الاحتلال بدأ في حصر خسائره.. هكذا أثرت الحرب على غزة سلباً على الاقتصاد الإسرائيلي

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/18 الساعة 10:51 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/18 الساعة 11:06 بتوقيت غرينتش
مطار بن غوريون صيف 2024 خالياً بسبب الحرب٬ رويترز

بينما تسود حالة من الترقب قبل ساعات من دخول اتفاق وقف إطلاق النار في غزة بين حركة حماس وإسرائيل حيز التنفيذ، بدأ الاحتلال يحصي خسائره الاقتصادية التي خلفتها الحرب التي شنها على القطاع الفلسطيني المحاصر، والتي امتدت لحوالي 470 يوماً.

فبجانب الخسائر البشرية التي عانى منها الاحتلال، عانى الاقتصاد الإسرائيلي من خسائر فادحة طالت قطاعات عديدة من بينها العقارات والسياحة الخارجية والداخلية والاستثمارات والتكنولوجيا، إضافة إلى عجز الموازنة المالية الإسرائيلية وخفض التصنيف الائتماني للاحتلال من قبل وكالات اقتصادية عالمية عدة.

خسائر بقيمة 67 مليار دولار

ووفقاً لما رصدته صحف عبرية من بينها صحيفة كالكاليست الاقتصادية الإسرائيلية، فقد تجاوزت تكلفة الحرب على قطاع غزة نحو 250 مليار شيكل (67.57 مليار دولار) حتى نهاية عام 2024.

وأفادت الصحيفة في تقرير نشرته قبل عدة أيام بأن تقديرات بنك إسرائيل تقضي بأن تكلفة الحرب على قطاع غزة، بلغت حتى الآن نحو 250 مليار شيكل.

وأوضحت أن المبلغ يشمل "التكاليف الأمنية المباشرة، والنفقات المدنية الكبيرة والخسائر في الإيرادات، وليس كل شيء".

واعتبرت الصحيفة هذه التكلفة "ثقيلة" لما وصفته بـ"فشل" في الحرب على القطاع، موضحة أن ذلك يتطلب "الحاجة إلى زيادة كبيرة في ميزانية وزارة الدفاع الإسرائيلية خلال العقد المقبل".

وأضافت: "تلك الميزانية (المستقبلية) تتمثل في شراء مزيد من الطائرات والمروحيات وناقلات الجنود المدرعة وكميات كبيرة من الأسلحة والذخيرة، فضلاً عن الاستثمار في البشر أو الجندي الإسرائيلي نفسه".

مشاهد مروعة لمجمع الشفاء
الدمار الذي خلّفه جيش الاحتلال بعد انسحابه من مجمع الشفاء (الأناضول)

وأشارت إلى أن "فشل الجيش الإسرائيلي في الحرب على غزة لم يقف عند هذا الرقم، فقد سبقته خسائر بشرية ومصابون وعائلات وأُسر المصابين الذين تضرروا معنوياً وبعضهم عقلياً أيضاً".

ولفتت إلى أن "الحديث عن أرقام الحرب ونتائجها يأتي على خلفية الحديث عن لجنة فحص ميزانية الأمن والدفاع" المعروفة إسرائيلياً بـ"لجنة ناجل" على اسم رئيسها يعكوف ناجل.

وِأشارت الصحيفة إلى أن "العوائد الخاصة بالغاز الطبيعي في البحر المتوسط كان يفترض أن تذهب إلى وزارتي الصحة والتعليم، لكن يبدو أنها ستذهب إلى وزارة الدفاع الإسرائيلية".

وبينت أن لجنة "ناجل" أوصت بأن الإضافة المطلوبة لوزارة الدفاع خلال السنوات العشر المقبلة ستكون 275 مليار شيكل (74 مليار دولار)، بمعنى إضافة 27.5 مليار شيكل (7 مليارات دولار) في العام الواحد.

وفي 7 يناير/ كانون الثاني الجاري، نقلت صحيفة جيروزاليم بوست الإسرائيلية عن تقرير اللجنة "اقتراح زيادة ميزانية الدفاع بما يصل إلى 15 مليار شيكل سنوياً (4.1 مليارات دولار) على مدى السنوات الخمس المقبلة.

