“أسطول الظل الروسي”.. ماذا نعرف عن الحرب تحت الماء التي تخوضها موسكو ضد الغرب؟

تم النشر: 2025/01/02 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
تم التحديث: 2025/01/02 الساعة 12:42 بتوقيت غرينتش
غواصات تابعة للأسطول الشمالي الروسي، تعبيرية/ TASS

منذ بداية الحرب الروسية في أوكرانيا، ارتفعت وتيرة استهداف الكابلات البحرية التي تمثل لأوروبا والعالم كنزاً تحت الماء. وتقول أوروبا إن التهديدات والهجمات الروسية على البنية التحتية البحرية الخاصة بها ازدادت بشكل كبير وخطير، فيما يقول مسؤولون في حلف شمال الأطلسي "الناتو" إن التهديد الروسي للكابلات البحرية التي يعتمد عليها الغرب للإنترنت وكذلك استهداف كابلات الطاقة، وعمليات التجسس البحرية، أصبحت أكثر حدة وخطورة، متهمين الكرملين بتخصيص "وحدة تخريب" تحت البحر، أطلقوا عليها اسم "أسطول الظل الروسي".

وتقول الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي بأن "أسطول الظل الروسي" أصبح يشكل تحدياً متزايداً للقارة ومصالح الناتو، حيث يشير هذا المصطلح إلى مجموعة من السفن التجارية ومنها ناقلات النفط، التي تستخدمها روسيا لتجاوز العقوبات الغربية المفروضة عليها خاصة في قطاع الطاقة، فيما تشير تقارير الغربية بأن هذه السفن تلعب دوراً أكبر في عمليات عسكرية واستخباراتية تهدد البنية التحتية الأوروبية كاستهداف كابلات الانترنت والطاقة الاستراتيجية والتجسس على الناتو.

وتنظر روسيا إلى الكابلات البحرية للاتصالات والإنترنت باعتبارها نقطة ضغط ضد أمن الدول الغربية؛ في حين تتمتع روسـيا بموقع جغرافي استثنائي يمنحها الاتصال بالإنترنت بأوروبا وآسيا عبر الكابلات الأرضية، ما يجعلها أقل اعتماداً على الكابلات البحرية مقارنة بالولايات المتحدة وأوروبا. 

وأصبحت الكابلات البحرية ضمن الأهداف المحتملة للتخريب المتعمد خلال الصراعات والأزمات الجيوسياسية في السنوات الأخيرة. ولا يتطلب إتلاف الكابلات قدرات بحرية متطورة، فمن خلال استخدام السفن المدنية لمعدات المراسي يمكنها تمزيق الكـابلات البحرية في المياه الضحلة، وكذلك يمكن أن تتسبب الغواصات الصغيرة في أضرار للكابلات إذا اصطدمت بها، كما يمكن استخدام المتفجرات تحت الماء نظرا لسهولة تنفيذها وصعوبة تعقب أو معرفة الجهات الفاعلة.

