مع صعود دونالد ترامب للواجهة مجدداً، تبدو ملامح فترة رئاسية ثانية مرهونة بزيادة الدعم لإسرائيل. ترامب، الذي أعلن عن "اتفاق بشأن الرهائن" عبر منصة "تروث سوشيال"، أثبت خلال ولايته الأولى انحيازه الكامل لإسرائيل بنقل السفارة إلى القدس، دعم المستوطنات، والاعتراف بالجولان المحتل. الآن، يضاعف رهاناته بتعيينات مؤيدة للصهيونية المتطرفة، مثل ترشيح مايك هاكابي، الذي ينكر وجود الفلسطينيين أصلاً، سفيراً لدى إسرائيل.
وقبل تنصيبه بأيام، شهد الكونغرس الأميركي تأسيس لوبي صهيوني جديد بقيادة يوسي دغان وبعض النواب الجمهوريين، يهدف إلى تعزيز هيمنة الاستيطان في الضفة الغربية.
فماذا نعرف عن هذا اللوبي الجديد؟
لوبي "الضفة الغربية في الكونغرس الأميركي"
في خطوة غير مسبوقة، تم إطلاق لوبي "الضفة الغربية" في الكونغرس الأميركي بمبادرة من يوسي دغان، رئيس مجلس المستوطنات الإسرائيلية، وعضوة الكونغرس كلوديا تيني. هدف اللوبي المعلن هو توثيق العلاقات بين الاحتلال الإسرائيلي ومؤيديه في الكونغرس، ودفع أجندات تشريعية تدعم المشروع الاستيطاني في الضفة الغربية.
وفقاً لتقارير إسرائيلية، يسعى اللوبي إلى الترويج لقوانين تكرّس الرواية الصهيونية، بما في ذلك استبدال مصطلح "الضفة الغربية" في الوثائق الأميركية بمصطلح توراتي "يهودا والسامرة". كما يعمل على رفع العقوبات عن المستوطنات الإسرائيلية، إلى جانب تعزيز الدعم الدولي لتوسيعها.
يروج دغان لفكرة أن استيطان الضفة الغربية يمثل "حزام أمان" ليس فقط لإسرائيل، بل للولايات المتحدة وللغرب بأكمله، مستخدماً خطابات مشابهة لتلك التي يكررها رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، المطلوب دولياً بمذكرات اعتقال صادرة بحقه بسبب جرائم الحرب المرتكبة في غزة. فبعد زعمه أن الضفة الغربية تعد جزءاً من "الحق التاريخي" للاحتلال، روج دغان في كلمته في حفل افتتاح اللوبي في واشنطن أن "نقاتل ليس فقط من أجل أمن إسرائيل، بل من أجل مستقبل الحضارة الغربية".
شهد حفل إطلاق اللوبي حضور أكثر من 20 عضواً من الكونغرس، إضافة إلى مسؤولين مقربين من إدارة ترامب وزعماء إنجيليين ويهود أميركيين. جاء هذا الحدث بعد جهود مكثفة قادها دغان للتأثير على الجمهوريين في الكونغرس، بهدف استثمار عودة ترامب لدعم مشروع فرض سيادة الاحتلال على الضفة الغربية.
وأُقيم حفل الافتتاح في واشنطن يوم 16 يناير/كانون الثاني قبل أيام قليلة من تنصيب الرئيس دونالد ترامب، بعد عام كامل من الجهود التي بذلها رؤساء المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية لوضع خطة لاستثمار عودة ترامب إلى البيت الأبيض. وتضمنت هذه مساعٍ دبلوماسية مكثفة قادها يوسي دغان، شملت لقاءات مع شخصيات بارزة في الحزب الجمهوري، إلى جانب اجتماعات وزيارات متبادلة بين الولايات المتحدة وإسرائيل، بهدف ضمان دعم قوي لتطبيق سيادة الاحتلال الإسرائيلي على "الضفة الغربية".