وأوضحت جيروزاليم بوست أن تلك الزيادة تأتي "لضمان تجهيز قوات الدفاع الإسرائيلية للتعامل مع التحديات والتهديدات الإقليمية".

عجز موازنة الاحتلال

في سياق أخر، قالت وزارة المالية الإسرائيلية إن عجز ميزانية الدولة خلال عام 2024، بلغ 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي أو 136.2 مليار شيكل (37.5 مليار دولار).

جاء ذلك في بيان أصدرته وزارة المالية الإسرائيلية هذا الأسبوع في وقت كانت توقعاتها السابقة للعجز مطلع العام الماضي، تبلغ 6.6% من الناتج المحلي الإجمالي، قبل أن ترفع التوقعات إلى 7.7% نهاية 2024.

وذكرت الوزارة أن العجز في الموازنة العامة خلال الاثني عشر شهراً حتى نهاية ديسمبر/كانون أول 2024 بلغ 6.9% من الناتج المحلي الإجمالي أو 136.2 مليار شيكل.

الأضرار الإسرائيلية بسبب حرب غزة
مقر بورصة تل أبيب "أرشيفية"/رويترز

وأضافت أنه "بعد أكثر من عام من الحرب على عدة جبهات، والإخلاء الجماعي للسكان، وصل العجز المالي إلى أعلى مستوى له في عام تقويمي منذ جائحة كوفيد في عام 2020″، عندما تجاوز العجز 45 مليار دولار في ذلك العام.

وحتى اندلاع الحرب في أكتوبر/تشرين أول 2023، كان العجز المالي يتسع بشكل معتدل، وكان ما يزال أقل من 1.5% من الناتج المحلي الإجمالي.

لكن الإنفاق الفوري على الحرب والتعبئة الجماعية للاحتياطيين، وكذلك تقديم المساعدة للنازحين من المستوطنين الإسرائيليين الهاربين من حدود غزة، أدى إلى اتساع العجز المالي إلى 4.2% في كامل عام 2023.

وبينما كانت وزارة المالية تحاول التخفيف من أرقام العجز من خلال احتساب الدعم الذي تعهدت به الولايات المتحدة، إلا أن الأخيرة لم تلتزم بكامل التعهدات البالغة قرابة 18 مليار دولار على شكل مساعدات عسكرية.

وكانت إسرائيل حققت فائضاً في ميزانيتها خلال عام 2022 بنسبة 0.6% من الناتج المحلي الإجمالي، مدفوعاً باستقرار الإنفاق العسكري وارتفاع الاستثمارات الأجنبية وتحسن الجبايات الضريبية.

خسائر قطاع السياحة

وكانت أبرز التداعيات الاقتصادية التي عانى منها الاحتلال أيضاً نتيجة للحرب على قطاع غزة حاضرة في قطاع السياحة الذي شهد خلال عام 2024 تدهوراً كبيراً يذكر بالأزمات التي واجهها القطاع خلال جائحة كورونا في 2020 و2021. 

وجاء هذا الانهيار نتيجة مباشرة لحرب غزة، والتي أسفرت عن ضربات قاسية لصناعة السياحة وأدت إلى أسوأ تراجع في تاريخها.

وبسبب الحرب على غزة ومن ثم الهجمات المتبادلة مع إيران واليمن والحرب على لبنان وكذلك استمرار التظاهرات ضد حكومة نتنياهو وقطع الطرق في المدن الكبرى، علقت معظم شركات الطيران العالمية رحلاتها من وإلى تل أبيب، بعضها لعدة شهور وأخرى حتى إشعار آخر.

وتدهورت صناعة السياحة الوافدة إلى إسرائيل بنسبة فاقت 70٪ خلال العام 2024، مقارنة بـ2023، وتراجعت أكثر من 80% مقارنة بعام الذروة قبل جائحة كورونا في 2019، بحسب تقرير لوكالة الأناضول.