الكابلات البحرية.. حرب تحت الماء تخوضها روسيا ضد أوروبا

  • تلعب الكابلات البحرية المصنوعة من الألياف الضوئية، الممتدة تحت أعماق البحار، دوراً حيوياً في تشكيل العمود الفقري لتكنولوجيا الاتصالات الحديثة والإنترنت، مما يجعلها عنصراً أساسياً في التجارة الرقمية العالمية. وتنقل هذه الكابلات نحو 95% من البيانات الدولية، بما يشمل البيانات الحساسة المتعلقة بالعمليات العسكرية وأنظمة الدفاع، إلى جانب مساهمتها المحورية في التجارة الدولية، حيث تُعبر من خلالها معاملات مالية تُقدر بنحو 10 تريليونات دولار يومياً.
  • تتألف الشبكة العالمية للكابلات البحرية من أكثر من 600 خط، قيد التشغيل أو قيد الإنشاء، تمتد بطول إجمالي يصل إلى 1.2 مليون كيلومتر تقريباً. ومع تسارع التحول نحو الخدمات السحابية وانتشار شبكات الجيل الخامس (5G)، يتزايد الاعتماد على هذه الكابلات كدعامة رئيسية للبنية التحتية الرقمية.
  • وتمر مئات الكابلات البحرية عبر بحار ومحيطات العالم، حيث يُنظر إلى الكابلات في المحيط الأطلسي وبحر الشمال والبلطيق على أنها معرضة بشكل خاص للخطر من التخريب الروسي المحتمل. وتعد البنية التحتية الحيوية تحت الماء في الغرب والعالم عموماً غير محمية إلى حد كبير ومواضعها الدقيقة متاحة للاستهداف، مما يخلق هدفاً مغرياً محتملاً للكرملين. 
  • يعتقد مسؤولو الاستخبارات الغربية أن جهود روسيا لمراقبة وبناء القدرة التقنية للوصول إلى هذه البنية التحتية الضخمة تحت الماء آخذة في التوسع وتنتشر حالياً بين عدد من الفروع المختلفة للأجهزة العسكرية والأمنية في البلاد، بما في ذلك البحرية الروسية والمديرية الرئيسية لأبحاث أعماق البحار (GUGI).
  • وعلى الرغم من أن المسؤولين الروس ظلوا صامتين إلى حد كبير بشأن اهتمام الكرملين المزعوم بالكابلات البحرية، فقد صرح الرئيس الروسي السابق وحليف بوتين المقرب ديمتري ميدفيديف في عام 2023 أنه "لم يعد هناك أي قيود متبقية تمنعنا من تدمير اتصالات كابلات قاع المحيط لأعدائنا".
مهندسون يقومون بمد الكابلات البحرية بين ألمانيا والنرويج عام 2020 – getty image

