في الوقت الذي تفاءل اليمين الصهيوني بصعود ترامب وفوزه في الانتخابات الأمريكية لتشديد الضغط على خصوم "إسرائيل" وعلى رأسهم حركة حماس، وتكثيف النشاط الاستيطاني في الضفة وإعادته حتى إلى شمال قطاع غزة، كشف الإعلام العبري عن ضغوطات شديدة وصلت حد التوبيخ تعرض لها رئيس الوزراء الإسرائيلي بنامين نتنياهو من قبل إدارة الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، للقبول بالصفقة التي رفضها مراراً مع حماس لتبادل الأسرى ووقف إطلاق النار في قطاع غزة.
وقال مصدر مطلع على مفاوضات وقف إطلاق النار بغزة لصحيفة فاينانشيال تايمز إن التحول في موقف نتنياهو تجاه الصفقة والقبول بها، جاء لأن إنهاء الحرب أولوية بالنسبة للرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب. فيما نقلت القناة الـ12 العبرية عن مسؤول إسرائيلي قوله إن "ترامب بدأ مؤخراً بالتدخل شخصياً في قضية إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين وإتمام الصفقة".
وفي حين تزعم آلة الدعاية التابعة لنتنياهو أن ترامب لم يترك له أي خيار إلا قبول الصفقة، فإن ما يحدث داخل ائتلافه الحاكم سيحدد ما إذا كان رئيس الوزراء يوافق على الصفقة أم أنه تم إرغامه عليها، كما تقول صحيفة هآرتس الإسرائيلية، حيث يهدد بعض حلفائه بالانسحاب من الحكومة في حال التوقيع على الاتفاق.
ما الذي تغير لدى نتنياهو للقبول بالصفقة مع حماس؟
- منذ أشهر طويلة، تتحدث الولايات المتحدة والوسطاء قطر ومصر عن محاولات حثيثة لتوقيع اتفاق لإنهاء الحرب في غزة المستمرة منذ 7 أكتوبر 2023 وتأمين إطلاق سراح نحو 100 أسير إسرائيلي تحتجزهم حماس في القطاع المحاصر، مقابل الإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين والانسحاب الإسرائيلي من قطاع غزة وعودة جميع النازحين.
- لكن تحدثت عشرات التقارير العبرية والأمريكية عن إفشال نتنياهو لهذه الجهود خشية من تفكك ائتلافه الحكومي وتعرضه للمحاكمة، حيث كان يرفض الوزيرين إيتمار بن غفير وبتسلئيل سموتريش وقف إطلاق النار ويهددون بالانسحاب من الحكومة، بل كانوا يدعون لاحتلال كامل القطاع وإعادة المستوطنات إليه. وتقول صحيفة "فاينانشيال تايمز" إن معارضتهما كانت حاسمة في إفشال جولات المحادثات السابقة.
- وتحت ضغط عائلات الأسرى الإسرائيليين واشتداد ضربات المقاومة في شمال قطاع غزة وفشل الاحتلال بالقضاء عليها بعد عام و3 أشهر من الحرب ووصول ترامب للحكم، تغير الموقف الإسرائيلي. حيث اكتسبت المحادثات حول وقف إطلاق النار زخماً بعد انتخاب ترامب، الذي طالب مراراً بإطلاق سراح جميع الرهائن قبل تنصيبه في العشرين من يناير/كانون الثاني 2025. وحذر من أنه بخلاف ذلك "سيكون هناك ثمن باهظ".
- وتحدثت وسائل إعلام إسرائيلية وأمريكية يوم الإثنين 13 يناير 2025 عن "انفراجة كبيرة" في مفاوضات صفقة تبادل الأسرى بين "إسرائيل" وحركة حماس بضغط أمريكي من ترامب، حيث مارس مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ضغوطاً كبيرة على نتنياهو وصلت حد توبيخه يوم السبت الماضي وإجباره على لقائه يوم السبت (يوم العطلة اليهودية). وعلى نحو غير معتاد، سمحت إدارة بايدن المنتهية ولايتها لويتكوف بقيادة العملية، على أساس أن أي التزامات تتعهد بها الولايات المتحدة ستكون على عاتق ترامب، وليس بايدن.
- تقول صحيفة "هآرتس"، في واقع الأمر، نجح ويتكوف في إرغام "إسرائيل" على قبول خطة رفضها نتنياهو مراراً وتكراراً على مدى نصف العام الماضي. ولم تتراجع حماس عن موقفها القائل بأن إطلاق سراح الرهائن يجب أن يكون مشروطاً بالإفراج عن السجناء الفلسطينيين (الجزء السهل) والانسحاب الإسرائيلي الكامل من غزة (الجزء الصعب). وقد رفض نتنياهو هذا الشرط، وبالتالي وُلِدت الصفقة الجزئية التي اقترحتها مصر وقطر.
