لمناقشة السلام مع روسيا قبل التشاور مع أوروبا، يعصف بالوحدة الغربية، خاصة أن نتائج هذه الحرب ليست أقل أهمية لأوروبا مما هي عليه بالنسبة إلى أوكرانيا.

واشنطن وموسكو تقرران مصير كييف وتهمّشان أوروبا.. لدى ترامب أهداف استعمارية في أوكرانيا، وهذا ما نعرفه عنها
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين/رويترز

فالتحركات المنفردة لترامب قد تُفضي إلى اتفاق سلام يعزز قوة روسيا، ويترك القارة الأوروبية في مواجهة عدو أكثر جرأة، في وقت تهدد فيه الولايات المتحدة بالانسحاب من الناتو، مما قد ينهي ثمانين عاماً من الضمانات الأمنية التي قدمتها واشنطن لحلفائها.

الأسبوع الماضي، فجّر نائب الرئيس الأميركي، جيه دي فانس، ووزير الدفاع، بيت هيجسيث، جدلاً حول التزام أوروبا بأمنها ومبادئها الديمقراطية. ففي بروكسل، أبلغ هيجسيث قادة الناتو أن القوات الأوروبية – وليس الأميركية – ستكون المسؤولة عن مراقبة أي اتفاق بين أوكرانيا وروسيا. كما لمّح إلى أن انضمام أوكرانيا إلى الناتو لم يعد خياراً واقعياً.

ورغم أن هيجسيث بدا لاحقاً وكأنه يتراجع عن موقفه، حين صرّح في مؤتمر صحفي بأن "كل شيء مطروح للنقاش" وأن القرار النهائي بيد ترامب، فإن القلق الأوروبي لم يتبدد. وفقاً لصحيفة فاينانشال تايمز، تخشى بعض العواصم الأوروبية أن يرفع ترامب يده عن أوكرانيا قريباً، ويُلقي بمسؤولية أمنها على عاتق القارة العجوز، مما سيُلزمها بتقديم دعم مالي وعسكري يفوق بكثير التزاماتها الحالية.

لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فسياسة "أمريكا أولاً" حاضرة دائماً، فوفقاً لعدة تقارير أميركية، يضع ترامب نصب عينيه تأمين الوصول إلى المعادن الأرضية النادرة في أوكرانيا، التي تُعدّ كنزاً استراتيجياً بالغ الأهمية. إذ تمتلك أوكرانيا رواسب من 22 معدناً من أصل 50 حدّدتها الولايات المتحدة على أنها بالغة الأهمية (من قائمة الاتحاد الأوروبي المكونة من 34 عنصراً، لديها رواسب من 25 منها).

وتشير بيانات وزارة حماية البيئة والموارد الطبيعية الأوكرانية إلى أن البلاد غنية بشكل خاص بالجرافيت، الليثيوم، التيتانيوم، البيريليوم، واليورانيوم—وهي عناصر حيوية لصناعات الدفاع والتكنولوجيا، حيث تُستخدم في تصنيع البطاريات، أنظمة الرادار، والدروع. الأهم من ذلك، أن هذه الموارد يمكن أن تساعد في تقليل اعتماد الولايات المتحدة على المعادن الصينية، وهو هدف استراتيجي تسعى واشنطن إلى تحقيقه منذ سنوات.

وقد قال ترامب هذا الشهر: "نحن نتطلع إلى عقد صفقة مع أوكرانيا، حيث سيؤمنون ما نقدمه لهم من معادنهم النادرة وأشياء أخرى".

وبالفعل، زار وزير الخزانة الأميركي، سكوت بيسنت، كييف الأسبوع الماضي، واصفاً صفقة المعادن بأنها "درع أمني" لأوكرانيا في مرحلة ما بعد الحرب. من جانبه، أبدى الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، استعداده لمتابعة هذه الصفقة، والتقى بأعضاء مجلس الشيوخ الأميركي على هامش مؤتمر ميونيخ لمناقشة التعاون الاقتصادي، بما في ذلك الموارد المعدنية، وفقاً لمنشور له على منصة إكس.