وأظهر مسح للأناضول استناداً إلى بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي، أن السياحة الوافدة تراجعت إلى 885 ألف سائح وزائر خلال الشهور الأحد عشر الأولى من 2024، وسط توقعات بوصولها 952 ألف سائح خلال العام كله.

بينما في الشهور الأحد عشر الأولى من 2023، بلغ عدد الذين زاروا إسرائيل 2.957 مليون سائح، فيما وصل عددهم في كامل 2023 نحو 3.01 ملايين سائح، بحسب بيانات رسمية.

وأمام هذا التدهور، وجدت المرافق السياحية نفسها بعيدة عن أي برامج تحفيز حكومية، وهو ما عبرت عنه عديد الشركات والمؤسسات لوزارة السياحة في إسرائيل.

مستشار لبايدن يزور إسرائيل
حزب الله يطلق عشرات الصواريخ على مواقع الجيش الإسرائيلي٬ مارس 2024/الأناضول

ووفق تقرير نشره موقع "وصلة للاقتصاد والأعمال" الإسرائيلي (خاص)، استناداً إلى بيانات حكومية، فقد أغلقت نحو 60 ألف شركة ومشروع صغير ومتوسط أبوابها عام 2024، بزيادة 50% مقارنة بالسنوات السابقة.

وعلى الرغم من عدم توفر أرقام محددة لعدد شركات السياحة التي أغلقت أبوابها، يشير التقرير إلى أن قطاع السياحة كان من بين الأكثر تضرراً، ما يعني أن عدداً كبيرا منها قد تأثرت وأغلقت أبوابها نتيجة للصراع.

وتظهر الأرقام الصادرة عن مكتب الإحصاء الإسرائيلي، أن تصاعد حرب الإبادة على قطاع غزة أدى إلى تثبيط المسافرين الدوليين بشكل كبير.

ووفقاً لصحيفة يديعوت أحرونوت، فقد انخفضت إيرادات سلطة تشغيل المطارات الإسرائيلية بنسبة 35% في الأشهر التسعة الأولى من عام 2024 بسبب انخفاض حركة المسافرين ومغادرة الشركات الأجنبية.    

وتدهورت بشكل كبير أعداد السياح خلال فترة الحرب الإسرائيلية على لبنان، فبينما كان عدد السياحة الوافدة في أغسطس/ آب 2024 نحو 304.1 آلاف سائح، تراجع لقرابة 89.7 ألف سائح في سبتمبر/أيلول الماضي.

واستمر التراجع إلى 38.3 ألف سائح في أكتوبر/ تشرين الأول الفائت، قبل أن يصعد قليلاً إلى 52.8 ألف سائح في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024، بحسب بيانات مكتب الإحصاء الإسرائيلي.

قطاعي البناء والزراعة

إضافة إلى ذلك، تأثرت قطاعات أخرى مثل البناء والزراعة بشكل كبير، حيث أغلقت حوالي 700 إلى 750 شركة بناء وبنية تحتية العام الماضي، بزيادة تفوق 10% مقارنة بـ 2023. كما تأثر قطاع الزراعة بسبب القيود الأمنية على المناطق الحدودية ونقص العمالة.

وكانت صحيفة يديعوت أحرونوت نشرت في نوفمبر/تشرين الثاني الماضي تقريراً رصد الأوضاع الصعبة التي عانى منها قطاع البناء بسبب الحرب الإسرائيلية على غزة.

وقال التقرير إن قطاع العقارات مر بحالة اضطراب منذ بداية الحرب على غزة.

وأضاف أن رواتب العمال الصينيين قليلي الخبرة، الذين تم الاعتماد عليهم لتعويض العمالة الفلسطينية التي غادرت إسرائيل بعد السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، في مجال البناء والتشييد بلغت ثلاثة اضعاف رواتب العمال الفلسطينيين.

وأشار التقرير إلى أن تكلفة المواد الخام في مجال البناء والتشييد أصبحت أكثر كلفة نتيجة لقرار تركيا وقف تصدير البضائع لإسرائيل.