- ويتكوف هو مستثمر ومطور عقاري يهودي مقرب من ترامب. وهو لا يتمتع بخلفية الأشخاص الذين يشغلون الأدوار الدبلوماسية عادة. ويقول دبلوماسي إسرائيلي كبير تحدث شريطة عدم الكشف عن هويته: "يتكوف ليس دبلوماسيا. إنه لا يتحدث كدبلوماسي، ولا يهتم بالآداب الدبلوماسية والبروتوكولات الدبلوماسية. إنه رجل أعمال يريد التوصل إلى اتفاق بسرعة ويمضي قدما بشكل عدواني غير عادي".
ما بنود الصفقة التي أجبر ترامب نتنياهو على القبول بها؟
- بحسب الإعلام الإسرائيلي، فالصفقة المعروضة من قبل الأمريكيين تحمل بنوداً رفضها نتنياهو وفريقه مراراً، مثل الانسحاب من قطاع غزة على مراحل، والسماح لمليون نازح بالعودة إلى الشمال وكذلك نحو 300 نازح بالعودة إلى رفح. بالإضافة لإفراج "إسرائيل" عن آلاف المعتقلين من غزة والضفة منهم أصحاب المؤبدات العالية، وكذلك مضاعفة حجم المساعدات الإنسانية لقطاع غزة وانتظامها بواسطة أمريكية وقطرية ومصرية.
- وتقول صحيفة "معاريف" العبرية إن "البند الذي كان مخفياً عن الجمهور الإسرائيلي لعدة أشهر، يتم الآن نشره. بالنسبة لحماس وسكان غزة، هذا البند هو جوهر الصفقة: عودة مليون نازح من سكان غزة إلى شمال قطاع غزة ومدينة غزة ورفح وحرية الحركة بعد انسحاب الجيش الإسرائيلي من جميع المناطق المأهولة بالسكان". وتضيف "معاريف" إن "هذه الصفقة ممتازة بالنسبة لحماس وتمثل حلماً سيتم تذكره طويلاً في تاريخ الحركة، باعتباره "انتصاراً كاملاً" على إسرائيل".
- وذكرت وكالة رويترز أن المشاركين في مفاوضات الدوحة من المقرر أن يجتمعوا الثلاثاء 14 يناير 2025 لوضع اللمسات النهائية على الاتفاق، ونقلت عن مسؤول مطلع على المفاوضات أن الوسطاء سلموا حماس و"إسرائيل" مسودة نهائية للاتفاق. وقال شخص مطلع على المحادثات لصحيفة "فاينانشيال تايمز" الأمريكية، أن "نقطة التحول في موقف نتنياهو من الصفقة جاء نتيجة لحقيقة مفادها أن إنهاء الحرب أصبح أولوية بالنسبة لترامب"، وقال: "الفرق الوحيد هو ترامب.. نتنياهو يريد التحالف مع ترامب والحصول على صفقة".
- وجاء هذا الاختراق بعد موجة من الدبلوماسية شارك فيها مبعوث الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب إلى الشرق الأوسط ستيف ويتكوف ورئيس المخابرات الإسرائيلية ديفيد برنياع ورئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.
- وأكد ترامب في مقابلة مع شبكة نيوزماكس الإخبارية أن التوصل لاتفاق لوقف إطلاق النار في قطاع غزة وتبادل الأسرى أصبح قريباً للغاية. وقال ترامب خلال المقابلة التي أجرتها معه الشبكة الأمريكية "نحن قريبون جداً من إنجاز الصفقة ربما بحلول نهاية الأسبوع". وأضاف ترامب: "عليهم (الطرفين) أن يفعلوا ذلك، وإذا لم يحدث ذلك، فستكون هناك مشاكل كثيرة ربما لم يروها من قبل" وفق تعبيره. وأوضح ترامب: "فهمت أنه كان هناك اتفاق شفهي وأنهما على وشك الانتهاء من إنجاز الصفقة".
- وتأتي تصريحات ترامب بعد ما نقلته صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن مسؤولين أكدوا أن التقدم في محادثات غزة جاء بعد اجتماع متوتر بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو وستيفن ويتكوف، مبعوث ترامب إلى الشرق الأوسط. وأضافت الصحيفة الإسرائيلية أن مبعوث ترامب ضغط على نتنياهو لقبول التنازلات اللازمة لإتمام الصفقة قبل تنصيب ترامب يوم 20 من الشهر الجاري.
- من جهته قال الرئيس الأمريكي جو بايدن يوم الاثنين: "نحن على وشك" التوصل إلى وقف لإطلاق النار من أجل التوصل إلى اتفاق بشأن الرهائن يؤتي ثماره أخيراً". وقال مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان إن الاتفاق "نقطة محورية في المفاوضات"، مضيفاً: "نحن قريبون من التوصل إلى اتفاق ويمكن إنجازه هذا الأسبوع".
"استسلمنا بسبب ترامب.. ونحن أول من يدفع ثمن فوزه"
- واشتعلت حالة من الغضب داخل أروقة الائتلاف الحاكم في دولة الاحتلال مع توارد الأنباء التي تتحدث عن قبول نتنياهو بالصفقة التي عرضها الأمريكيون وتوسطت بها مصر وقطر بين حماس و"إسرائيل"، حيث يتحدث وزراء وأعضاء بالكنيست وآخرون مقربون من نتنياهو عن أن القبول بهذه الصفقة بضغط أمريكي هو "خنوع واستسلام لحماس".