واشنطن وموسكو تقرران مصير كييف وتهمّشان أوروبا.. لدى ترامب أهداف استعمارية في أوكرانيا، وهذا ما نعرفه عنها
الرئيس المنتخب للولايات المتحدة الأمريكية دونالد ترامب في قصر الإليزيه لإجراء مقابلة مع إيمانويل ماكرون والرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي – shutterstock

ووفقاً لصحيفة Politico، بدأ زيلينسكي منذ سبتمبر/أيلول الماضي – أي قبل أشهر من فوز ترامب في الانتخابات – الترويج لفكرة أن المصالح الاقتصادية للولايات المتحدة وغيرها مرتبطة بأوكرانيا، على أمل أن يؤدي ذلك إلى استمرار تدفق الأسلحة، واستقطاب الشركات الأميركية للعمل على الأرض، مما قد يخلق "فخاً سياسياً" يردع بوتين عن شن أي هجوم جديد.

لكن عندما سُئل عن مدى استعداد ترامب لدعم أوكرانيا عسكرياً لاستعادة الأراضي التي تحتلها روسيا، قال فاجديتش، خبير السياسة الخارجية الجمهوري، الذي يعمل حالياً في الضغط لصالح أوكرانيا: "لا أعتقد أن هذا هو الانطباع السائد. ولا أعتقد أن الأوكرانيين يتوقعون أن يدعمهم ترامب حتى استعادة جميع الأراضي التي تحتوي على هذه الموارد الحيوية. ولا أعتقد أن هذا هو مركز الثقل في التفكير". فماذا يريد ترامب إذاً؟

صفقة المعادن: استثمار أم استعمار؟

كشفت صحيفة التلغراف البريطانية عن عقد اقتصادي وصل إلى مكتب زيلينسكي قبل أسبوع، تصفه بأنه يرسّخ الاستعمار الاقتصادي الأميركي لأوكرانيا بشكل قانوني للأبد.

وبحسب العقد، ستقوم الولايات المتحدة وأوكرانيا بإنشاء صندوق استثمار مشترك لضمان "عدم استفادة الأطراف المعادية للصراع من إعادة إعمار أوكرانيا". وتشمل الاتفاقية الموارد الاقتصادية الأوكرانية، من المعادن إلى النفط والغاز، والموانئ والبنية التحتية، دون تحديد واضح لنطاقها بالكامل. كما تنص الاتفاقية على أن "هذه الاتفاقية تخضع لقانون نيويورك، دون مراعاة مبادئ تضارب القوانين".

ووفقاً لبنود الصفقة، ستحصل الولايات المتحدة على 50% من العائدات المتكررة التي تجنيها أوكرانيا من استخراج الموارد، و50% من قيمة جميع التراخيص الجديدة الممنوحة لأطراف ثالثة. كما يفرض العقد امتيازاً أميركياً على هذه العائدات، مما يعني ببساطة: "ادفع لنا أولاً، ثم أطعم شعبك"، كما وصف مصدر قريب من المفاوضات.

ليس ذلك فحسب، بل ستحظى واشنطن بحق الرفض الأول على جميع التراخيص المستقبلية المتعلقة بتصدير المعادن، وستتمتع بحصانة سيادية، مما يمنحها سيطرة شبه كاملة على معظم اقتصاد السلع والموارد في أوكرانيا، وفقاً لصحيفة التلغراف.

كما ينص العقد على أن الصندوق المشترك سيكون له "الحق الحصري في تحديد الطريقة ومعايير الاختيار والشروط والأحكام" لجميع التراخيص والمشاريع المستقبلية. وهكذا دواليك. ووفقاً للصحيفة، فإن الاتفاقية توحي بأنها صيغت من قبل محامين خاصين، وليس من قبل وزارتي الخارجية أو التجارة في الولايات المتحدة.

يقول ترامب في كتابه فن الصفقة: "أسلوبي في عقد الصفقات بسيط ومباشر للغاية. أضع أهدافاً عالية، ثم أواصل الضغط والضغط للحصول على ما أسعى إليه".

وبينما تتزايد المحادثات حول اتفاق سلام محتمل، قال ترامب إن أوكرانيا وافقت على منح الولايات المتحدة معادن نادرة بقيمة 500 مليار دولار. وفي مقابلة مع فوكس نيوز، قال: "قد يتوصلون إلى اتفاق، وقد لا يتوصلون إليه. قد يصبحون روساً يوماً ما، وقد لا يصبحون روساً يوماً ما."

ثم أضاف: "لقد أخبرتهم أنني أريد ما يعادل نحو 500 مليار دولار من المعادن النادرة، وقد وافقوا بشكل أساسي على القيام بذلك، لذلك على الأقل لا نشعر بالغباء".

