فرحة منقوصة.. الاحتلال الإسرائيلي يسرق الحياة من البلدات السورية الحدودية

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/15 الساعة 12:38 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/15 الساعة 12:55 بتوقيت غرينتش
من الحدود بين الجولان السوري والجولان المحتل - رويترز

بينما لا يزال السوريون يحتفلون في دمشق وحمص وغيرها من المدن السورية بسقوط نظام بشار الأسد في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، تسود مشاعر من الخوف والإحباط لدى سكان البلدات السورية الحدودية مع الاحتلال الإسرائيلي، الذين أعربوا عن مخاوفهم من أن يتحول الوجود الإسرائيلي إلى احتلال عسكري طويل الأمد، مطالبين الإدارة السورية الجديدة بوقف التوغل الإسرائيلي. 

وكانت إسرائيل قد أعلنت بعد سقوط نظام الأسد انهيار اتفاقية فض الاشتباك مع سوريا لعام 1974، وانتشار جيشها في المنطقة العازلة منزوعة السلاح بهضبة الجولان السورية التي تحتل معظم مساحتها منذ عام 1967، في خطوة نددت بها الأمم المتحدة ودول عربية. 

كما استغل الاحتلال انشغال السوريين بالمرحلة الانتقالية للسيطرة على المزيد من الأراضي في سوريا إلى جانب مرتفعات الجولان، حيث سارع يوم سقوط النظام لاحتلال جبل الشيخ الاستراتيجي بالكامل، والعديد من القرى والبلدات في محافظة القنيطرة جنوب البلاد، حتى صارت الدبابات الإسرائيلية على بعد 20 كيلومتراً من العاصمة دمشق. 

وأوعز وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، الجمعة 13 ديسمبر 2024، لجيشه بالاستعداد للبقاء على قمة "جبل الشيخ" بالمنطقة العازلة مع سوريا خلال فصل الشتاء. فيما طالب سكان محافظة القنيطرة السورية، بإنهاء توغل القوات الإسرائيلية في المحافظة، الذي نغص عليهم فرحتهم بسقوط نظام الأسد، واستعادة الأمن والطمأنينة في المنطقة.

فيما طالب سكان محافظة القنيطرة السورية، بإنهاء توغل القوات الإسرائيلية في المحافظة، الذي نغص عليهم فرحتهم بسقوط نظام الأسد، واستعادة الأمن والطمأنينة في المنطقة.

التوغل الإسرائيلي في سوريا
مناطق التوغل الإسرائيلي في جنوب سوريا منذ 7 ديسمبر 2024 وحتى 20 ديسمبر 2024 (عربي بوست)