- مساء الإثنين 13 يناير 2025 قال صحفي مقرب من نتنياهو خلال لقاء مباشر على قناة 14 العبرية مساء الإثنين 13 يناير 2025: "نحن أول من يدفع ثمن انتخاب ترامب، ما يحدث الآن هو أنه (يتم اغتصابنا) لقبول الصفقة، لا أعتقد أن هذا ما خططنا له وانتظرناه، توقعنا أننا سنسيطر على شمالي غزة وسنمنع المساعدات الإنسانية.. هذه صفقة خنوع. نحن خضعنا بسبب ترامب والضغط الإعلامي"، على حد تعبيره.
- وزير المالية الإسرائيلي سموتريتش قال يوم الاثنين 13 يناير 2025 إن "الاتفاق الوشيك هو بمثابة كارثة واستسلام". وحث "إسرائيل" على "غزو وتطهير القطاع بأكمله وفتح أبواب الجحيم على غزة حتى تستسلم حماس وتطلق سراح الرهائن" على حد تعبيره.
- والتقى نتنياهو مع بن غفير وسموتريتش، الأحد، في محاولة لإقناعهما بعدم ترك الحكومة بسبب اتفاق وقف إطلاق النار، لكن بن غفير هدد الثلاثاء بالانسحاب من الحكومة حال التوقيع على الاتفاق، داعياً حليفه سموتريتش لحذو الأمر ذاته. واعترف وزير الأمن القومي بن غفير في منشور على منصة "إكس" يوم الثلاثاء بأن حزبه منع التوصل إلى صفقة إطلاق سراح رهائن في مناسبات عديدة منذ العام الماضي.
- وقال مكتب سموتريتش لصحيفة "يسرائيل هيوم" ظهر الثلاثاء 14 يناير 2025 إن الوزير وأعضاء حزبه سيقررون خلال ساعات إذا ما كانوا سيصدرون إنذاراً بالاستقالة من الحكومة في حال إقرار الصفقة. فيما قالت القناة 12 الإسرائيلية إن سموتريتش يجري مشاورات مكثفة مع كبار الحاخامات بشأن صفقة تبادل الأسرى وتحديد الموقف منها.
- وعلق الكاتب الإسرائيلي في صحيفة "معاريف" العبرية بين كاسبيت على التقدم بالصفقة المطروحة بالقول إن "ما يحدث هو ثمرة التهديدات الصريحة للرئيس الأمريكي القادم دونالد ترامب لنتنياهو.. أقنع نتنياهو نفسه بقبول الخطوط العريضة التي طرحها ترامب، وهي ذاتها التي عرضت عليه في شهر مايو الماضي ورفضها.. والآن ولم يبق إلا الحداد على الوقت الذي أضعناه في إعادة المختطفين الذين قتلوا في غزة، أو أولئك الجنود الذين قتلوا بلا هدف في معارك غزة وكان بإمكاننا إعادتهم في ذلك الحين"، على حد تعبيره.
- ويضيف كاسبيت: "أسأل نفسي أين ذهبت كل الخطوط الحمراء والشروط السخيفة التي أطلقها نتنياهو ورددتها الأبواق الإعلامية. ماذا حدث لاحتلال جنوب القطاع وشماله؟ وفي هذه الأثناء، يستمر سقوط مقاتلينا في غزة والتخلي عنهم".
- أما عاموس هاريل الكاتب والمحلل في صحيفة "هآرتس" فقال إن "إسرائيل ستضطر إلى دفع ثمن باهظ ولكن لا مفر منه في صفقة إطلاق سراح الرهائن مع حماس، لأن إسرائيل لا تزال تنزف بشدة في غزة كل يوم".
- ويضيف الكاتب الإسرائيلي أن "رئيس الوزراء نتنياهو يستسلم أخيراً لترامب، وتحت ضغط أمريكي شديد، تجاوز الخطوط الحمراء السابقة. وأصبحت إسرائيل مستعدة الآن للإعلان عن صفقة، حتى قبل تنصيب ترامب رئيساً للولايات المتحدة الأسبوع المقبل، رغم أن هذا الاتفاق لن يضمن القضاء على حكم حماس كما وعد نتنياهو للإسرائيليين منذ 7 أكتوبر 2023".
- ويختتم هاريل مقالته بالقول إنه "على المدى البعيد، إذا تقدمت إدارة ترامب بخطة محددة للمنطقة بعد إنهاء حرب غزة، فقد يكون لذلك آثار هائلة على النظام السياسي الإسرائيلي. وسوف يحتاج نتنياهو إلى اتخاذ قرار بشأن ما إذا كان سيدعو إلى انتخابات؛ وما إذا كان سيتحالف مع الوسط السياسي ويكسر تحالفه القديم مع المتطرفين؛ أو سيحتاج نتنياهو للتفكير حول ما سيحدث في محاكمته بعد "صفقة إقرار بالذنب" التي سيوقع عليها مع غزة.