من هم أبرز أعضاء الكونغرس في لوبي ابتلاع الضفة؟
وقد أثمرت جهود رئيس المستوطنات بإطلاق اللوبي، حيث باركت عضوة الكونغرس الجمهورية ورئيسة اللوبي كلوديا تيني في حفل الافتتاح قائلة: "بطريقة ملهمة، اقترح يوسي داغان، رئيس المجلس الإقليمي السامرة، أن أقوم بتشكيل فصيل يركز على يهودا والسامرة. لقد أصبحت فكرته حقيقة، ونحن الآن نعمل على رفع مستوى الوعي والأهمية التاريخية ليهودا والسامرة في الكونغرس الأمريكي، بهدف توحيد الأصوات في الولايات المتحدة وفي جميع أنحاء العالم حول دعم المنطقة".
وتُعرف كلوديا تيني بمواقفها المتطرفة الداعمة للاحتلال والاستيطان. فخلال حرب الإبادة في غزة، دعت صراحة إلى تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية، زاعمة أنها "أرض إسرائيلية" ذات "مطالب تاريخية وقانونية لا يمكن إنكارها". كما انتقدت إدارة بايدن لإلغائها مبدأ "ترامب-بومبيو"، الذي فتح الباب أمام المتطرفين الإسرائيليين لتوسيع الاستيطان، ووصفت القرار بأنه "يقوض أعظم حليف لنا في الشرق الأوسط".
أما عضو الكونغرس راندي ويبر، فقد شدد في كلمته خلال الحفل على أهمية دعم الاحتلال والاستيطان في الضفة الغربية، قائلاً: "إن دعم يهودا والسامرة هو جزء أساسي من الوقوف إلى جانب حليفنا الأكبر في الشرق الأوسط – إسرائيل".
ويُذكر أن ويبر كان من المعارضين لوقف إطلاق النار خلال حرب الإبادة في غزة، حيث أيد مجازر الاحتلال بذريعة "حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
واكتمل حفل افتتاح اللوبي بكلمة ألقاها عضو الكونغرس توم مكلينتوك، مكرراً فيها الروايات الصهيونية حول "تاريخية" الضفة الغربية وملكية الاحتلال لها، مهاجماً فكرة حل الدولتين، مع تصوير الاستيطان كجزء من "معركة حضارية" مشتركة. إذ قال: "إن يهودا والسامرة جزء لا يتجزأ من الأرض التاريخية للشعب اليهودي، ولها جذور تعود إلى آلاف السنين. وبالإضافة إلى أهميتها التاريخية، فإن لها أيضًا أهمية أمنية حاسمة. وقد أوضحت أحداث 7 أكتوبر أنه لا يمكن لإسرائيل أن تكون آمنة دون السيادة الكاملة على أراضيها. لقد أثبتت تجربة حل الدولتين في غزة فشلها، وفوق كل شيء، فإن إسرائيل، الدولة اليهودية الوحيدة في العالم، لا تحمي فقط بل تسهم أيضاً في بقاء الحضارة ككل. إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب إسرائيل في كل ما ترمز إليه بالنسبة لمستقبل العالم المتحضر."
ويُذكر أن توم مكلينتوك، خلال حرب الإبادة في غزة، قدم مشروع قانون يهدف إلى توسيع حظر دخول مسؤولي منظمة التحرير الفلسطينية إلى الولايات المتحدة، إضافة إلى أعضاء حركتي "حماس" و"الجهاد الإسلامي". وقد أقر مجلس النواب الأمريكي المشروع في يناير من العام الماضي.
يشمل مشروع القانون أيضًا حظر دخول أي مواطن غير أمريكي شارك في هجمات 7 أكتوبر أو ساهم فيها بأي شكل، ومنعه من طلب أي نوع من الإغاثة أو الحماية المتعلقة بالهجرة، بما في ذلك الحماية من الترحيل إلى بلد قد يكون فيه عرضة للخطر، أو التقدم بطلب لجوء في الولايات المتحدة.