ماذا فعل الاحتلال في البلدات السورية الحدودية؟

  • تزامناً مع تصعيد الضربات الجوية الإسرائيلية وزيادة التوغل البري في أعقاب سقوط نظام البعث في سوريا، قامت القوات الإسرائيلية باحتلال مبنى محافظة القنيطرة في مدينة السلام (البعث سابقاً)، وتحويله إلى قاعدة عسكرية. وكانت سوريا شيدت "مدينة البعث" في المنطقة التي استعادتها من إسرائيل بعد حرب أكتوبر التي شنتها بالاشتراك مع مصر ضد إسرائيل عام 1973، لتحرير أراضيهما المحتلة.
  • أنشأت قوات الاحتلال الإسرائيلية حواجز ترابية حول القاعدة العسكرية، وزودتها بأجهزة مراقبة وتتبع، بحسب وكالة الأناضول.
  • طالب الاحتلال الزعماء المحليين للقرى السورية بجمع كل الأسلحة الموجودة في بلداتهم وتسليمها للجيش الإسرائيلي، وفقاً لما نقلته صحيفة نيويورك تايمز عن سبعة من السكان.
  • تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلية بإطلاق النار في الهواء لتخويف السكان المدنيين الذين يقتربون من المنطقة، وتفرض حظر تجوال في القرى المحتلة بعد الساعة الثالثة عصراً.
  • تعكف قوات الاحتلال الإسرائيلية التي احتلت المنطقة باستمرار على تفتيش السكان للتأكد من عدم حيازتهم أسلحة.
  • تم تدمير بعض الطرقات بالجرافات الإسرائيلية ما جعلها غير قابلة للاستعمال، وجرف أراضي زراعية خصبة واقتلاع أشجار الزيتون في قرية الحرية بمحافظة القنيطرة، والواقعة على بعد 200 متر فقط من الموقع العسكري الإسرائيلي الأول، وفق تقرير لوكالة الأنباء الفرنسية.
  • شرعت قوات الاحتلال في بناء خندق جديد على طول الشريط الحدودي عرضه 6 أمتار وعمقه 3 في قلب الأراضي السورية، وليكون الخط الفاصل الجديد بينه وبين سوريا ما بعد الأسد.
  • هدمت قوات الاحتلال الإسرائيلية منازل المواطنين ومنعت المزارعين من الذهاب إلى حقولهم في بعض المناطق، حسب شهادات نقلتها وكالة أسوشيتدبرس الأمريكية.
  •  جلب جيش الاحتلال الإسرائيلي مولدات كهربائية وأقام ثكنات مؤقتة في التلال المطلة على بعض القرى مثل قرية كودنة في محافظة القنيطرة.
  • أفادت صحيفة يديعوت أحرونوت أن إسرائيل تخطط لإقامة ما سمتها "منطقة سيطرة" بطول 15 كيلومتراً داخل سوريا و"مجال نفوذ" استخباري يمتد لنحو 60 كيلومتراً.ونقلت الصحيفة عن مسؤولين إسرائيليين لم تسمهم، أن تل أبيب "ستحتاج إلى الحفاظ على محيط عملياتي يبلغ طوله 15 كيلومتراً داخل الأراضي السورية".
  • وتابعت: "سيحافظ الجيش الإسرائيلي على وجود لضمان عدم تمكن حلفاء النظام الجديد في سوريا من إطلاق الصواريخ باتجاه مرتفعات الجولان".

 شهادات من الحدود 

يستغل سكان المناطق الحدودية أي فرصة للتعبير عن استيائهم للتواجد الإسرائيلي داخل أراضيهم، مشككين في المبررات التي تروجها إسرائيل لتواجدها داخل أراضيهم، إذ تقول نيرودا أباظة، وهي مدرّسة لغة إنجليزية من أصل شركسي تقيم في القنيطرة منذ عام 1990 لوكالة الأناضول إن "المحتلين يدّعون أنهم يسعون للسلام، لكنهم يدمرون المباني والشوارع والأشجار"، داعية الأمم المتحدة والمنظمات الدولية إلى "التدخل لوضع حد لهذا الوضع".

ولفتت أباظة إلى أن الشعب السوري احتفل بسقوط نظام الأسد، لكن سكان القنيطرة عاشوا تجربة مختلفة.

وتقول "بشار وداعموه غادروا البلاد، ونحن جميعاً سعداء، لكننا في القنيطرة نعيش في خوف لأننا لا نعرف ماذا يريد هؤلاء المحتلون (القوات الإسرائيلية)".

وأضافت "نحن نريد السلام فقط، ولا نريد الاحتلال أو الحرب بعد الآن".

وعبرت رابعة مجلي، وهي من سكان المنطقة من أصل تركماني، عن خوفها من الاحتلال الإسرائيلي قائلة: "إنهم يحتلون أراضينا ويخيفوننا"، وأن الاحتلال الإسرائيلي تسبب في نشر الخوف بين السكان.

اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974
خريطة توضح اتفاقية فك الاشتباك لعام 1974

وأشارت إلى أن المجتمع الدولي لم يهتم بشكل كاف بهجمات إسرائيل واحتلالها لسوريا، مؤكدةً أن سكان المنطقة يعيشون في خوف منذ فترة طويلة ولم يحظوا بالاهتمام الكافي.

أما رفعت عبد اللطيف الحسين، وهو موظف في مديرية النقل بالقنيطرة، فتحدث عن الوضع الحالي في المنطقة، مبيناً أن القوات الإسرائيلية احتلت مناطق مثل الحميدية والحرية والقد، بعد سقوط نظام الأسد.