حروب "أسطول الظل الروسي" تحت الماء

  • في سبتمبر/أيلول 2024، اتهم رؤساء وكالة المخابرات المركزية الأمريكية وجهاز الاستخبارات البريطاني روسيا بالانخراط في "حملة تخريب متهورة" في مختلف أنحاء أوروبا. وقالوا إن الهجمات الروسية المزعومة الأخيرة شملت أنظمة الاتصالات بهدف تعطيل نظام تحديد المواقع العالمي (GPS) الذي أثر على آلاف الرحلات الجوية المدنية للركاب في بحر البلطيق والبحر الأسود ومنطقة شرق البحر الأبيض المتوسط.
  • وصرح مسؤولان أمريكيان لشبكة CNN الأمريكية في 13 سبتمبر/أيلول 2024 بأن روسيا نشرت وحدة غواصات سرية تابعة لــ"المديرية العامة لأبحاث أعماق البحار" والمعروفة باسمها المختصر الروسي GUGI، والهدف من هذه الوحدة هو مراقبة وربما تدمير الكابلات البحرية التي يعتمد عليها الغرب في الإنترنت.
  • تقول هذه الاتهامات إن روسيا وسعت جهودها لتطوير القدرات البحرية للمراقبة والتخريب تحت سطح البحر عبر سفن التجسس والغواصات المتخصصة، وأصبحت قادرة على تدمير وإتلاف أجزاء من الكابلات البحرية الأوروبية والتسبب في أضرار بالغة للاقتصادات الغربية.
  • بحر البلطيق كان مسرحاً للعديد من الحوادث البارزة في البنية التحتية منذ اندلاع حرب روسيا على أوكرانيا في فبراير/شباط 2022، مما أدى إلى تصعيد التوترات في المنطقة. في مطلع ذلك العام انقطع كابل اتصالات بحرية قبالة سواحل النرويج عند نقطة عبرتها سفن صيد روسية، وتسبب الحادث الذي عرف بـ "هجوم سفالبارد" في تعريض تدفقات البيانات بين أرخبيل سفالبارد بالبر الرئيسي للنرويج للخطر.
  • في سبتمبر/أيلول 2022، تسببت سلسلة من الانفجارات تحت الماء في إتلاف خط أنابيب "نورد ستريم 1" المسؤول عن نقل الغاز الطبيعي من روسـيا إلى ألمانيا عبر بحر البلطيق، ووقع الحادث داخل المنطقة الاقتصادية الخالصة للدنمارك والسويد.
  • في أكتوبر/تشرين الأول 2023، توقف خط أنابيب الغاز Baltic Connector بين فنلندا وإستونيا عن العمل وفي نفس التوقيت انقطع كابل بحري يربط بين البلدين وكابل آخر يربط بين السويد وإستونيا. وأفادت التحقيقات أن سفينة شحن روسية وأخرى صينية هما المسؤولتان عن الحادث.
  • في أكتوبر/تشرين الأول 2024، ألحقت سفينة صينية هي "نيو نيو بولار بير"، أضراراً بخط أنابيب الغاز "بالتي كونيكتور" في بحر البلطيق. وزعمت السلطات الصينية أن الأمر كان حادثاً عرضياً فيما يتهم مسؤولون أوروبيون بأن الحادث تم بالتنسيق مع "أسطول الظل الروسي".
  • في نوفمبر/ تشرين الثاني 2024 انقطع كابلان للاتصالات يربطان بين السويد والدنمارك. وتشتبه السلطات في أن السفينة الصينية "يي بينج 3" التي أبحرت فوق الكابلات، هي المسؤولة عن ذلك، لكن الصين رفضت طلب السويد بالتحقيق في أمر السفينة. 
خارطة الكابلات البحرية حول العالم/ Submarine Cable Map
  • في منتصف نوفمبر/تشرين الثاني 2024 تعرض كابل أريليون البحري الذي يربط جزيرة جوتلاند السويدية بليتوانيا، وكابل الاتصالات البحري سي-ليون 1 الذي يمتد بين العاصمة الفنلندية هلسنكي ومدينة روستوك الألمانية لأضرار بالقرب من المياه الإقليمية السويدية. وقد أشار مسؤولون أوروبيون إلى أن التخريب تقف وراءه روسيا، لكن الكرملين رفض هذه المزاعم، ووصفها بأنها "سخيفة" و"مضحكة". وأعلنت الحكومة الألمانية أن الأضرار التي لحقت بكابلي الاتصالات البحريين هي نتيجة لما وصفته بـ "عمل تخريبي". وفي سياق متصل؛ ركزت السلطات ومجتمع الاستخبارات مفتوحة المصدر (OSINT) على أحد السفن الصينية التي غادرت ميناء أوست لوجا الروسي على بحر البلطيق باعتبارها مسؤولة عن الحادث.
  • في 26 ديسمبر/كانون الأول 2024 قال الاتحاد الأوروبي إنه يشتبه في أن "أسطول الظل الروسي" متورط في تدمير الكابلات البحرية في بحر البلطيق مؤخراً، فيما قالت السلطات الفنلندية، إن كابل كهرباء يسمى "إستلينك 2" الذي يبلغ طوله 170 كيلومتراً تحت البحر يربط فنلندا وإستونيا تعرض للتلف.
  • وجاء في بيان مشترك للمفوضية الأوروبية ومسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي كايا كالاس: "إننا ندين بشدة أي تدمير متعمد للبنية الأساسية الحيوية في أوروبا. إن السفينة المشتبه بها جزء من أسطول الظل الروسي، الذي يهدد الأمن والبيئة، في حين يمول ميزانية الحرب الروسية. وسوف نقترح تدابير أخرى، بما في ذلك العقوبات، لاستهداف هذا الأسطول".
  • في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024 استولت فنلندا على ناقلة النفط "إيجل إس"، المرتبطة بروسيا والتي تعمل على خرق العقوبات المفروضة على طهران، فيما تقول مجلة "الإيكونومست" إن هذا الحدث يشكل نقطة تحول في رد أوروبا على حملة الحرب الهجينة تحت الماء التي يشنها الكرملين.

