فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي قيوداً جديدة على التغطية الإعلامية التي تشمل عسكريين أثناء مشاركتهم في مهام قتالية فعلية وسط مخاوف متزايدة من احتمال تعرض أفراد من قوات الاحتياط لإجراءات قانونية خلال سفرهم إلى الخارج بسبب اتهامات تتعلق بتورطهم في جرائم حرب في غزة.
جاءت هذه الخطوة بعد أن اضطر جندي احتياط إسرائيلي كان يقضي عطلة في البرازيل إلى مغادرة البلاد بشكل مفاجئ عندما أمر قاضٍ برازيلي الشرطة الاتحادية بفتح تحقيق في أعقاب اتهامات من مجموعة مناصرة للفلسطينيين بأنه ارتكب جرائم حرب أثناء خدمته في غزة.
وبحسب ما قاله المتحدث باسم جيش الاحتلال الإسرائيلي، لفتنانت كولونيل ناداف شوشاني للصحفيين، فإنه بموجب القواعد الجديدة، لن يتمكن الإعلاميون الذين يجرون مقابلات مع عسكريين برتبة كولونيل (عقيد) فما أقل من إظهار وجوههم أو نشر أسمائهم بشكل كامل، على غرار القواعد القائمة بالفعل بالنسبة للطيارين وعناصر وحدات القوات الخاصة.
كما يتعين عدم الربط بين العسكريين الذين تجري مقابلات معهم وبين نشاط قتالي محدد شاركوا فيه.
وقال شوشاني: "هذه هي القواعد التوجيهية الجديدة لحماية جنودنا وضمان عدم تعرضهم لمثل هذه الأمور التي يقوم بها ناشطون مناهضون لإسرائيل حول العالم".
وذكر أن جماعات، مثل مؤسسة "هند رجب"، التي دفعت لاتخاذ الإجراء الذي شهدته البرازيل، "تربط النقاط ببعضها" فيما يتعلق بالعسكريين الذين ينشرون مواد من غزة ثم ينشرون صوراً ومقاطع فيديو أخرى لأنفسهم أثناء قضاء عطلاتهم في الخارج.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية العام الماضي مذكرات اعتقال بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، بتهم ارتكاب جرائم حرب في غزة، مما أثار غضباً في إسرائيل.
ما هي الإجراءات الأخرى التي اتخذها الاحتلال لحماية جنوده من الاعتقال في الخارج؟
- في ديسمبر/كانون الأول الماضي، نشرت مواقع عبرية من بينها صحيفة يديعوت أحرونوت تعليمات أصدرها جيش الاحتلال الإسرائيلي لجنوده الاحتياطيين الذين خدموا في غزة شملت تجنب السفر خشية صدور مذكرات اعتقال بحقهم.
- طُلب من بعض الضباط والجنود في نهاية العام الماضي مغادرة البلدان التي زاروها فوراً، خوفاً من الإجراءات القضائية ضدهم.
- طالب جيش الاحتلال أيضاً الضباط والجنود عدم تحميل صورهم ومقاطع الفيديو الخاصة بهم التي تُظهر مشاركتهم في الحرب على غزة في الخارج.
- شكلت حكومة الاحتلال فريقاً مشتركاً بين الوكالات الحكومية لتقييم المخاطر القانونية التي قد يتعرض لها الجنود والاحتياطيون في الخارج.
- أصدرت وزارة الخارجية مؤخراً تحذيراً عاماً للإسرائيليين بأن منشوراتهم على وسائل التواصل الاجتماعي قد تستخدم لرفع دعاوى قانونية ضدهم في بلدان أخرى.
- استعانت إسرائيل كذلك بخدمات قانونية من محامين محليين في عشرات من دول العالم، ليقوموا برصد التغيرات في التشريعات والأحكام في هذه الدول فيما يتعلق بإسرائيل وقوانين الحرب المحلية.
- فيما يتعلق بجنود الاحتياط الذين خدموا في غزة ويريدون السفر إلى الخارج، أوصى جيش الاحتلال الإسرائيلي أولاً بالتحقق من مستوى المخاطر في الدولة التي يرغبون في التوجه إليها مع غرفة العمليات في وزارة الخارجية.
ما هي المخاطر التي تشكلها ملاحقة جنود الاحتلال الإسرائيلي في الخارج؟
1- خيارات قليلة: لدى حكومة الاحتلال خيارات قليلة للتعامل مع ملاحقة جنودها الذين شاركوا في حرب الإبادة الجماعية في غزة، وحتى هذه الخيارات لا يتم استخدامها بشكل صحيح حالياً، وفق ما نقلته صحيفة هآرتس العبرية عن مصدر رفيع المستوى في الخارجية الإسرائيلية.
وتحدث المصدر، الذي لم تسمه الصحيفة، عن "أهمية إقناع أكبر عدد ممكن من الدول بأن إسرائيل تجري تحقيقات صادقة وجريئة في المخالفات التي تحدث في صفوفها".
