“عش الدبابير” الذي أرهق “إسرائيل”.. كل ما نعرفه عن حملة السلطة الفلسطينية في مخيم جنين

عربي بوست
تم النشر: 2025/01/03 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/03 الساعة 14:14 بتوقيت غرينتش
عناصر من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية في مخيم جنين / رويترز

أطلقت الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة الفلسطينية حملة أمنية واسعة النطاق في مخيم جنين، أحد أبرز رموز ومعاقل المقاومة الفلسطينية، والذي بات منذ الانتفاضة الثانية يمثّل أيقونة للصمود في وجه الاحتلال الإسرائيلي. وبينما تُبرر السلطة هذه الحملة التي شملت حصاراً مطبقاً للمخيم وقطع للكهرباء، بأنها "ضرورة لضبط الأمن والخارجين عن القانون"، يراها فلسطينيون وسكان المخيم بأنها خطوة مدفوعة بضغوط إسرائيلية وأمريكية لتقويض بؤر المقاومة بالضفة المتصاعدة منذ سنوات، مما يثير تساؤلات حول أهداف الحملة وتداعياتها على المشهد الفلسطيني.

السلطة تستكمل مهمة الاحتلال في جنين بإشراف الجنرال الأمريكي مايكل فينزل

  • بدأت الحملة الأمنية للسلطة في الفلسطينية في 5 ديسمبر/كانون الأول 2024، بتنسيق وإشراف كامل مع الجنرال الأمريكي مايكل فينزل، الذي يشغل منصب منسق الأمن الأمريكي في الأراضي الفلسطينية. وبحسب مصادر سياسية وأمنية، فإن هذه الحملة تأتي استكمالاً لتوصيات اجتماع العقبة في فبراير/شباط 2023، والذي حضره ممثلون عن "إسرائيل"، والسلطة الفلسطينية، والولايات المتحدة والأردن، بهدف احتواء عمليات المقاومة المتصاعدة في الضفة الغربية.
  • يقول موقع "أكسيوس" الأمريكي إن فينزل راجع خطط العملية العسكرية على مخيم جنين مع قادة أجهزة أمن السلطة، وتم تحديد المعدات والذخائر التي يحتاجونها في مواجهة الشبان المقاومين في المخيم. فيما قالت صحيفة "هآرتس" إن الجيش الإسرائيلي يدرس تقديم دعم عسكري إضافي للسلطة لتكثيف عمليتها ضد "الخارجين عن القانون" في جنين وشمال الضفة.
شمال الضفة الغربية
كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس في مخيم جنين، أرشيفية / تليغرام
  • وبحسب موقع "أكسيوس" يعترف قادة السلطة بأن "العملية في جنين تشكل لحظة حاسمة بالنسبة للسلطة الفلسطينية ومستقبلها"، فيما تضمنت الحملة نشر قوات أمنية كبيرة داخل المخيم، واستخدام تقنيات متطورة لتعقب "الخارجين عن القانون"، حسبما وصفتهم بيانات السلطة، التي تواصل حصار المخيم لليوم الـ30 على التوالي تحت شعار "حماية وطن".
  • رغم حديث السلطة عن أهدافها "الأمنية"، إلا أن حملتها أسفرت عن استشهاد 8 فلسطينيين برصاص أجهزة السلطة بينهم صحفية و3 وأطفال، فيما قتل من الأجهزة الأمنية التابعة للسلطة 6 عناصر حتى مساء الجمعة 3 يناير/كانون الثاني 2024 وأصيب العديد من المدنيين بجروح.
  • وبدأت الأحداث عندما قتلت الأجهزة الأمنية الفلسطينية خلال الاشتباكات يزيد جعايصة القيادي في كتيبة جنين التابعة لسرايا القدس الذراع العسكرية لحركة الجهاد الإسلامي، بالإضافة إلى شاب وطفل من أهالي المخيم، وسقوط إصابات من الجانبين في مطلع ديسمبر 2024. وقد قوبلت الحملة بالرفض الشعبي والاستهجان من قبل الفلسطينيين وفصائل المقاومة وسكان المخيم ومنظمات حقوقية، وأثارت تساؤلات عن حقيقة وأهداف ودوافع هذه الحملة "التي تقدم خدمة مجانية للاحتلال" من خلال مواجهة المقاومين والكشف عن هذه العبوات التي أعدت بشكل مسبق لمواجهة اقتحامات قوات الاحتلال.
منح فلسطين وضع عضو كامل الدولة الفلسطينية
الرئيس الأمريكي جو بايدن ونظيره الفلسطيني محمود عباس/ أرشيفية، رويترز