وأضاف قائلاً: "تقدموا حتى وصلوا إلى مجمع الحكومة، وحفروا الخنادق ودخلوا بالدبابات. كنا نسمع أصوات الجرافات والدبابات ليلاً أو في الصباح الباكر".

وطالب الحسين بـ"إيجاد حل جذري للوضع، وضمان انسحاب جيش الاحتلال الإسرائيلي إلى مواقعه، وإعادة الأمن والطمأنينة إلى محافظة القنيطرة".

وأكد أن سكان المنطقة "يريدون الحرية والأمن والاستقرار"، مشدداً على ضرورة التزام إسرائيل باتفاقية عام 1974 التي تحظر تجاوز خطوط وقف إطلاق النار التي تم تحديدها بعد حرب 1973.

كما دعا جميع الدول والأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي للضغط على إسرائيل من أجل الالتزام بالاتفاقيات الدولية وإنهاء احتلالها.

كما نظم أهالي قرية السويسة بالقنيطرة، في 25 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، مظاهرة ضد الاحتلال الإسرائيلي لأراضيهم، حيث أطلق جنود الاحتلال النار على المتظاهرين، ما أدى إلى إصابة 3 مواطنين.

 التوغل الإسرائيلي أفسد فرحتهم

وقالت نساء سوريات إن التوغل الإسرائيلي بمحافظة القنيطرة عقب الإطاحة بنظام الأسد أفسد فرحة الأهالي بسقوط النظام، وأكدن رفضهن القاطع لوجود أي قوات إسرائيلية على أراضي البلاد.

وتحدثت عدد من النساء عن الوضع الراهن في المحافظة ورفضهن للاحتلال الإسرائيلي للبلدات والقرى السورية.

وقالت رسمية المحمد: "لا نريد احتلالاً صهيونياً، نحن ضد مجيئهم إلى بلادنا". وأضافت: "نريد من دولتنا أن تبعدهم عنا، هذه بلادنا ولن نعطيها لهم. النساء والفتيات والأطفال سيقاومون أيضاً".

من جانبها قالت بتول الكريان، من قرية السويسة، إن الدبابات الإسرائيلية دخلت قريتها في صباح 25 ديسمبر/كانون الأول المنصرم، ففزع الأهالي ضدهم.

وأضافت للأناضول: "خرج كل الأهالي من بيوتهم، ونظمنا مظاهرة أسفرت عن انسحاب الجيش الإسرائيلي". وأوضحت الكريان أنهم يريدون "انسحاباً إسرائيلياً كاملاً من القنيطرة".

وتابعت: "نريد من الإدارة السورية الجديدة والدول العربية مساعدتنا لإنهاء التوغل الإسرائيلي".

الاحتلال ينتهك اتفاقية فك الاشتباك مع سوريا/ عربي بوست

مطالبات بإخلاء المنازل

وكشفت شهادات لمواطنين سوريين أيضاً في البلدات الحدودية عن مطالبة قوات الاحتلال لهم بإخلاء منازلهم مع تلقيهم تهديدات بالقتل في حال عدم مغادرتهم.

ونقلت وكالة الأنباء الفرنسية عن أحمد علي طه، رئيس بلدية قرية الحرية، قوله:"  "دخلوا (يقصد الجنود الإسرائيليون) بالجرافات والدبابات والشاحنات إلى القرية، وطلبوا منا المغادرة قبل الساعة الثالثة ظهراً. كما طلبوا أيضاً من إمام مسجد إذاعة الخبر بمكبرات الصوت ليسمعه الجميع (حوالي 1000 شخص) وبالتالي يخلون منازلهم".

وأضاف:"رفضت المغادرة. لكن عندما عادوا في اليوم التالي، وجدوني بمفردي في المنزل وهددني جندي شاب بمسدسه ووضعه على رأسي قائلاً: إذا لم تغادر سنقتلك. ثم فتشوا كل أركان المنزل بحثاً عن أسلحة محتملة، لكنني لا أملك أي سلاح".