ولكنه استدرك معرباً عن "قلقه من أن الحكومة الحالية تفعل العكس تماماً عبر مهاجمة النيابة العسكرية (الإسرائيلية) لاتخاذها إجراءات ضد الجنود المشتبه في اعتدائهم جسدياً على المعتقلين الفلسطينيين".
2- قرار العدل الدولية: يقدر جيش الاحتلال الإسرائيلي أن قرار محكمة العدل الدولية في لاهاي بإصدار أوامر اعتقال بحق نتنياهو وغالانت سيعطي زخماً للاعتقالات والإجراءات الجنائية الأخرى في جميع أنحاء العالم ضد كبار الضباط في الجيش.
وقالت صحيفة يديعوت أحرونوت إن الوضع سيكون أكثر صعوبة بعد نهاية الحرب في غزة وتراجع حدة القتال وفتح المنطقة أمام جولات منظمات حقوق الإنسان والصحفيين الأجانب بحرية.
3- مبدأ الولاية القضائية العالمية: وهو أحد مبادئ القانون الدولي التي تسمح نظرياً لأي محكمة وطنية بمحاكمة المتهمين في جرائم ذات تداعيات جسيمة بغض النظر عن مكان ارتكابها.
وقد اعتمدت دولة الاحتلال نفسها على هذا المبدأ القانوني لمحاكمة أدولف آيخمان، وهو مسؤول نازي كبير، بتهمة ارتكاب جرائم ضد الإنسانية أثناء الهولوكوست.
وتعزز وسائل التواصل الاجتماعي بجانب التكنولوجيا الرقمية الآن الأدلة التي يمكن تقديمها بالاعتماد على مبدأ الولاية القضائية لتقديم شكاوى جنائية ضد جنود وضباط الاحتلال ممن شاركوا في الحرب على غزة، سواء من المستويات العليا في الجيش أو المستويات الأدنى.
The #HindRajabFoundation has filed a complaint with the ICC against Israeli war criminal Lidor Kandalker, demanding his arrest. Currently in Thailand, Kandalker is seen on video detonating a civilian home in Gaza, celebrating and boasting with his comrades.
— The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) December 20, 2024
We have informed… pic.twitter.com/PJLSApgLEA
ونقلت صحيفة نيويورك تايمز عن يوفال شاني، أستاذ القانون الدولي في الجامعة العبرية في القدس المحتلة، قوله: "تأتي التكنولوجيا لسد الفجوة، لأنه بمجرد تصويرك وتوثيقك لنفسك أثناء ارتكاب جريمة حرب، يصبح من الأسهل بكثير مقاضاتك، حتى في محكمة بعيدة في نصف الكرة الأرضية الآخر".
ورغم أن مقاطع الفيديو المنشورة على وسائل التواصل الاجتماعي يمكن أن تُنتزع من سياقها أو تُفسَّر بشكل خاطئ، فإن "بعضها يبدو سيئاً للغاية"، على حد قول شاني الذي أضاف أن "هناك درجة محتملة من المساءلة لم نشهدها من قبل في الحروب، وذلك ببساطة لأنه كان من الصعب للغاية توليد الأدلة".
4- الحصانة الدبلوماسية: على النقيض من القادة الأكثر خبرة، لا يتمتع جنود الاحتلال من المستويات الأدنى عادة بالحصانة الدبلوماسية، أو الموارد اللازمة للبحث في الولايات القضائية التي قد تجعلهم عرضة لشكاوى جرائم الحرب، وفق نيويورك تايمز.
5- استراتيجية قانونية جديدة: غيرت مؤسسة "هند رجب" تكتيكاتها، فتجنبت نشر أسماء الجنود المستهدفين لزيادة فرص نجاح الإجراءات القانونية، بحسب صحيفة "يديعوت أحرونوت". كما تتعقب المؤسسة رحلاتهم الخارجية على وسائل التواصل الاجتماعي أثناء نشرهم لمنشورات عن إجازاتهم، ثم تتقدم على الفور بشكاوى جنائية إلى البلدان التي يزورونها.
وقال دياب أبو جهجه، رئيس المؤسسة، إن الجنود الذين يلتزمون بالقانون الدولي ليس لديهم ما يخشونه من مؤسسته. وأضاف: "نحن لا ننظم حملة شعواء ضد الجنود الإسرائيليين. نحن نرفع دعاوى ضد جنود لدينا أدلة تثبت مسؤوليتهم الفردية عن جرائم حرب".
6- حظر السفر: يشكل السفر إلى الخارج أهمية بالغة بالنسبة للإسرائيليين، وفق ما ذكره شاني، أستاذ القانون الدولي في الجامعة العبرية. وأضاف: "لذا أعتقد أن هناك فكرة مفادها أن هذا يشكل خطراً غير مقبول، وأن على الحكومة والجيش أن يتخلصا منه".