ووفقاً لقناة السابعة الإسرائيلية، من المتوقع أن يشارك يوسي داغان، بداية الأسبوع المقبل، في مراسم أداء اليمين للرئيس دونالد ترامب في واشنطن، برفقة وفد رسمي من منظمة "يشع" الاستيطانية وقادة مستوطنات أخرى في فلسطين.
خطورة اللوبيات الإسرائيلية الأمريكية
لا يمكن تجاهل هيمنة جماعات الضغط الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في الولايات المتحدة، إذ تشكل قوة تأثيرية كبيرة على سياسات الخارجية الأمريكية للشرق الأوسط، مثل أيباك، الصهاينة المسيحيين، والمقاولين العسكريين. فوفقاً لتقرير The Progressive، استخدمت أيباك نفوذها المالي لإزاحة نواب تقدميين مؤيدين للفلسطينيين مثل كوري بوش وجمال بومان، مما بث الخوف بين بقية التقدميين. في الوقت ذاته، يدفع عشرات الملايين من الصهاينة المسيحيين الأمريكيين، الذين يعتبرون إسرائيل مركزية لنبوءات دينية حول العودة النهائية للمسيح، نحو سياسات أكثر تطرفاً، مدعومين بنفوذ واسع داخل الكونغرس.
أما عن المقاولين العسكريين المتمثلين في شركات الأسلحة، مثل لوكهيد مارتن ونورثروب غرومان، فلديهم عدد من جماعات الضغط يدافعون عن مصالحهم في الكونغرس أكبر من عدد أعضاء الكونغرس نفسه، وفقاً للمجلة. وبفضل مبلغ 18 مليار دولار الذي خصصه الكونغرس للاحتلال في عام 2024، ارتفعت أسهم الأسلحة بشكل كبير على مدار العام الماضي، متفوقة بشكل كبير على مؤشرات الأسهم الرئيسية.
هل يصبح الكونغرس أكثر صهيونية؟
وبحسب المجلة الأمريكية، فإن الكونغرس الـ118 كان مؤيداً لإسرائيل بشكل كبير، غير أن الكونغرس الجديد، الذي يهيمن عليه الجمهوريون في مجلسي الشيوخ والنواب، يُتوقع أن يكون أكثر تحيزاً وبشكل ساحق لصالح إسرائيل. يسعى الأعضاء لتمرير حزمة من التشريعات التي تهدف إلى تعزيز العلاقات الأمريكية-الإسرائيلية، معاقبة أي جهة دولية تحاول محاسبة إسرائيل، وقمع الحركة المحلية المطالبة بحقوق الفلسطينيين.
تشمل هذه التشريعات:
- مشروع قانون يساوي بين انتقاد إسرائيل ومعاداة السامية، مما يقيّد حرية التعبير والانتقاد المشروع.
- مشروع قانون يمنح وزارة الخزانة الأمريكية سلطة التحقيق في المنظمات غير الربحية وإغلاقها إذا ادعت الوزارة ارتباطها بـ"الإرهاب"، وهو إجراء قد يستهدف المؤسسات الداعمة للفلسطينيين.
- مشروع قانون لمعاقبة المحكمة الجنائية الدولية بسبب إصدارها مذكرة اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
- مشروع قانون يجعل الحظر الأمريكي على تمويل وكالة الإغاثة "الأونروا" دائماً، مما يهدد الخدمات الإنسانية المقدمة للاجئين الفلسطينيين.
- مشروع قانون لإلغاء الاتفاقيات التجارية مع جنوب إفريقيا، على خلفية القضية التي رفعتها الأخيرة أمام محكمة العدل الدولية ضد إسرائيل بشأن اتهامات بالإبادة الجماعية.
ووفقاً للتقرير، تعكس هذه التشريعات توجه الكونغرس الجديد نحو دعم سياسات الاحتلال الإسرائيلي بشكل غير مشروط، مع تقويض أي جهد دولي أو محلي لمحاسبة إسرائيل أو الدفاع عن حقوق الشعب الفلسطيني.