فيما روت عبلة العبيدي (اسم مستعار) التي تسكن قرية الحرية منذ 25 عاماً أيضاً كيف غادرت منزلها بعد دخول قوات الاحتلال.

ووصفت العبيدي الجو المشحون الذي ساد عندما دخلت قوات الاحتلال بـ"الدبابات والجرافات". وقالت: "أمهلونا ساعة واحدة من الزمن لكي نغادر منازلنا. أخذت معي فقط ثيابي الخاصة وتركت كل شيء".

صعوبة الحركة والمرور عبر الحواجز

وأظهرت شهادات أخرى نقلتها تقارير غربية صعوبة الأوضاع التي يعانيها سكان البلدات السورية المحاذية لإسرائيل، خاصة ما يتعلق منها بصعوبة الحركة والمرور عبر الحواجز التي أقامتها قوات الاحتلال.

وقال رامي عبد الرحمن، رئيس المرصد السوري لحقوق الإنسان، إن جيش الاحتلال الإسرائيلي يعمل في منطقة الحدود "الآن على نحو مماثل لما يجري في الضفة الغربية، بمعنى أنه يستطيع الدخول والخروج من أي مكان يريده واعتقال من يريد".

وأفاد سكان سوريون وزعماء محليون في منطقة الحدود بأن المركبات العسكرية الإسرائيلية ألحقت أضراراً بأنابيب المياه وكابلات الكهرباء في بعض القرى، ما تسبب في انقطاع التيار الكهربائي والمياه.

وقال تركي المصطفى (62 عاماً) إنه لم تكن هناك مياه جارية في بلدته الحميدية منذ دخول قوات الاحتلال إلى المنطقة العازلة. وأضاف أن القوات سمحت بنقل بعض المياه بالشاحنات، لكنها أقامت حواجز على الطرق حول البلدة، وأمرت السكان بالدخول والخروج في ساعات محددة فقط.

وقال أحمد خريوش (37 عاماً) وهو من سكان بلدة الرفيد، إن استقبال شبكات الهاتف المحمول أصبح متقطعاً أيضاً في المنطقة العازلة منذ التوغل الإسرائيلي، ما يجعل الاتصالات صعبة.

غرفة عمليات الجنوب سوريا
فصائل المعارضة تتقدم نحو العاصمة السورية دمشق من الشمال والجنوب/ رويترز

ما هو موقف الإدارة السورية الجديدة من التوغل الإسرائيلي؟

انتقدت القيادة السورية الجديدة التحركات العسكرية الإسرائيلية. وتقدمت الحكومة السورية الجديدة بشكوى إلى مجلس الأمن الدولي بشأن الغارات الجوية الإسرائيلية والتوغل داخل الأراضي السورية.

وقال أحمد الشرع، رئيس القيادة السورية الجديدة وزعيم هيئة تحرير الشام، علناً إن سوريا لا تسعى إلى صراع عسكري مع إسرائيل ولن تشكل تهديداً لجيرانها أو للغرب.

وحذر الشرع إسرائيل من أنها يجب أن توقف غاراتها الجوية في سوريا وتسحب قواتها من الأراضي التي سيطرت عليها بعد سقوط الأسد، بحسب ما نقلته صحيفة التايمز البريطانية.

وقال الشرع: " نحن ملتزمون باتفاقية 1974 ومستعدون لإعادة المراقبين الدوليين. لا نريد أي صراع سواء مع إسرائيل أو أي طرف آخر ولن نسمح باستخدام سوريا كنقطة انطلاق لشن هجمات. الشعب السوري يحتاج إلى استراحة ويجب أن تنتهي الضربات ويجب على إسرائيل التراجع إلى مواقعها السابقة".

ما هي القرى التي تقع في المنطقة العازلة الحدودية مع إسرائيل؟

حسب خريطة منشورة على موقع القوة الأممية (يوندوف)، وهي قوات مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة، "تتواجد في المنطقة الفاصلة العديد من القرى، أبرزها: طرنجة، جباتا الخشب، أوفانيا، مدينة البعث، الحميدية، القنيطرة، بئر العجم، بريقة، الأصبح، الرفيد، الصمدانية الغربية، القحطانية".

تحميل المزيد