ما وراء الحملة؟ الدوافع الخفية والمعلنة

  • تقول "هآرتس" إن التوصيات الأمريكية حول الحملة أكدت على ضرورة احتواء نشاط المقاومة المسلحة في جنين، باعتبارها تهديداً لـ"إسرائيل"، فيما يتهم فلسطينيون السلطة بأنها باتت أداة لتحقيق أهداف أمنية إسرائيلية، على حساب مصالح الشعب الفلسطيني ومقاومته للاحتلال.
  • يؤكد سكان المخيم، الذين شكلوا لفترة طويلة قاعدة شعبية لدعم قوى المقاومة أن حملة السلطة الفلسطينية تخدم الرغبات الإسرائيلية في تهدئة الضفة الغربية وإغلاق مراكز المقاومة للاحتلال، في ظل خطة ممنهجة شرسة يشنها الاحتلال بقيادة الوزير بتسييل سموتريتش لضم الضفة وتوسيع الاستيطان فيها، فيما تشن جماعات المستوطنين هجمات واسعة ومتكررة على ممتلكات الفلسطينيين من شمال الضفة إلى جنوبها.
  • وتعدت "الإدارة المدنية الإسرائيلية"، وهي هيئة إسرائيلية أنشئت عام 1981 لإدارة الشؤون الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، على مسؤوليات السلطة الفلسطينية، حيث تدير الشؤون الفلسطينية بشكل مباشر دون وساطة السلطة الفلسطينية، كما كانت الحال قبل إنشائها بموجب اتفاقيات أوسلو عام 1993. ويعتبر إعادة تفعيلها مؤشرا على إضعاف السلطة الفلسطينية وتهميشها، كما يقول تقرير لموقع MEE البريطاني.
https://twitter.com/qudsn/status/1874471508728516646

مخيم جنين.. رمز المقاومة الذي أعجز "إسرائيل"