وكانت رابطة مصنّعي البناء الإسرائيلية حذرت سابقاً من أنه طالما لم يكن هناك عدد كافٍ من العمال في قطاع البناء، سيتعين على المنشآت الصناعية في القطاع إغلاق خطوط الإنتاج بالكامل. 

وذكرت الرابطة أن أثر هذه الأزمة سيستمر بالبلاد، حتى بعد تعافي الاقتصاد من آثار الحرب.

وكانت وسائل إعلام عبرية قد ذكرت أن أزمة صناعة البناء تتفاقم في إسرائيل على خلفية الوضع الأمني ​​والنقص الحاد في العمالة والقيود التركية على تصدير عشرات من منتجات البناء إلى إسرائيل، وتوقعت أن تبلغ الخسائر الشهرية لقطاع البناء مليار شيكل (حوالي 370 مليون دولار).

آلاف العمال الفلسطينيين يعودون إلى غزة/رويترز

مستثمرو التكنولوجيا الناشئة يهجرون الاقتصاد الإسرائيلي

بينما أفادت دراسة نشرتها صحيفة كالكاليست بأن قطاع التكنولوجيا الفائقة (الهايتك) والشركات الناشئة في إسرائيل يعاني من تداعيات خطيرة منذ بداية الحرب على غزة.

فقد ألغت 49% من شركات الهايتك والشركات الناشئة استثماراتها، في حين أعرب أكثر من 80% من الشركات و74% من المستثمرين عن شكوكهم بشأن قدرة الحكومة على مساعدة هذا القطاع الحيوي على التعافي.

وأكدت الدراسة أن الوضع أكثر خطورة في شمال إسرائيل، حيث أعربت 69% من شركات الهايتك في هذه المنطقة عن قلقها الكبير بشأن قدرتها على جذب الاستثمارات خلال العام المقبل.

ونتيجة لذلك، تفكر 40% من هذه الشركات في نقل أنشطتها جزئياً أو كلياً إلى مناطق أخرى، بحثًا عن بيئة أكثر استقراراً ودعماً للاستثمار.

تشير هذه النتائج إلى أن الحرب لم تؤثر فقط على القطاعات التقليدية مثل البناء والزراعة، بل تسببت أيضاً في تباطؤ واحد من أكثر القطاعات الاقتصادية تطوراً في إسرائيل.

خفض التصنيف الائتماني 

وخلال الحرب الإسرائيلية على غزة، خفضت وكالات اقتصادية عالمية التصنيف الائتماني لدولة الاحتلال،  الأمر الذي شكل ضربة قوية لاقتصاد البلاد.

وكان من بين أبرز الوكالات الاقتصادية التي خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل بسبب الحرب على غزة وكالتي "موديز" و"ستاندرد أند بورز".

ففي أكتوبر/تشرين الثاني الماضي، خفضت وكالة "ستاندرد آند بورز" تصنيف إسرائيل على المدى الطويل من A+ إلى A، بعد أيام قليلة من تخفيض وكالة موديز تصنيف تل أبيب الائتماني، ما اعتبرته صحيفة يديعوت أحرونوت آنذاك "ضربة قوية" لاقتصاد البلاد.

وغيرت وكالة ستاندرد آند بورز، التي تعتبر من أكبر شركات التصنيف الائتماني في العالم، نظرتها المستقبلية لاقتصاد إسرائيل إلى "سلبية".

وقبلها بعدة أيام، كانت وكالة موديز خفضت التصنيف الائتماني لإسرائيل من "A2" إلى "Baa1" وأبقت على توقعاتها للتصنيف عند "سلبي".

وكتبت موديز في تقرير لها: "إن المحرك الرئيسي لخفض التصنيف هو وجهة نظرنا بأن المخاطر الجيوسياسية قد تزايدت بشكل كبير، إلى مستويات عالية للغاية، مع عواقب سلبية مادية على الجدارة الائتمانية لإسرائيل في الأمد القريب والبعيد".

تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل
عدم الاستقرار السياسي والمالي والعسكري قد يؤدي إلى تخفيض التصنيف الائتماني لإسرائيل مرة آخرى / جيتي إيمجز

تحميل المزيد