كيف رد الناتو على هذه الحرب؟

  • في 25 ديسمبر/كانون الأول 2024 استولت فنلندا على ناقلة النفط "إيجل إس"، المرتبطة بروسيا والتي تعمل على خرق العقوبات المفروضة على طهران، فيما تقول مجلة "الإيكونومست" إن هذا الحدث يشكل نقطة تحول في رد أوروبا على حملة الحرب الهجينة تحت الماء التي يشنها الكرملين.
ناقلة النفط الروسية إيغل إس التي استولت عليها فنلندا في ديسمبر 2024 بحجة تخريب كابلات- رويترز
  • في الثلاثين من ديسمبر/كانون الأول 2024، عقد حلف شمال الأطلسي "الناتو" اجتماعاً عُقِد على عجل في مقره في بروكسل لمناقشة سبل مواجهة التهديد في منطقة البلطيق. وفي بيان أصدره، قال التحالف إنه سيعزز وجوده العسكري "للحفاظ على اليقظة، وزيادة الوعي بالموقف، وردع الحوادث المستقبلية". كما يجري النظر في تدابير أخرى. وفي مايو/أيار، أنشأ حلف شمال الأطلسي مركزاً بحرياً جديداً لأمن البنية الأساسية الحيوية تحت الماء.
  • وقد رحب حلفاء آخرون في منطقة البلطيق، والأمين العام الجديد لحلف شمال الأطلسي مارك روتي، بالرد الصارم من جانب فنلندا وإستونيا ، الذين يشعرون بالإحباط لعدم بذل جهود كافية حتى الآن لردع التخريب الروسي. وفي 29 من ديسمبر/كانون الأول 2024، قالت رئيسة وزراء لاتفيا، إيفيكا سيلينا، لهيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي) "يتعين علينا أن نمنعهم [ناقلات أسطول الظل الروسي] من المرور عبر بحر البلطيق… إن حكومتنا لديها السلطة للاستيلاء على تلك السفن التي لا تمتثل للقانون الدولي وتفرض تهديدات على بنيتنا التحتية الحيوية". 
  • في ربيع عام 2024، وقعت المملكة المتحدة وهولندا وبلجيكا وألمانيا والنرويج والدنمارك اتفاقية لحماية البنية التحتية الحيوية تحت الماء في بحر الشمال من التخريب الروسي المحتمل. وجاءت هذه الخطوة وسط اعتراف بأن بحر الشمال يعمل الآن كمركز حيوي يربط الدول الأوروبية من خلال كابلات الطاقة وخطوط أنابيب الغاز وروابط الاتصالات.
  • في مقابلة مع مجلة "الإيكونومست" في 16 من ديسمبر/كانون الأول 2024، وصف رئيس وزراء إستونيا، كريستان ميخال، الهجمات الهجينة الروسية بأنها "التهديد الأمني ​​الأول والأعظم في هذه المنطقة". وقال إن التحدي هو "القبض على أولئك الذين ينفذون الهجمات ثم استدعاء روسيا".
  • يقول خبراء غربيون، إنه لم يكن لدى حلف شمال الأطلسي استراتيجية حقيقية لها أي تأثير رادع على أسطول الظل الروسي. حيث أن نحو 70% من النفط الروسي يتم شحنه عبر بحر البلطيق والبحر الأسود، ويمر ما يصل إلى 12 ناقلة تابعة للأسطول المظلم عبر القناة الإنجليزية كل يوم. تتعقبها قوات حلف شمال الأطلسي ولكنها لا تفعل شيئاً لعرقلتها. كما اتُهمت السفينة "إيجل إس" الروسية بإسقاط "أجهزة استشعار" أثناء عبور القناة.
  • تعتبر روسيا مثل هذه الأنشطة التي تقع في "المنطقة الرمادية" منخفضة المخاطر نسبياً، نظراً لصعوبة تحديد المسؤول عنها. وقد وصف البعض منطقة البلطيق بأنها "بحيرة حلف شمال الأطلسي" بعد انضمام السويد وفنلندا مؤخراً إلى التحالف، ولكن روسيا تنظر إلى الأمر من منظور مختلف.
  • في النهاية، وفي ظل غياب أي نهاية في الأفق للحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن التهديد الذي تواجهه الكابلات البحرية وكابلات الطاقة وغيرها من المصالح الحيوية الغربية، سيظل قائماً في المستقبل. حيث تأتي الهجمات الروسية المحتملة على البنية التحتية الحيوية للاتحاد الأوروبي في سياق الرد الروسي على الدعم العسكري الغربي المقدم لأوكرانيا، وتفضل موسكو استخدام خيارات متنوعة بدلاً أو "حرباً هجينة" من العمل العسكري المباشر بما في ذلك إتلاف الكابلات البحرية التي قد تسبب الفوضى وتفرض تكاليف كبيرة على خصومها.
تحميل المزيد