ما هي مؤسسة "هند رجب" التي تلاحق جنود الاحتلال في الخارج؟
مؤسسة "هند رجب" هي مؤسسة حقوقية تتخذ من العاصمة البلجيكية بروكسل مقراً رئيسياً لها، تأسست في فبراير/شباط 2024، وتبرز منذ فترة في تغطيات الإعلام للإبادة الجماعية الإسرائيلية المتواصلة بحق الفلسطينيين في قطاع غزة للشهر الـ16.
وتقول المؤسسة على موقعها الإلكتروني إنها "مكرسة بشكل أساسي للسعي إلى تحقيق العدالة، رداً على الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ارتكبتها إسرائيل ضد الفلسطينيين".
وأضافت إنها "تأسست خلال الإبادة الجماعية المستمرة في غزة، وهي تكرم ذكرى هند رجب وكل مَن لقوا حتفهم أو عانوا في ظل الحملة الإبادة الجماعية الإسرائيلية".
وتابعت:"تتمثل مهمتنا الأساسية في السعي بنشاط إلى اتخاذ إجراءات قانونية ضد المسؤولين عن هذه الفظائع، بما في ذلك الجناة والمتواطئين والمحرضين على العنف ضد الفلسطينيين".
وتؤكد أنها "عازمة على السعي إلى مستقبل تسوده المساءلة، حيث لا تكون العدالة مجرد طموح بل حقيقة ملموسة. ونحن نتمسك بالتزامنا بإنهاء إفلات إسرائيل من العقاب، وتحقيق العدالة، وضمان تكريم إرث أولئك الذين فقدناهم".
ومن خلال متابعة موقعها الإلكتروني وحساباتها على منصات التواصل الاجتماعي، يمكن رصد شكاوى قدمتها المؤسسة إلى محاكم في دول عديدة ضد جنود إسرائيليين بشبهة بارتكاب جرائم حرب بغزة.
وتتبع المؤسسة تحركات الجنود الإسرائيليين، وتستعين بمقاطع فيديو وصور نشروها بكثرة على منصات التواصل الاجتماعي خلال مشاركتهم في حرب الإبادة بغزة، وباتت أدلة إدانة لهم.
ما هي أبرز القضايا التي رفعتها مؤسسة "هند رجب" ضد جنود الاحتلال؟
بجانب قضية جندي الاحتياط الإسرائيلي الذي كان متواجداً في البرازيل، رفعت مؤسسة "هند رجب" دعوى قضائية في 31 ديسمبر/كانون الأول 2023، ضد عمري نير، وهو جندي في كتيبة الهندسة القتالية 601 التابعة لقوات جيش الاحتلال الإسرائيلي، والذي نشر صورة على إنستغرام يظهر فيها وهو يقف داخل منزل في غزة كان ذات يوم ملكاً لعائلة فلسطينية قُتلت أو نزحت أثناء الإبادة الجماعية التي ارتكبتها إسرائيل.
وقالت المؤسسة: "أبرزت الصورة، التي تمثل عرضاً مرعباً للإفلات من العقاب، دوره (نير) في الإبادة الجماعية التي شهدتها غزة".
وأضافت بأنه "في هذا العام، بينما يسافر عمري نير إلى تايلاند للاحتفال بليلة رأس السنة الجديدة مرة أخرى، يبدو العالم مختلفاً تماماً بالنسبة له، فقد اكتشفت مؤسسة هند رجب (…) وجوده في تايلاند وتصرفت بحزم".
وأفادت المؤسسة بأنها رفعت دعوى ضده أمام المحكمة الجنائية الدولية، متهمة إياه بارتكاب انتهاكات جسيمة للقانون الدولي، وطلبت رسمياً من السلطات التايلاندية اعتقاله.
وإضافة إلى قضية نير، يتضمن موقع المؤسسة قضايا تم رفعها ضد جنود إسرائيليين في دول بينها البرازيل وتايلاند وهولندا وسريلانكا وفرنسا.
🚨 Breaking: Case Filed Against Yuval Vagdani in Argentina 🚨
— The Hind Rajab Foundation (@HindRFoundation) January 7, 2025
After Yuval Vagdani's escape from Brazil to Argentina, the #HindRajabFoundation has filed a legal case in Argentina against the war crimes suspect. This move reinforces our commitment to ending impunity and holding… pic.twitter.com/VZOYSLwM33
ورصدت هيئة البث الإسرائيلية ارتفاعاً في محاولات ملاحقة جنود إسرائيليين قضائيا في الخارج منذ بدء حرب الإبادة في غزة.
وقالت إنه "تم تقديم حوالي 50 شكوى ضد جنود احتياط، فتحت 10 منها تحقيقات في الدول المعنية، دون تسجيل أي اعتقالات حتى الآن".
ولم تحدد هيئة البث أسماء هذه الدول، ولكن صحيفة هآرتس العبرية أفادت الأحد بأنها جنوب إفريقيا وسريلانكا وبلجيكا وفرنسا والبرازيل.
وبحسب صحيفة يديعوت أحرونوت العبرية، فإن مؤسسة هند رجب تقدمت بطلبات اعتقال لـ1000 جندي إسرائيلي مزدوج الجنسية في 8 دول.