لكن وفقاً لتقرير التلغراف، إذا تم تنفيذ هذه الصفقة، فإن مطالب ترامب ستصل إلى حصة أعلى من الناتج المحلي الإجمالي الأوكراني مقارنة بالتعويضات المفروضة على ألمانيا في معاهدة فرساي.

أين أوروبا من أوكرانيا؟

طالب الحلفاء الأوروبيون بإشراكهم في أي مفاوضات سلام تتعلق بالحرب في أوكرانيا، لكن قمة باريس لم تسفر عن اتفاق واضح حول الالتزامات الملموسة تجاه كييف. ومع ذلك، أجمع قادة الاتحاد الأوروبي على ضرورة زيادة الإنفاق الدفاعي، خاصة مع تهديد الولايات المتحدة بسحب مساعداتها من الصراع بسرعة.

واشنطن وموسكو تقرران مصير كييف وتهمّشان أوروبا.. لدى ترامب أهداف استعمارية في أوكرانيا، وهذا ما نعرفه عنها
الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي ونظيره الفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشار الألماني أولاف شولز في قصر الإليزيه في باريس في 8 فبراير/شباط 2023-رويترز

وفي هذا السياق، أبدى الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، رغبته في تولي زمام المبادرة في الجهود الأوروبية لدعم أوكرانيا، لكن ما إذا كان سيتمكن من تحقيق ذلك فعلياً يبقى موضع تساؤل. فقد كان ماكرون أول من اقترح، قبل عام، إمكانية إرسال قوات أوروبية إلى أوكرانيا كجزء من قوة حفظ سلام مستقبلية، وهو اقتراح أثار جدلاً واسعاً في العواصم الأوروبية آنذاك.

وبحسب مكتب ماكرون، أجرى الرئيس الفرنسي اتصالاً هاتفياً مع ترامب قبل بدء محادثات باريس يوم الاثنين، في خطوة تعكس رغبته في التنسيق، أو ربما التفاوض حول موقف أوروبي أكثر تأثيراً.

الانقسامات الأوروبية

قبل الاجتماع في باريس، أعلنت المملكة المتحدة استعدادها لإرسال قوات لحفظ السلام إلى أوكرانيا. لكن رغم ذلك، فإن الاتفاق على هذه الفكرة لا يزال بعيداً عن التحقق، إذ تتردد غالبية دول الاتحاد الأوروبي في الالتزام بها في ظل غياب ضمانات أمنية كافية، سواء من الولايات المتحدة أو حتى من حلف شمال الأطلسي (الناتو)، لحماية مثل هذه المهمة.

وكان رئيس الوزراء البولندي، دونالد توسك، من بين أولئك الذين رفضوا المشاركة في المبادرة، حيث صرّح قبل مغادرته إلى باريس: "لا نخطط لإرسال جنود بولنديين إلى أوكرانيا. ومع ذلك، سندعم أيضاً، من حيث الدعم اللوجستي والسياسي، البلدان التي ترغب في تقديم مثل هذه الضمانات في المستقبل".

وعلى نحو مماثل، قال المستشار الألماني، أولاف شولتز، إنه "منزعج بعض الشيء من هذه المناقشات" حول مهمة حفظ السلام الأوروبية في أوكرانيا. وأضاف أن هذا "أمر سابق لأوانه تماماً وفي الوقت الخطأ".

بينما أعربت إسبانيا أيضاً عن عدم رغبتها في المشاركة في أي نوع من قوات حفظ السلام.

وقد أثارت محادثات باريس تساؤلات حول الشكل الذي قد تتخذه عملية صنع القرار في المستقبل بشأن أوكرانيا، والتي كانت حتى الآن تتم بالإجماع من قبل جميع الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي، ما أدى في بعض المناسبات إلى طريق مسدود وأسابيع من التأخير.

كما لوحظ غياب المجر وسلوفاكيا، فلم يتم دعوة المعترضين الرئيسيين في أوروبا على المساعدات لأوكرانيا—المجر وسلوفاكيا—اللذين رفضا قمة باريس باعتبارها محاولة لعرقلة جهود ترامب للسلام.

وفي هذا السياق، قال وزير الخارجية المجري، بيتر سيارتو، في تصريحات بُثت عبر الإنترنت يوم الاثنين: "يتجمع الزعماء الأوروبيون المؤيدون للحرب والمعارضون لترامب والمحبطون لمنع اتفاق السلام في أوكرانيا". وأضاف: "على عكس المشاركين في قمة باريس، فإننا سندعم بشكل كامل جهود ترامب والمفاوضات الأميركية الروسية".

تحميل المزيد