  • يعد مخيم جنين، الواقع في قلب مدينة جنين شمال الضفة الغربية، مركزاً للمقاومة منذ فترة طويلة. وهو شاهد حي على تاريخ طويل من النضال ضد الاحتلال. تأسس المخيم عام 1953 لإيواء الفلسطينيين الذين شردتهم نكبة 1948، وسرعان ما تحول إلى قاعدة للمقاومة المسلحة ضد الاحتلال الإسرائيلي.
  • كانت منطقة جنين معقل أول مقاومة فلسطينية منظمة ضد الحكم البريطاني، بقيادة السوري المولد عز الدين القسام، الذي قُتل في معركة عام 1935 في يعبد، على بُعد 18 كيلومتراً فقط غرب جنين. كذلك كان العديد من قادة الثورة الفلسطينية عام 1936 من جنين أو مقيمين فيها، مثل فرحان السعدي ويوسف أبو درة. إلى أن أعطى إنشاء مخيم للاجئين في مكان من هذا التراث السياسي رمزية إضافية.
  • تم إنشاء مخيم جنين للاجئين في الأصل عام 1953، وذلك لإيواء الفلسطينيين الذين قدموا من حيفا ومنطقة الكرمل والقرى المجاورة لها وتعرّضوا للتطهير العرقي والنزوح الإجباري خلال نكبة عام 1948؛ حيث أجبر الاحتلال الإسرائيلي آنذاك حوالي 750 ألف مواطن فلسطيني على ترك منازلهم لإفساح المجال أمام إقامة دولة إسرائيل الوليدة في ذلك الوقت.
  • ومثله مثل باقي المخيمات في الضفة الغربية، فقد تأسس المخيم فوق قطع من الأرض استأجرتها الأونروا من الحكومة الأردنية. إلى أن أصبح المخيم خاضعاً لسيطرة السلطة الفلسطينية في منتصف التسعينيات.
  • ففي عام 1949، آلت مدينة جنين بالكامل إلى حكم الإدارة الأردنية، ودخلت هي وباقي أنحاء الضفة الغربية في اتحاد مع المملكة الأردنية الهاشمية.  ثم بحلول العام 1964، أصبحت مقراً للواء جنين التابع لمحافظة نابلس. وقد بقيت المدينة تحت الحكم الأردني حتى احتلال إسرائيل لها خلال حرب النكسة عام 1967.
  • استمر الوضع بهذا الشكل حتى عام 1995، عندما خضعت مدينة جنين لإدارة السلطة الفلسطينية، التي تأسست عام 1994 بموجب اتفاق غزة-أريحا. وقد أصبحت مدينة جنين منذ ذلك الحين مركزاً لمحافظة جنين، وأكبر مخيماتها هو مخيم باسمها.
  • يقع المخيم حالياً على مساحة 420 ألف متر مربع في مدينة جنين، شمال الضفة الغربية. ووفقاً لإحصاءات رسمية، يناهز عدد السكان في المخيم قرابة 11680 شخصاً، بحسب الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني، نقلاً عن وكالة "وفا" الفلسطينية للأنباء. وبسبب قرب المخيم من القرى الأصلية لسكانه، فإن العديد من سكانه لا يزالون يحافظون على روابط وثيقة بأقاربهم داخل الخط الأخضر.
  • كذلك يعمل العديد من سكان المخيم في القطاع الزراعي في المناطق المحيطة بجنين. وعلى الرغم من أن وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" تقدم للمخيم بعض الخدمات الأساسية، مثل الصحة والتعليم والإغاثة والخدمات الاجتماعية وبرامج خلق فرص العمل والغذاء الطارئ، فإنه لا يزال يعاني من اكتظاظ المدارس ومعدلات بطالة عالية ودمار هائل بسبب الانتفاضة الثانية في 2002.
المقاومة في المدن الفلسطينية
صورة أرشيفية لمقاومين فلسطينيين في تشييع أحد الشهداء في مخيم جنين/ الأناضول
  • في أبريل/نيسان 2002، خلال الانتفاضة الفلسطينية الثانية، شهد المخيم واحدة من أشرس المعارك بين المقاومة الفلسطينية وقوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي استمرت لنحو شهر. حينها، اجتاحت القوات الإسرائيلية المخيم بآلاف الجنود والدبابات والطائرات، في محاولة لاجتثاث جذور المقاومة.
  • ورغم التدمير الواسع وسقوط الشهداء والجرحى، لم تنجح "إسرائيل" في القضاء على روح المقاومة داخل المخيم، الذي أصبح رمزًا للصمود والتحدي. ومنذ ذلك الحين، لم يتوقف المخيم عن تقديم المقاتلين من كافة الفصائل، مما جعله هدفاً مستمراً لاقتحامات الاحتلال الإسرائيلي.
  • وشهدت مدينة ومخيم جنين هجمات مكثفة من قبل القوات الإسرائيلية منذ العام 2021 حتى الآن، حيث أصبح هذا الموقع – بجانب مدينة غزة – رمزاً رئيسياً للمقاومة الفلسطينية. ففي جنين وأماكن أخرى شمال الضفة، يتزايد حمل الشباب الفلسطينيين السلاح، باعتباره الوسيلة الوحيدة لمواجهة ضغط الاحتلال الإسرائيلي المستمر، وخيبة الأمل من تراجع فعالية السلطة الفلسطينية. ويضم مخيم جنين مقاتلين مسلحين من عدة فصائل، لذلك يعتبر الإسرائيليون هذا المخيم مركزاً لما يسمونه بـ"النشاط الإرهابي"، فيما يسميه الفلسطينيون بـ"عش الدبابير"، حتى أن هذا التوصيف أطلقه الإعلام العبري عليه منذ عام 2002. ولذلك تسعى "إسرائيل" اليوم بعدما عجزت عن مواجهة المخيم، دفع السلطة الفلسطينية لإنجاز هذه المهمة، كما يقول فلسطينيون.
تحميل المزيد